السبت، 21 يونيو 2014

الحرب الأيديولوجية آخر مقال للعلامة صالح الحصين رحمه الله

آخر مقال للشيخ صالح الحصين قبل وفاته: 

الحرب الأيديولوجية

2014-6-20 | معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصينآخر مقال للشيخ صالح الحصين قبل وفاته: الحرب الأيديولوجية
بقلم: د. صالح بن عبدالرحمن الحصين (رحمه الله) / الرئيس العام السابق لشؤون الحرمين


 
(كتب المؤلف -رحمه الله- هذه المقالة في محرم 1434، وتأخر نشرها لأنه كان حريصا على التحقق من دقة كافة الاقتباسات-بالرجوع لمصادرها الأساسية- قبل النشر، وهو مالم يسعفه الوقت ولا الوضع الصحي من تحقيقه في مواضع محدودة جدا من هذه المقالة، وحيث إن الاقتباسات غير المحققة من مصادرها الأساسية محدودة جدا، وهي لا تؤثر على مصداقية المقال، فقد رؤي نشر المقال بعد وفاته –رحمه الله- كما تركه دون تغيير أو تبديل أو حذف أو اضافه، خاصة وأن الاقتباسات المقتصرة على المصدر الثانوي قد وردت ضمن ملخصات أبحاث مؤتمر علمي).
 
بدأ إعلان هذه الحرب (الحرب الأيديولوجية) التي سميت فيما بعد "الحرب على الإرهاب"، وظهرت في صورتها الباردة والساخنة بتصريحات واضحة لا تحتمل التأويل من قبل عدد من السياسيين والعسكريين ورجال الفكر الغربيين وبعض اللجان الرسمية هناك، وذلك منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن.
 
فور انهيار الشيوعية اشتهر تصريح سكرتير حلف شمال الأطلسي "ولي كلاس" Willy Claes بحلول الإسلام محل الشيوعية عدواً للغرب (شرقيه وغربيه)، وبدأت تسمية الإسلام "العدو الأخضر" بعد أن غاب عن الوجود العدو الأحمر (الشيوعية).
 
وجاء في مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الاستراتيجية:
 
"في الحقيقة تبديل العدو بعدو آخر فكرة تبلورت في أشهر معدودة، إن الزحف العراقي على الكويت عجل في هذا الأمر ولكن ذلك ليس هو السبب الأصل، فمع سقوط الدول الشيوعية بدأ حلف الناتو في البحث عن استراتيجية جديدة المسار (الاتجاه) .... كان هنري كيسنجر خلال هذه الأزمة هو المتسلط الشرس، فأعلن في الربيع في مؤتمر غرف التجارة الدولية: "أن الإسلام العربي هو العدو الجديد أو العدو القادم"... البعض خفف اللهجة، لكن التوافق على ذلك حاصل".  
 
ونقل الدكتور محمد السماك، أنه: ((في منتدى الشؤون الأمنية الدولية في ميونخ عام 1991م، رفع ديك تشيني وزير الحرب الأمريكي في عهد بوش الأب شعار "الإسلام العدو البديل". وأنه في عام 1993 دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي آن ذاك نيون جينجرتيش المجلس إلى وضع إستراتيجية كاملة لمحاربة "التوليتارية الإسلامية")) أهـ.
 
الجنرال جون كاليفان John Galvin الذي شغل منصب القائد الأعلى لقوات حلف الأطلسي NATO's Supreme Allied Commander منذ يناير 1987 حتى يونيو 1992، جاء في بعض تصريحات له عن الآفاق المستقبلية للحلف: "لقد ربحنا الحرب الباردة، وههنا نحن نعود إلى الصراع القديم إنه صراع المجابهة الكبيرة مع الإسلام" كما ذكر د. محمد السماك.
 
وأخيرا، فقد سمع العالم تصريح الرئيس الأمريكي السابق، بوش الصغير، وهو يصف حروبه ضد الإسلام بأنها "الحرب الأيديولوجية للقرن الحادي والعشرين".
 
النصوص أعلاه لا تعدو أن تكون نتفا من تصريحات متعددة تؤكد حقيقة "الحرب الأيديولوجية"، ومن البداية تم الربط بين الإسلام والإرهاب، تم ذلك على أصعدة مختلفة مدعومة بزخم إعلامي هائل، فلم ينتصف العقد الأخير من القرن الماضي حتى كانت أوروبا كلها تشاهد الفيلم الوثائقي عن الإرهاب "في سبيل الله" For the Sake of Allah وكانت أمريكا كلها تشاهد الفيلم الوثائقي "الجهاد في أمريكا" Jihad in America
ومما يعضد ما ذكر، الاقتباسات الصريحة الآتية:
 
"أكدت لجنة الحادي عشر من سبتمبر أن مصطلح الحرب على الإرهاب مصطلح مضلل، وأوصت بإعادة تسميته ليحوى: تأكيدا أيديولوجيا أكبر ضد الاسلام"
"The September 11 Commission stressed that the term war on terrorism was misleading and recommended that it should be renamed to place greater ideological emphasis against Islam"
 
وأما الجنرال ويسلي كلارك، فقد قال: إن حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب كانت "حربا على الإسلام".
 
General Wesley Clark, said that the US war against terrorism "was a war over Islam"
 
يفسر الدافع لهذه الحرب الأيديولوجية، ديفيد ستارتمان David Stratman، حيث يرى أن قادة الغرب يعتقدون أن الإسلام هو المانع الحقيقي لهم في السيطرة على أرض الإسلام، إذ يقول: "الإسلام السياسي يناسب تماما احتياج قادة أمريكا لعدو Political Islam perfectly suits the needs of America's rulers for an enemy، وإن البقاع التي يملكها المسلمون، في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى، هي المناطق الأكثر استراتيجية في العالم... إن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها قط تبريرغزو هذه المناطق قبل إقناع الشعب الأمريكي إبتداءً، بأن المسلمين في حاجة لمثل هذا الغزو إما لأنهم متطرفون خطرون، أو لغرض جلب الحرية لهم the US could never justify attacking these nations without first convincing Americans that Muslims need either to be attacked because they are dangerous terrorists- or liberated"..
 
ثم يقول: "تصوير الإسلام على أنه العدو يخدم دور إسرائيل كجبهة متقدمة للإستعمار الغربي في الشرق الأوسط، وبناء على هذا السيناريو فالمسيحيون واليهود الذين يجمعهم تراث يهودي-مسيحي Judeo-Christian مشترك يهدف  لتنحية المسلمين، مدعوون لدعم الدولة اليهودية التي تقوم على التطهير العرقي الوحشي savage ethnic cleansing ضد المسلمين المتطرفين".
 
أما الدكتور مراد هوفمان، فيفسر هذا الدافع بأنه "الموروث الثقافي" في الغرب، والذي ظل حيا في ثقافة الغرب حتى بعد أن خف ميزان الدين وسيطرت العلمانية، مما يعني تجذره في عمق الثقافة الغربية وأنه ليس مجرد أمر طارئ، أو رد فعل لحدث، يقول الدكتور هوفمان:
 
"لن يكون من العدل اتهام الثقافة الإمبريالية الأورأمريكية... بعدم التسامح بشكل كلي تجاه الأديان ومظاهر التدين، بل على العكس فقد يُظهر أكثر الناس استنارة اهتماما اجتماعيا ببعض الأديان، كالبوذية والثيوسوفية Theosophy، وفي الواقع يستطيع المرء في أوروبا أو الولايات المتحدة أن يتبع المرشد الروحي الهندي الذي ينتمي له، أو يمارس سحر الهنود الحمر الشاماني دون خطر أن يفقد عمله أو حياته، طالما الأمر ليس مما يتعارض مع العمل أو المؤسسة السياسية... إلا إذا كان هذا الدين هو "الإسلام"، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي لا يشمله التغاضي اللطيف أو التسامح".
 
ثم يؤكد ثبات هذا الموقف بقوله: "أصبحت إدانة الإسلام جزءاً لا يتجزأ من العقلية الأوروبية"، يضيف تأكيدا لهذه الحقيقة: "سيكون وهماً خطيراً أن نعتقد أن الروح الصليبية قد تلاشت"..." اليوم، قد لا يكون البابا هو من يدعو للحملة ضد الإسلام، ولكن (الدعوة ضد الإسلام حقيقة) تكون من مجلس الأمن بالأمم المتحدة حين يدعو إلى التدخل لفرض حظر سلاح على دولة مسلمة هي (في واقعها) ضحية للعدوان...
 
وإذا سبرت غور النفس الأوروبية (العامة) ولو بإحداث خدش صغير لسطحها، لوجدت تحت الطبقة الرقيقة البراقة عداء للإسلام يمكن استدعاؤه وتوظيفه في أي وقت، وهذا بالضبط ما يحدث في أوروبا في العشرين سنة الماضية".
هذا من الجانب النظري، ومن شواهد الواقع التطبيقي يمكن أن نورد الآتي، على سبيل التمثيل:
 
كان العداء للإسلام المحور الرئيس فيما أدخل من تعديلات على المهام الأمنية لحلف شمال الأطلسي منذ قمة بروكسل عام 1993 وجرى تثبيته في قمة واشنطن عام 1999 ورافق ذلك تعديل كامل لصياغة المهام الأمنية على مستوى الجيوش الوطنية في الدول الأعضاء.
 
أما بخصوص أمريكا، فيوجد دافع مستمد من الإيمان بنصوص دينية، يُصوره الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر  بقوله، بعد أن أشار إلى معتقدات الفكر الديني المتطرف، والمتنامي، في أمريكا: "وانتقل تأثير معتقدات هذه الطائفة الى سياسات الإدارة الامريكية بصورة تدعو للقلق"، وذكر بأن: " تحقيق هذه المعتقدات يعتبرمسئولية شخصية -لدى المؤمنين بها- لا بد لهم من الوفاء بها"، وأضاف بأن: "من أبرز أجندة المؤمنين بهذه المعتقدات الدعوة للحرب في الشرق الأوسط ضد الإسلام، والدعوة ليأخذ اليهود جميع الأرض المقدسة ويطردوا غيرهم".
 
 
ويصوره Jonathan Clarke & Stefan Halper في تلخيصهما للخطوط الرئيسية لتفكير المحافظين الجدد، في ثلاثة أمور:
 
 
الاعتقاد المبني على أساس ديني؛ أن المقياس الصحيح للخُلق السياسي هو مدى الرغبة والعزم في مكافحة الخير (الذي يمثلونه) للشر.
 
التأكيد على أن ما يجب أن تُعتمد عليه العلاقات بين الدول هو القوة العسكرية والعزيمة على استعمالها.
 
التركيز في البداية على الشرق الأوسط والإسلام العالمي كتهديد لمصالح أمريكا في الخارج.
 
يتردد دائما وبصورة ملحة ملفته للنظر على ألسنة السياسيين والاستراتيجيين والمحللين الأمريكان والأوربيين: "ربحنا الحرب الباردة ضد الشيوعية، فعلينا أن نستعمل الإستراتيجية نفسها والتكتيكات نفسها في الحرب ضد الإسلام". 
 
من نماذج "التكتيكات" التي استخدمها الغرب ضد الشيوعية في الحرب الباردة نشاط منظمة "جلاديو"GLADIO التي أنشأتها المخابرات الأمريكية والإنجليزية، حيث كانت تقوم بتفجيرات في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وتنسبها لليساريين بقصد سحب تعاطف الناس مع الأحزاب اليسارية، حتى لا تصل إلى الحكم، ومن أفظع هذه النشاطات تفجير غرفة انتظار الدرجة الثانية في محطة قطار روما في عام 1980، حيث قتل 85 شخصا وجرح كثيرون ونسب التفجير في ذلك الوقت إلى المنظمة اليسارية "الألوية الحمراء" وكانت النتيجة عدم وصول الحزب اليساري للحكم، ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة صدر تقرير برلمان روما يكشف أن العملية تمت بيد المخابرات الأمريكية بالتعاون مع عناصر من المخابرات الإيطالية.
 
ومثل ذلك تماماً استخدم الغرب الوسائل نفسها في حربه الباردة ضد الإسلام على سبيل المثال:
 
أحصى تقرير الـ "يوروبول" Europol annual report  الصادر عام 2007 -بعنوانEU Terrorism Situation and Trend Report- أحصى الهجومات الإرهابية ضد دول الإتحاد الأوربي في عام 2006 فبلغت (498)، منها واحدة فقط نسبت للمسلمين، حين أتهم شابان لبنانيان بمحاولة تفجير قطارات في ألمانيا، و424 نسبت للانفصاليين و55 لليساريين والباقي لليمينيين، وقد حوكم الشابان وحكم عليهما بالسجن، ولكن لفت النظر أن أحدهما لم ينفذ في حقه الحكم، وتبين فيما بعد أنه عميل للمخابرات الألمانية وأنه هو الذي ورط الشاب الآخر، مما أوجب إعادة المحاكمة.
 
مثل ذلك، عمل المخابرات الأمريكية حين أغرت الشاب الصومالي محمد عثمان محمد (19 عاما) عام 2008م بمحاولة التفجير في مكان عام فوفرت له السكن وأعطته المال والمتفجرات، لكي تُظهر أن شاباً مسلماً حاول القيام بعملية إرهابية. 
 
ومثل عمل المخابرات الأمريكية في عام 2011 حيث هيأت الظروف لشاب باكستاني (رضوان فردوس) Rezwan Ferdaus وأعطته التمويل المالي وهيأت له متفجرات وطائرة (هواة) ذات تحكم عن بعد وتسهيلات زائفة، بقصد إظهار أن مسلماً حاول القيام بعملية إرهابية. 
 
في قصص متعددة بعضها افتضح، وبعضها بقي في طي الكتمان - وكما في كل العمليات الإرهابية التي تقوم بها الحكومات وتسميها الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica بـ “Establishment Terrorism” فإن الغرب في حربه الباردة ضد الشيوعية، أو بعد ذلك ضد الإسلام، كان لا يأبه أن يكون من بين ضحاياه في عملياته الإرهابية أبرياء لم يكونوا أهدافاً بالذات، بل كان لا يأبه أن يكون مثل هؤلاء الضحايا من مواطنيه.
 
نموذج لهذه العمليات الإرهابية الحكومية التي انكشفت في آخر عام 2001 إرسال ظروف إلى رجال الكونجرس وكبار الصحفيين بداخلها بكتوريوم وباء الجمرة الخبيثة Anthrax ورسائل تحمل هذه الكلمات: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الله أكبر"، ولم يعرف السياسيون وخاصة رجال الإدارة والمحللون الصحفيون والكتاب الكلل وهم يحذرون الشعب الأمريكي من "الإرهابيين المسلمين"، وأنهم حازوا السلاح البيولوجي وبدأو استخدامه.
 
ودخل الرعب كل بيت في أمريكا وشحت التطعيمات ضد الوباء، لمدة أكثر من شهر، حتى كشفت الدكتورة "باربرا روزمبرج" Dr. Barbara Hatch Rosenberg خبيرة السلاح البيولوجي أن البكتوريوم داخل الظروف مصدره معامل الجيش الأمريكي، فخمدت الضجة، وبالطبع لم تكن "روزمبرج" هي أول من اكتشف هذا، كانت الإدارة الأمريكية بلا شك على معرفة بذلك من أول يوم.
 
ومن بين ثلاثمائة مليون مواطن أمريكي، لم يسأل واحد منهم لماذا خدعتنا حكومتنا الديمقراطية، وسمحت بالرعب وتداعياته أن تدخل كل بيت، وبتزييف حقيقة الواقعة وهي تعرفها من أول يوم، إن لم تكن المتورطة فيها. 
 
ولم توجه التهمة رسمياً إلى العَالِم في معامل الجيش الأمريكي " بروس، أي، أيفر" Bruce Edwards Ivins إلا في أغسطس عام 2008 ، وبعد أن مات المتهم بأسبوع، وبالطبع الميت لا يستطيع أن يفشى سراً، ولا يكذب الخبر الزائف عنه. 
 
في الحرب مع الشيوعية منع توازن القوى والفزع من نشوب حرب نووية أن تتحول الحرب الباردة إلى ساخنة، وإن كادت في مناسبتين اثنتين، أما فيما يتعلق بحرب الغرب مع الإسلام فكان الأمر أيسر، وشنت في عام 2001 الحرب من قبل اتحاد من أربعين دولة ضد دولة مسلمة فقيرة وضعيفة ظلت تحت الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي فترة ليست قصيرة، شُنت هذه الحرب بمبرر حادث الحادي عشر من سبتمبر، وظهر بعد ذلك من وثائق البنتاجون أنها كان يخطط لها قبل ذلك بأكثر من سنتين. 
 
من الطبيعي أن يكون للمملكة العربية السعودية بحكم أنها "مركز الإسلام" الحظ الأوفى من هذه الحرب وأن تجرب المملكة مواجهة وسائلها وتكتيكاتها، بالإضافة إلى وسائل جديدة لم يفكر الغرب الحر في استخدامها ضد الاتحاد السوفييتي كما صرحت نصوص "تقرير اللجنة الأمريكية للتحقيق في حادث الحادي عشر من سبتمبر".
 
كانت الإدارة الأمريكية منذ عام 1995م قد وضعت المؤسسات الخيرية السعودية تحت المراقبة الدقيقة "التجسس" بغية الحصول على معلومات تتكئ عليها بالضغط على المملكة لتحجيم نشاطها الإغاثي والدعوي، وبالرغم من استمرار هذه الجهود حتى تاريخ صدور التقرير في عام 2004 م إلا أنها لم تحصل على أي معلومات تتكئ عليها في اتهام تلك المؤسسات بالصلة بالإرهاب ولكن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من جهود الضغط على المملكة لتحجيم نشاطها الإنساني.
لم يمض على حادث الحادي عشر من سبتمبر ثلاثون ساعة حتى كانت شاشات التلفزيون في أمريكا وفي العالم تمتلئ بالصور الكاملة لأمير بخاري وعدنان بخاري الطيارين السعوديين، وتشرب العالم الخبر بأن الإدارة الأمريكية تعرفت على هوية شخصين من الطيارين الخاطفين ولم يؤثر في رسوخ هذه الفكرة في شعور العالم أنه عُرف فيما بعد أن عدنان بخاري لا يزال حيا وأن أمير بخاري مات قبل الحادث بمدة، وكان النادر من الناس من عرف أن عدنان بخاري قبل أن يظهر صورته على شاشة التلفزيون كان قد غُيّب ولم يمكن لأحد الاتصال به ولم يتمكن من فضح الكذبة.
 
من أغرب الوسائل التي اُستعملت في الحرب الباردة ضد المملكة تطبيق حِكْمة الاستراتيجي الصيني القائلة: "أن أسهل طريقة لهزيمة عدوك، أن تجعله يستعمل سلاحه ضد نفسه وأن تورطه في أخطاء مدمرة لقوته". 
 
على سبيل المثال: بعد أن نجحت أمريكا في دفع المملكة بأن تحجم نشاطها الإنساني الإغاثي والدعوي خارج المملكة، أقنعتها في يناير 2004 في أن يشترك مسئول سعودي يتحدث باسم المملكة مع مسئول من أكبر أعضاء الإدارة الأمريكية في عقد مؤتمر صحفي يعلنان فيه على العالم بالصوت والصورة أن عددا من المكاتب السعودية الخيرية في الخارج تدعم الإرهاب، ويتقدمان متضامنين بالطلب من الأمم المتحدة لتصنيف تلك المكاتب داعمة للإرهاب، وطبيعي أن لا تتردد الأمم المتحدة في إجابة هذا الطلب، رغم أنه طلب ظالم. 
 
المتلقي العالمي للخبر لم يلق بالاً لأسماء تلك المكاتب ولم يفكر في التعرف على مواقعها، وإنما تركزت لديه فكرة ظلت راسخة عنده "أن المملكة العربية السعودية تحت غطاء العمل الإنساني كانت تعمل على دعم الإرهاب العالمي"، لاسيما من يعرف منهم ان  تلك النشاطات الخيرية السعودية كان يشرف عليها وزير في الحكومة وتدعم بالملايين من المسئولين الحكوميين وأعضاء الأسرة المالكة، كما لم يؤثر عليه صدور تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر، بعد عدة أشهر، والذي يتضمن نصوصا صريحة تكذب هذا الادعاء. 
 
*** 
وفي خطوة عملية جدية أبعد من ذلك، كان للمملكة نصيب من تفكير العدو في استخدام وسائل أكثر سخونة، فبعد الهزيمة السهلة والسريعة للجيش العراقي انفتحت شهية الولايات المتحدة لتكرار التجربة في أماكن أخرى وسرعان ما بدأت البحث عن حصان طروادة لاستخدامه في العمليات ضد المملكة كما حدث في حالتي: أفغانستان والعراق، فاتصلت بالمعارضة في إنجلترا ولما لم تجد لديها الاستجابة المطلوبة حاولت التجربة مع المعارضة في المنطقة الشرقية فوجدت ليونة من بعض السفهاء.
 
في هذا الصدد جهدت الحكومة الأمريكية في حشد الشهود من الإدارة الأمريكية وممن تسميهم "الخبراء" خلال أكثر من عام (2003- 2004) لتهيئة الرأي العام الأمريكي ولإقناع الكونجرس والأمة الأمريكية بالـمبرر الكـافي لاتخاذ إجراء ساخن ضد المملكة، لأنها "البيئة المفرخة للإرهاب العالمي"، الذي تحاربه أمريكا وأوروبا ودول أخرى . 
 
وحماية الله وحدها لـ "مركز الإسلام"، ومن بعد لم يكن لأحد من البشر دور في دفع هذا البلاء سوى صمود المقاومة العراقية التي أوقعت العدو في مستنقع صار طموحه أن يخرج منه، وكان ذلك سبباً لمراجعة العدو خططه، بشأن المملكة خاصة، ومن ثم تغيير إستراتيجيته.
 
ولما فوجئ العالم بما نشرته وكالات الأنباء عن تسريبات محادثات بوش وبلير حول الموضوع، دهش لأنه حتى ذلك الوقت كان يظن أن أمريكا "صديقة" للمملكة!!
 
بعد هذا كله، غريب أن يظل كثيرون من بيننا يرددون ببلاهة مصطلح "الحرب العالمية ضد الإرهاب" أو "الحرب ضد الإرهاب العالمي" وهو اصطلاح يعني الربط بين الإسلام والإرهاب.
 
إن هذه الحرب فاشلة لا محالة، رغم كثرة ضحاياها البريئة، وإن انتصار الإسلام قادم، ويرجع ذلك إلى أنه الحق، ويشهد لذلك أنه مع كل هذا التشويه العالمي للإسلام، والكيد الكبير في حربه، اقتصاديا وثقافيا وعسكريا، ظل الإسلام في واقع الحال يتقدم بنفسه فيكسب ليس الغوغاء والجهلاء برشوة "الغذاء والدواء"، إنما يكسب كبار المثقفين في الغرب من فلاسفة وعلماء وكتاب وقساوسة، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
 
ولعله من المناسب أن نستحضر هنا مقولة صموئيل هنتنجتون:
 
"لقد أنتصر الغرب على العالم، ولم يكن ذلك بفضل سمو أفكاره أوقيمه أو دينه، ولكن بتمكنه الهائل من تنفيذ العنف المنظم"..
 
"The West won the world not by the superiority of its ideas or values or religion but rather by its superiority in applying organized violence." - Samuel P. Huntington 
 
ولكن تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني، والمقاومة الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي سابقا وحاليا ضد أمريكا وحلف شمال الأطلسي رغم التفاوت الكبير في ميزان القوى، كاف ليثبت لمليار وستمائة مليون من المسلمين أن شعورهم بالذلة والمسكنة والهوان إنما جاء فقط من عند أنفسهم.
 
لم تذهب مرارة الأسى من حلوقنا ونحن نتذكر أن بعض الصحف السعودية واجهت بكل بلاهة انسحاب الحكومة الأفغانية من كابل عام 2001 بالشماتة والسخرية، مع أن التاريخ أثبت لنا -إذا ما قيست الأمور بالنتائج- أن ذلك الانسحاب كان من أنجح التكتيكات الحربية، إذا ما أعتبر أن هزيمة المحارب تحدد استرتيجيا بعجزه عن تحقيق أهدافه، أوإذا انتهى الأمر بجر العدو إلى بؤرة الرمال المتحركة.
 
الغرب عاجز عن مواجهة الإسلام بالقوة المادية أو المعنوية، وعليه فإن فشل المسلمين وذهاب ريحهم إنما هو فقط باستجابتهم لمكر العدو في التفريق والتنازع بينهم ودخول الوهن والخذلان في قلوبهم [وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ]، [وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ].
 
المشكلة الحقيقية تكمن في كيف تدخل في القلوب الحقيقة التي عَبَّرت عنها الآيات الكريمات: [...وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ]، [...وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق