الأربعاء، 12 مارس 2014

التطرف اضطراب نفسي

التطرف اضطراب نفسي

 ما هوالتطرف ؟ ما هي أشكاله؟ ما هي أسبابه؟ وكيف نعالجه ؟
إشكاليات التعريف
أولا: التعريف اللغوي :
هو الغلو والإسراف ، أو الشطط بعيدا عن التوسط والاعتدال .
ثانيا: الاصطلاح الاجتماعي هو الخروج على المفاهيم والأعراف والتقاليد والسلوكيات العامة .
ثالثا: المفهوم الأمني والسياسي : هو الخروج على القانون والدستور السائد .
أذن فنحن نتوقع ان يختلف مفهوم التطرف من مجتمع لآخر . بل ويختلف مفهومه داخل المجتمع الواحد تبعا للجهة التي تحاكم سلوك الشخص .
رابعا : أهمية النموذج المثالي: IDEAL MODEL ولكي نحكم على سلوك ما بأنه متطرف يجب أن يكون لدينا نموذج مثالي نحاكم أليه هذا السلوك ، وهذا ممكن في حالة المجتمعات التي استقرت على تركيبات وديناميات راسخة في حياتها ، إما المجتمعات التي تمر بتحولات كثيرة في فترات زمنية وجيزة فأنها تعاني من غياب أو غموض النموذج المثالي للسلوك فيقع كثير من أفرادها أثناء حركنهم في المنطق الخطرة – جهلا أو عمدا – يوصمون بالتطرف .
خامسا : أهمية الإطار المرجعي FRAME OF REFERENCE وهذا يؤكد ضرورة وجود صيغة حقيقية وأصيلة ومقبولة تؤكد الهوية وتسمح بالبقاء والنمو وتحقق المصالح والأهداف لغالبية المجتمع ، وهذه الصيغة هي ما يطلق عليه الإطار المرجعي . وهذا الإطار المرجعي لا بد وأن يضع في الحسبان تركيبات وديناميات العقيدة والقيم والأخلاق والمعاملات في المجتمع الذي يتبناه ، ويكون ضاربا بجذوره في أعماق ذلك المجتمع ، وهذا لا يمنع بل لا بد أن يكون هذا الإطار المرجعي مواكبا لحركة الحياة البشرية المتطورة وأن يضع في اعتباره العلاقات المختلفة مع باقي مجموعات البشر .
سادسا : قيمة التقبل الاجتماعي هل الخروج على الأعراف الاجتماعية يعتبر تطرفا في كل الأحوال ؟ والإجابة هي ان هناك بعض الصفات الاجتماعية الفاسدة كالرشوة والغش والتزوير والظلم الخ .. وربما تكون هذه الصفات منتشرة في مجتمع ما الى الدرجة التي تصبح فيها هي القاعدة والخروج عنها يكون مستغربا وكمثال على ذلك عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم الى المجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية ليغير مفاهيمه وارعافه الفاسدة لم يكن متطرفا رغم اختلافه الجذري مع قيم وأعراف المجتمع الجاهلي السائدة في ذلك الوقت والمعيار الأفضل للحكم على سلوك بأنه متطرف أملا لا هو أثر ذلك السلوك ليس على الفرد وحده بل على المجتمع أيضا وهذا يوضح لنا الفرق بين السلوك الصحيح والسلوك المتطرف فالأول يصلح به الشخص ويصلح به غيره ويستمر ويبني ، أما الثاني فانه يهدم حياة الشخص وحياة المجتمع .. ومع أن التقبل
الاجتماعي الا انه على درجة كبيرة من الأهمية في غالب الأحيان .
أشكال التطرف :
التطرف يمكن ان يوجد في أي مجال من مجالات الحياة ، فمثلا هناك التطرف السياسي (أقصى اليمين أو أقصى اليسار) والتطرف العرقي والتطرف الاجتماعي والتطرف الديني الخ وأيا كان الشكل الذي يأخذ التطرف الا أنه يمكن تقسيمه الى ثلاثة أنواع توجد منفردة أو مجتمعه .
أولا : التطرف المعرفي:
وهو أن ينغلق الشخص على فكرة أو أفكار معينة ، ولا يتقبل المناقشة أو إعادة النظر فيها ويعتبرها من الثوابت المطلقة وهو في هذه الحالة لا يلغي وظيفة عقله فقط في تمحيص هذه الفكرة أو الأفكار بل انه يلغي أي رأي آخر مخالف ولا يسمح لهذا الرأي أن يدخل مجال وعيه فضلا عن ان يتفهمه أو يناقشه أو يتقبله .
ثانيا : التطرف الوجداني :
وهو شعور حماسي طاغ نحو شيء معين يجعل الشخص مندفعا في اتجاه معين دون تبصر ، وربما يدفعه هذا الانفعال الى تدمير نفسه أو غيره وربما يندم بعد ذلك حين تخف حدة هذا الانفعال (المؤيد أو الرافض) وبالتالي يعود الى رشده ، وفي بعض الأحيان لا يحدث هذا وانما يظل الشخص يشحن نفسه (أو يشحنه المجتمع)بشحنات وجدانية هائلة تهدد بالانفجار في آية لحظة .
ثالثا: التطرف السلوكي :
وهو المغالاة في سلوكيات ظاهرية معينة بما يخرج عن الحدود المقبولة ، وكان هذه السلوكيات هدف في حد ذاتها ولذلك يكررها الشخص بشكل نمطي وهي خالية من المعنى وفاقدة للهدف ولا يتوقف الأمر عند الشخص ذاته بل يحاول إرغام الآخرين على التقيد بما يفعله هو قهرا أو قسرا، وربما يلجأ الى العدوان على الآخرين لإرغامهم على تنفيذ ما يريد .
أسباب التطرف:
أولا: أسباب بيولوجية : مقل :
-الحرمان من رعاية أحد الأبوين أو كلاهما في سن مبكرة .
-الحرمان الاجتماعي
-صدمة نفسية شديدة خاصة في الطفولة .
-العلاقة المضطربة بالأقران
-اضطراب العلاقة بين الطفل ووالده أو بين الطفل ورموز السلطة في الأسرة أو في المدرسة أو في المسجد ن وينمو هذا الصراع ويكبر ويصبح الشخص في صراع مع أي رموز للسلطة على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الديني وهذا يفسر لنا رفض الشباب المتطرف الانضواء تحت أية سلطة حتى ولو كانت رشيدة فهم يفضلون تكوين مجموعات ممن هم في مثل سنهم دون وصاية أو توجيه من مصدر أعلى .
وجود بعض الاضطرابات النفسية مثل:
الاضطراب العصابي كالقلق والاكتئاب : ففي محاولة الشخص للخروج من دائرة القلق او الاكتئاب يلجأ الى نقل مجال الصراع من داخل النفس الى الخارج حيث يصبح الصراع دائرا بين النفس والمجتمع وبالتالي يصبح الصراع أقل ايلاما للشخص وأكثر قبولا منه حيث يشعره انه يقوم بدور ما .
اضطراب الشخصية البارانوي : وهذا الشخص المتعالي المتسلط الذي يرى أنه جدير (وحده) بتوجيه الناس الى ما يريد ، وان الناس (كل الناس ) عليهم ان يسمعوا ويستجيبوا واذا اعترضوا فلا بد من قهرهم ولو بالقوة .
الاضطراب الذهاني :
وهذا يمثله بعض المرضى العقليين المصابين بالفصام أو الهوس أو الاضطرابات الضلالية ، حيث يعتقد المريض في نفسه انه المسيح المهدي المنتظر او الأمام الأعظم الذي جاء لهداية الناس، وفي بعض الحالات يستطيع المريض ان يكتم هذا الاعتقاد عن المحيطين به ولكنه يتصرف انطلاقا منه فيظهر امام الناس في صورة مصلح او داعية مشوه الفكر والوجدان والسلوك .
التعميم والتحويل :
وفي بعض الأحيان يكون التطرف مدفوعا بأشياء أخرى مختلفة عن الأشكال الظاهر تماما : كأن يكون الشخص واقعا تحت تأثير معاناة مادية أو اجتماعية أو سياسية شديدة أو فشل في ان يحقق ما يريد على المستوى الشخصي ، لذلك يحول القضية الشخصية الى قضية عامة ، وهذا يعطي لمعاناته ومحاولاته معني أكبر يخفف من ألام الإحباط الشخصي الذي يشعر به وفي ذات الوقت لا يجد نفسه وحيدا في هذه الأزمة .
ثالثا : أسباب اجتماعية ثقافية : Socio-Cultural Causes
انخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي لان الأسرة الفقيرة لا تستطيع ان تدعم أفرادها وان تزودهم بمهارات التكيف خاصة في وقت الأزمات .
التغيرات الاجتماعية أو الثقافية أو التكنولوجية السريعة : ففي مراحل التغيرات السريعة يختل التوازن وتتداخل القيم والمفاهيم ويكثر التطرف .
رابعا : أسباب دينية : Religious Causes
اتساع الهوة بين القيم السائدة والقيم المعلنة مما يعطي رسالة مزدوجة للشخص تدعه في حيرة وقلق وهذا يجعله يشك في مصداقية من حوله ، وبالتالي يصبح أكثر عدوانية نحوهم ، فمثلا يتعلم الطفل أو المراهق في المدرسة أو المسجد أن الكذب حرام وان الرشوة حرام وان الظلم حرام وان الخمر حرام وان السفور حرام وان الربا حرام ومع ذلك يجد كثيرا من هذه الأشياء سائدة في مجتمعه فيحدث داخله صراع مؤلم يحاول التخلص منه بتحطيم مظاهر الخروج على القيم المعلنة حتى يستريح .
استفزاز المشاعر الدينية من خلال تسفيه القيم أو الأخلاق او المعتقدات أو الشعائر بالقول أو الفعل مع عدم إعطاء الفرصة للرد على ذلك .
مقاومة دواعي السقوط:
حين يبدأ الشاب طريق الالتزام الديني فهو يبذل جهدا هائلا للتغلب على رغباته الداخلية (خاصة الجنس والعدوان) ولكنه يفاجأ بأن ثمة مثيرات في المجتمع تحاول أيقاظ هذه الرغبات بشكل ملح ، وهنا يشعر ذلك الشاب باحتمال السقوط في هوة الرغبات غير الأخلاقية فيحول الصراع من داخل نفسه الى صراع مع العوامل المثيرة فيشتبك مع رموز المجتمع على اعتبار أنهم مسئولون عما يحدث له.
خامسا: عوامل تعزيزية : هناك بعض العوامل التي من شأنها زيادة حدة التطرف واستمر أريته ومن هذه العوامل معاملة التطرف بتطرف مضاد ، أو الاقتصار على الوسائل القمعية دون البحث والتعامل مع جذور المشكلة وهذا يؤدي الى ما يسمي بالتغذية المرتجعة للتطرف FEED BACK والى نشوء ظاهرة الدوائر المغلقة .
شخصية المتطرف وشخصية الداعية :
لقد حدث اختلاط(أو خلط ) كبير بين مفهوم التطرف ومفهوم الدعوة وذلك نظرا لوجود بعض التشابهات السطحية (الشكلية) بين المتطرف والداعية ، والتي يستغلها أصحاب الإدراك المشوه (أو المغرض) في التعميم المخل فيضعون المتطرفين والدعاة (جهى أو عمدا) في صف واحد رغم التباين الهائل بينهما والذي يصل الى حد التضاد والتنافر.
التفرقة بين شخصية المتطرف وشخصية الداعية :
والسؤال الهام هو : كيف نفرق بين المتطرف والداعية من حيث الشكل والمضمون؟
والإجابة: تتلخص في النقاط التالية :
(1)التركيب الجسماني والشكلي: في كثر من الأحيان نجد المتطرف ذا طول بائن أو قصر مستهجن ، أو يحمل في تركيبه الجسماني عاهة معينة أو اختلافا يميزه عن الناس بشكل أو بأخر ، وتبدو في قسمات وجهه الحدة أو التجهم ، وفي حركاته نبرة العدوان أو التحدي. وهو أما كثير الكلام أو الحركة أو قليلهما بشكل ملفت للنظر ، وفي كل الحالات نجد إهمالا واضحا في مظهره وعدم تناسق في ملبسة .
أما الداعية فهو يبدو وسطا معتدلا في شكله ومظهره ، حسن السمات منبسط الوجه ، نظيفا متناسقا ، ودود النظرات ، ولا يميل الى لفت الأنظار بغرائب المظهر أو الملبس.
الحالات النفسية : يبدو في المتطرف بروز(زائد) في أحد النواحي (كجنوح في الفكر أو الانفعال أو السلوك) فتراه يركز بلا هوادة على فكرة بعينها أو تراه عصبيا أو عدوانيا بلا مبرر واضح.
أما الداعية فهو متناسق الفكر والانفعال والسلوك كأنه منظومة كونية رائعة ، وهو هادئ النفس سمحا طيبا .
الحالة الروحانية : المتطرف يكون بعيدا عن روحانيات الدين وتساميه ( في عقيدته وشرائعه) فتجده يتحدث حديثا جافا ويسلك سولكا خشنا ويبدي عدوانية أرضية منفرة .
أما الداعية فتجد في كلامه وصمته وحركاته وسلوكه روحانية صافة تجعل الاقتراب منه مريحا سلسا. ويشعر من حوله بأنهم يحلقون معه الى السماء
العلاقات الاجتماعية :
أول ما تلمحه في المتطرف السلوك العدواني المتسلط القاهر ، ولذلك تجد علاقاته الاجتماعية مضطربة غاية الاضطراب حتى مع أقرب المقربين له ( والديه أو زوجته أو أبنائه ) وهو دائم الصراع مع من حوله .
أما الداعية فهو محب مسالم حسن العلاقات مع من حوله حتى وان اختلف معهم في الرأي ، وهو في خدمة من حوله ، ذو مروءة ونجدة وايثار. وحتى في مواجهة الضالين أو المشركين تجده يكره أفعالهم ولا يكرهم وشعاره في ذلك (اللهم أهد قومي فانهم لا يعلمون) .
الأهداف:
هدف المتطرف هو التحكم والتسلط والاستعلاء على الناس وتوجيههم الى حيث يريد قهرا وقسرا (إرضاء لرغباته ونقائصه الذاتية ).
أما هدف الداعية فهو التربية والتوجيه والتنوير وارشاد الناس الى ما يصلحهم ، وكثيرا ما يضحى بنفسه وماله في هذا الطريق وشعاره ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
توصيات :
أولا : محاولة الاكتشاف المبكر للتطرف الفكري والوجداني ومحاولة علاجه قبل ان يتحول الى تطرف سلوكي يوقع صاحبه تحت طائلة القانون .
ثانيا: دراسة كل حالة توصف بالتطرف على حدة ، ويشترك في هذه الدراسة أطباء نفسيون واجتماعيون وعلماء دين .
ثالثا: البعد عن التعميم في التعامل مع التطرف ومحاولة حصر ردود الأفعال تجاه من يصدر منه السلوك المتطرف حتى لا تتسع دائرة التطرف والتطرف المضاد مع الوقت .
رابعا: ألت أكيد على أهمية الحوار العلاجي ، ذلك الحوار الذي يضع في الاعتبار دوافع التطرف وأسبابه وطرق علاجه ، وفي ذات الوقت لا يلغي المسئولية الجنائية المترتبة على السلوك المتطرف . وهذا الحوار ربما ينجح في قطع الدوائر المغلقة والتغذية المرتجعة للتطرف من خلال اكتشاف خلل معرفي أو وجداني أو سلوكي يمكن تصحيحه أو علاجه قبل وأثناء وبعد توقيع العقوبة .
خامسا: تنظيم المجتمعات بالصورة التي تخفض مثيرات التطرف والعنف الى أدني مستوى وذلك من خلال منع الظلم على المستوى الفردي والاجتماعي ،وإرساء العدل ومنع تفشي الفواحش والمنكرات والاساء قواعد التكافل الاجتماعي ومحاربة الفساد.
سادسا: بث الوعي الديني الذي يرتقي بروح الانسان عن طريق تقوية الأيمان الذي يسمو بالنفس ويذكرها بالحساب والجزاء والصلاة وما يهيؤه من استرخاء نفسي وعضلي يخفف من حدة التوتر .. والزكاة كوسيلة لتزكية النفس وتخفيف حدة الصراع الاجتماعي والصوم وما يمنحه من قوة السيطرة على رغبات الانسان العدوانية والحج وما يوصي به ويرسخه من معاني الاخوة الإنسانية ووحدتها .
سابعا: تدريس أدب الخلاف ضمن المناهج الدراسية .
قال تعالي : أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن “.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/studies/7579.html#ixzz2vjocQrI0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق