الأربعاء، 12 مارس 2014

الكرامات وضوابطها عند أهل السنة

الكرامات وضوابطها عند أهل السنة

إن من أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وإثباتَها والتصديقَ بها واعتقاد أنها حق، وذلك (باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة، والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم).
ولذا أودع أهل السنة والجماعة رحمهم الله هذا الأصل في كتب الاعتقاد، وأفردوها بالأبواب المستقلة، وبينوا بالأدلة الصحيحة ما يتعلق بأفراد هذه المسألة.
وقد انقسم الناس حيال هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مغال فيها مثبت لكل خارق، فكل ما صدر من أي عبد؛ صالحاً كان أو طالحاً وفيه نوع غرابة عدوه من قبيل الكرامات التي تدل على قربه من الله؛ وأنه من المصطفين؛ فأدخلوا السحرة والكهان والعرافين والدجالين من ضمن الأولياء؛ وأغلب هؤلاء من غلاة التصوف وأرباب الطرق.
الثاني: الجفاة عن نصوص الوحي ودلائلها الدالة على وقوع الكرامة للمؤمنين، ونفوا وقوعها وزعموا أن الخوارق لو جاز ظهورها من الأولياء لالتبس النبي بغيره إذ فرق ما بينهما -عندهم- إنما هو المعجزة، وبنوا على ذلك أنه لا يجوز ظهور خارق إلا لنبي، وممن ذهب إلى هذا القول المعتزلة قديماً ومن تأثر بهم حديثاً.
الثالث: أهل السنة الذين أثبتوا الكرامات، لكن لا على وجه الإطلاق، فقيدوها بما قيدته النصوص الشرعية، ووَفقِ الأدلةِ دون غلو أو جفاء أو إفراط أو تفريط، فكانوا أسعد بالوسط الذي هو العدل الخيار، وهدوا إلى الصراط المستقيم.
والكرامة في اللغة: مأخوذة من الإكرامُ والتَّكْرِيمُ، قال الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس (33 / 337):-هي- أَن يُوصَلَ إلى الإنْسَانِ بنَفْعٍ لا تَلْحَقُه فيه غَضَاضَةٌ، أو يُوصَل إليه بشيءٍ شَرِيفٍ، وقال الشاعِرُ : 
إِذَا ما أَهانَ امرؤٌ نَفْسَه     فَلا أَكرمَ اللّهُ مَنْ اَكْرَمَهْ.
وقال ابن منظور في لسان العرب (12 / 510): والتَّكْرِيمُ والإكْرامُ بمعنى؛ والاسم منه: الكَرامة، قال ابن بري: وقال أَبو المُثَلم: ومَنْ لا يُكَرِّمْ نفْسَه لا يُكَرَّم.
أما الكرامة في اصطلاح أهل السنة فقد عرفها بعضهم بقوله: أمر خارق للعادة جرى على يدَيْ ولي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11 / 311): وَإِنْ كَانَ اسْمُ ” الْمُعْجِزَةِ ” يَعُمُّ كُلَّ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ فِي اللُّغَةِ وَعُرْفِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ – وَيُسَمُّونَهَا : الْآيَاتِ – لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفَرِّقُ فِي اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا فَيَجْعَلُ ” الْمُعْجِزَةَ ” لِلنَّبِيِّ وَ ” الْكَرَامَةَ ” لِلْوَلِيِّ وَجِمَاعُهُمَا الْأَمْرُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ.
قال الإمام الطحاوي في متنه المبارك: (ص58) ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول : نبي واحد أفضل من جميع الأولياء، ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3 / 156): وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يُجْرِي اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَاتِ كَالْمَأْثُورِ عَنْ سَالِفِ الْأُمَمِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهَا وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الْأُمَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وثبوت الكرامة في الكتاب والسنة مستفيض مشهور.
ومن أدلتها في الكتاب قصة أصحاب الكهف، وما وقع لهم مما هو خارق للعادة، وآية لإثبات المعاد على المنكرين.
ومن الأدلة ما وقع لمريم ابنة عمران من الرزق ومجيئه إليها بسهولة ويسر.
ومن أدلة السنة ما رواه البخاري ومسلم عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جَالَتِ الفرس فسكت فسكتت ، فقرأ فَجَالَتِ الفرس فسكت وسكتت الفرس ، ثم قرأ فَجَالَتِ الفرس فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه ، فلما اجْتَرَّه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حَدَّث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ يا ابن حضير ، اقرأ يا ابن حضير . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى ، وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي فانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُّـلة فيها أمثال المصابيح ، فَخَرَجَتْ حتى لا أراها . قال : وتدري ما ذاك ؟ قال : لا . قال : تلك الملائكة دَنَتْ لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم .
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رَجُلين خَرَجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرّقا فتفرق النور معهما .
وفي رواية له : كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى البيهقي في ” الاعتقاد ” واللالكائي في ” كرامات الأولياء ” من طريق نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب بعث جيشا وأمَّر عليهم رجلا يُدعى سارية ، قال : فبينا عمر يخطب قال : فجعل يصيح وهو على المنبر : يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل . قال : فَقَدِم رسول الجيش فسأله فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا ، وإن الصائح ليصيح : يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل ، فَشَدَدْنا ظُهورنا بالجبل فهزمهم الله . فقيل لِعُمَر : إنك كنت تصيح بذلك . 
روى ابن عساكر من طريق ثابت البناني قال : جاء قَيِّم أرض أنس ، فقال : عطشت أرضوك، فتردى أنس ، ثم خرج إلى البرية ، ثم صلى ودعا ، فثارت سحابة ، وغشيت أرضه ومطرت ، حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف ، فأرسل بعض أهله ، فقال : انظر أين بلغت ؟ فإذا هي لم تَعْدُ أرْضه إلاَّ يسيرا . 
قال الذهبي : هذه كرامة بَيِّنَة ثَبَتَتْ بإسنادين .
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَرْوَىَ بِنْتَ أُوَيْسٍ ادّعَتْ عَلَىَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا ، فَخَاصَمَتْهُ إِلَىَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَال سَعِيدٌ : أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قال : وما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ : مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً طَوّقَهُ إِلَىَ سَبْعِ أَرضِينَ . فَقَال لَهُ مَرْوَانُ : لاَ أَسْأَلُكَ بَيّنَةً بَعْدَ هَذَا ، فَقَال : اللّهُمّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمّ بَصَرَهَا ، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا . قَال : فَمَـا مَاتَتْ حَتّىَ ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ .
وفي رواية : قال : فرأيتها عمياء تلتمس الجدر ، تقول : أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرّت على بئر في الدار ، فوقعت فيها فكانت قبرها . رواه البخاري مُختصرا ومسلم بِطوله . 
ومنها: دعوةُ سعد بن أبي وقاص – أحد العشرة المبشرين بالجنة – على أسامة بن قتادة: 
عن عبدُ الملكِ بنُ عُميرٍ عن جابرِ بنِ سَمُرةَ قال : شَكا أهلُ الكوفةِ سَعدَ بن أبي وقاص إِلى عمرَ – رضي الله عنه – فعزَلَهُ واستعملَ عليهم عَمّاراً ، فشَكَوا حتى ذَكروا أَنّهُ لا يُحسِنُ يُصلّي ، فأَرسلَ إِليه فقال : يا أبا إسحاق ! إنّ هَؤلاء يَزعُمونَ أَنّكَ لا تُحسِنُ تُصلّي! قال أبو إِسحاقَ : أمّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصلي بـهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخرِمُ عنها ، أُصلّي صلاةَ العِشاءِ فأَركُدُ في الأُولَيَيْنِ وَأُخِفّ في الأُخرَيَينِ. قال: ذاكَ الظنّ بكَ يا أبا إِسحاقَ ، فأَرسلَ معه رجُلاً – أو رجالاً – إلى الكوفةِ فسألَ عنه أهلَ الكوفةِ ، ولم يَدَعْ مسجداً إِلاّ سـألَ عنه ، وَيُثنونَ مَعروفاً ، حتى دخلَ مسجداً لِبني عبسٍ ، فقامَ رجلٌ منهم يُقالُ له : أُسامةُ بنُ قَتادةَ ، يُكْنىَ أَبا سَعدةَ قال : أمّا إِذ نَشَدْتَنا فإِنّ سَعداً كان لا يَسيرُ بالسرِيّةِ ، ولا يَقسِمُ بالسّوِيّة ، ولا يَعدِلُ في القَضيّة . 
قال سعدٌ : أَما وَاللهِ لأدْعوَنّ بثَلاثٍ : اللّهمّ إِن كان عبدُكَ هذا كاذباً قامَ رِياءً وَسُمعةً، فأَطِلْ عمرَهُ ، وَأَطِلْ فَقرَهُ ، وَعَرّضْهُ بالفِتَنِ ، وكان بَعدُ إِذا سُئلَ يقول: شَيخٌ كبيرٌ مَفتون أصابَتْني دَعوةُ سعد . قال عبدُ الملكِ – أي ابن عمير- : فأنا رأيتُه بعدُ قد سَقطَ حاجِباهُ عَلَى عَينيهِ منَ الكِبَرِ ، وإِنه ليَتعرّضُ للجواري في الطّرقِ يغمزهُنّ . 
وفي رواية : فما مـات حتى عميَ، فكان يلتمس الجدران، وافتقر حتى سأل، وأدرك فتنة المختار فقُتِلَ فيها . رواه البخاري ومسلم . 
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : أقبل سعدٌ من أرضٍ له ، فإذا الناس عكوفٌ على رجل ، فاطّلع فإذا هو يسبُّ طلحة والزبير وعلياً ، فنهاه ، فكأنما زاده إغراءً ، فقال : فقال : ويلك ! تريدُ أن تسـبَّ أقواماً هم خيرٌ منك ؟ لتنتهينّ أو لأدعونّ عليك . فقال :كأنما تخوفُني نبيّ من الأنبياء ! فانطلق فدخل داراً فتوضأ ، ودخل المسجد ثم قال : اللهم إن كان هذا سبّ أقواماً قد سبقت لهم منك حسنى ، أسخطك سبُه إياهم ، فأرني اليوم آيةً تكونُ للمؤمنين آيةً . قال : وتخرج بُختيةٌ من دار بني فلان لا يردُها شيء حتى تنتهي إليه ، ويتفرّقَ الناسُ، وتجعلَه بين قوائمها وتطـأه حتى طفـي ، قال : فأنا رأيت سعـداً يتبعـه الناس يقولون : استجـاب الله لك يا أبا إسحـاق – مرتين -. رواه ابن أبي شيبة مختصراً ورواه الطبراني في الكبير، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجـاله رجـال الصحيح.
وعن قَبيصة بن جابر قال : قال ابن عـمّ لنا يوم القادسية :
ألم تر أن الله أنـزل نصـره                   وسعدٌ بباب القادسيـة معصَمُ
فأُبنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ                      ونسوةُ سعد ليس فيهن أيّـمُ 
فلما بلغ سعداً . قال : اللهم اقطع عنّي لسانه ويده ، فجاءت نُشّابَةٌ أصابت فاه فخرس، ثم قُطعت يدُه في القتال ، وكان في جسد سعد قروح فأخبر الناس بعذره عن شهود القتال ، فعذروه ، وكان سعد لا يجبن ، وقال : إنما فعلت هذا لما بلغني من قولكم . واه الطبراني في الكبير ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات . 
ضوابط من تقع له الكرامات :
أولاً : أن يكون من وقعت له من عباد الله المؤمنين . ( فمن لم يكن له مصدقاً
فيما أخبر به ملتزماً طاعته فيما أوجب وأمر به في الأمور الباطنة التي في القلوب والأعمال الظاهرة التي على الأبدان لم يكن مؤمناً فضلاً عن أن يكون ولياً لله ، ولو حصل له من خوارق العادة ما عسى أن يحصل ؛ فإنه لا يكون مع تركه لفعل المأمور وترك المحظور – من أداء الواجبات من الصلاة وغيرها بطهارتها وواجباتها – إلا من أهل الأحوال الشيطانية المبعدة لصاحبها عن الله المقربة إلى سخطه وعذابه ).
ثانياً : أن لا يجزم في كل خارق يحصل له أنه كرامة ؛ بل الواجب عليه أن يعرض أقواله وأفعاله على الكتاب والسنة ، فإن كانت موافقة لها فهي حق وصدق وكرامة من الله – سبحانه – وإن كانت مخالفة لشيء من ذلك فليعلم أنه مخدوع ممكور به ، قد طمع منه الشيطان فلبَّس عليه.
ثالثاً : أن لا يدعي صاحبها الولاية ؛ لتعذر الجزم بقبول العمل ، كما وصف الله – عز وجل – حال أوليائه المؤمنين المتقين ، فقال : [والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ] [ المؤمنون : 60] . وقد سألت عائشة – رضي الله عنها – النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت : أَهُمُ الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : (لا ، يا بنت الصديق ؛ ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يُقبَل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات ). ثم إن في ادعاء الولاية تزكية للنفس وذلك منافٍ لحال الولاية .
رابعاً : أن لا تكون الكرامة غايته ، يطلبها ويسعى في حصولها ؛ فهو خلاف حال السلف.
ضوابط الكرامة ذاتها :
أولاً : أن لا تشتمل الكرامة على ترك شيء من الواجبات ، أو فعل شيء من المحرمات، أو التزام شيء من العبادات لم يرد فيه نص شرعي ؛ وذلك لأن الولي إنما نال الكرامة بطاعته وإيمانه ؛ فلا يمكن بحال أن تكون تلك الكرامة سبباً لتركه شيئاً مما نالها به ، ثم إن المحرَّم خبيث ، والله لا يكرم عبده بخبيث ؛ كما أن من دلائل الولاية الوقوف عند النصوص الشرعية فلا يكون ولياً لله من أحدث في دين الله – تعالى – ما ليس منه .
ثانياً : ألا تشتتمل على ما عُلِم في الشريعة عدم وقوعه ، كدعوى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، وكأن يرى شخصاً على صورة نبي أو ملك أو صالح يقول له : قد أبحت لك الحرام ، وأحللت لك الحلال ، أو أسقطت عنك التكاليف .
قال الشاطبي : (مخالفة الخوارق للشريعة دليل على بطلانها في نفسها ، وذلك أنها قد تكون في ظواهرها كالكرامات ، وليس كذلك ؛ بل من أعمال الشيطان . كما يُحكى عن عبد القادر الجيلاني أنه عطش عطشاً شديداً ، فإذا سحابة قد أقبلت وأمطرت عليه شبه الرذاذ حتى شرب ، ثم نودي من سحابة : (يا فلان ! أنا ربك ، وقد أحللت لك المحرمات) فقال له : (اذهب يا لعين) . فاضمحلت السحابة . وقيل له : بِمَ عرفت أنه إبليس ؟ قال : بقوله : (قد أحللت لك المحرمات ) . هذا وأشباهه لو لم يكن الشرع حَكَماً فيه لما عرف أنها شيطانية).
ثالثاً : ألا يستعين بالكرامة على معصية الله – عز وجل – فإن أكمل الكرامات ما كان معيناً على طاعة الله – عز وجل – أما الكرامة والكشف والتأثير إن ( لم يكن فيه فائدة كالاطّلاع على سيئات العباد ، وركوب السباع لغير حاجة، والاجتماع بالجن لغير فائدة ، والمشي على الماء مع إمكان العبور على الجسر فهذا لا منفعة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو بمنزلة العبث واللعب )
أعظم الكرامة لزوم الاستقامة :
ليس وقوع الخارق أمراً لازماً للولي ، فكم من الأولياء الصادقين – من الصحابة فمن بعدهم – قلم تقع لهم خوارق ! وكم من السحرة والمبطلين من وقعت لهم الخوارق! ولا شك أن الخوارق ابتلاء للعبد من جنس النعم ، وليس حصولها برهاناً على فضل الرجل عند الله ، ولا عدمها دليلاً على هوانه . قال الله – تعالى – : [ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن .
وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن . كلا ] [الفجر : 15 - 17] .
لكن الكرامة الحقة – التي بها نجاة العبد – إنما هي استقامته على أمر الله – عز وجل – حتى يأتيه اليقين .
فالقصد أن الولاية لا تستلزم الكرامة، فليس من شرط الولي أن يؤتى كرامة، بل الجماهير من الصحابة ما أوتوا كرامةً، ومن غلط كثير من أئمة الصوفية حتى بعض الفضلاء منهم، أنهم يلتفتون إلى طلب مقام الكرامة، وهذا الالتفات والتحري لا شك أنه لم يكن من هدي السلف الأول، ولم يكن من هدي الصحابة، وأئمة الإسلام من أهل العلم، بل هو مخالف للسنة والأثر.
وهذه الخوارق التي تقع لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توزن بميزان الشرع، فإن كانت لولي فإنها تسمى كرامةً، وإن كانت لغير ولي فهي من الخوارق الشيطانية.
ومن أراد الاستزادة فليُراجِع كتاب ” كرامات الأولياء ” للإمام اللالكائي ، وقاعدة في كرامات الأولياء لشيخ الإسلام ابن تيمية و ” الإنصاف في حقيقة الأولياء” للصنعاني.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/4663.html#ixzz2vjfu5C21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق