الثلاثاء، 11 مارس 2014

نُصح الغُلاة : فقهٌ ومنهجٌ شرعي

نُصح الغُلاة : فقهٌ ومنهجٌ شرعي 

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه،و نستعينهُ ،ونستغفرُه،ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنا،ومنْ سيئاتِ أعمالِنَا،منْ يهدهِ اللهُ فَلا مُضِلَ لَهُ،ومنْ يُضللْ فلا هادِيَ لَهُ،وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لَهُ،وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله ، أَمَّا بعدُ :
فَإِنَّ الكَثيرينَ اليومَ مِنَ الشَّبابِ مِمَّنْ تَأثَّرَ بفكرِ الغُلاةِ مِنَ أصحابِ التَّنظيماتِ التَّكفيرِيةِ والتَّفجيرِيةِ، أوِ انضوى تحتَ لوائِها ، يعتقدُونَ اعتقاداً جازماً مُتجَذِّراً في سويداءِ قلوبهم ، ويُصرِّحُونَ بهِ على ألسنتهم أَنَّ بذلَ النَّصيحةَ لهم : نقداً لفكرهم، وبياناً لانحرافهم فيهِ جنايةٌ عظيمةٌ عليهم ؛ مِنْ حيثُ إِنَّهُ يستعدي السُّلطةَ الحاكمةَ عليهم في الدَّاخلِ ، ويُثيرُ العالمَ الأجنبيَّ المترَبِّصَ عليهم منَ الخارجِ؛ فإذا هؤلاءِ وأولئكَ يأخذونَ المستندَ الشَّرعيَّ في تضييقِ الخناقِ على تنظيماتهِ هذهِ ، وضربِ قواعدها مِنْ جُذورها وأساسِها.
إذَنْ فالنَّاصحونَ لهم حسبَما يعتقدونَ ؛  يقفونَ في خندقٍ واحدٍ مع طواغيتِ العالمِ والظَّلمةِ في الدَّاخلِ والخارجِ ؛ ولذا يجبُ الكَفُّ عنْ تسويدِ الصَّحائفِ في نقدهم؛ واجتنابُ التَّعرُّضِ لهم ولما يحملونَ من أفكارٍ غاليةٍ منحرفةٍ ؛ في محاولةٍ مستميتةٍ لتحطيمِ وجهِ النصيحةِ في الباذلينَ لها ، والسَّاعينَ لنشرها .
هكذا يعتقدُ هؤلاءِ الشَّبابُ-هداهم اللهُ- ، ومنْ أجلِ ذلكَ يقفونَ موقفَ العداءِ المستحكمِ أمامَ النُّصحاءِ الأمناءِ الذينَ يبغونَ الخير لهم ، وَيصُمُّونَ آذانهم عن سماعِ كلامهِم وإرشادهم-إلا مَنْ رحمَ اللهُ ، وتَكَشَّفتْ له حقائقُ الأمورِ .
والحقيقةُ الغائبةُ أوِ المغَيَّبةُ عنْ هؤلاء الشبابِ ليستْ كذلك ألبتةَ ؛ وإنَّما هي شيءٌ آخرُ فوق ما يعتقدونَ ، وفوق ما يَظُنُّونَ ، ولكلِّ عاقلٍ أن يتلمَّسها ، ويقفَ عليها منْ خلالِ الحقائقِ الآتية :
1-النَّصيحةٌ واجبٌ شرعيٌّ لَهُ شأنٌ عظيمٌ ، ينبغي أنْ يُبذلَ لكلِّ مُخطِئٍ أو منحرفٍ عن جادةِ الصَّوابِ دونَ اعتبارٍ لأَيِّ شيءٍ آخرَ ؛ كما دلَّتْ على ذلكَ النُّصوصُ المستفيضةُ منَ الكتابِ والسُّنَّةِ :
قال تعالى حاكياً عن رُسلهِ الكرامِ-صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم- :
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)الأعراف79 .
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ)الأعراف93.
وأخرجَ مسلمٌ في :”صحيحه” برقم 205 عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :  ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ ؟  قَالَ : (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ).
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمهُ اللهُ- :(وَإِذَا كَانَ النُّصْحُ وَاجِبًا فِي الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ : مِثْلَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَغْلَطُونَ أَوْ يَكْذِبُونَ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت مَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ – أَظُنُّهُ – وَالْأَوْزَاعِي عَنْ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ لَا يَحْفَظُ ؟ فَقَالُوا : بَيِّنْ أَمْرَهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا . فَقَالَ : إذَا سَكَتّ أَنْتَ وَسَكَتّ أَنَا فَمَتَى يُعْرَفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ . وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ ؟ فَقَالَ : إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ . فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ؛ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } ) .
ولا جرمَ أَنَّ هنالك منهجاً منحرفاً قد تَشكَّلَ من ألوانٍ من الأفكارِ و البدعِ المنكرةِ العظيمةِ المصادمةِ لمنهجِ أهلِ السنةِ والجماعةِ في بابِ النَّظرِ والاستنباطِ ،  وفي باب التكفيرِ  ، و في بابِ التعاملِ مع ولاةِ الأمر كانَ هو الباعثَ الحقيقيَّ وراء ما تقومُ به تلك التنظيماتُ المسلحةُ الغاليةُ من أعمالٍ إجراميةٍ هي عينُ الفسادِ والظلمِ والعدوانِ في الأرضِ من المنكراتِ العظامِ التي تغضبُ رَبَّ الأرضِ والسماءِ .
2
-النَّصيحةُ ضَربٌ مِنْ ضروبِ القيامِ بالقسطِ ، والشَّهادةِ للهِ بالحقِّ المأمورِ بهِ  ولو كانَ ذلكَ مع نفسكَ أو أقربِ النَّاسِ إليكَ دونَما محاباةٍ أو مداهنةٍ ؛ كما قال تعالى :  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمهُ اللهُ- في:”مجموع الفتاوى” : (28/233) :
“فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُمْ وَتَعْيِينَهُمْ ؛ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَلَقَّوْا تِلْكَ الْبِدْعَةَ عَنْ مُنَافِقٍ ؛ لَكِنْ قَالُوهَا ظَانِّينَ أَنَّهَا هُدًى وَأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَنَّهَا دِينٌ ؛ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهَا . وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ  يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ . فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ .
وَمَنْ عُلِمَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ السَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ وَالتَّأْثِيمِ لَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ ؛ بَلْ يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مُوَالَاتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ : مِنْ ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ كَمَا عُرِفَ نِفَاقُ جَمَاعَةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَذَوِيهِ وَكَمَا عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ نِفَاقَ سَائِرِ الرَّافِضَةِ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ : مِثْلَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ ؛ فَهَذَا يُذْكَرُ بِالنِّفَاقِ . وَإِنْ أَعْلَنَ بِالْبِدْعَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ مُؤْمِنًا مُخْطِئًا ذُكِرَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْفُوَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا قَاصِدًا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ . فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ كَانَ آثِمًا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وَ ” اللَّيُّ ” هُوَ الْكَذِبُ وَ ” الْإِعْرَاضُ ” كِتْمَانُ الْحَقِّ.
ثُمَّ الْقَائِلُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقِّ لَقَصَدَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْفَسَادَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَرِيَاءً . وَإِنْ تَكَلَّمَ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ كَانَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءِ الرُّسُلِ .
وَلَيْسَ هَذَا الْبَابُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ : { الْغِيبَةُ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ } ؛ فَإِنَّ الْأَخَ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْأَخُ الْمُؤْمِنُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إيمَانِهِ لَمْ يَكْرَهْ مَا قُلْته مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَوِيهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبَيْهِ وَمَتَى كَرِهَ هَذَا الْحَقَّ كَانَ نَاقِصًا فِي إيمَانِهِ يَنْقُصُ مِنْ أُخُوَّتِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ كَرَاهَتَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا إيمَانُهُ ؛ إذْ كَرَاهَتُهُ لِمَا ا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ) .
3-السُّكوتُ عنْ بذلِ النصيحةِ لهؤلاءِ الغلاةِ وعدمُ نهيهم عمَّا يُمارسونَهُ مِنْ أعمالٍ إجراميةٍ : مُوجبٌ لنزولِ العقوبةِ الإلهيةِ ؛ كما قال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) المائدة : 78-79 .
أَمَّا بذلُ النصيحةِ لهم ، وزجرهم عَمَّا يرتكبونهَ من أعمالٍ خطيرةٍ في حقِّ أنفسهم ، وفي حقِّ أمتهم فهو السبيلُ الحقيقيُّ لصلاحِ البلادِ والعبادِ ؛ كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمهُ اللهُ- :
 (صَلَاحُ الْعِبَادِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ فَإِنَّ صَلَاحَ الْمَعَاشِ وَالْعِبَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَبِهِ صَارَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) . وَقَالَ تَعَالَى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وَقَالَ تَعَالَى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ،  وَقَالَ تَعَالَى عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ : ( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ نْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) . وَقَالَ تَعَالَى : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ).
فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعَذَابَ لَمَّا نَزَلَ نَجَّى الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذَ الظَّالِمِينَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ .
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْ عِنْدِهِ } . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : { إنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَلَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ )) .
4-يُعَدُّ بذلُ النَّصيحةِ في ميزانِ الشريعةِ منْ أعظمِ ألوانِ النُّصرةِ على عكسِ ما يعتقدُ الغلاةِ حينَ تنتكسُ المعايير وتضطربُ المفاهيمُ في أذهانهم منْ أَنَّها منْ أشَدِّ أنواعِ الخيانةِ .
ألَمْ تَرَ إلى قولِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيما أخرجهُ البخاريُّ في (صحيحه) منْ حديثِ أنسٍ-رضي اللهُ عنه- برقم: 2444:( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ).
وفي روايةِ لمسلمٍ مِنْ حديثِ جَابِرٍ-رَضِيَ اللهُ عنهُ- : (وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ ) .
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ-رحمهُ اللهُ- في :”فتح الباري” : (7/350/رقم الحديثِ2264)  : (قَالَ اِبْن بَطَّال : النَّصْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْإِعَانَة ، وَتَفْسِيره لِنَصْرِ الظَّالِمِ بِمَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مِنْ وَجِيز الْبَلَاغَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّ الظَّالِمَ مَظْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ رَدْع الْمَرْءِ عَنْ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ حِسًّا وَمَعْنًى ، فَلَوْ رَأَى إِنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يَجُبَّ نَفْسَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ مَفْسَدَةَ طَلَبِهِ الزِّنَا مَثَلًا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ نَصَرًا لَهُ ، وَاتَّحَدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الظَّالِم وَالْمَظْلُوم) .
وهكذا الشأنُ مع منْ تُسَوِّلُ لَهُ نفسهُ أَنْ يقترفَ تلكَ الأعمالِ الإجراميةِ منْ تفجيرٍ وتخريبٍ باسمِ الجهادِ-زوراً وبهتاناً- ؛ إذْ نهيهُ عن ذلكَ ، والأخذُ على يدهِ بقوةٍ من شأنهِ أنْ يردَعَهُ-بإذنِ الله- عَنْ ظلمهِ وعدوانهِ في حَقِّ نفسهِ أولاً ؛ حينَ أرادَ أن يقذفَ بنفسهِ في أتونِ الجحيمِ ؛ فإذا هو أشلاءُ ممزَّقةٌ ودماءُ متناثرةٌ ، وهو رَادعٌ له ثانياً عَنْ تدميرِ مجتمعهِ وأُمَّتهِ إذْ كانَتْ عاقبةُ أمرهِ أَنْ يُحَوِّلَ أفرادَ مجتمعهِ إلى بِرَكٍ من الدِّماءِ-عياذاً بالله-.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/6708.html#ixzz2veu3iWaW




بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
يواصلُ الكاتبُ في جزئهِ الثاني منْ موضوعهِ : (لماذا النَّصيحةُ ؟) حَدِيثهُ عن الحقائقِ الشرعيةِ والمصالح العليا المترتبة على بذل النصيحةِ لأصحابِ التنظيمات المسلحةِ الغاليةِ الموغلةِ في التكفيرِ والتفجيرِ بغير دليلٍ ولا برهانٍ ؛ فإلى ذلك :
5-كتمانُ النَّصيحةِ عَنْ هؤلاءِ الغلاةِ ، والتَّقاعسُ عن بيانِ الحقيقةِ لهم ولغيرهم بأَنَّ أعمالهم هذهِ مصادمةٌ للإسلامِ في أحكامهِ وآدابهِ منْ شأنهِ أنْ يُكَرِّسَ منْ تشويهِ صورةِ الإسلامِ في مرآةِ العالمِ ؛ إذْ كانتْ أعمالهم الإجراميةُ هذهِ ذريعةً تَذَرَّعَ بها أعداءُ الدِّينِ والملَّةِ في الآونةِ الأخيرةِ للتَّطاولُ بجرأةٍ ووقاحةٍ على مقامِ الدِّينِ وجنابِ النُّبوةِ ، ووصمِ رسالةِ الإسلامِ وصاحبِ الرِّسالةِ (مُحَمَّدٍ)-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأبشعِ الصِّفاتِ وأسوءِ الأوصافِ .
وَ مِنْ هنا يجبُ التَّحذيرُ منْ هذهِ الأعمالِ الإجراميةِ ، بلِ التَّبَرؤُ منها على رؤوسِ الأشهادِ ؛ تصحيحاً لصورةِ الإسلامِ المشَوَّهةِ في الخارجِ ؛ وإبرازاً لصورتهِ المشرقةِ الوَضَّاءةِ ؛ حتى يعلمَ العالمُ كُلُّهُ سماحةَ الإسلامِ ، وأَنَّهُ دينُ الرَّحمةِ والسَّلامِ .
أَلَمْ تُسَجِّلْ لنا دَواوينُ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ بأَنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَدْ تَبَرَّأَ منْ صَنيعِ خَالدٍ-رضي اللهُ عنه- على تأَوُّلهِ واجتهادهِ- وَهُوَ هُوَ-رضيَ اللهُ عنه- مكانةً وجلالةً ، و لَمْ تَكُنْ هذه المكانةُ بمانعةٍ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنْ يُعْلِنَ هذهِ البراءةَ بصورةٍ واضحةٍ مُدَوِّيةٍ بلا تَلجلجٍ ولا مُواربةٍ-وحاشاهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ ذلكَ-  ؛ فكانتْ هذهِ-بحقٍّ- شهادةَ صدقٍ تجري مع جريانِ الدَّهرِ ما تعاقبَ اللَّيلُ والنَّهارُ بأنَّ الإسلامَ فوقَ الأشخاصِ والرِّجالِ ؛ وأَنَّ البشرَ مهما علتْ مكانتهم ، وسمتْ منازلُهم ؛ فإِنَّ الخطأَ فيهم ، وليسَ في الإسلامِ .
 فقد أخرجَ البخاريُّ-رحمهُ اللهُ- في (صحيحهِ) منْ حديثِ ابنِ عمرَ-رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ : (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ) .
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ-رحمهُ اللهُ- في :”فتح الباري” : (13/182/رقم الحديثِ2264)  : (وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحِكْمَة فِي تَبَرُّئِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْل خَالِد مَعَ كَوْنه لَمْ يُعَاقِبهُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَن لَهُ فِي ذَلِكَ خَشْيَة أَنْ يَعْتَقِد أَحَد أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ ، وَلِيَنْزَجِر غَيْر خَالِد بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مِثْل فِعْله) .
فهلْ حانَ الوقتُ الآنَ أَنْ يُعْلِنَ الدُّعاةُ براءتَهم الصَّريحةَ الواضحةَ مِنْ أعمالِ تنظيمِ القاعدةِ أو من كانَ على شاكلته في أقطارِ العالمِ؟ ؛ أَمْ أنهم يلوذونَ –كعَادتهم- بالصَّمتِ المطبقِ ؛ كصمتِ الأمواتِ ؛ لكيلا يُتَّهمَ أحدهم بالعمالةِ الخارجيةِ أوِ التَّزلفِ للسَّلاطينِ ؟!
6-كتمانُ النَّصيحةِ عَنْ هؤلاءِ الغلاةِ ، والتَّقاعسُ عن بيانِ الحقيقةِ لهم ولغيرهم يفتحُ البابَ على مصراعيهِ لانتشارِ باطلهم بينَ النَّاسِ ورواج فكرهم في تجمُّعاتهم؛ فإذا النَّاسُ-إلا منْ رحمَ الله- قد اعتنقوا هذا الفكرَ المنحرفَ ، وإذا بهم يُشهرونَ أسلحتهم في وجوهِ إخوانهم ؛فلا تسلْ-وقتئذٍ- عنْ حجمِ الفسادِ والدَّمارِ النَّاجمِ عنْ ذلكَ .
وها هو ذا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يكشفُ لنا النِّقابَ عنْ خطورةِ الغلوِ الفكريِّ الَّذي يحملهُ الواحدُ منْ أولئكَ الغلاةِ ، و كيفَ تكونُ بدايةُ تغلغلهِ فيه؟ومن أيِّ بابٍ يلجُ إليه الشيطانُ ؟
وما يتولَّدُ عن هذا الغلوِّ من المفاسدِ العظيمةِ والشُّرورِ الجسيمةِ : حيثُ إزهاقُ الأنفسُ المعصومةُ؛ وحيثُ خيانةُ الأُمَّةِ ؛ وحيثُ الرَّميُ بالكفرِ والشِّركِ إفكاً وافتراءً .
أخرجَ أبو يعلى في مسندهِ ؛ كما في :”المطالب العاليةِ” : (4/386/رقم 4356) لابنْ حجرٍ بإسنادٍ جوَّدَهُ الحافظُ ابن كثيرٍ-رحمهُ اللهُ- في “تفسيره” : (3/509) من حديثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ بَهْجَتَهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلاَمِ انْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، وَسَعى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الرَّامِي ، أَوِ الْمَرْمِيِّ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم : بَلِ الرَّامِي) .
يقولُ شيخُ الإسلامُ ابنُ تيميةَ-رحمهُ الله في “منهاج السنة” : (5/248)- في بيانِ منهجِ الخوارجِ ، و شَرِّهِ على الأُمَّةِ :
” إنَّهم لم يكنْ أحدٌ شَرًّا على المسلمينَ منهم لا اليهودُ ولا النَّصارى ؛ فإنَّهم كانوا مجتهدينَ في قتلِ كُلِّ مسلمٍ لم يوافِقْهم ؛ مستحلينَ لدِّماءِ المسلمينَ وأموالِهم وقتلِ أولادِهم ، مُكَفِّرينَ لهم ، وكانوا مُتديِّنينَ بذلكَ لعظمِ جَهلِهم وبدعتهم المضلِّةِ) .
7-رجاؤنا من هذه النصيحةِ أنْ نُبْرِأَ ذِمَّتنا أمامَ اللهِ عَزَّ وجلَّ ؛ وحَتَّى يَنْتَهِيَ هؤلاءِ الغلاةُ عن غَيِّهم وفسادِهم ، و أن يَتَّقُوا اللهَ في أنفسهم وفي أُمَّتِهم ؛ كما قال تعالى : (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)الأعراف164.
وإذا فَاءُوا إلى الحقِّ ؛ وعادوا إلى منهجِ أهلِ السُّنةِ في التغييرِ والإصلاحِ ؛ كانَ هذا كفيلاً بإذنِ اللهِ أنْ يعيشوا في ظَلِّ مجتمعاتهم في أمنٍ وأمانٍ بعيداً عنِ الفتنِ والثَّوراتِ ؛ المفضيةِ للهلاكِ والفسادِ .
رابط الحلقة الأولى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق