الثلاثاء، 11 مارس 2014

قراءة في تاريخ الأمم

قراءة في تاريخ الأمم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكم نحن في حاجة ماسة للقراءة في تاريخ الأمم السابقة خاصة عندما يشتد الكرب والمحن؛ لنتعرف على سنن الله الكونية، وخير الكتب التي نقرؤها في هذا الموضوع “القرآن الكريم”، ولقد حوى “القرآن” الكلام عن الأمم السابقة، وهذا القصص لم يذكر في القرآن على سبيل التسرية أو التسلية، بل للعبرة والعظة، والثبات على الطريق (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود:120)، وقال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف:111).
فلنقرأ سويًا في تاريخ الأمم السابقة مِن خلال هذا العرض الذي اشتملت عليه سورة هود -عليه السلام-، فأول أمة ذكرت في هذه السورة وذلك بترتيب التواجد قوم نوح -عليه السلام-.
1- قصة نوح -عليه السلام- مع قومه:
فهذا نوح -عليه السلام- أول رسول أرسله الله -تعالى- إلى أهل الأرض لما ظهر الشرك بالله -تعالى-؛ فنادى نوح في قومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59).
فانقسم الناس تجاه هذه الدعوة إلى فريقين:
- فريق آمن بنوح -عليه السلام- وبرسالته.
- وفريق اعترض على دعوة نوح -عليه السلام- وتصدى لها وحاربها لوأدها.
الفريق الأول: مِن المستضعفين.
الفريق الثاني: الملأ الذي في يده القوة والبطش والمال والسلطة.
هذا الملأ “الأشراف والسادة والكبراء” سخروا مِن نوح -عليه السلام- وممن آمن معه، فقالوا لنوح -عليه السلام-: (مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) (هود:27).
موقف الداعي مِن هذا الهجوم الشرس الذي قاده السادة والكبراء:
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ . وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ . وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (هود:28-31).
فانظر.. إلى قوة الداعي لدين الله -تعالى-، وحسن منطقه، وحسن ترتيب كلامه ودفاعه عن قضيته بلا عصبية أو تهور، بل انظر إلى سعة صدره وعدم مقابلة سفاهة هؤلاء الكبراء إلا بالحلم وسعة الصدر فهو صاحب قضية لابد له مِن التحمل في سبيلها، ولابد مِن تفنيد الأمور وحسن ترتيبها، ولابد له مِن حسن بيان ومنطق.
كيف قابل السادة والكبراء ما عرضه نوح -عليه السلام-: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (هود:32).
فانظر إلى جهلهم وشدة غبائهم.. وكيف يزيفون الحقائق؟! فمن المجادل: الذي جاء بالحق وعرضه بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أم هذا الذي يُعارِض الحق الساطع المنير المبين برأيه وهواه؟!
- مزيد مِن الحلم وسعة الصدر ووضع الأمور في نصابها: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ . وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (هود:33-34).
فالأمور بيد الله وحده هو المتصرف -سبحانه- في كل شئون الكون بلا منازع أو ممانع، وأن الهداية والإضلال بيده وحده دون سواه، فمرجعهم جميعًا إلى ربهم فعنده يوم القيامة تجتمع الخصوم ليفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.
- فنوح -عليه السلام- لم يقصِّر في دعوته لإنقاذهم من الدمار والهلاك، ولذلك لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو ماضٍ في دعوته؛ لم يثنيه سفاهة هؤلاء القوم في رفضهم لدعوته، بل ومحاربتهم لها، ولم يقعده عدم استجابتهم في مضيه في الدعوة ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، يغشاهم في أماكنهم ونواديهم يدعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) (نوح:5-9).
بعد هذه المدة الزمنية التي قضاها نوح -عليه السلام- في دعوة قومه بلا ملل ولا سآمة وبلا إحباط أو هزيمة نفسية أو انهزامية يأتيه البيان من ربه: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود:36-37).
السرعة والاستجابة في التنفيذ بلا مناقشة وبلا إبداء رأي: فأمْر الله -عز وجل- غير قابل للمناقشة أو الاعتراض عليه أو إبداء الرأي: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (هود:38).
ترى لماذا كان الملأ “السادة والكبراء” يسخرون؟ وما هي الدوافع التي دفعتهم للسخرية من نوح -عليه السلام-؟
لا شك أن العقول غير قابلة لأن يصنع إنسان سفينة في صحراء، فماذا سيفعل بها في هذه الصحراء التي لا نبات فيها ولا ماء ولا حياة، وهو مكان ليس بقريب من ماء؛ فكانوا يستغربون من ذلك، بل وكانوا يسخرون مِن نوح -عليه السلام-.
ولكن.. ثقة الداعية بالله الدافع الأساسي لسرعة الاستجابة والامتثال؛ لعلمه ويقينه أن عواقب الأمور بيد الله وحده، وأن حدود العبد هو التنفيذ الفوري لأوامر ربه مع يقينه أن الله لن يضيعه، بل صيانة العبد وحفظه في الامتثال لأوامر ربه وسرعة الاستجابة والتنفيذ، وأنه لا يفت في عضده استهزاء المستهزئين وسخرية الساخرين (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين:29-33).
هل يستديم ذلك؟ (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:34-36).
فماذا كان رد نوح -عليه السلام- على سخرية هؤلاء القوم؟ (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ . فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (هود:38-39).
فكانت اللحظة الحاسمة التي فصل الله فيها بين المؤمنين والفجار الكافرين: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ . وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ . قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود:40-43).
فلمن كانت العاقبة ولمن كانت النهاية؟ (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود:44).
فالعاقبة للمؤمنين الطائعين على صبرهم على طاعة ربهم وعلى مشقة الطريق، الذين صبروا على سفاهة السفهاء الجاهلين (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49).
2- عاد قوم هود -عليه السلام-:
- (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأعراف:69).
- عاد لها حضارة مدنية متقدمة: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) (الفجر:6-8).
- هود -عليه السلام- يذكِّر قومه بنعم الله عليهم وبما هم عليه مِن الرفاهية: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ . أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الشعراء:128-134)، (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52).
- سفاهة عاد قوم هود وردهم لدعوة الحق: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ . إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (هود:53-54).
فهم يتهمون هودًا -عليه السلام- بالجنون وأن آلهتهم التي يعبدونها مِن دون الله هي التي أصابته بذلك؛ لأنه دعاهم إلى أن يعبدوا إلهًا واحدًا.
- ثقة الداعية بربه وبوعده وأن مقاليد الأمور بيده وحده، وهو المتصرف في الكون بما يشاء كيفما يشاء فكان التحديث من هود -عليه السلام- لهذا الملأ من قومه توكلاً على الله وثقة به -سبحانه-: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود:54-56).
اللحظات الحاسمة.. فلمن تكون العاقبة؟
هل تكون العاقبة للقوة الغاشمة التي اغترت بما معها مِن معطيات الحياة، واغترت بقوتها خاصة وأن مقاليد البلاد بيدها وهي المتصرفة في ذلك؟
أم تكون للمؤمنين الطائعين لله وإن كانوا ضعفاء؟ (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ . وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) (هود:58-60).
3- ثمود قوم صالح -عليه السلام-:
- وهم قوم جاءوا بعد عاد قوم هود -عليه السلام-: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) (الأعراف:74).
- رفاهية ثمود: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ . وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ) (الشعراء:146-149).
- سفاهة ثمود في ردهم على نبي الله صالح -عليه السلام- لما دعاهم إلى توحيد الله وإلى أن يكون الدين لله خالصًا: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (هود:62).
- حلم صالح -عليه السلام- وسعة صدره، ومواصلة دعوة قومه ليدلهم على الحق فيتبعوه، ويتركوا ما هم عليه من باطل: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) (هود:63).
- آية الله إلى ثمود عسى أن يؤمنوا بالله الواحد القهار: (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) (هود:64).
البغي والطغيان والاستكبار عن قبول الحق:
فكانت اللحظات الحاسمة التي فصل الله فيها بيْن الملأ “الأشراف والسادة والكبراء” ومَن معهم مِن عامة الشعب الذين يتبعون السادة والكبراء، وبين المؤمنين المستضعفين الذين أخلصوا لربهم: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ . فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ . وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ . كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ) (هود:65-68).
4- قوم لوط -عليه السلام-:
- هؤلاء القوم الذين اشتهروا بفاحشة لم يسبقهم أحد إليها؛ فقد كان الرجل يأتي الرجل ويزهد في المرأة، وكانوا يأتون ذلك المنكر في ناديهم بلا مواربة، وكانوا مولعين بهذا الأمر.
- الملائكة يأتون إلى لوط -عليه السلام- في صورة مرد وفي أحسن صورة: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (هود:77).
- قوم لوط -عليه السلام- لما سمعوا بوجود هؤلاء الضيفان: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) (هود:78).
- لوط -عليه السلام- ودفاعه عن أضيافه، ومحاولاته لرد قومه وما يريدون: (قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) (هود:78).
- الشهوة وسيطرتها على قومه: (قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) (هود:79).
- اللحظات الحاسمة والقضاء على هؤلاء بعقوبة لم تسبق لأحد: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (هود:81).
- فكان الهلاك والدمار على المجرمين والنجاة للوط -عليه السلام- ومَن آمن معه: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:82-83).
مدين قوم شعيب -عليه السلام-:
- وهؤلاء جاءوا بعد قوم لوط -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (هود:89).
- شعيب -عليه السلام- وتحذيره لقومه من التطفيف في الميزان: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ . وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ . بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (هود:84-86).
- سفاهة قومه وما ردوا به عليه مقابل نصيحته وخوفه عليهم مِن عذاب الله: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87).
فانظر.. كيف يتسفهون على شعيب -عليه السلام-؟!
ماذا فعل لهم لكي يتطاولوا عليه بهذا التطاول، وتلك السفاهة؟! ما دعاهم وما دلهم إلا على الخير وترك المنكرات!
- قلوب طبع الله عليها: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود:91).
- شعيب -عليه السلام- يصحح لهم المفاهيم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (هود:92).
- شعيب يهددهم ويخوفهم مِن عذاب ربهم على عنادهم وتعنتهم: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) (هود:93).
- اللحظات الحاسمة الفاصلة بين الحق والباطل: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ . كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) (هود:94-95).
- خاتمة سورة هود: (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ . وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ . وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:120-123).
الإرشادات والتوجيهات المستفادة مِن هذا القصص:
القراءة الواعية في سنن الله الكونية لتكوين البصيرة والرؤية الواضحة، وهي أن الباطل مهما علا وظهر فإنه إلى زوال واضمحلال وأنه لا ثبات إلا للحق.
فلو ظهر أهل الباطل على أهل الحق كنتيجة لضعف أهل الحق وتراجعهم وخذلهم للحق، وكان هذا الظهور لأهل الباطل في مرحلة مِن المراحل أو في فترة مِن الفترات، فهذا لا يدوم ولا يستمر فسرعان ما يتلاشى ويذهب أدراج الرياح متى عاد أهل الحق للاستقامة على أمر ربهم.
التوصية المستفادة:
- الاستقامة على أمر الله -تعالى- وعدم الانحراف أو الإعوجاج عن صراط الله المستقيم: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:112-113).
- الأدوات المُعِينة على الثبات على الأمر وتحمل المشاق: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ . وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود:114-115).
- اليقين بموعود الله -تعالى- فمقاليد الأمور بيده وحده: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:123).
ختامًا: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128).


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/7395.html#ixzz2veJljs6L

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق