منهج المدرسة الغالية في الإصلاح المعاصر
الغلو: مجاوزة الحد المشروع، وهو مذموم شرعًا؛ كما قال الحق تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171].
وفي الحديث: ((إياكم والغُلوَّ في الدين؛ فإنما هلَك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في الدين))[1].
وفي تاريخ الإسلام ظهر الغلو في وقت مبكِّر، وكان من أبرز الاتجاهات الغالية: فرقة الخوارج، ثم تطوَّر واستمرَّ إلى عصرنا الراهن، حيث يوجد لدى فئات كثيرة من المسلمين[2].
ولكن له وَجهين: وجه فكري أو سلوكي محض، ووجه فكري سياسي.
والذي يهمنا هنا هو الأخير.
وربما تكون الجماعة التي تُسمِّي نفسها: جماعة المسلمين، أو كما يُطلَق عليها: التكفير والهجرة، من أوضح الأمثلة على الغلوِّ في العصر الحاضر، ولا سيما أنها تَدَّعي أنها من أهل السنة.
فما هذه الجماعة؟
هي مجموعة من الشباب تزعَّمها: شكري أحمد مصطفى المولود سنة 1942م في أسيوط بمصر، والذي كان أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، دخل المعتقل سنة 1965م، وكان طالبًا في كلية الزراعة، ولم يكن لديه تحصيل علمي شرعي.
كما كان معروفًا بين زملائه ومعارفه بالشدة، وحدة المزاج، والعنف في الخطاب؛ ولذلك أصبح منبوذًا بين زملائه، كما كان أيضًا صارمًا في أحكامه وجريئًا في إصدارها، وقد التفَّ حوله مجموعة من الشباب الذين نالهم الاضطهاد في السجون، ووجِّهت إليهم تهمة اغتيال الشيخ محمد حسين الذهبي - رحمه الله[3].
وقد تبنَّت الجماعة أفكارًا شاذة عن منهج أهل السنة والجماعة، ومنها:
1- المسلم الذي يُفارِق جماعتهم كافر؛ لأنه فارَق الجماعة.
2- تكفير المجتمعات الإسلاميَّة في جملتها؛ لأنها أقرَّت المعاصي والظلم.
3- رفض بعض مصادر الشريعة: كالإجماع، وأقوال الصحابة، ورفْض التقليد مطلقًا.
4- الطعن في الصحابة[4].
ويُلحَق بهؤلاء الغلاة حركة جهيمان العتيبي التي اقتحمت المسجد الحرام في مطلع عام 1400هـ.
تقويم المدرسة الغالية وأثر العلماء في توجيهها:
ربما كان اسم هذه المدرسة كافيًا في الحكم عليها ووضْعها في موضِعها اللائق بها، وربما كان فيما قدَّمناه من تعريف بهذه المدرسة ما يؤكِّد هذا الحكم.
وذلك لأن الغلو في الدين أمر يُخالِف الشرع والفطرة، ومظهر لا تُطيقه النفس البشرية، لا نظريًّا ولا عمليًّا، ومن هنا فلا أرى للمناقشة أهمية ولا جدوى، فالقضية مسلَّمة.
بيد أنني أقف هنا لأؤكد:
أولاً: أن أسباب الغلو ربما جاءت من المجتمع نفسه؛ بسبب إثارة العصبيات، أو توجيه الاتهامات نحو بعض الفئات بدون سبب شرعي، وبأسلوب استفزازي.
ثم الضغط على هؤلاء فكريًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، حتى يتولَّد منه الغلو والعنف.
ثانيًا: أن علاج هذه الظواهر لا يكون بالقوة والعنف؛ بل بالحوار والمُفاهَمة وسَلّ السخيمة، والإقناع العلمي.
ثالثًا: وللوقاية من وقوع مِثل هذه المشكلات: يأتي دَور نشرِ العقيدة الصحيحة، والفقه الشرعي في كل شؤون الحياة عن طريق التعليم والتربية[5].
[1] رواه أحمد في المسند (1: 215) والنسائي في السنن الكبرى (ح: 4063) وابن ماجه في السنن ك: المناسك ب 63.
[2] يراجع في التفصيل عن الغلو ومظاهره في العصر الحاضر: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة؛ للشيخ عبدالرحمن بن معلا اللويحق.
[3] ينظر: الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو؛ محمد سرور زين العابدين (1: 299) فما بعدها.
[4] ينظر: مقدمة ناشر كتاب ذكرياتي مع جماعة المسلمين؛ لمؤلفه عبدالرحمن أبو الخير، وللتفصيل يُنظر: الحكم بغير ما أنزل الله، المرجع السابق بجزأيه، والحكم وقضية تكفير المسلم؛ للأستاذ سالم البهنساوي.
[5] ينظر: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة؛ للشيخ اللويحق، مرجع سابق، وبخاصة (ص: 532 - 539).
والحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو؛ للأستاذ زين العابدين، جزآن.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/triqi/0/58471/#ixzz2w2GecdUf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق