الثلاثاء، 11 مارس 2014

مظاهر الغلو في مفهوم الولاء والبراء

مظاهر الغلو في مفهوم الولاء والبراء

إن الولاء والبراء أصل عظيم من أصول الإسلام، وقد تكاثرت النصوص الدالة على ذلك .
والولاء والبراء لهما حدود، فما نقص عن حدود الولاء المطلوب فهو تفريط، وما زاد عن حدود الولاء المشروع فهو غلو مذموم .
هذه بعض المظاهر للغلو في الولاء والبراء :
أولاً: الغلو في التعصب للطائفة أو الجماعة:
ينشأ التعصب عن أسباب منها: الهوى بمحبة النفس أو محبة الإمام المقتدى به أو نحو ذلك من أوجه الهوى بحيث يظن المرء نفسه معصومة أو طائفته وجماعته.
وقد يكون من مستند المتعصب لطائفه اعتقاده أنها على الحق، وهذا الاعتقاد ليس بسائغ شرعًا؛ إذ مناط الحق الكتاب والسنة، وليست الفرقة المعينة، ومن جعل الحق مع طائفته مطلقًا فهو من الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا وأصبح من الذين وصفهم الله – عز وجل – بأنهم(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(سورة المؤمنون الآية 53)  فكل حزب ممن حرفوا دينهم فرح بما يظن نفسه عليه من الحق، والحق ليس إلا في الكتاب والسنة.
وهذا التعصب وقع في الأمة على مر تاريخها وهو في الحالة الواقعة اليوم أمر ظاهر، حيث أصبح الانتماء إلى الطائفة أو الجماعة وكأنما هو أصل من أصول الدين.
وكل يدعي أن طائفته هم الذين على حق وأن من سواهم على باطل.
ثانيًا: الغلو بجعل الجماعة أو الطائفة مصدر الحق:
إن مما ابتلى به الغلاة تعظيم لجماعاتهم وطوائفهم؛ فلا يقبلون من الدين إلا ما جاءت به، وهذا يخالف ما جاء به الدين أصلاً، فإن من أصول التوحيد: الإيمان بما جاء به رسولنا محمد ـ ص ـ من الوحي وطاعته، ومحبته، وتوقيره، والتسليم لحكمه.
والملاحظ أن الغلاة الذين يتبعون طوائفهم وجماعاتهم يتبعونها اتِّباعا مطلقًا فيحبون ويبغضون لأجل الأهواء، إذ قبول الحق عندهم منوط بوصوله إليهم من طريق طوائفهم أو جماعاتهم.
وعند قراءة مؤلفات الغلاة المعاصرين أو مناقشة أفرادٍ منهم تجد أن من أكبر سماتهم: أنهم لا يأخذون إلا ما جاء من طريق جماعاتهم وطوائفهم فأمرهم مبناه على الهوى.
ثالثًا: التعصب للأئمة والقادة:
كل أحد من النّاس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالناس كلهم: مفتقرون إلى الكتاب والسنة، فلا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول ـ ص ـ فما وافقها فهو الحق، وما خالف ذلك فهو باطل .
والغلاة خالفوا هذا الأصل العظيم فجعلوا قادتهم بمثابة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يطاع في كل ما يأمر به طاعة مطلقة. والغـلاة المعاصرون وقعوا في ذلك التعصب والطاعة العمياء كما ذكر عبد الرحمن أبو الخير عن جماعته المعروفة بالتكفير والهجرة .
إن هذا الأمر قد يصدق على قيادات أخرى، من أهل الغلو في كل بلد، وكل زمان فهم يغلون في قياداتهم، ويرفعونهم فوق أقدارهم ويجعلون لهم الطاعة المطلقة وينزلون كل نص في طاعة ولاة الأمر عليهم، بل إن هؤلاء يغلون في قياداتهم لشدة حبهم لهم لما يرون من تصرفات يظنونها معيارًا لرشد المنهج وسلامة الطريق.
ويتبع ذلك إعطاؤهم البيعة لتلك القيادات وتنزيلهم نصوص البيعة في الإمامة العظمى على البيعة لتلك القيادات، وعين هذه البيعة المطلقة يوجد في جماعات غالية أخرى، جعلت هذه البيعة طوقًا في عنق كل تابع.
وفي الجملة يمكن إجمال تصورات الغلاة فيما يتعلق بأمر الإمامة والقيادة فيما يلي:
1 – أنه بناء على أن جماعتهم هي جماعة المسلمين فإن إمامهم هو إمام المسلمين.
2 – أن إمامهم له أن يتحكم في الأموال والأنفس وأنه ليس للأتباع في ذلك حق الاعتراض.
3 – أن إمامهم له الطاعة المطلقة، ولا يلزمه بيان علة الأمر وحكمته، وعلى الأتباع عدم السؤال على هذه العلة.
رابعًا: الغلو في البراءة من الكفر:
إن البراءة من دين غير المسلمين أمر مقرر في الشرع متوافرة نصوصه، ولكن هذه البراءة منهم لا تعني ظلمهم والاعتداء عليهم وهضم حقوقهم ، بل لا تعني عدم العدل معهم يقول الله ـ عز وجل ـ ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ ألا تعدلوا )(سورة المائدة الآية 8) أي: يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا .
ولقد فقه بعض الغلاة اليوم أمر البراءة من الكافرين فقهًا خاطئًا حيث ظنوا أن من مقتضيات البراءة منهم إعلان مقاتلتهم بكل حال دون نظر في الضوابط الشرعية لذلك.
خامسًا:الغلو في البراء من المجتمعات المسلمة:
إن البراءة إنما هي من المحادين لدين الله  المحاربين ، أما المسلمون ومن اجتمع فيه منهم فجور وإيمان فيوالى على قدر إيمانه، ويتبرأ منه بقدر فجوره، ومتى زادت البراءة من غير من يشرع التبرؤ منه قد أصبحت غلوًا مذمومًا. ولقد وقع الغلو في البراءة من المجتمعات في حياة المسلمين المعاصرة، يتضح ذلك من كتابات الغلاة، وموضع الخلل في مفهومهم هو فهمهم الخاطئ للكفر؛ فالمجتمع كله ـ بزعمهم ـ مجتمع جاهلي كافر، فهم يريدون البراءة ممن زعموهم كفارًا.
سادسًا: القول بهجرة المجتمعات المسلمة وتكفير المقيم غير المهاجر:
إن الهجرة في سبيل الله من دار الكفر التي لا تسمح بإقامة شعائر الإسلام وتحاربه إلى دار الإسلام أمر مشروع، ممدوح فاعله، ولكن المقيم في دار الحرب لا يحكم عليه بالكفر بإطلاق، بل ولا يؤثم بإطلاق، فالحكم فيه تفصيل.
و لقد غلا بعض الناس فكفروا التارك للهجرة .
وقد غلا أقوام آخرون فزعموا أن الهجرة واجبة من المملكة العربية السعودية كما يزعم أبو محمد عاصم المقدسي في كتابه ” الكواشف الجلية ” .
المبحث الرابع: مظاهر الغلو المتعلقة بالتشديد على النفس والناس
أولاً: التشديد على النفس
لقد وضع الشارع الشريعة في الأصل على مقتضى قدرة الإنسان ووسعه، وجعل للمشقات العارضة رخصًا تخففها رحمة بعباده وتيسيرًا عليهم ، كما نهى أن يغلو الإنسان فيشدد على نفسه فقال النبي ـ ص ـ :  لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانية ابتدعوها ، ما كتبناها عليهم  .
والتشديد على النفس هو كل عمل أدى إلى مشقة وعنت بالإنسان ” والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب أو المستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بحرام ولا مكروه بمنزلة المحرم المكروه في الطيبات ” . ولما كان للأمر علاقة قوية بالمشقة ، فليعلم أن المشقة نوعان هما:
1 – المشقة المعتادة :
وهذه لا يخلو منها عمل ديني ولا دنيوي، والمطلوبات الشرعية كلها فيها كلفة، وهذا النوع من المشقة ليس مانعًا من التكليف ؛لأن أحوال الإنسان كلها كلفة في هذه الدار.
2 – المشقة غير المعتادة :
وهذه المشقة لو أردنا ضبطها في ضوء النصوص الشرعية ، ننظر إلى العمل وما يؤدي إليه ؛ فإن أدى الاستمرار عليه إلى انقطاع عنه أو عن بعضه أو أدى إلى وقوع خلل في صاحبه، فهو مشقة غير معتادة ، وهذا تفصيل لهذين القسمين:
الأول: الانقطاع عن العمل:
ويتحقق الانقطاع عن العمل بأحد أمرين:
‌أ- السآمة والملل ثم العجز:
وقد عبرت عنه النصوص أحيانًا بتبغيض العبادة أو الملل أو العجز ونحو ذلك.

ب- الانقطاع بسبب تزاحم الحقوق:
الثاني: وقوع الخلل:
فالعمل متى ما كان مؤديًا إلى خلل في العامل ـ نفسي أو بدني ـ بأن يعذب الإنسان نفسه أو يمنعها عن لوازم الحياة تدينًا وتعبدًا فإنه من المشقة على النفس.
ثانيًا: التشديد على الناس :
استقراء أدلة الشريعة قاض بأن الله جعل هذا الدين رحمةً للناس، ويسرًا، ورفع الإصر والأغلال التي كانت واقعة بطائفة وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر أصحابه بالتيسير على الناس، فقد قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن:  يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا  .
والإنسان له في ذاته أن يأخذ نفسه بالأشد من المشروع، كأن يصلي صلاة طويلة، ولكن ليس له أن يلزم الناس بهذا. والتشديد على الناس لا يدخل فيه إلزامهم بما شرع الله عزَّ وجلَّ، بل هو إلزام الناس بغير ما شرع الله ، وهو قسمان:
1- ما لم يُشرع أصلاً.
2- ما شرع أصله ولكن الغلو واقع في صفته أو قدره.
ويوضح هذا التوجه في الحياة المعاصرة ما قاله ماهر بكري في كتاب الهجرة ” إن كلمة عاصي هو اسم من أسماء الكافر تساوي كلمة كافر تمامًا ” .


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/5780.html#ixzz2vfCiigP7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق