الثلاثاء، 11 مارس 2014

‏ أهمية الوسطية ومكانتها في الإسلام

‏ أهمية الوسطية ومكانتها في الإسلام

الوسطية خاصة مميزة من أبرز خصائص ومميزات الإسلام، وهي وسام شرف الأمة الإسلامية، بهذه الوسطية استحقت أمة الإسلام أن تكون شهيدة على الناس من حيث لا تشهد عليها أمة أخرى، قال الله تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( ([1]) .
وإذا كانت الشهادة في أمر عادي لا تصلح إلا ممن كان عدلا تتوفر فيه شروط العدالة من العقل والصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، فكيف الأمر بمن يكون شهيدا على الناس جميعا؟
يقول أحد الباحثين عن هذه الوسطية التي قصد بها الشهادة: ( ولنقف عند هذه الوسطية التي قصد بها الشهادة، لنستجلي منها الأمور التالية: ([2]) .
1 – ‏ إن الشهادة في أمر عادي، تقتضي عدالة الشاهد الذي لا بد أن يكون عاقلا عالما بما يشهد به صادقا… إلخ، فكيف الأمر بمن يكون شاهدا على الناس كل الناس؟
2 – ‏ إن هذه الشهادة تثير في نفس الشاهد الاعتزاز والشعور بالكرامة، والمسؤولية والثقة في آن واحد.
3 – ‏ إن هذه الشهادة وإن كانت في الأخرى فهي أيضا لا بد أن تبدأ من الدنيا، بحيث تتوافر لدى الأمة الوسط الشاهدة أكرم السجايا وأجل المزايا، إذ لا يعقل أن يتخلف الشاهد عن مستوى المشهود عليه.
4 – ‏ إن هذه الشهادة تلقي على أصحابها مسؤولية إنقاذ البشرية، فهم أصحاب الوسط السوي، وهم الشهداء المكلفون بجلب الناس إلى هذا الطريق من مهالك الإفراط والتفريط، فالإنسان – أي إنسان – لا يمكن أن يبقى محايدا في ظل انحرافات عن يمينه ويساره، وهو المختار وهو الشاهد على من حوله.
5 – ‏ إن التفريط في هذا الواجب أو الإخلال به، أو التنازل عنه يعني: فقدان الوسطية، وحرمان الشهادة، وتضييع سمعة وشعار وسم الله به هذه الأمة، وجعله شعارا تتميز به في كل أمور حياتها.
إن الأمة الإسلامية هي أمة الوسط بكل معاني الكلمة: شرفا وإحسانا، وفضلا وتوازنا، واعتدالا وقصدا، وعقيدة ولفظا، وشريعة ومنهجا، وموقعا تاريخيا.
إنها الأمة التي تشهد على الناس جميعا، فتقيم بينهم العدل والقسط، وهي شهيدة على الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يشهد عليها، ويقرر لها بإذن ربه موازينها وقيمها،
ويحكم على أعمالها، وتقاليدها، ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيها الكلمة الأخيرة ([3]) .
لقد كان السلف الصالح من هذه الأمة الشهيدة على الناس أشد الناس تصورا للتوسط، وفهما للشريعة والعقيدة على هذا الأساس الراسخ، لما كانوا في حياتهم اليومية أكثر الناس تمسكا بهذا الأصل، وهو التوسط بلا غلو ولا انحلال، تشهد على ذلك سيرتهم وحياتهم من أخذ بأصول الخلاف العلمي وأدبه، وبالخلق الإسلامي الرفيع.
والواقع أننا إذا فهمنا أمر الوسطية في الإسلام فهما سليما شاملا، ثم دققنا النظر في جزئياتها، ودرسناها جزئية، لوجدنا أنها تشمل الحياة في كل جوانبها ومعانيها، وأنها تترك آثارها في نفسية المسلم الحق، في كل جوانبها ومعانيها، فيشعر دائما بالعزة بالله من جانب، والتواضع له ثم لعباده، والمسؤولية أمامه من جانب آخر، وبالتالي فهي تترك آثارها في الأمة الإسلامية جمعاء، رفعة ودماثة وحلما بشكل يمكن لحضارتها من الانتشار والازدهار فضلا عن ما كونته هذه الوسطية للأمة الإسلامية من محورية في البشرية كافة، استقطبت المواهب والكفاءات والخبرات، وجزت عنها أكرم الجزاء، ووظفتها للنفع العام الذي وجه الإسلام إليه.
وهكذا نالت مزيتها، وحازت جدارتها الفذة، التي ترتبت عليها وانبثقت عنها صدارتها في الوجود الإنساني، ومسؤوليتها عن ريادة البشرية، وبذل عطاء الإسلام هداية ودراية ونعمة ورحمة للعالمين ([4]) .
2 – أهداف الوسطية في الإسلام:
تهدف الوسطية في الإسلام إلى عدة أمور منها:
1 – ‏ نشدان الحقيقة المجردة بعيدا عن الأهواء والأمزجة والآراء، والرجوع إلى الحق طبقا لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة.
2 – ‏ تهدف الوسطية في الإسلام إلى تحقيق مبدأ تيسير الدين الإسلامي، فقد بني الدين الإسلامي على اليسر الذي يعتبر خاصة من خصائصه وميزة من مميزاته التي اختلف بها عن سواه من الأديان، إذ كان من حكمة بعث محمد صلى الله عليه وسلم رفع الإصر والأغلال الواقعة بالأمم من قبلنا، قال تعالى: )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ) ([5]) وقال تعالى: )يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( ([6]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه( ([7]) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: )قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين( ([8]) . في هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عملهم في سب الرجل والوقوع فيه من باب التشدد المخالف لسماحة الإسلام ويسره.
3 – ‏ومن أهداف الوسطية في الإسلام رفع الحرج، والحرج هو: ( كل ما أدى إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالها أو مالها ). ([9]) .
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات الكريمة التي فيها النص على نفي الحرج عن هذا الدين، قال تعالى: )مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ([10]) وقال تعالى: )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( ([11]) .
كما ورد العديد من الأحاديث الشريفة النافية للحرج عن هذا الدين الدالة على سماحة الإسلام ويسره.
3 – مزايا وفوائد الوسطية في الإسلام:
للوسطية في الإسلام مزايا وفوائد تميزها عن غيرها، والواقع أن معرفة هذه الأمور على قدر كبير من الأهمية؛ لأنها تعتبر ضوابط لتحديد الوسطية ومعرفة حقيقتها، كما وردت في الكتاب والسنة، وكما طبقها السلف الصالح من هذه الأمة، وفيما يلي نورد أهم مزايا وفوائد الوسطية في الإسلام، وهي:
أ‌ – ‏ الاستقامة.
ب‌ – ‏ الخيرية.
ج – الأمان.
د – القوة.

أ‌ – ‏ الاستقامة:
الاستقامة من أبرز مزايا وخصائص الوسطية في الإسلام، وقد عرفها ابن القيم – رحمه الله – بقوله: ( فالاستقامة كلمة جامعة، آخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء ) ([12]) .
وقد حث الله جل وعلا على الاستقامة في كتابه العزيز، قال تعالى: )فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ( ([13]) وقال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( ([14]) .
وكما حث القرآن الكريم على الاستقامة حث عليها الحديث الشريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه( ([15]) . وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: )قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك؟ قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم( ([16]) .
ب‌ – ‏ الخيرية:
الخيرية خاصة من خصائص الوسطية في الإسلام، وميزة من أهم ميزاتها، قال تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ( ([17]) قال ابن كثير في تفسير الآية: ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: )هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ( ([18]) .
وتتضح الخيرية بصفتها ميزة من أهم مميزات الوسطية في الإسلام في أمور، من أهمها ([19]) :
1 – ‏ أن الخيرية صفة لصيقة بالأمة الإسلامية، قال تعالى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ( ([20]) وقال سبحانه وتعالى: )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ( ([21]) .
والخير هو كل ما أقره الشرع، والدعوة إليه دعوة إلى طريق الفلاح مصداقا لقوله تعالى: )وأولئك هم المفلحون ( وإشاعته في كل القواعد المستقاة من شرع الله هي من أهم مجالات الدعوة إلى الله تعالى، وهي تحقيق مقتضى التمكين في الأرض، والتذكير بالخيرية هو التذكير بحبل النجاة، وهو حبل الله المتين، الذي لا يزيغ من تمسك به.
2 – ‏ إن الخيرية ترتبط ارتباطا جوهريا بمصدر القاعدة التشريعية وأثرها وجوهرها ومظهرها، فهذه القاعدة إلهية المصدر، فلم يفرضها بشر، بل فرضها الله تعالى وهذا سر خيريتها، وهي إنسانية الأثر، فهدفها هو تحقيق إصلاح المجتمع وصلاح حياة الناس في دينهم ودنياهم.
3 – ‏ إن الوسطية أيضا هي دليل الخيرية ومظهر في الماديات والمعنويات، ففي الأمور المادية نرى أفضل حبات العقد أواسطه، وفي الأمور المعنوية نجد المتوسط دائما خيرا من الطرف.
جـ – الأمان:
من أهم مميزات الوسطية الأمان، ولذا يقال: الوسطية تمثل منطقة الأمان والبعد عن الخطر، فالأطراف عادة تتعرض للخطر والفساد بخلاف الوسط، فهو محمي ومحروس بما حوله، وكذلك بشأن النظام الوسط والأمة الوسط، ولا شك أن التمسك بالقاعدة التشريعية هو الذي يحقق الأمان لأهل الإيمان.
إن الظلم من أعظم الأمور التي تزيل الأمن، ومن أظلم الظالمين من نأى عن وسطية القاعدة الشرعية، فعطلها وجنح إلى غيرها.
فمن أراد أن يخرج من طريق الضلال، وأن ينأى عن العذاب، فعليه أن يجيب داعي الله الذي يدعوه، ومن بين ما يدعوه إليه التمسك بالوسطية لما تحتله من خيرية.
د – القوة:
ومن أهم مميزات الوسطية في الإسلام كون الوسطية دليل القوة، فالوسط هو مركز القوة، ألا ترى أن الشاب الذي يمثل القوة وسطا بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، والشمس في وسط النهار أقوى منها في أول النهار وآخره ([22]) .
ومما لا شك فيه أن الوسطية قوة، ولكن أهم مظاهر هذه القوة هو القدرة بحيث إن هذه القدرة يمكن أن تخفي كل قوة وتبقى هي واضحة جلية في الدلالة على وسطية القاعدة التشريعية الإسلامية، فوسطية هذه القاعدة تعني قدرتها على ضبط علاقات الناس في شتى مجالات الحياة ضبطا محكما وملائما، استنادا إلى تجرد القاعدة الشرعية الإسلامية ذاتها، فهذه القاعدة ربانية المصدر، وهي لهذا السبب تتحرر من كل ما يستبد بها، فهي لا تخدم فئة محددة، ولذا فإنها قادرة على إرضاء جميع المخاطبين بأحكامها ). ([23]) .
وإذا نظرنا إلى الإسلام نجده يدعو إلى الوسطية والاعتدال في كل شأن من شؤون الدين والدنيا؛ لأن الوسطية حق وبريئة من الأهواء، ولذا أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم فغالبا يكون طرفا الجهتين إما الغلو وإما الجفاء، وإما التفريط وإما الإفراط ثم يحركه الهوى، أما الوسط والاعتدال المبني على العدل والحق فإنه يبرأ من الهوى.
4 – ‏ وسطية الإسلام بين الأديان والشرائع:
الإسلام وسط بين الديانات المختلفة، وسط بين اليهودية ( وهم أهل تقصير في الدين )، والنصرانية ( وهم أهل غلو في الدين )، والإسلام وسط بين المجوسية والبوذية، والإسلام وسط بين أهل القوانين بين الرومان وبين الذين يجعلون الحكم لأنفسهم، الإسلام وسط في الديانات وفي أنواع المعاملات والتشريعات والأخلاق.
الإسلام وسط فيما أمر به في المعتقدات، وما أخبر به الله تعالى أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم وفي التوحيد وسط بين الغالي فيه ممن يشرك بالله كالنصارى واليهود، وما بين الجافي والمبتعد عن ذلك، فالإسلام يدعو إلى توحيد الله تعالى، قال تعالى: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ( ([24]) . فتوحيد الله والإخلاص له أساس الملة والدين.
تتجلى وسطية الإسلام في الأمور الآتية:
أ‌ – ‏ وسطية الإسلام في العقيدة والشريعة:
الوسطية والاعتدال مطلوبان شرعا وفق ضوابطها الشرعية التي يقرها أهل العلم الراسخون فيه، الإسلام عقيدة وشريعة، فعقيدته مبنية على الوسطية، كما نص أهل العقائد، وشريعته مبنية على الوسطية والاعتدال أيضا، كما نص أهل الفقه والقواعد والمقاصد والأصول، قال تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ( ([25]) . أي جعلناكم أمة عدلا خيارا بما تتوسطون فيه بين الغالي والجافي.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/4864.html#ixzz2vfRMAEAZ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق