أقسام مظاهرة المشركين
تنقسم موالاة الكفار ومظاهرتهم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون تولياً تاماً مطلقاً عاماً فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر .
الأول: أن تكون تولياً تاماً مطلقاً عاماً فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر .
الدليل: قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 51 – سورة المائدة ) .
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا ً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )( 1 – سورة الممتحنة ) .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات ما نصه: (( نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك ؛ فقال تعالى : ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) أي ومن يرتكب نهى الله في هذا ، فقد بريء من الله ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ـ إلى أن قال ـ ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) ؛ وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ) ؛ وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) الآية .
وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ( 73 – سورة الأنفال ). ا هـ
وقال الإمام ابن جرير الطبري : من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضي وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمهم . أ هـ
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة . أ هـ .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : إن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه . أ هـ
الثاني : أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه فهذا حرام وليس بكفر .
الدليل : قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي رواها البخاري ومسلم وغيرهما وهي أنه كتب كتابا ً لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشا ً على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حرباً ، وأرسل حاطب كتابه مع جاريه وضعته في عقص شعرها فأعلم الله نبيه بذلك فأرسل في أثرها علياً والزبير والمقداد وقال : « (( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها )) فلما أتي به قال : (( يا حاطب ما هذا )) ؟ فقال : يا رسول الله لا تعجل على ! إن كنت حليفاً لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا ً يحمون بها قرابتي ولم أفعله ارتدادا ً عن ديني ولا رضي بالكفر بعد الإسلام ، فقال عليه الصلاة والسلام: (( أما إنه قد صدقكم )) واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له » ، قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) ( 1 -سورة الممتحنة ) .. إلخ .
قال الحافظ ابن حجر : [ قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة « فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه » إنمـا قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من بنسب إلى النفاق وظن أن من يخلف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقاً لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة « فقال: أليس قد شهد بدراً قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك » اهـ .
وقال ابن حزم : [ وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافراً لأنه لم يأت شيئا ً أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع ]ا هـ .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : [ وإذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي ] ا هـ .
ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهر من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد يتضح ذلك لمن أطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما .
ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطبا ً بلفظ الإيمان في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا ) الآيـة، فـدل علـى أنه لم يكفر بذلك العمل مع أنه قال: ( تلقون إليهم بالمودة ) وقال: ( تسرون إليهم بالمودة ) .
الثالث : أن تكون بسبب خوف من الكفار ونحوه فالحكم في ذلك الجواز .
الدليل : قوله تعالى : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) قال ابن كثير : أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، كما قال البخاري عن أبي الدرداء : أنه قال (( إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم )) ا هـ .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : [ يزعم الذين يقولون في الدين بغير علم ، ويفسرون القرآن بالهوى في الرأي ، أن آية آل عمران وما في معناها من النهي العام والخاص كقوله تعالى : â يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء á ( 51 - سورة المائدة ) ، يدل على أنه لا يجوز للمسلمين أن يحالفوا أو يتفقوا مع غيرهم ، وإن كان الخلاف أو الاتفاق لمصلحتهـم ، وفاتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محالفاً لخزاعة وهم على شركهم ، بل يزعم بعض المتحمسين في الدين على جهل أنه لا يجوز للمسلم أن يحسن معاملة غير المسلم أو معاشرته أو يثق به في أمر من الأمور ]
وقال أيضاً : [ وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين أن يحالفوا الـدول غير المسلمة لأجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر أو جلب المنفعة ] اهـ .
ومتى وجدت الموالاة والمظاهرة للكفار فإن الذي سيطبق نوع هذه الموالاة والمظاهرة من الأقسام الثلاثة على من فعلها عليه أن يتقى الله في عدم التسرع وعليه أن يعرف حقيقة الأمر وباطنه فالورع عن أكل المحرمات وفعل المنكرات ليس بأولى من الورع في إخراج مسلم عن ملة الإسلام والفتوى في مثل هذه القضايا العامة التي تتعلق بتعامل الدول مع بعضها والحكام مع بعضهم ليست من حق كل أحد من طلبة العلم بل من اختصاص كبار العلماء الذين يتصلون بولاة الأمر ويعرفون حقيقة الأوضاع فغالبا ً ما تكون الأمور المعلنة مخالفة للواقع الخفي فالمفتي مثل الطبيب الذي يشخص الداء أولا ً ثم يصف الدواء وبعض المفتين مثل الصيادلة عندهم علم بالنصوص ولكنهم لا يستطيعون تطبيق تلك النصوص على الواقع ، كما أن الفتاوى الفردية في الأمور العامة تدعو إلى تشعب الفتاوى واختلافها ثم إلى اختلاف الأمة وانقسامها وشق عصا الطاعة في وقت تكون الأمة بحاجة ماسة إلى الاجتماع ووحدة الكلمة ، ومن سبر حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين وتعامله معهم اتضح له معنى تلك النصوص ومراعاتها للمصالح واعتبارها لدرء المفاسد وذلك عندما يصالح النبي صلى الله عليه وسلم مشركي قريش في الحديبية مدة عشر سنين وهو بذلك يمكنهم من البقاء في مكة على شركهم وتدنيس البيت بالشرك ونصب الأوثان ويتضمن الصلح أيضاً ما جاء في صحيح البخاري ونصه « فلما أبى سهيل أن يقاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ذلك كاتبه رسول الله فرد رسول الله أبا جندل ابن سهيل يومئذ إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأت رسول الله أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما » .
ولو أن حاكما ً بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك وقام برد المسلمين وتسليمهم إلى الكفار لحكم عليه بعض المنتسبين إلى العلم بالكفر والردة .
فنصيحتي للمسلمين عامة وطلبة العلم خاصة أن يكفوا عن أسباب الشقاق بين المسلمين لأن هذا مما يخدم الأعداء المتربصين وعليهم أن يسعوا جاهدين لتوحيد الكلمة ووحدة الصف قال تعالى : âواعتصموا بحبل الله جميعا ً ولا تفرقوا á وقال صلى الله عليه وسلم : « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد منكم يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا ً من كان » .
وفقهاء الأمة والعلماء الربانيون يراعون في إصدار الفتاوى القواعد الشرعية مثل قاعدة جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها وقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما ، نسأل الله الكريم أن يجمع شمل المسلمين وأن يوحد صفوفهم على الحق وينصرهم على أعدائهم ويعز دينه ويعلي كلمته إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/3178.html#ixzz2vjkuiPV0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق