الأربعاء، 12 مارس 2014

مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين

مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين

السؤال: يقول أجلس مع بعض الناس ويقولون : إن العلماء الكبار كفار، لأنهم يظاهرون المشركين ويوالونهم ويعلّمون هذا لصغار السن ويربونهم عليه، لا سيما بعد صدور الفتاوى في تحريم التفجيرات في بلاد الكفار… إلخ
الجواب:
هذا من الخطر العظيم في أن يقول قائلٌ من مثل هذه الكلمة:
أولاً: لأن العلماء الكبار يبينون الحق، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم في زمن الخوارج يبينون الحق، وإذا اتهمهم أحد أو رماهم بالكفر لأجل تبيينهم الحق، فلا يعني أن رمي هذا الرامي أنه موافق للصواب، بل جنايته على نفسه ويجب أن يؤخذ على يده وأن يعزر تعزيراً بليغاً من قبل القضاة بما يحجزه عن ذلك.
ولما فات التعزير الشرعي في مثل هذه المسائل؛ كثر القول، وكثر الخوض فيها. فقد كان القضاة فيما مضى يعزرون في قول المسلم لأخيه: يا كلب، أو يا كذا بما فيه انتقاص له، فكيف إذا كان فيه رمي بمثل هذا الرمي العظيم الذي لا يجوز لمسلم يخشى الله جل وعلا أن يتفوه به فضلاً على أن يعتقده.
ثم ما يتعلق بمظاهرة المشركين، وتولي الكفار، فإن هذه المسألة بحثناها في عدة مجالس وفي عدة شروح وبينا فيها أن عقد الإيمان يقتضي موالاة الإيمان والبراءة من الكفر لقول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
عقد الإيمان يقتضي البراءة من المعبودات والآلهة المختلفة ومن عبادتهم لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾. أساس الولاء والبراء هو الولاء للإيمان والبراءة من الكفر وعبادة غير الله جل وعلا، ويتضمن ذلك : مولاة أهل الإيمان والبراءة من أهل الكفر على اختلاف مللهم.
هذه الموالاة منها ما يكون للدنيا، ومنها ما يكون للدين. فإذا كانت للدنيا؛ فليست مخرجه من الدين ومما قد يكون في بعض الأنواع من الموالاة للدنيا من الإكرام أو البشاشة، أو الدعوة، أو المخالطة، ما قد يكون مأذوناً به إذا لم يكن في القلب مودة لهذا الأمر، من مثل ما يفعل الرجل مع زوجته النصرانية، ومن مثل ما يفعله الابن مع أبيه غير مسلم ونحو ذلك مما فيه إكرام وعمل في الظاهر لكن مع عدم المودة الدينية في الباطن، فإذا كانت الموالاة للدنيا فإنها غير محرمة، إلا فيما استثني من الحالات كما ذكرنا في حال الزوج مع الزوجة وحال الابن مع أبيه، مما يقتضي معاملة وبراً وسكوناً ونحو ذلك.
أما القسم الأول: أن تكون الموالاة للدنيا ولكن ليس لجهة قرابة وإنما لجهة مصلحة بحتة، لأمر دنياه وإن فرط في أمر دينه، وهذه موالاة غير مكفرة لأنها في أمر الدنيا، وهذه هي التي نزل فيها قول الله جل وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ  ﴾ هنا أثبت أنهم ألقوا بالمودة وناداهم باسم الإيمان، قال جمع من أهل العلم : مناداة من ألقى المودة باسم الإيمان دل على أن فعله لم يخرجه من اسم الإيمان. وهو مقتضى استفصال النبي صلى الله عليه وسلم من حاطب حيث قال له في القصة المعروفة: « يا حاطب ما حملك على هذا » يعنى أن أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين أنه حمله عليه الدنيا وليس الدين.
القسم الثاني: موالاة المشرك لدينه، موالاة الكافر لدينه، يواليه ويحبه ويوده وينصره لأجل ما عليه من الشرك من الوثنية ونحو ذلك يعني: محبة لدينة ، فهذا مثله هذه موالاة مكفرة لأجل ذلك.
والإيمان الكامل ينتفي مع مطلق موالاة غير المؤمن لأن موالاة غير المؤمن بمودته ومحبته ونحو ذلك هذه منافية للإيمان الواجب لقول الله جل وعلا: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ … الآية
أما مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين هذا من نواقض الإسلام، كما هو مقرر في كتب فقه الحنابلة وذكره العلماء ومنهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النواقض العشر : في الناقض الثامن.
وهذا الناقض مبني على أمرين: الأول: هو المظاهرة ، والثاني: هو الإعانة، قال: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين.
والمظاهرة: أن يجعل طائفة من المسلمين – يجعلون – أنفسهم ظهراً للمشركين، يحمونهم فيما لو أراد طائفة من المؤمنين أن يقعون فيهم، يحمونهم وينصرونهم ويحمون ظهورهم ويحمون بيضتهم، وهذا مظاهرة بمعنى أنه صار ظهراً لهم، فقول الشيخ رحمه الله مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين مركبة من الأمرين – الناقض مركب من الأمرين – المظاهرة بأن يكون ظهراً لهم – بأي عمل يكون ظهر يدفع عنهم ويقف معهم ويضرب المسلمين لأجل حماية هؤلاء.
أما الثاني فالإعانة: إعانة المشرك، فالإعانة ضابطها: أن يعين قاصداً ظهور الكفر على الإسلام، لأن مطلق الإعانة غير مكفر، لأن حاطب -رضي الله عنه – حصل منه إعانة للمشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم بنوع من العمل : إعانة بكتابة بسر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسير إليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم استفصل منه، فدل على أن الإعانة تحتاج إلى استفصال والله جل وعلا قال في مطلق العمل هذا : ﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ ولكن ليس بمكفر إلا بقصد، فلما أجاب حاطب بأنه لم يكن قصده ظهور الكفر على الإسلام ، «قال : يا رسول الله !والله ما فعلت هذا رغبة في الكفر بعد الإسلام، ولكن ما من أحد من أصحابك إلا وله يد يدفع بها عن أهله وماله، وليس لي يد في مكة، فأردت أن يكون لي بذلك لي يد»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم »).
وحاطب فعل أمرين:
الأمر الأول: ما اُستُفصِلَ فيه؛ وهي مسألة هل فعله قاصداً ظهور الكفر على الإسلام، ومحبة للكفر على الإسلام، لو فعل ذلك كان مكفراً ولم يكن حظوره لغزوة بدر غافراً لذنبه؛ لأنه يكون خارجاً من أمر الدين.
الأمر الثاني: أنه حصل منه نوع إعانة لهم؛ وهذه فعله فيها ظلال وفيها ذنب والله جل وعلا قال : ﴿ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ … ﴾ إلى قوله: ﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾
وهذا يدل على أن الاستفصال في هذه المسألة ظاهر. فالإعانة فيها استفصال، أما المظاهرة بأن يكون ظهراً لهم يدفع عنهم، ويدرأ عنهم ما يأتيهم، ويدخل معهم ضد المسلمين في حال حربهم لهم؛ هذا من نواقض الإسلام التي بينها أهل العلم.
هذه المسائل – اقتضى إطالة الجواب فيها السؤال – ومع الأسف أنه على كثرة ما جاء من بحوث في هذه من قديم، – لكن – من وقت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين وكثرت هذه المسائل ورددت، لكن نخشى أن يكون المنهج التكفيري يمشي في الناس – والعياذ بالله – ، والخوارج سيبقون ومعتقدات الخوارج ستبقى، والناس فيهم – إن لم يتداركوا أنفسهم – قد يكون فيهم خصلة أو خصال من خصال الظلال إن لم يحذروا من ذلك.
الواجب علينا جميعاً أن نحذر وأن تنبه إلى الحق، وأن نتواصى به وأن نكون حافظين لألسنتنا من الوقوع في ورثة الأنبياء – وهم العلماء – ولقد أحسن ابن عساكر – رحمه الله – إذ قال في فاتحة كتابه “تبيين كذب المفتري” قال: (( ولحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في منتقصهم معلومة)). وهذا ظاهر بين والتجربة تدل عليه ورؤية الواقع تدل عليه.
وقانا الله وإياكم من زلل الأقوال وزلل الأعمال، وسوء المعتقدات وهدى ضال المسلمين وبصرنا وإياهم للحق.
وبالمناسبة نحتاج إلى أن نفقه كيف يرد على من خالف في مثل هذه المسائل، والمخالفين بالتكفير أو التظليل أو ذكر الأمور على غير ما هي عليه؛ يجب:
أولاً: أن لا يرد الباطل بباطل، وأن الباطل يرد بحق، من كفرنا لم نكفره لأجل تكفيره لنا، ومن بدعه لم نبدعه لأجل تبديعه لنا، وإنما هذه المسائل تحتاج إلى رد الباطل بالحق، هذا هو منهج السلف الصالح ومنهج أئمة أهل السنة والجماعة في ذلك.
الثانية: أن يُحرص على هداية هؤلاء، ويُنظر إليهم في الهداية بما يناسبهم، إذا كانوا يحتاجون إلى نصيحة ينصحون، إلى إجابة إلى الشبهات يجاب عليهم، فقد يهدي الله جل وعلا بعض أولئك كما هدى طائفة من الخوارج من ابن عباس – رضي الله عنهما- .
ثم الدعاء في مثل الأزمات والفتن والمصائب التي تقع، ليس للمرء منجى ولا ملجأ إلى بربه جل جلاله، فمن ترك الصلة بينه وبين ربه بالدعاء وبسؤال الإعانة والبصيرة فإنه يؤتى، فإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد من الله جل وعلا وهو صاحب الشريعة وهو المهدي بالوحي من الله جل وعلا للحق يقول في دعائه: «اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ، فكيف بحالنا وحال أمثالنا، لاشك أننا أحوج إلى السؤال والدعاء في ذلك؛ دعاء لأنفسنا والدعاء – أيضاً – لمن نعلمه قد خالف الحق في ذلك، وإذا خالف وكفّر وضل واعتدى حتى على الإنسان في دينه أو في عرضه أو تكلم فيه؛ لا يعني ذلك أن تقابل إساءته بمثلها، بل تصبر عليه وتدعوا له؛ لأن طالب العلم همه إصلاح الخلق، قد يستجيبون وقد لا يستجيبون، ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ﴾.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/fatwa/fatwa2/3182.html#ixzz2vjqAeE6o

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق