سبل التعامل مع ( الفتن )
د . سعد البريك
سنتناول فيما يلي سبل مواجهة الفتن في ثلاث محاور .
المحور الأول : دور العلماء والدعاة .
المحور الثاني : دور المجتمع .
المحور الثالث : دور مشترك بين العلماء والدعاة والمجتمع .
· – أولاًَ ، دور العلماء والدعاة : بداية لا بد من التأكيد على أنه يصعب الفصل بالمعنى الدقيق بين دور العلماء والدعاة وبين دور المجتمع في مواجهة الفتن ، فالعلماء ومعهم الدعاة وطلاب العلم جزء من المجتمع ، والمجتمع هو وعاء يضم كافة المكونات . لكن يمكن التركيز على أهم الأمور التي ينفرد العلماء والدعاة بتحمل مسؤولية القيام بها لحفظ المجتمع من الفتن . من هذه الأمور :
1 – نشر فقه التعامل مع الفتن ، وذلك بــ :
أ – الحث على التمسك بالكتاب والسنة.قال صلى الله عليه وسلم:” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي” وقال صلى الله عليه وسلم:” إنهاستكون فتنة، قالوا: وما نصنع يا رسول الله، قال: ترجعون إلى أمركم الأول “. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال :” أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.. ” رواه أبو داود والترمذي .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهالله: (طريق النجاة من الفتن هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما رُوي ذلك عن علي رضي الله عنهم مرفوعاً: تكون فتن: قيل: ماالمخرج يا رسول الله؟ قال :” كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل مابينكم ” .وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيهقال: لما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمره أتيت أبي بن كعب فقلت: أباالمنذر ما المخرج ؟ قال: كتاب الله ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: (إذا انقطععن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمةالفتنوحدثت البدع والفجورووقع الشر بينهم ).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ( فكل أنواعالفتنلا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنه ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاةالهدى ) .
ب – اعتزال الفتن وأهلها ، وقد أخبر الله تعالى عن فتية الكهف أنهم اعتزلوا قومهم لما رأوهم على الكفر ، فقال { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف }.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه ، فمن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به “. رواه البخاري ومسلم .وقوله من تشرف لها تستشرفه ، أي : من انتصب إليها وخاض فيها قابلته بشرها وأهلكته وصرعته.
إن من إلقاء النفس إلى التهلكة التعرض للفتن واستشرافها سواء كانت فتن شهوات أو فتن شبهات ، والله تعالى قد حذر من ذلك فقال {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إنها ستكون فتن ألا ثمَّ تكون فتن القاعد فيها خير منالماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها”.قال النووي رحمه الله تعالى: معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتهايكون على حسب التعلق بها.وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا تقربوا الفتنة إذا حميت ولا تعرضوا لها إذا عرضت واضربوا أهلها إذا أقبلت .وقال محمد بن الحنفية: اتقوا هذهالفتنفإنها لا يستشرف لهاأحد إلا استبقته.
ج – التعوذ منها : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال:” من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ ” فقال رجل : أنا ، قال ” فمتى مات هؤلاء؟”، قال : ماتوا في الإشراك ، فقال :” إن هذه الأمة تبتلى في قبورها،فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن بسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه”، ثم أقبل علينا بوجهه فقال :” تعوذوا بالله من عذاب النار”، قالوا نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال :” تعوذوا بالله من عذاب القبر” فقالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، فقال :” تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ” ، قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال :” تعوذوا بالله من فتنة الدجال ” ، قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال . رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فذكر الحديث وفيه قوله تعالى ” يا محمد إذا صليتفقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون “.
د – الفرار من الفتن : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم:” يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبالومواقع القطر يفر بدينه منالفتن “. رواهالبخاري .وعن أبي بردة قال : دخلت على محمد بن مسلمة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلـك فـأتِ بسيفـك أُحُـــداً فـاضـربه حتى ينقطع ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة ، أو منيّة قاضية” . رواه مسلم .ولما قتل عثمان رضي الله عنه خرج سلمة بن الكوع من المدينة إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بالربذة حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة . رواه البخاري ومسلم .
هـ – الإكثار العمل الصالح . قال صلى الله عليه وسلم :” بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم” . رواه مسلم .
قال العلامة ابن عثيمين يرحمه الله : وفي هذا الحديث المبارك رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة والمسارعة للأعمال الصالحة قبل الموانع منها والمعوِّقات عنها، وقبل اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، أو اشتغاله بفتنة عامة، وما أجلَّ وأعظم وصية الله ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ” بادروا بالأعمال سبعاً” أي: سابقوا وقوعَ الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة، واهتموا بها قبل حلول الفتن، وقبل المعوِّقات.أ . هـ
والعبادة زمن الفتن كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” العبادة في الهرج كهجرة إلي “.رواه مسلم. والمراد بالهرج هنا : الفتنة واختلاط أمور الناس . وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ولا يتفرغ لها إلا قليل من الناس .
2 – ومن مسؤولية العلماء والدعاة لدرء الفتن عن المجتمع : التمعن والنظر في عواقب الأمور . فالفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء، وإذا أدبرت عرفتها العامة . إن القول أو الفعل زمن الفتنة يجب أن يكون بحذر وبعد تأمل وتفكر في مآلاته وربما بلغ القول أناساً لم تدركه عقولهم فكان لهم فتنة.فبعض العلماء يفتي العامة بمسائل قد تكون فتنة لهم وربما فتحت أبواباً من الشر كبيرة ، كفتوى حل السحر بسحر مثله وما شابه من الفتاوى.
ليس كل ما يعلم يقال إذ للأقوال والأعمال في الفتن حساسية خاصة، ولهذا يجب الحذر والتأني، فلا ينبغي قول أو فعل كل ما يبدو حسناً.يقول أبو هريرة رضي الله عنه: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم. رواه البخاري .قال أهل العلم : قول أبي هريرة (لقطع هذا الحلقوم ) يعني أنه كتم أحاديث الفتن والأحاديث التي في بني أمية ، وهو قال هذا الكلام في زمن اجتماع الناس على معاوية رضي الله عنه .
مع أن الأحاديث حق وقالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبو هريرة آثر كتمها حفاظاً على جماعة المسلمين من التفرق والتناحر.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.رواه مسلم .
فقد يفهم الناس الأمور بفهم خاطئ ويبنون عليه اعتقادات وتصرفات، لا تكون عواقبها حميدة ، ولهذا كان السلف يعملون بذلك كثيراً.فالإمام أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة كره التحديث بأحاديث الغرائب ، والإمام مالك رحمه الله كره التحديث بأحاديث فيها ذكر لبعض الصفات . وكان هذا منهم رحمهم الله لأنهم أحبوا السلامة في الفتن.
يقول الشاطبي رحمه الله مبيناً الضابط في عرض المسائل الشرعية:”وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحّت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤدِّ ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها… أما إن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفقِ المصلحة الشرعية والعقلية”. ( الموافقات 4 / 191 بتصرف يسير) . ويقول الإمام الذهبي رحمه الله: “ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يَشْغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيراً، بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين …”. ( نزهة الفضلاء: 4/1538).
3 – ومن مسؤولية العلماء والدعاة لتحصين المجتمع من الفتن : مناصحة ولاة الأمر ببيان مواطن الفتن التي تهدد المجتمع ، قال صلى الله عليه وسلم:” الدين النصيحة “، قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال :” لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ” .
إن ما ميَّز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والفرقة : أنهم ينصحون لمن ولاَّه الله أمرهم ويكثرون الدعاء له ، حتى ولو رأوا ما يكرهون ، فإنهم يكثرون الدعاء وينصحون نصح من لا يريد جزاء ولا شكوراً. والمناصحة لا تكون علانية على الملأ : قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم رضي الله عنهما : ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدِه علانية ، ولكن ليأخذ بيده ، ثم ليخلُ به فإن قبل منه فذاك ، وإلا فإنه أدى الذي عليه “. رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني رحمه الله .
4 – ومن مسؤوليات العلماء والدعاة الهامة لتحصين المجتمع : تحذير المجتمع من فتنتي التكفير والتغريب ، وبيان خطرهما على المجتمع ، ومن ذلك:
- أن كلا الفريقين يعمل على زعزعة الأمن الفكري ، وذلك بمحاولة إسقاط العلماء وتهميشهم ، لإدراكهم أن العلماء هم صمام الأمان الذي يحبط ويفشل ما يخططون له من إفساد وتغريب وقتل وتخريب.وإذا أسقط العلماء خلت الساحة أمامهم لبث أفكارهم وسمومهم . فالتغريبيون يتهمون العلماء بالتخلف والتشدد وعدم مواكبة العصر ، والتكفيريون يتهمونهم بأنهم علماء سلطة ، وزبانية الظلمة ، يفتون الحكام وفق ما يشتهون ، لا يفقهون الواقع ، علماء حيض ونفاس ، علماء الأوراق الصفراء وحسب ، منافقون ، مداهنون ، يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل. ومن ذلك :
- أن كليهما يضر بالمجتمع ، من حيث ادعى الحرص على مصلحته وإصلاحه ، فالطرح التغريبي الإفسادي بدعوته إلى تنحية الشريعة وتحجيم الدعوة والدعاة والترويج لسفور المرأة والاختلاط وما صاحب ذلك من تحول سلبي في بعض وسائل الإعلام ،وانتشار المعاصي والمنكرات ، له أثر كبير في زعزعة استقرار المجتمع مما يفسد على الناس دينهم ودنياهم ويعطل مصالحهم. كما أن التغريبيين يهددون وحدة المجتمع واستقراره من خلال التحريض على العنف واستفزاز بعض المتحمسين بمهاجمة تحكيم الشريعة والدعوة .
أما التكفيريون فإنهم يكفِّرون المجتمع ، دون النظر إلى شروط التكفير وموانعه . وجعلوا الوطن دار حرب فاستهدفوا رجال الأمن والمفاصل الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية لشبه وحجج قامت في عقولهم جعلتهم يسترخصون الأرواح ويستبيحون الأموال ، دون أن يلتفتوا لتحذير أهل العلم والفقه من ذلك ، ولو أن أحدهم سئل عن حكم شرعي جزئي لنصح السائل بسؤال أهل العلم الموثوقين في دينهم المعروفين بعلمهم وأمانتهم !!.
وهذا اضطراب عجيب ؛!! تساهل في الدماء والأرواح ، مقابل تحرٍ ودقة زائدة في المسائل الفرعية الجزئية . قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وفي أمثالهم:”سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة “.
- كلا الفريقين لا ولاء حقيقي له . فلا ولاء لولاة الأمر ولا ولاء للوطن، بل الولاء لجهات خارجية تستخدمهم من حيث شعروا أم لم يشعروا ، فهم أدوات لهدم الدار فوق رؤوسهم ورؤوس إخوانهم من المسلمين .
فالتغريبيون بطرحهم مشروع الدولة المدنية يسعون إلى ما يناقض اجتماع أهل العقل والحل والعقد والشورى على إمام واحد ولو كان ببيعة شرعية وحاكماً بالشريعة . إذ لا مكان فيها للشريعة في الدولة المدنية لأن الدولة المدنية نقيض للدولة الدينيةالحاكمة بالشرع ، لأنها تقوم على فلسفة الديمقراطية وإلغاء مفهوم الدين من الممارسةالسياسية وهو ما يعني إلغاء البيعة الشرعية والطاعة والحكم بالشريعة، وتحويل نظام الحكم إلى ملكية دستورية تقتصر مهامها على بعض المراسم والشكليات .
والتغريبيون لا ولاء لهم اتجاه الوطن ، لأنهم بمهاجمتهم خصوصية المملكة يصادمون الأسس التي قامت عليها الدولة ، وهي نشر التوحيد تحيكم الشريعة وخدمة الحرمين الشريفين ، فهؤلاء لا تروق لهم هذه الخصوصية ، فهاجموها وانتقدوها إفساحاً للمجال أمام رياح التغريب لتهب قوية على المملكة بإضعاف الدعوة ، وتهميش العلماء ونشر الفساد بصوره وألوانه والدفع باتجاه تخلي المملكة عن دورها الريادي الدعوي.
ووجه آخر من توجه عدم ولائهم للوطن ، هو ما صرح سمو وزير الداخلية وفقه الله من تورط بعضهم بالعمل لحساب جهات أجنبية . هذه الجهات التي أغرتهم بالمال والاستثمارات والامتيازات تستعملهم خنجراً في نحر الوطن وسهماً مسموماً في صدور أبنائه لإفسادهم وزعزعة قناعاتهم بتحكيم الشريعة والتحاكم إليها تزامناً مع غزو فكري غربي مركز وشرس .
أما التكفيريون فقد جعلوا طاعتهم وولاءهم لأشخاص يحركونهم بالخطابات الحماسية والرسائل الانترنتية والعبارات المشفَّرة ، عبر قنوات عميلة ومواقع مشبوهة ، ولا يُعرف هؤلاء بعلم ولا فقه ولا حرص على مصالح الأمة وقضاياها. فهؤلاء لا يرون في أعناقهم بيعة لولاة الأمر ، ولا يعتقدون بوجوب طاعتهم في غير معصية الله ، ولا يتبعون منهج النصح والدعاء لهم .
فكلا الفريقين خلع اليد من الطاعة : الأول خلعها بطريقة معنوية ـــ إن صح التعبير ـــ بطريقة خفية مبهمة لا يكاد يلحظها أحد في ظل دندنتهم الدائمة في مقالاتهم حول الولاء والطاعة ،لكن الأفعال على الأرض تناقضها . أما الفريق فكان أقل مكراً ودهاء من الفريق الأول، إذ أعلن صراحة أنه يخلع يد الطاعة .
وفي كلا الفريقين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه”. رواه مسلم .
- وكلا الفريقين يبدد الطاقات الفتية والشابة .فروح دعوى التغريب هي الإفساد وزج الشباب في أتون الرذيلة ، وصرفهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها ، وتهميش اهتماماتهم بدلاً من الجدية والعمل بما ينفع دينهم ووطنهم ومجتمعهم ، إلى الاهتمام بقصات الشعر وصيحات الأزياء وموضات السيارات والجوالات، ومعاكسة الفتيات وإشباع الشهوات وطلب اللذات. كل ذلك بذريعة التحذير من التطرف الديني والغلو وإخراج الشباب من رقة الانغلاق والتشدد .
ويأتي الفكر التكفيري ليوقع من بعض من سلموا من المكر التغريبي في فخ التكفير، حيث استقطب هذا الفكر شريحة من الشباب مستغلاً التجاوزات التي يقوم بها التغريبيون،فاندفعت إليه هذه الفئة بإخلاصها وحبها لدينها ظناً منها أن اعتناق هذا الفكر يخدم الإسلام ويساهم في حل مشكلات الأمة ، فجعلها طاقات هدم وتخريب في الأمة بدلاً من أن تكون طاقات بناء .
- وكلا الفريقين ينفر الناس من التدين.فالتغريبيون يهاجمون الملتزمين والمتدينين بحجة أنهم متزمتون لا يواكبون روح العصر ولا يسايرون ركب الحضارة ، وأن الدين هو سبب التخلف .
ويأتي التكفيريون بأفعالهم الدموية لينفروا الناس أيضاً بالإيحاء أن الدين لا يعرف لغة سوى القتل والتفجير .
· – ثانياً ، دور المجتمع : يتنوع دور المجتمع بتنوع هيئاته والجهات المؤثرة فيه وتنوع وسائل التعبير والرأي ، لكن يبقى مضمون الرسالة واحداً ، يتمثل تكاتف هيئاته ومؤسساته كل من موقعه ومسؤوليته لــ :
1 – الحث على لزوم وسطية هذا الدين ، فالعسر والتنطّع ليس من سمات هذه الشريعة ، كما أن التساهل والتميع ليس من سماتها . وحقٌ على أهل الإسلام أن يسلكوا مسالك التوسط والتيسير في الأمر كلّه، لكن بلا مداهنة ولا مجاملة ولا مجافاة للحق .عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات “.
دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدّة، ويسرٌ من غير عسر، ورفع للحرج عن الأمة { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ} ، {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً}.
ولقد فهم البعض من القول بيسر الشريعة وتحذيرها من التشديد أنه دعوة إلى التساهل في أمور الدين عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، أو ترغيباً في التنصل من أحكام الإسلام والضعف في نصرة الدين والحق . وهؤلاء في شطط وبعد عن الحقيقة .
فليس من التيسير التساهل بالأحكام الشرعية والأوامر الربانية ، وليس من التيسير التهاون بالمنكرات ، وليس من التيسير التنكر للفضائل وأصول الأخلاق والتساهل بالموبقات ، وليس من التيسير الإهمال في تربية البنين والبنات، وتركهم نهباً لزيغ العقائد وتيارات الإلحاد والبعد عن الالتزام بأحكام الإسلام والحفاظِ عليهم من دواعي الفجور واللهو المحرم بحجة التحضّر والبعد عن التعقيد وتغيّر الزمان.
وليس من التيسير ما يسلكه البعض حين يدَّعون سماحة الدين أمام أعداء الإسلام ، ويتنصلون من أحكامه وتعاليمه ، ثم هم من أشدّ الناس على الصُّلحاء والأخيار، بل قد يوظِّفون دعوى التيسير أداةً لقمع الدعوة إلى الحق وكبت الخير وتكبيله بحجة مسايرة العصر.وخير الهدي هدي محمد e الذي قال: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور”. وكثيراً ما يدعو إلى التشدد والتميع قلةُ الفقه في الدين، والجهلُ بمقاصد الشرع وأصول الملة . فالجهل من أسباب الضلال والانحراف ، وسبيل النجاة عزيز لا يبصره إلا من هداه الله إليه ، ولا يثبت عليه إلا من ثبته ربه ، ولذا أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذر سبحانه عباده لئلا تصيبهم الفتن، وحث على توقيها والبعد عنها فقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}.قال السعدي رحمه الله : (يأمر تَعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة لله وللرسول ، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه…ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِوَقَلْبِهِ} فإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه )
2- تحصين المجمع ضد العولمة والغزو الفكري ، ولا يخفى أن العولـمة غزت المجتمعات كلها في كل المجالات ، فهناك ما يزيد على خمسمائة قمر صناعي تدور حول الأرض ترسل إشارات لاسلكية تكرس العولـمة عبر أكثر من مليار ونصف مليار من الأجهزة التلفزيونية ، حيث تتشابه الصور والأفكار والأخبار والتحليلات .ولذا لا يمكن عزل الأمة عن هذا المد الفضائي الهائل ، بل لا بد من مواجهته وتحصين الأمة ضده بالاستفادة من الرسائل الإيجابية واجتناب السلبية وذلك بـ :
- الحث على العلم الشرعي ، فالعلم يحصن الشباب من الأفكارالهدامة وينمي إدراكه ويوجهه التوجيه السليم . ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على العلم الشرعي بقوله :” طلب العلم واجب على مسلم”. وقال :” وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع “. وبالعلم الشرعي يتوطد الأمن الثقافي : ويتأتَّى ذلك من خلال العلاقة الواعية مع الثقافة الوافدة مما يشكِّل درعاً منيعاً في وجه العولمة الضارة.
- وللأسرة دور كبير في تحصين الأبناء ، قال صلى الله عليه وسلم :” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “. وإن انشغال أولياء الأمور عن أبنائهم يفتح الباب أمام المد الثقافي التغريبي.ووسائل ذلك كثيرة ، أهمها : تلافي ازدواجية المناهج. فهناك نوعان من المناهج يتلقاها الطفل والشاب والفتاة أثناءدراسته ، الأول : المناهج الدراسية، والآخر هو المنهج الخفي الذي يتلقاه عبر الفضائيات والانترنت والمجلة والصورة . وكذا تعزيز المراقبة الداخلية داخل كل أفراد الأسرة بحثه على تقوى الله كما قال صلى الله عليه وسلم :” اتق الله حيثما كنت “، وإعانته على التعامل مع معطيات العصر منالفضائيات الانترنت بشكل سليم، وذلك بتحصينه فكريًا وأخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
- تنمية حسّ الممانعة والصمود ، على المستوى الفردي والجماعي ، وذلك بنشر الوعي بالعولمة، وطبيعتها ومجالاتها وتأثيراتها ومخاطرها.
3 – ومن مسؤولية المجتمع في درء الفتن : حفظ هيبة العلماء الربانيين وتمكينهم من مزيد من الحضور والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع. فبقدر أهمية العلماء الربانيين وحاجة الأمة إليهم يتبين خطر غياب دورهم أو تغييبه، فإن الثغرة التي هم عليها لا يسدُّها غيرهم، كما أنه يجب على العلماء أن يتقدموا لسدِّ الثغرة، وأن يتولُّوا زمام المبادرة بأنفسهم، وأن يكونوا قريبين من الناس قبل الفتن وفي أثنائها، وأن لا ينتظروا أن تأتيهم الفرص وهم قاعدون.ومتى تأخروا تقدم غيرهم ممن ليس أهلاً لسدِّ مكانهم، إذ لا بدَّ للناس من قادةٍ يرشدونهم ويوجِّهونهم وفي الحديث : “حتى إذا لم يجد الناس عالماً اتخذوا رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا”. فأول ما يفعله زبانية الفتنة – حتى يُلَبِّسوا على العامة ويروِّجوا لأفكارهم المنحرفة – هو الطعنُ في الأئمة والعلماء والقَدْحُ فيهم واتهامُهم بشتى أنواع التُّهَم ، وَرَمْيُهُمْ بأصنافٍ من العظائم ، مثل اتهامهم بالعمالة والجبن والمداهنة والنفاق،وأنهم علماء السلاطين. إلى غير ذلك من الكذب والبهتان الموجود في قواميسهم .فإذا تمكَّنوا من ذلك وأشاعوه ، سقطتْ هيبةُ أهل العلم بين الناس ، وضَعُفَتْ ثقة الناس بالعلماء، وحينئذ لا يسل أحد عن مصائد الفتن التي تخطف الشباب بكلاليبها. فالعلماءُ هُمُ الأمناءُ على دين الله ، وواجبٌ على كلّ مكلَّفٍ أخذُ الدِّين عن أهله كما قال بعض السلف : إن هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعلى وسائل الإعلام على اختلافها مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، فإن الحرب الشرسة التي تقودها بعض هذه الوسائل على أهل العلم ومحاولتها التقليل من شأنهم ، بتضخيم الأخطاء التي قد تقع منهم ، وهم فيها مأجورون ، أو بالتشنيع على اجتهاداتهم الفقهية التي لا تروق لبعض القائمين على هذه الوسائل .
4– ومن مسؤولية المجتمع في درء الفتن : ترشيد عواطف الشباب وصيانتها عن استغلالها بما يضر ويهدم ، والعاطفة التي لا تضبط بالشرع تصبح عاصفة.ولهذا نجد العلماءَ الكبارَ يربطون الحماسَ والغَيرةَ للدّين الموجودةَ عند الشباب بالحكمة والبصيرة حتى تؤتي ثمارها ، ولتكون عاقبتُها إلى خير وفلاح . فالغَيرةُ على الدِّين ، والحماسُ لا يكفيان ، لابُدَّ أن يكونَ هذا مؤسَّسًا على علمٍ وفقهٍ في دين الله ، ويكونُ ذلك صادِرًا عن علم ، وموضوعاً في محلّه ، والغَيرةُ على الدِّين طيّبةٌ ، والحماسُ للدِّين طيّبٌ ، لكن لا بُدَّ أن يُرَشَّدَ ذلك باتباع الكتاب والسنَة .
5– ومن مسؤولية المجتمع : تحصين الشباب لئلا يؤتون من باب الزهد والتدين فيقعون في حبائل أرباب التطرف والتكفير.فبعض دعاة التطرف قد يكون لهم نصيبٌ من الإخلاص ، أو غَيْرَة على محارم الله تعالى، الأمرُ الذي أدَّى بالبعض إلى أن يغترَّ بهم ، ويقعَ في حبالهم.لكن هذا الإخلاصُ وهذا الحماسُ لا يكفي وحده ليكون الإنسان على المنهج الحق . والأمرُ كما قال الصحابيُّ الجليلُ أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما أنكرَ على تلك الطائفة التي كانت تذكرُ اللهَ بطريقةٍ غير شرعيّة ، وعلى كيفيّةٍ غير نبويّة ، وقد قالوا له : والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخيرَ . فقال عبد الله بن مسعود: ” وكَمْ مِنْ مُريدٍ للخير لن يصيبَه “.فالاجتهادُ في الورع والعبادة لابُدَّ أن يكون مع الفقه في الدّين والعلم ، ولهذا وصفهم النبيُّ r لأصحابه : بأنَّهم يحقرون صلاتهم إلى صلاتهم ، وعبادتهم إلى عبادتهم ثم قال : يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السّهمُ من الرّميّة ، مع عبادتهم ومع صلاحهم ومع تهجّدهم وقيامهم بالليل ، لكن لما كان اجتهادُهم ليس على أصلٍ صحيحٍ، ولا على علمٍ صحيحٍ صارَ ضلالاً ووبالاً ، وشرًّا عليهم وعلى الأمّة ولم تشفع لهم تلك العبادات ، ولا أنجتهم عند الله حُسْنُ النّيّات .
وَمِنْ هنا نُدْرِكُ خطرَ حملة الفكر التكفيري على عقيدة المسلمين وأمْنِهم ودينهم وسلامتهم ، ولا ينبغي إطلاقًا الاغترارُ بما يظهرُ من صلاحهم ، وحبهم لهذا الدّين . فلا بُدَّ أنْ يكونَ الحماسُ والغَيْرَةُ منضبطةً بعلم وبصيرة، ومبينةً على فقه وحكمة ورويّة .
والمقصودُ : أنَّه لا ينبغي للمسلم أَنْ يغترَّ بما يظهرونه من العبادة والزهد والعلم، حتى لا يقعَ في حبالهم ، وينخدعَ ببدعتهم وضلالهم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: (إذا انقطععن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمةالفتنوحدثت البدع والفجورووقع الشر بينهم ).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ( فكل أنواعالفتنلا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنه ومن سلك سبيلهم من أئمة الإِسلام ودعاةالهدى ) .
ب – اعتزال الفتن وأهلها ، وقد أخبر الله تعالى عن فتية الكهف أنهم اعتزلوا قومهم لما رأوهم على الكفر ، فقال { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف }.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه ، فمن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به “. رواه البخاري ومسلم .وقوله من تشرف لها تستشرفه ، أي : من انتصب إليها وخاض فيها قابلته بشرها وأهلكته وصرعته.
إن من إلقاء النفس إلى التهلكة التعرض للفتن واستشرافها سواء كانت فتن شهوات أو فتن شبهات ، والله تعالى قد حذر من ذلك فقال {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إنها ستكون فتن ألا ثمَّ تكون فتن القاعد فيها خير منالماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها”.قال النووي رحمه الله تعالى: معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيء منها وأن شرها وفتنتهايكون على حسب التعلق بها.وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لا تقربوا الفتنة إذا حميت ولا تعرضوا لها إذا عرضت واضربوا أهلها إذا أقبلت .وقال محمد بن الحنفية: اتقوا هذهالفتنفإنها لا يستشرف لهاأحد إلا استبقته.
ج – التعوذ منها : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال:” من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ ” فقال رجل : أنا ، قال ” فمتى مات هؤلاء؟”، قال : ماتوا في الإشراك ، فقال :” إن هذه الأمة تبتلى في قبورها،فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن بسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه”، ثم أقبل علينا بوجهه فقال :” تعوذوا بالله من عذاب النار”، قالوا نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال :” تعوذوا بالله من عذاب القبر” فقالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، فقال :” تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ” ، قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال :” تعوذوا بالله من فتنة الدجال ” ، قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال . رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فذكر الحديث وفيه قوله تعالى ” يا محمد إذا صليتفقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون “.
د – الفرار من الفتن : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم:” يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبالومواقع القطر يفر بدينه منالفتن “. رواهالبخاري .وعن أبي بردة قال : دخلت على محمد بن مسلمة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلـك فـأتِ بسيفـك أُحُـــداً فـاضـربه حتى ينقطع ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة ، أو منيّة قاضية” . رواه مسلم .ولما قتل عثمان رضي الله عنه خرج سلمة بن الكوع من المدينة إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولاداً فلم يزل بالربذة حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة . رواه البخاري ومسلم .
هـ – الإكثار العمل الصالح . قال صلى الله عليه وسلم :” بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم” . رواه مسلم .
قال العلامة ابن عثيمين يرحمه الله : وفي هذا الحديث المبارك رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة والمسارعة للأعمال الصالحة قبل الموانع منها والمعوِّقات عنها، وقبل اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، أو اشتغاله بفتنة عامة، وما أجلَّ وأعظم وصية الله ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ” بادروا بالأعمال سبعاً” أي: سابقوا وقوعَ الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة، واهتموا بها قبل حلول الفتن، وقبل المعوِّقات.أ . هـ
والعبادة زمن الفتن كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” العبادة في الهرج كهجرة إلي “.رواه مسلم. والمراد بالهرج هنا : الفتنة واختلاط أمور الناس . وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ولا يتفرغ لها إلا قليل من الناس .
2 – ومن مسؤولية العلماء والدعاة لدرء الفتن عن المجتمع : التمعن والنظر في عواقب الأمور . فالفتنة إذا أقبلت عرفها العلماء، وإذا أدبرت عرفتها العامة . إن القول أو الفعل زمن الفتنة يجب أن يكون بحذر وبعد تأمل وتفكر في مآلاته وربما بلغ القول أناساً لم تدركه عقولهم فكان لهم فتنة.فبعض العلماء يفتي العامة بمسائل قد تكون فتنة لهم وربما فتحت أبواباً من الشر كبيرة ، كفتوى حل السحر بسحر مثله وما شابه من الفتاوى.
ليس كل ما يعلم يقال إذ للأقوال والأعمال في الفتن حساسية خاصة، ولهذا يجب الحذر والتأني، فلا ينبغي قول أو فعل كل ما يبدو حسناً.يقول أبو هريرة رضي الله عنه: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم. رواه البخاري .قال أهل العلم : قول أبي هريرة (لقطع هذا الحلقوم ) يعني أنه كتم أحاديث الفتن والأحاديث التي في بني أمية ، وهو قال هذا الكلام في زمن اجتماع الناس على معاوية رضي الله عنه .
مع أن الأحاديث حق وقالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبو هريرة آثر كتمها حفاظاً على جماعة المسلمين من التفرق والتناحر.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.رواه مسلم .
فقد يفهم الناس الأمور بفهم خاطئ ويبنون عليه اعتقادات وتصرفات، لا تكون عواقبها حميدة ، ولهذا كان السلف يعملون بذلك كثيراً.فالإمام أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة كره التحديث بأحاديث الغرائب ، والإمام مالك رحمه الله كره التحديث بأحاديث فيها ذكر لبعض الصفات . وكان هذا منهم رحمهم الله لأنهم أحبوا السلامة في الفتن.
يقول الشاطبي رحمه الله مبيناً الضابط في عرض المسائل الشرعية:”وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحّت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤدِّ ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها… أما إن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفقِ المصلحة الشرعية والعقلية”. ( الموافقات 4 / 191 بتصرف يسير) . ويقول الإمام الذهبي رحمه الله: “ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يَشْغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيراً، بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين …”. ( نزهة الفضلاء: 4/1538).
3 – ومن مسؤولية العلماء والدعاة لتحصين المجتمع من الفتن : مناصحة ولاة الأمر ببيان مواطن الفتن التي تهدد المجتمع ، قال صلى الله عليه وسلم:” الدين النصيحة “، قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال :” لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ” .
إن ما ميَّز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والفرقة : أنهم ينصحون لمن ولاَّه الله أمرهم ويكثرون الدعاء له ، حتى ولو رأوا ما يكرهون ، فإنهم يكثرون الدعاء وينصحون نصح من لا يريد جزاء ولا شكوراً. والمناصحة لا تكون علانية على الملأ : قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم رضي الله عنهما : ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبْدِه علانية ، ولكن ليأخذ بيده ، ثم ليخلُ به فإن قبل منه فذاك ، وإلا فإنه أدى الذي عليه “. رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني رحمه الله .
4 – ومن مسؤوليات العلماء والدعاة الهامة لتحصين المجتمع : تحذير المجتمع من فتنتي التكفير والتغريب ، وبيان خطرهما على المجتمع ، ومن ذلك:
- أن كلا الفريقين يعمل على زعزعة الأمن الفكري ، وذلك بمحاولة إسقاط العلماء وتهميشهم ، لإدراكهم أن العلماء هم صمام الأمان الذي يحبط ويفشل ما يخططون له من إفساد وتغريب وقتل وتخريب.وإذا أسقط العلماء خلت الساحة أمامهم لبث أفكارهم وسمومهم . فالتغريبيون يتهمون العلماء بالتخلف والتشدد وعدم مواكبة العصر ، والتكفيريون يتهمونهم بأنهم علماء سلطة ، وزبانية الظلمة ، يفتون الحكام وفق ما يشتهون ، لا يفقهون الواقع ، علماء حيض ونفاس ، علماء الأوراق الصفراء وحسب ، منافقون ، مداهنون ، يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل. ومن ذلك :
- أن كليهما يضر بالمجتمع ، من حيث ادعى الحرص على مصلحته وإصلاحه ، فالطرح التغريبي الإفسادي بدعوته إلى تنحية الشريعة وتحجيم الدعوة والدعاة والترويج لسفور المرأة والاختلاط وما صاحب ذلك من تحول سلبي في بعض وسائل الإعلام ،وانتشار المعاصي والمنكرات ، له أثر كبير في زعزعة استقرار المجتمع مما يفسد على الناس دينهم ودنياهم ويعطل مصالحهم. كما أن التغريبيين يهددون وحدة المجتمع واستقراره من خلال التحريض على العنف واستفزاز بعض المتحمسين بمهاجمة تحكيم الشريعة والدعوة .
أما التكفيريون فإنهم يكفِّرون المجتمع ، دون النظر إلى شروط التكفير وموانعه . وجعلوا الوطن دار حرب فاستهدفوا رجال الأمن والمفاصل الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية لشبه وحجج قامت في عقولهم جعلتهم يسترخصون الأرواح ويستبيحون الأموال ، دون أن يلتفتوا لتحذير أهل العلم والفقه من ذلك ، ولو أن أحدهم سئل عن حكم شرعي جزئي لنصح السائل بسؤال أهل العلم الموثوقين في دينهم المعروفين بعلمهم وأمانتهم !!.
وهذا اضطراب عجيب ؛!! تساهل في الدماء والأرواح ، مقابل تحرٍ ودقة زائدة في المسائل الفرعية الجزئية . قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وفي أمثالهم:”سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة “.
- كلا الفريقين لا ولاء حقيقي له . فلا ولاء لولاة الأمر ولا ولاء للوطن، بل الولاء لجهات خارجية تستخدمهم من حيث شعروا أم لم يشعروا ، فهم أدوات لهدم الدار فوق رؤوسهم ورؤوس إخوانهم من المسلمين .
فالتغريبيون بطرحهم مشروع الدولة المدنية يسعون إلى ما يناقض اجتماع أهل العقل والحل والعقد والشورى على إمام واحد ولو كان ببيعة شرعية وحاكماً بالشريعة . إذ لا مكان فيها للشريعة في الدولة المدنية لأن الدولة المدنية نقيض للدولة الدينيةالحاكمة بالشرع ، لأنها تقوم على فلسفة الديمقراطية وإلغاء مفهوم الدين من الممارسةالسياسية وهو ما يعني إلغاء البيعة الشرعية والطاعة والحكم بالشريعة، وتحويل نظام الحكم إلى ملكية دستورية تقتصر مهامها على بعض المراسم والشكليات .
والتغريبيون لا ولاء لهم اتجاه الوطن ، لأنهم بمهاجمتهم خصوصية المملكة يصادمون الأسس التي قامت عليها الدولة ، وهي نشر التوحيد تحيكم الشريعة وخدمة الحرمين الشريفين ، فهؤلاء لا تروق لهم هذه الخصوصية ، فهاجموها وانتقدوها إفساحاً للمجال أمام رياح التغريب لتهب قوية على المملكة بإضعاف الدعوة ، وتهميش العلماء ونشر الفساد بصوره وألوانه والدفع باتجاه تخلي المملكة عن دورها الريادي الدعوي.
ووجه آخر من توجه عدم ولائهم للوطن ، هو ما صرح سمو وزير الداخلية وفقه الله من تورط بعضهم بالعمل لحساب جهات أجنبية . هذه الجهات التي أغرتهم بالمال والاستثمارات والامتيازات تستعملهم خنجراً في نحر الوطن وسهماً مسموماً في صدور أبنائه لإفسادهم وزعزعة قناعاتهم بتحكيم الشريعة والتحاكم إليها تزامناً مع غزو فكري غربي مركز وشرس .
أما التكفيريون فقد جعلوا طاعتهم وولاءهم لأشخاص يحركونهم بالخطابات الحماسية والرسائل الانترنتية والعبارات المشفَّرة ، عبر قنوات عميلة ومواقع مشبوهة ، ولا يُعرف هؤلاء بعلم ولا فقه ولا حرص على مصالح الأمة وقضاياها. فهؤلاء لا يرون في أعناقهم بيعة لولاة الأمر ، ولا يعتقدون بوجوب طاعتهم في غير معصية الله ، ولا يتبعون منهج النصح والدعاء لهم .
فكلا الفريقين خلع اليد من الطاعة : الأول خلعها بطريقة معنوية ـــ إن صح التعبير ـــ بطريقة خفية مبهمة لا يكاد يلحظها أحد في ظل دندنتهم الدائمة في مقالاتهم حول الولاء والطاعة ،لكن الأفعال على الأرض تناقضها . أما الفريق فكان أقل مكراً ودهاء من الفريق الأول، إذ أعلن صراحة أنه يخلع يد الطاعة .
وفي كلا الفريقين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه”. رواه مسلم .
- وكلا الفريقين يبدد الطاقات الفتية والشابة .فروح دعوى التغريب هي الإفساد وزج الشباب في أتون الرذيلة ، وصرفهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها ، وتهميش اهتماماتهم بدلاً من الجدية والعمل بما ينفع دينهم ووطنهم ومجتمعهم ، إلى الاهتمام بقصات الشعر وصيحات الأزياء وموضات السيارات والجوالات، ومعاكسة الفتيات وإشباع الشهوات وطلب اللذات. كل ذلك بذريعة التحذير من التطرف الديني والغلو وإخراج الشباب من رقة الانغلاق والتشدد .
ويأتي الفكر التكفيري ليوقع من بعض من سلموا من المكر التغريبي في فخ التكفير، حيث استقطب هذا الفكر شريحة من الشباب مستغلاً التجاوزات التي يقوم بها التغريبيون،فاندفعت إليه هذه الفئة بإخلاصها وحبها لدينها ظناً منها أن اعتناق هذا الفكر يخدم الإسلام ويساهم في حل مشكلات الأمة ، فجعلها طاقات هدم وتخريب في الأمة بدلاً من أن تكون طاقات بناء .
- وكلا الفريقين ينفر الناس من التدين.فالتغريبيون يهاجمون الملتزمين والمتدينين بحجة أنهم متزمتون لا يواكبون روح العصر ولا يسايرون ركب الحضارة ، وأن الدين هو سبب التخلف .
ويأتي التكفيريون بأفعالهم الدموية لينفروا الناس أيضاً بالإيحاء أن الدين لا يعرف لغة سوى القتل والتفجير .
· – ثانياً ، دور المجتمع : يتنوع دور المجتمع بتنوع هيئاته والجهات المؤثرة فيه وتنوع وسائل التعبير والرأي ، لكن يبقى مضمون الرسالة واحداً ، يتمثل تكاتف هيئاته ومؤسساته كل من موقعه ومسؤوليته لــ :
1 – الحث على لزوم وسطية هذا الدين ، فالعسر والتنطّع ليس من سمات هذه الشريعة ، كما أن التساهل والتميع ليس من سماتها . وحقٌ على أهل الإسلام أن يسلكوا مسالك التوسط والتيسير في الأمر كلّه، لكن بلا مداهنة ولا مجاملة ولا مجافاة للحق .عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات “.
دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدّة، ويسرٌ من غير عسر، ورفع للحرج عن الأمة { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ} ، {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً}.
ولقد فهم البعض من القول بيسر الشريعة وتحذيرها من التشديد أنه دعوة إلى التساهل في أمور الدين عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، أو ترغيباً في التنصل من أحكام الإسلام والضعف في نصرة الدين والحق . وهؤلاء في شطط وبعد عن الحقيقة .
فليس من التيسير التساهل بالأحكام الشرعية والأوامر الربانية ، وليس من التيسير التهاون بالمنكرات ، وليس من التيسير التنكر للفضائل وأصول الأخلاق والتساهل بالموبقات ، وليس من التيسير الإهمال في تربية البنين والبنات، وتركهم نهباً لزيغ العقائد وتيارات الإلحاد والبعد عن الالتزام بأحكام الإسلام والحفاظِ عليهم من دواعي الفجور واللهو المحرم بحجة التحضّر والبعد عن التعقيد وتغيّر الزمان.
وليس من التيسير ما يسلكه البعض حين يدَّعون سماحة الدين أمام أعداء الإسلام ، ويتنصلون من أحكامه وتعاليمه ، ثم هم من أشدّ الناس على الصُّلحاء والأخيار، بل قد يوظِّفون دعوى التيسير أداةً لقمع الدعوة إلى الحق وكبت الخير وتكبيله بحجة مسايرة العصر.وخير الهدي هدي محمد e الذي قال: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور”. وكثيراً ما يدعو إلى التشدد والتميع قلةُ الفقه في الدين، والجهلُ بمقاصد الشرع وأصول الملة . فالجهل من أسباب الضلال والانحراف ، وسبيل النجاة عزيز لا يبصره إلا من هداه الله إليه ، ولا يثبت عليه إلا من ثبته ربه ، ولذا أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذر سبحانه عباده لئلا تصيبهم الفتن، وحث على توقيها والبعد عنها فقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}.قال السعدي رحمه الله : (يأمر تَعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة لله وللرسول ، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه…ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِوَقَلْبِهِ} فإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه )
2- تحصين المجمع ضد العولمة والغزو الفكري ، ولا يخفى أن العولـمة غزت المجتمعات كلها في كل المجالات ، فهناك ما يزيد على خمسمائة قمر صناعي تدور حول الأرض ترسل إشارات لاسلكية تكرس العولـمة عبر أكثر من مليار ونصف مليار من الأجهزة التلفزيونية ، حيث تتشابه الصور والأفكار والأخبار والتحليلات .ولذا لا يمكن عزل الأمة عن هذا المد الفضائي الهائل ، بل لا بد من مواجهته وتحصين الأمة ضده بالاستفادة من الرسائل الإيجابية واجتناب السلبية وذلك بـ :
- الحث على العلم الشرعي ، فالعلم يحصن الشباب من الأفكارالهدامة وينمي إدراكه ويوجهه التوجيه السليم . ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على العلم الشرعي بقوله :” طلب العلم واجب على مسلم”. وقال :” وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع “. وبالعلم الشرعي يتوطد الأمن الثقافي : ويتأتَّى ذلك من خلال العلاقة الواعية مع الثقافة الوافدة مما يشكِّل درعاً منيعاً في وجه العولمة الضارة.
- وللأسرة دور كبير في تحصين الأبناء ، قال صلى الله عليه وسلم :” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “. وإن انشغال أولياء الأمور عن أبنائهم يفتح الباب أمام المد الثقافي التغريبي.ووسائل ذلك كثيرة ، أهمها : تلافي ازدواجية المناهج. فهناك نوعان من المناهج يتلقاها الطفل والشاب والفتاة أثناءدراسته ، الأول : المناهج الدراسية، والآخر هو المنهج الخفي الذي يتلقاه عبر الفضائيات والانترنت والمجلة والصورة . وكذا تعزيز المراقبة الداخلية داخل كل أفراد الأسرة بحثه على تقوى الله كما قال صلى الله عليه وسلم :” اتق الله حيثما كنت “، وإعانته على التعامل مع معطيات العصر منالفضائيات الانترنت بشكل سليم، وذلك بتحصينه فكريًا وأخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
- تنمية حسّ الممانعة والصمود ، على المستوى الفردي والجماعي ، وذلك بنشر الوعي بالعولمة، وطبيعتها ومجالاتها وتأثيراتها ومخاطرها.
3 – ومن مسؤولية المجتمع في درء الفتن : حفظ هيبة العلماء الربانيين وتمكينهم من مزيد من الحضور والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع. فبقدر أهمية العلماء الربانيين وحاجة الأمة إليهم يتبين خطر غياب دورهم أو تغييبه، فإن الثغرة التي هم عليها لا يسدُّها غيرهم، كما أنه يجب على العلماء أن يتقدموا لسدِّ الثغرة، وأن يتولُّوا زمام المبادرة بأنفسهم، وأن يكونوا قريبين من الناس قبل الفتن وفي أثنائها، وأن لا ينتظروا أن تأتيهم الفرص وهم قاعدون.ومتى تأخروا تقدم غيرهم ممن ليس أهلاً لسدِّ مكانهم، إذ لا بدَّ للناس من قادةٍ يرشدونهم ويوجِّهونهم وفي الحديث : “حتى إذا لم يجد الناس عالماً اتخذوا رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا”. فأول ما يفعله زبانية الفتنة – حتى يُلَبِّسوا على العامة ويروِّجوا لأفكارهم المنحرفة – هو الطعنُ في الأئمة والعلماء والقَدْحُ فيهم واتهامُهم بشتى أنواع التُّهَم ، وَرَمْيُهُمْ بأصنافٍ من العظائم ، مثل اتهامهم بالعمالة والجبن والمداهنة والنفاق،وأنهم علماء السلاطين. إلى غير ذلك من الكذب والبهتان الموجود في قواميسهم .فإذا تمكَّنوا من ذلك وأشاعوه ، سقطتْ هيبةُ أهل العلم بين الناس ، وضَعُفَتْ ثقة الناس بالعلماء، وحينئذ لا يسل أحد عن مصائد الفتن التي تخطف الشباب بكلاليبها. فالعلماءُ هُمُ الأمناءُ على دين الله ، وواجبٌ على كلّ مكلَّفٍ أخذُ الدِّين عن أهله كما قال بعض السلف : إن هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعلى وسائل الإعلام على اختلافها مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، فإن الحرب الشرسة التي تقودها بعض هذه الوسائل على أهل العلم ومحاولتها التقليل من شأنهم ، بتضخيم الأخطاء التي قد تقع منهم ، وهم فيها مأجورون ، أو بالتشنيع على اجتهاداتهم الفقهية التي لا تروق لبعض القائمين على هذه الوسائل .
4– ومن مسؤولية المجتمع في درء الفتن : ترشيد عواطف الشباب وصيانتها عن استغلالها بما يضر ويهدم ، والعاطفة التي لا تضبط بالشرع تصبح عاصفة.ولهذا نجد العلماءَ الكبارَ يربطون الحماسَ والغَيرةَ للدّين الموجودةَ عند الشباب بالحكمة والبصيرة حتى تؤتي ثمارها ، ولتكون عاقبتُها إلى خير وفلاح . فالغَيرةُ على الدِّين ، والحماسُ لا يكفيان ، لابُدَّ أن يكونَ هذا مؤسَّسًا على علمٍ وفقهٍ في دين الله ، ويكونُ ذلك صادِرًا عن علم ، وموضوعاً في محلّه ، والغَيرةُ على الدِّين طيّبةٌ ، والحماسُ للدِّين طيّبٌ ، لكن لا بُدَّ أن يُرَشَّدَ ذلك باتباع الكتاب والسنَة .
5– ومن مسؤولية المجتمع : تحصين الشباب لئلا يؤتون من باب الزهد والتدين فيقعون في حبائل أرباب التطرف والتكفير.فبعض دعاة التطرف قد يكون لهم نصيبٌ من الإخلاص ، أو غَيْرَة على محارم الله تعالى، الأمرُ الذي أدَّى بالبعض إلى أن يغترَّ بهم ، ويقعَ في حبالهم.لكن هذا الإخلاصُ وهذا الحماسُ لا يكفي وحده ليكون الإنسان على المنهج الحق . والأمرُ كما قال الصحابيُّ الجليلُ أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حينما أنكرَ على تلك الطائفة التي كانت تذكرُ اللهَ بطريقةٍ غير شرعيّة ، وعلى كيفيّةٍ غير نبويّة ، وقد قالوا له : والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخيرَ . فقال عبد الله بن مسعود: ” وكَمْ مِنْ مُريدٍ للخير لن يصيبَه “.فالاجتهادُ في الورع والعبادة لابُدَّ أن يكون مع الفقه في الدّين والعلم ، ولهذا وصفهم النبيُّ r لأصحابه : بأنَّهم يحقرون صلاتهم إلى صلاتهم ، وعبادتهم إلى عبادتهم ثم قال : يمرقون من الإسلام كما يمرقُ السّهمُ من الرّميّة ، مع عبادتهم ومع صلاحهم ومع تهجّدهم وقيامهم بالليل ، لكن لما كان اجتهادُهم ليس على أصلٍ صحيحٍ، ولا على علمٍ صحيحٍ صارَ ضلالاً ووبالاً ، وشرًّا عليهم وعلى الأمّة ولم تشفع لهم تلك العبادات ، ولا أنجتهم عند الله حُسْنُ النّيّات .
وَمِنْ هنا نُدْرِكُ خطرَ حملة الفكر التكفيري على عقيدة المسلمين وأمْنِهم ودينهم وسلامتهم ، ولا ينبغي إطلاقًا الاغترارُ بما يظهرُ من صلاحهم ، وحبهم لهذا الدّين . فلا بُدَّ أنْ يكونَ الحماسُ والغَيْرَةُ منضبطةً بعلم وبصيرة، ومبينةً على فقه وحكمة ورويّة .
والمقصودُ : أنَّه لا ينبغي للمسلم أَنْ يغترَّ بما يظهرونه من العبادة والزهد والعلم، حتى لا يقعَ في حبالهم ، وينخدعَ ببدعتهم وضلالهم .
· – ثالثاً ، دور مشترك بين العلماء والدعاة والمجتمع :
1 – لزوم جماعة المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم :” يد الله على الجماعة”.فالجماعة رحمة وعصمة من الانحراف، أما الفرقة : فاختلاف وعذاب، قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بجماعة المسلمين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” .وبعد أن أمر الله تعالى المسلمين بالجماعة في قوله { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، قال في الآية التي تليها { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } .وفي قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع عثمان رضي الله عنه في الحج ما يبين أهمية لزوم جماعة المسلمين وإمامهم .فقد كان عثمان رضي الله عنه يتم الصلاة الرباعية في منى ، يصلي أربع ركعات ، بتأويلٍ شرعيٍ رآه ، والسنة هي قصر الرباعية إلى ركعتين ، وكان ابن مسعود يتم الصلاة مع عثمان ويصليها أربعاً ، فسئل عن ذلك فقال : السنة أن يصلي الرباعية في منى ركعتين ، ولكني اكره الخلاف ، الخلاف شر ، الخلاف شر . رواه أبو داود وهو صحيح.
الفرقة الاختلاف عنوان الضعف وذهاب الريح وسبب الهزيمة والخسران . ففي معركة أحد ذاق الصحابة طعم الهزيمة بسبب عصيان بعضهم ـ لا كلهم ـ لأوامر ولي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد سجل الله تعال ذلك في القرآن في آيات تتلى إلى يوم القيامة . قال سبحانه في سورة آل عمران { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير } .قال ابن جرير والربيع ابن أنس وغيرهما: أن المراد من قوله تعالى { قل هو من عند أنفسكم } أي بسبب عصيانكم للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمركم أن لا تبرحوا من أماكنكم التي أمركم بها، فأبيتم إلا أن تنزلوا عن مواطنكم فبسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصابكم هذا.
وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا قدم إلى أرض أحد جعل الرماة ومعهم النبل على الجبل ، الذي يقع في ميمنة المسلمين حتى لا يقترب المشركون منهم فتكون ظهورهم محمية بجبل أحد وتكون ميمنتهم محمية بهؤلاء الرماة ، وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تنزلوا ولو رأيتمونا انتصرنا وغنمنا فلا تشركونا، ولو رأيتمونا دخلنا المدينة فلا تنزلوا، فلما احتدم القتال ودارت رحى المعركة انتصر المسلمون في البداية وفر المشركون على أدبارهم ، أخذ بعض المسلمين يلتفون حول الغنائم ، فلما رأى الرماة ذلك أرادوا المشاركة في المغنم ، ونزلوا عن الجبل فنصحهم البعض فأبوا إلا أن ينزلوا ، فلما نزلوا جاء المشركون فأخذوا مواقع الرماة من المسلمين فدخل المسلمون بعضهم في بعض وقتل بعضهم بعضًا وشُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأُدْمِيَ وكُسرت رباعيته ، فقال المسلمون : “أنى هذا” كيف حصل هذا؟ فوضع الله أيديهم على السبب والعلة التي من أجلها هزموا { هي من عند أنفسكم}، ويفسر هذه الآية قوله تعالى أيضًا في سورة الشورى{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }.
كما أن الفرقة سبب لاستبدال الخوف بالأمن واستبدال الجوع بالشبع وإراقة الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال وقطع السبل.أخرج الخلال في السنة بسند صحيح عن أبي الحارث الصائغ قال : سألت أبا عبد الله أحمد ابن حنبل في أمر حدث ببغداد وهمَّ قوم بالخروج ، فقلت : يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول : سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به.الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء وتستباح فيها الأموال وتنتهك فيها المحارم أما علِمْتَ ما كان الناس فيه ــ يعني أيام الفتنة ــ ؟ . قال : قلت : والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟قال: وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل. الصبر على هذا خير لك ويسلم لك دينك . قال : ورأيته ينكر الخروج على الأئمة ويقول : الدماء !! ، لا أرى ذلك ولا آمر به.أ . هـ .
كما أن الفرقة تؤدي إلى تسلط السفهاء وانتشار الجهل وإشاعة الفوضى وتعميق الصدع وتجلب كل لون من ألوان الفساد في الأرض{والله لا يحب المفسدين} ولذا ذمَّ الشرع الخوارج وأمر بقتالهم وحث على ذلك وإنما سموا بالخوارج لأنهم خرجوا على أئمة الإسلام وفرقوا جماعة المسلمين.قال الإمام الآجري : ( لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم.ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم يتأولون القرآن على ما يهوون يموهون على المسلمين . وقد حذرنا الله عز وجل منهم وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّرَناهم الخلفاء الراشدون بعده وحذَّرَناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين رحمة الله عليهم . والخوارج هم الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين).أ.هـ.رحمه الله رحمة واسعة.
1 – لزوم جماعة المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم :” يد الله على الجماعة”.فالجماعة رحمة وعصمة من الانحراف، أما الفرقة : فاختلاف وعذاب، قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بجماعة المسلمين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” .وبعد أن أمر الله تعالى المسلمين بالجماعة في قوله { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، قال في الآية التي تليها { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } .وفي قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع عثمان رضي الله عنه في الحج ما يبين أهمية لزوم جماعة المسلمين وإمامهم .فقد كان عثمان رضي الله عنه يتم الصلاة الرباعية في منى ، يصلي أربع ركعات ، بتأويلٍ شرعيٍ رآه ، والسنة هي قصر الرباعية إلى ركعتين ، وكان ابن مسعود يتم الصلاة مع عثمان ويصليها أربعاً ، فسئل عن ذلك فقال : السنة أن يصلي الرباعية في منى ركعتين ، ولكني اكره الخلاف ، الخلاف شر ، الخلاف شر . رواه أبو داود وهو صحيح.
الفرقة الاختلاف عنوان الضعف وذهاب الريح وسبب الهزيمة والخسران . ففي معركة أحد ذاق الصحابة طعم الهزيمة بسبب عصيان بعضهم ـ لا كلهم ـ لأوامر ولي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد سجل الله تعال ذلك في القرآن في آيات تتلى إلى يوم القيامة . قال سبحانه في سورة آل عمران { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير } .قال ابن جرير والربيع ابن أنس وغيرهما: أن المراد من قوله تعالى { قل هو من عند أنفسكم } أي بسبب عصيانكم للرسول صلى الله عليه وسلم لما أمركم أن لا تبرحوا من أماكنكم التي أمركم بها، فأبيتم إلا أن تنزلوا عن مواطنكم فبسبب عصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصابكم هذا.
وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا قدم إلى أرض أحد جعل الرماة ومعهم النبل على الجبل ، الذي يقع في ميمنة المسلمين حتى لا يقترب المشركون منهم فتكون ظهورهم محمية بجبل أحد وتكون ميمنتهم محمية بهؤلاء الرماة ، وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تنزلوا ولو رأيتمونا انتصرنا وغنمنا فلا تشركونا، ولو رأيتمونا دخلنا المدينة فلا تنزلوا، فلما احتدم القتال ودارت رحى المعركة انتصر المسلمون في البداية وفر المشركون على أدبارهم ، أخذ بعض المسلمين يلتفون حول الغنائم ، فلما رأى الرماة ذلك أرادوا المشاركة في المغنم ، ونزلوا عن الجبل فنصحهم البعض فأبوا إلا أن ينزلوا ، فلما نزلوا جاء المشركون فأخذوا مواقع الرماة من المسلمين فدخل المسلمون بعضهم في بعض وقتل بعضهم بعضًا وشُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأُدْمِيَ وكُسرت رباعيته ، فقال المسلمون : “أنى هذا” كيف حصل هذا؟ فوضع الله أيديهم على السبب والعلة التي من أجلها هزموا { هي من عند أنفسكم}، ويفسر هذه الآية قوله تعالى أيضًا في سورة الشورى{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }.
كما أن الفرقة سبب لاستبدال الخوف بالأمن واستبدال الجوع بالشبع وإراقة الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال وقطع السبل.أخرج الخلال في السنة بسند صحيح عن أبي الحارث الصائغ قال : سألت أبا عبد الله أحمد ابن حنبل في أمر حدث ببغداد وهمَّ قوم بالخروج ، فقلت : يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول : سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به.الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء وتستباح فيها الأموال وتنتهك فيها المحارم أما علِمْتَ ما كان الناس فيه ــ يعني أيام الفتنة ــ ؟ . قال : قلت : والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟قال: وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل. الصبر على هذا خير لك ويسلم لك دينك . قال : ورأيته ينكر الخروج على الأئمة ويقول : الدماء !! ، لا أرى ذلك ولا آمر به.أ . هـ .
كما أن الفرقة تؤدي إلى تسلط السفهاء وانتشار الجهل وإشاعة الفوضى وتعميق الصدع وتجلب كل لون من ألوان الفساد في الأرض{والله لا يحب المفسدين} ولذا ذمَّ الشرع الخوارج وأمر بقتالهم وحث على ذلك وإنما سموا بالخوارج لأنهم خرجوا على أئمة الإسلام وفرقوا جماعة المسلمين.قال الإمام الآجري : ( لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم.ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم يتأولون القرآن على ما يهوون يموهون على المسلمين . وقد حذرنا الله عز وجل منهم وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّرَناهم الخلفاء الراشدون بعده وحذَّرَناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين رحمة الله عليهم . والخوارج هم الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين).أ.هـ.رحمه الله رحمة واسعة.
2 – الحذر من تسلل الأعداء بين الصفوف . قال الله تعالى{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهدالله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرثوالنسل والله لا يحب الفساد }.
فالواجب على كل مسلم سواء كان عالماً أو طالب علم أو متعلم أو موظف أو مسؤول أو كاتب … ألخ ، كل من موقعه ومسؤوليته وبما آتاه الله من حجة وبرهان ، أن يبين حال المنافقين ويحذر منهم ويكشف أساليبهم في بث الفتنة في المجتمع ، وأن يبين زيف ما يدعون إصلاح وسعي في مصلحة المجتمع ، وذلك حتى لا تكون فتنة فيالأرض وفساد كبير .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
فالواجب على كل مسلم سواء كان عالماً أو طالب علم أو متعلم أو موظف أو مسؤول أو كاتب … ألخ ، كل من موقعه ومسؤوليته وبما آتاه الله من حجة وبرهان ، أن يبين حال المنافقين ويحذر منهم ويكشف أساليبهم في بث الفتنة في المجتمع ، وأن يبين زيف ما يدعون إصلاح وسعي في مصلحة المجتمع ، وذلك حتى لا تكون فتنة فيالأرض وفساد كبير .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/6714.html#ixzz2vf6YTdU0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق