الأربعاء، 12 مارس 2014

تداخل الغيبة المحرمة مع التحذيرالمشروع من الأعيان وأثره على مشاريع الإصلاح وعلى تدين الفرد

تداخل الغيبة المحرمة مع التحذيرالمشروع من الأعيان وأثره على مشاريع الإصلاح وعلى تدين الفرد

الشيخ عادل المرشدي

- من كمال العطاء في الهداية بيان موجبات الضلال للمهتدي وتحذيره منها قبل إضلاله (و ماكان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم مايتقون).

- في الوحي بيان واضح لكون العجب وتتبع العورات والسخرية والشماتة من محبطات الأعمال ومذهبات الهداية كمافي السنة وفي القرآن كآيات الحجرات .

- عدم استقلال القضاء وكثرة الظلم ووجود حالات تباح فيها الغيبة سبب لتفعيل الحكمة في إنكارها ولتأليف القلوب بتقليل دوافع القطيعة والهجر .

-الغيبة نوع من البغي وسبب للقطيعة و"مامن ذنب أجدرأن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" .

- التوسع في الحالات التي تباح فيها الغيبة كالتحذير المشروع من الأعيان سبب لزيادة الفحش بالتأويل الفاسد ولمقابلة الجرأة بالورع البارد .

-التأويل الفاسد في الغيبة فرع عن الخطأ في التأصيل بعدم التفريق بين المجاهر بالشر والمستور أو الخطأ في التنزيل بجعل كل الأزمنة كواقع السلف.

- الطغيان في الكلام خروج عن العدل وهو ثمرة للشح الذي هو شدة حرص النفس كما قال عياض الفهري : "إن الرجل ليطغى في كلامه كمايطغى في ماله ".

- كان عبدالرحمن بن عوف يقول في طوافه : رب قني شح نفسي ، رب قني شح نفسي ؛ فقيل له في ذلك، فقال :" إذا وقيت شح نفسي فقد وقيت القطيعة والظلم".

-وكان تغليب السلامة هو المقدم عند السلف كما قال النخعي : " إني لأرى الشيء أكرهه في نفسي فما يمنعني أن أعيبه إلا كراهة أن أبتلى بمثله " .

-اتخاذ حرمة الغيبة غطاء لتمرير أخطاء المعظمين ولتسهيل نجاح مشاريع المفسدين جعل المغرر بهم ضحية لتداخل الكلام المشروع في الأعيان بالغيبة .

- من مراعاة الاختلاف بين الواقع الذي يظهر فيه العلم ويغلب عليه الخير وبين ضده من الأزمنة أن السلف كانوا ينهون عن الاستماع للقصاص ويذمونه.

-مانقل عن السلف في القصاص يصلح مثالا لأهمية مراعاة الزمان فقد نقل عن أحمد الترخيص فيه وقال ابن الجوزي : ( وقد كان جماعة من السلف يرون تخليط القصاص , فينهون عن الحضور عندهم .
وهذا على الإطلاق لا يحسن اليوم ، لأنه كان الناس في ذلك الزمان متشاغلين بالعلم ، فرأوا حضور القصص صاداً ، واليوم كثر الإعراض عن العلم ، فأنفع ما للعامي مجلس الوعظ ، يرده عن ذنب ، ويحركه إلى توبة ، وإنما الخلل في القاص ، فليتق الله عز وجل )

- لم يكن حسن القصد في حفظ السنة وهو مما يشرع لأجله جرح الأعيان مانعا من انتقاء اللفظ حتى كان البخاري إذا بالغ في جرح الراوي قال : "فيه نظر".

-التحذير المشروع من الأعيان هو ماكان بإطلاق الأسماء الشرعية على من يستحقها بعلم وعدل كاسم كافر ومنافق ومبتدع وفاسق دون تعليق الذم بوصف مجمل.

- مناطات الأسماء الشرعية واضحة لاتخفى عند المطالبة بها لأن الأصل هو الإسلام والإيمان والسنة والصلاح فمن لم يأت ببينة على خلافها فهو مغتاب.

-سبب تعليق الذم بالأوصاف المجملة هو العجز عن إقامة البينة على مشروعية التحذير من الأعيان لهذا كان هذا التعليق علامة للهوى وسببا لزوال الهداية.

- من الأوصاف المجملة التي لاتدخل في التحذير المشروع : ( حزبي ) ، ( تكفيري ) ، ( سروري ) ،(عميل) ، (مميع) ، (متلون) ، ( مغفل ) ، ( قاعد ).

-من يستخدم الألفاظ المجملة للتحذير من الأعيان دون بينة على معنى الذم أو بإرادة التكفير والتبديع والتفسيق فهو مصيب للناس بجهالة ومن المغتابين.

-هناك فرق بين نسبة الفرقة إلى مؤسسها والقول المحدث إلى قائله وبين إضافة المعين إليها دون بينة فهذا من جنس تفريق الجماعة بعقد الولاء على الأسماء.

-التشوف للحق يجعل التائب من هذا الذنب يعود إليه لتعارض موجبات الكلام والصمت بسبب عدم معرفة الأصل الذي يعود إليه هذا الباب فيرجع للجهل والظلم.

-الأصل الذي يعود إليه هذاالباب هو مسألة دقيقة في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي تلازم المعروف والمنكر بحيث يلزم من زوال أحدهما زوال الآخر.

- ( تلازم المعروف والمنكر ) من مسائل الاحتساب التي يفرق فيها بين (النوع) و (العين) ويلزم من ترك التفريق بينهما مفاسد تنافي الإصلاح والعدل.

-أفضل من تكلم في (تلازم المعروف والمنكر) هو الإمام ابن تيمية في كتاب الاستقامة عند الحديث عن البغي في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

-صورة هذه المسألة كما في كتاب الاستقامة هي وجود فرد أو جماعة يعملون معروفا مقترنا بمنكر بحيث يلزم من ترك أحدهما ترك الآخر ولايمكن فصلهما.

-حكم الاحتساب في هذه الصورة على ( نوع المنكر) واجب في كل حال فيجب بيان الحكم الشرعي في النوع مطلقا فتبين البدعة والمعصية ويحذر منها وصفا.

- أما عين صاحب هذه الصورة سواء كان فردا أو جماعة فلا يقال إنه يسمى مطلقا وينكر عليه ولا يقال إنه لايسمى مطلقا ولاينكر عليه بل فيه تفصيل.

- فإن كانت السنة أظهر من البدعة الملازمة لها أو الطاعة أظهر فلا ينكر على (العين) إنكارا يؤدي لترك السنة والبدعة معا أوالطاعة والمعصية معا.

-وإن كانت البدعة أظهر من السنة الملازمة لها والمعصية أظهر من الطاعة فإنه ينكر على (العين) فردا كان أو جماعة حتى لو فاتت السنة والطاعة.

-وفي حالة الاشتباه يجب التوقف حتى يتبين الأرجح ولايتكلم بمالايعلم رجحان مصلحته، ويكون كلامه قبل زوال الاشتباه مذموما حتى يتبين له الأصلح.

- فيعتبر وينظر في حال (الأعيان) فلايخرج أحد من نور فيه ظلمة إلى ظلمة لانورفيها طلبا لنورلاظلمة فيه مالم ينتف التلازم أوتكون المخالفة أظهر.

- وقد دخل المفسدون على الصالحين من باب الاحتساب دون تمييز مسائل تلازم المعروف بالمنكرعن غيرها فكان سببا في الصد عن طاعة الله والأمر بمعصيته.

- وإلحاق المعين الذي عنده بدعة ملازمة لسنة أو معصية ملازمة لطاعة بحكم من ليس كحاله ظلم له حتى لوكانت مخالفته أظهر فضلا عن مالو كانت أقل .

-من الخطأ في الفهم جعل هذه الصورة مطابقة لغيرها من صور موازنة الحسنات والسيئات فهي من باب التلازم لا من باب الحكم العام الذي هو نوع آخر.

-الحكم العام وذكر مايحذر منه في (المعين) عند الحاجة هو من التقييم المأمور فيه بالعدل ومن النصح الذي يختلف عن تعليق الذم بالوصف المجمل والظن.

- وهذا كلام الإمام ابن تيمية في الاستقامة بتمامه : (إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما ; بل إما أن يفعلوهما جميعا ; أو يتركوها جميعا : لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر ; ينظر : فإن كان المعروف أكثر أمر به ; وإن استلزم ما هو دونه من المنكر . ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ; بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات وإن كان المنكر أغلب نهى عنه ; وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف . ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله . وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما .
فتارة يصلح الأمر ; وتارة يصلح النهي ; وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ; وذلك في الأمور المعينة الواقعة .
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقا . وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها ; بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه .
وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق ; فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ; وإذا تركها كان عاصيا فترك الأمر الواجب معصية ; وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية . وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله . ) مجموع الفتاوى ج٢٨ ص ١٣٠ـ ١٣١

-ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق