أبناءنا .. لا تذهبوا للعراق
د.حمد العثمان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لاشك أن المسلم الناصح هو الذي يحب لأخيه المسلم مايحب لنفسه، ولذلك تجد الصادق في نصيحته يتلمح عواقب ما يأمر به غيره خصوصا إذا كان الأمر فيه هلاك الإنسان وعطبه ويتعلق بأغلى ما يملك وهي روحه التي بين جنبيه.
وإنه لمن الغش والخيانة أن يسوق الإنسان أبناء المسلمين إلى مواقع القتال والعطب وهو أول القاعدين، وأعظم من ذلك أنه يخببهم على والديهم ويأمرهم بالسفر إلى مواقع القتال دون إذن الوالدين وييسر لهم أسباب السفر وهم على هذه الصفة من خيانة والديهم والغدر بهم وما هذا السفر على وجه الخلسة وتحري الغفلة من الوالدين إلا بسبب الريب من حقيقة مايقومون به من أعمال، وضعف الحجة التي يعجز هؤلاء المحرضون أن يواجهوا بها أولياء أمور الشباب المغرر بهم.
من أجل هذا لابد من توعية أبنائنا بمخاطر المجازفة بأرواحهم في المواقع القتالية ذات الرايات العمّية، ولابد من تحذيرهم كذلك من أولئك الذين يزينون لهم الذهاب إلى تلك المواقع، ولابد من بيان حقيقة الدور الكبير الذي ينتظر أبناءنا في تنمية بلادهم وحفظه وصيانته حتى لايزدري هؤلاء الشباب قيمة مايقومون به أو يظنون أن الذهاب إلى المواقع القتالية ذات الرايات العمّية هو أولى ما تبذل فيه المهج.
فمن باب النصيحة لإخواني الشباب لا أرى لهم الذهاب إلى العراق للأسباب التالية:
1- العراق لا ينقصه رجال: ينبغي على شبابنا أن يدرك أن من خرج من العراقيين من ديارهم بسبب ذهاب الأمن واشتباه الأمر بلغ أربعة ملايين، وأن مئات الآلاف من الشباب العرقي وكثير منهم من أهل الديانة رأى أن مايجري في العراق فوضى محضة الأسلم لهم معها أن يحفظوا دينهم وأرواحهم لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
وقد رأيت أعدادا كبيرة منهم بالأردن يدرسون ويطلبون العلم ويتاجرون ويحفظون أسرهم وذراريهم.
2- رايات عمّية: لابد أن يعرف أبناؤنا أن الجهاد ليس عملا فرديا وليس بفوضى فالجهاد الشرعي له شروطه كما أن الصلاة لها شروطها، فالجهاد فيه إزهاق النفوس، لذلك جعل الله له شروطا حتى لا تهدر دماء المسلمين تحت رايات عمية، يقودها أقوام لهم أغراض خبيثة يستغلون أبناءنا صغار السن وقليلي الخبرة، فمن شروط الجهاد وضوح الراية، لذلك قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ” من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية فقتل، فقتلة جاهلية” رواه مسلم.
وساحة القتال في العراق مكشوفة لاتوجد راية شرعية يركن المسلم أن يقاتل تحت رايتها، فهناك الرايات الإيرانية الطائفية وأذنابهم من العراقيين، وهناك الرايات البعثية، وهناك رايات تكفيرية التي كان يقودها الزرقاوي وأشباهه ومن نحا نحوهم من التكفيريين من جماعة القاعدة.
من يطلب السلامة لدينه لايقاتل تحت رايات مشبوهة منحرفة فالنفس ليست برخيصة، قال محمد بن عيسى بن أصبغ- رحمه الله- ” ولاينبغي لمسلم أن يهرق دمه إلا في حق” الإنجاد في أبواب الجهاد ص 154.
3- كبار العلماء يفتون بعدم الذهاب للعراق: من المعلوم خطورة أمر الجهاد لما ينبغي عليه من ذهاب الديار وتدمير الاقتصاد وإراقة الدماء وزعزعة الأمن وغيره من الأمور العظيمة، لذلك بيّن العلماء أن الفتوى في مسائل الجهاد موكلة إلى كبار العلماء كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – . وعلماؤنا الكبار وفقهم الله لايحضون ولايأمرون الشباب الذهاب إلى العراق. فقبل سنتين ذهبت مع أبنائي طلبة العلم إلى الحرمين في رحلة علمية وحضرنا درس تفسير القرآن للعلامة صالح الفوزان –حفظه الله-، وقد سأله أحد الحضور عن حكم الجهاد في العراق؟ فقال العلامة الفوزان-حفظه الله-: ” لا أعرف لهم راية”، وعشرات الأخوة والأبناء من طلبة العلم من أهل الكويت ممكن كانوا برفقتي سمعوا الجواب.
4- عقوق لولي الأمر: الجهاد ليس عملا فرديا، فالجهاد عمل تشترط له جماعة وإذن ولي الأمر كما قال تعالى:” إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنونه” (النور 62).
قال الحسن البصري-رحمه الله-: ( أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم، والفيء، والجهاد، والجمعة) مسائل الإمام أحمد رواية حرب الكرماني ص 392.
وقال ابن أبي زمينين-رحمه الله-:” الجهاد لايقوم به إلا بالولاة” أصول السنة ص 288. وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: ” الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده”. المغني (13/16).
فذهاب أبناؤنا إلى العراق بدون إذن ولي الأمر عقوق وإثم ومعصية.
5- عقوق الوالدين: الجهاد لابد له من إذن الوالدين، وعدم استئذانهما أو الذهاب إلى العراق مع كراهتهما من كبائر الذنوب، فإن رجلا جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد؟ فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. رواه البخاري ومسلم.
وشرط استئذان الوالدين هم مما أجمع عليه أهل العلم، قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: ” لا خلاف علمته أن الرجل لايجوز له الغزو، ووالداه كارهان أو أحدهما، لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق، وهو من الكبائر” الاستذكار (14/96).
6- قتال غير موافق لأمر الله: ذهاب الأبناء هكذا إلى العراق من غير إذن ولي الأمر ولا إذن الوالدين، مع اشتباه الرايات قتال غير موافق لأمر الله، وما كان غير موافق لأمر الله فإن الله لا يقبله، قال شيخ الإسلام اين تيمية رحمه الله:” عند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه، وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره” مجموع الفتاوى (10/322).
فمن أتى بكبائر الذنوب بسبب خروجه بدون إذن ولي أمره وبدون إذن والديه وقاتل تحت رايات عمّية بعيد أن ينال فضل تكفير كل ذنوبه.
قال الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي رحمه الله:” إن تكفير هذه الأعمال مشروط باجتناب الكبائر، فمن لم يجتنبهن لم تكفر له هذه الأعمال صغيرة لا كبيرة”. خصوصيات الصيام ص 242.
7- مطايا لإيران: شبابنا الذين يذهبون للعراق هم في الواقع مطايا لإيران الطائفية التي تحتل جزرا إماراتية ولها أطماع حقيقية في البحرين، وتكن لنا الشر، والخيانة منها متوقعة في كل لحظة.
وإيران كما دمرت لبنان وجعلته ساحة لتصفية حساباتها مع أمريكا، نراها تمارس الدور نقسه في العراق، لذلك نراها تدعم كل ميليشيا مسلحة سواء من السنة أو الشيعة مع أنها ناصرت أمريكا لإسقاط طالبان، فذهاب شبابنا للعراق خدمة جليلة لأهداف إيران الخبيثة، ومضادة لمصالح وطننا الذي ينبغي أن نحفظه ونصونه، فهؤلاء الشباب بسبب صغر سنهم وقلة خبرتهم ينظرون لواقع العراق نظرا قاصرا مقطوعا عن كل المعطيات الإقليمية المحتفة به، فإيران جعلت من العراق ساحة لتصفية حساباتها مع أمريكا.
8- يرجعون تكفيريين: لا نرى أن يذهب شبابنا للعراق، ذلك أن هؤلاء الشباب يتلقفهم التكفيريون ثم يملأون قلوبهم حقدا وغلاً على ولاتهم، ويُلقون عليهم بالشبهات وهم خواء من العلم الشرعي فإذا تحقق الخبثاء من انتحال شبابنا لفكر التكفير أمروهم بالعودة لديارهم لقتال ولاتهم وتفجير منشآت أوطانهم كما يفعل أشباههم من شباب القاعدة في المملكة العربية السعودية حرسها الله وصانها من مؤامرات الأشرار.
9- جاهدوا بالكويت: ديار الإسلام كلها ثغور، فديار الإسلام تعتريها الأخطار بنوعيها الداخلية والخارجية فديارنا تواجهها أخطار حقيقية تريد إفساد عقيدة أبنائنا وأخلاقنا، فيجب علينا جميعا أن نواجه هذه الأخطار الحقيقية بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا هو الجهاد حقا، قال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله ” أحيانا يكون الغزو الفكري أعظم فتكا من الغزو المسلح كما هو مشاهد، فإن الغزو الفكري يدخل كل بيت باختيار صاحب البيت بدون أن يجد معارضة أو مقاومة، لكن الغزو العسكري لايدخل البيت، بل لايدخل البلد إلا بعد قتال مرير ومدافعة شديدة، فأعداء المسلمين يتسلطون عليهم أحيانا بالغزو المسلح بالقتال، وهذا يمكن التحرز منه، وأحيانا بالغزو الفكري وهو أشد وأنكى من الغزو المسلح” تفسير سورة الصافات ص 37. فما يفعله الشباب بذهابهم إلى العراق هو نكول عن جهادهم الواجب عليهم في بلدهم، فالشباب المتدين لابد أن يعي أنه يجب عليه صيانة بلده وحفظه وتكثير سواد أهل الخير والصالحين فيه ليحفظ البلاد من الشرور، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. رواه البخاري.
10- أجر الجهاد يدرك بوجوه البر الواضحة: لعل السبب الباعث لذهاب كير من الشباب للقتال في العراق هو طلب أجر الجهاد وثوابه من تكفير السيئات ورفعة الدرجات، فأقول لهؤلاء الشباب إنما يكون هذا مع الجهاد الشرعي حيث وضوح الراية وإذن الوالدين وولي الأمر، أما والحال هذه من انتفاء هذه الأمور، فإن من يبتغي السلامة لدينه لايركب الأمور المشتبهات خصوصا ما يتعلق بالدماء، بل يطلب الحسنات وتكفير السيئات بوجوه البر الأخرى الواضحة التي لاشبهة فيها ويحصل معها رفع الدرجات وتكفير السيئات، ومنها ما يدرك به العبد ثواب الجهاد، ومنها ماهو أفضل من الجهاد.
فمن الأمور التي يدرك بها ثواب الجهاد السعي على الأرملة والمسكين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله” رواه البخاري ومسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه:” لأن أعلم بابا من العلم في أمر ونهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله”، الله أكبر! ما أعظم هذا الأثر، انظر إلى فقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف فضل أبو هريرة رضي الله عنه بابا من العلم على سبعين غزوة في سبيل الله!!
وأي غزو؟! غزو مع خاتم النبيين، غزو شرعي لاغدر ولا فجور فيه، وليس كغزو التكفيريين وأصحاب الرايات العمّية.
11- انتفاء الإثم والجناح بالنصيحة: الشباب إذا انقادوا لفتاوى كبار العلماء كفتوى العلامة صالح الفوزان حفظه الله التي ذكرناها في صدر مقالنا، واحتاطوا لأديانهم عن الرايات العمّية ، ونصحوا للأمة برئت ذمتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل مايقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة، ومحبة الخير وفعل مايقدر عليه من الخير، لم يكلف ماعجز عنه”. السياسة الشرعية ص 235.
12- فقه أولويات الجهاد: يجب على شبابنا أن يفقهوا أن ما يقومون به من طلب علوم الشريعة وتعليمها أو العلوم الدنيوية كهندسة وطب، ومايقومون به من عمارة بلدهم وديارهم هو من الجهاد، فإذا فقهوا ذلك لم يرغبوا عنه إلى غيره بل لزموه، قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله ” الجهاد نوعان: جهاد يُقصد به إصلاح المسلمين في شؤونهم العلمية والعملية والدينية والدنيوية فهذا أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني من الجهاد وه جهاد الكفار”.
أسأل الله عز وجل أن يحفظ شبابنا ممن يزج بهم إلى مواقع الفتن،
كما أسأله سبحانه أن ييسر لهم البطانة الناصحة التي تربطهم بكبار العلماء
وأن يجعلهم ذخرا لأوطانهم ووالديهم.
وأن يجعلهم ذخرا لأوطانهم ووالديهم.
والحمد لله رب العالمين.
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/fatwa/5581.html#ixzz2vkH6Qxq5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق