تداخل الغيبة
المحرمة مع التحذيرالمشروع من الأعيان وأثره على مشاريع الإصلاح وعلى تدين الفرد
الشيخ عادل المرشدي
- من كمال العطاء في الهداية بيان موجبات الضلال
للمهتدي وتحذيره منها قبل إضلاله (و ماكان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم
مايتقون).
- في الوحي بيان واضح لكون العجب وتتبع العورات
والسخرية والشماتة من محبطات الأعمال ومذهبات الهداية كمافي السنة وفي القرآن كآيات
الحجرات .
- عدم استقلال القضاء وكثرة الظلم ووجود حالات
تباح فيها الغيبة سبب لتفعيل الحكمة في إنكارها ولتأليف القلوب بتقليل دوافع القطيعة
والهجر .
-الغيبة نوع من البغي وسبب للقطيعة و"مامن
ذنب أجدرأن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة
الرحم" .
- التوسع في الحالات التي تباح فيها الغيبة
كالتحذير المشروع من الأعيان سبب لزيادة الفحش بالتأويل الفاسد ولمقابلة الجرأة بالورع
البارد .
-التأويل الفاسد في الغيبة فرع عن الخطأ في
التأصيل بعدم التفريق بين المجاهر بالشر والمستور أو الخطأ في التنزيل بجعل كل الأزمنة
كواقع السلف.
- الطغيان في الكلام خروج عن العدل وهو ثمرة
للشح الذي هو شدة حرص النفس كما قال عياض الفهري : "إن الرجل ليطغى في كلامه كمايطغى
في ماله ".
- كان عبدالرحمن بن عوف يقول في طوافه : رب
قني شح نفسي ، رب قني شح نفسي ؛ فقيل له في ذلك، فقال :" إذا وقيت شح نفسي فقد
وقيت القطيعة والظلم".
-وكان تغليب السلامة هو المقدم عند السلف كما
قال النخعي : " إني لأرى الشيء أكرهه في نفسي فما يمنعني أن أعيبه إلا كراهة أن
أبتلى بمثله " .
-اتخاذ حرمة الغيبة غطاء لتمرير أخطاء المعظمين
ولتسهيل نجاح مشاريع المفسدين جعل المغرر بهم ضحية لتداخل الكلام المشروع في الأعيان
بالغيبة .
- من مراعاة الاختلاف بين الواقع الذي يظهر
فيه العلم ويغلب عليه الخير وبين ضده من الأزمنة أن السلف كانوا ينهون عن الاستماع
للقصاص ويذمونه.
-مانقل عن السلف في القصاص يصلح مثالا لأهمية
مراعاة الزمان فقد نقل عن أحمد الترخيص فيه وقال ابن الجوزي : ( وقد كان جماعة من السلف
يرون تخليط القصاص , فينهون عن الحضور عندهم .
وهذا على الإطلاق لا يحسن اليوم ، لأنه كان
الناس في ذلك الزمان متشاغلين بالعلم ، فرأوا حضور القصص صاداً ، واليوم كثر الإعراض
عن العلم ، فأنفع ما للعامي مجلس الوعظ ، يرده عن ذنب ، ويحركه إلى توبة ، وإنما الخلل
في القاص ، فليتق الله عز وجل )
- لم يكن حسن القصد في حفظ السنة وهو مما يشرع
لأجله جرح الأعيان مانعا من انتقاء اللفظ حتى كان البخاري إذا بالغ في جرح الراوي قال
: "فيه نظر".
-التحذير المشروع من الأعيان هو ماكان بإطلاق
الأسماء الشرعية على من يستحقها بعلم وعدل كاسم كافر ومنافق ومبتدع وفاسق دون تعليق
الذم بوصف مجمل.
- مناطات الأسماء الشرعية واضحة لاتخفى عند
المطالبة بها لأن الأصل هو الإسلام والإيمان والسنة والصلاح فمن لم يأت ببينة على خلافها
فهو مغتاب.
-سبب تعليق الذم بالأوصاف المجملة هو العجز
عن إقامة البينة على مشروعية التحذير من الأعيان لهذا كان هذا التعليق علامة للهوى
وسببا لزوال الهداية.
- من الأوصاف المجملة التي لاتدخل في التحذير
المشروع : ( حزبي ) ، ( تكفيري ) ، ( سروري ) ،(عميل) ، (مميع) ، (متلون) ، ( مغفل
) ، ( قاعد ).
-من يستخدم الألفاظ المجملة للتحذير من الأعيان
دون بينة على معنى الذم أو بإرادة التكفير والتبديع والتفسيق فهو مصيب للناس بجهالة
ومن المغتابين.
-هناك فرق بين نسبة الفرقة إلى مؤسسها والقول
المحدث إلى قائله وبين إضافة المعين إليها دون بينة فهذا من جنس تفريق الجماعة بعقد
الولاء على الأسماء.
-التشوف للحق يجعل التائب من هذا الذنب يعود
إليه لتعارض موجبات الكلام والصمت بسبب عدم معرفة الأصل الذي يعود إليه هذا الباب فيرجع
للجهل والظلم.
-الأصل الذي يعود إليه هذاالباب هو مسألة دقيقة
في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي تلازم المعروف والمنكر بحيث يلزم من زوال
أحدهما زوال الآخر.
- ( تلازم المعروف والمنكر ) من مسائل الاحتساب
التي يفرق فيها بين (النوع) و (العين) ويلزم من ترك التفريق بينهما مفاسد تنافي الإصلاح
والعدل.
-أفضل من تكلم في (تلازم المعروف والمنكر) هو
الإمام ابن تيمية في كتاب الاستقامة عند الحديث عن البغي في باب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
-صورة هذه المسألة كما في كتاب الاستقامة هي
وجود فرد أو جماعة يعملون معروفا مقترنا بمنكر بحيث يلزم من ترك أحدهما ترك الآخر ولايمكن
فصلهما.
-حكم الاحتساب في هذه الصورة على ( نوع المنكر)
واجب في كل حال فيجب بيان الحكم الشرعي في النوع مطلقا فتبين البدعة والمعصية ويحذر
منها وصفا.
- أما عين صاحب هذه الصورة سواء كان فردا أو
جماعة فلا يقال إنه يسمى مطلقا وينكر عليه ولا يقال إنه لايسمى مطلقا ولاينكر عليه
بل فيه تفصيل.
- فإن كانت السنة أظهر من البدعة الملازمة لها
أو الطاعة أظهر فلا ينكر على (العين) إنكارا يؤدي لترك السنة والبدعة معا أوالطاعة
والمعصية معا.
-وإن كانت البدعة أظهر من السنة الملازمة لها
والمعصية أظهر من الطاعة فإنه ينكر على (العين) فردا كان أو جماعة حتى لو فاتت السنة
والطاعة.
-وفي حالة الاشتباه يجب التوقف حتى يتبين الأرجح
ولايتكلم بمالايعلم رجحان مصلحته، ويكون كلامه قبل زوال الاشتباه مذموما حتى يتبين
له الأصلح.
- فيعتبر وينظر في حال (الأعيان) فلايخرج أحد
من نور فيه ظلمة إلى ظلمة لانورفيها طلبا لنورلاظلمة فيه مالم ينتف التلازم أوتكون
المخالفة أظهر.
- وقد دخل المفسدون على الصالحين من باب الاحتساب
دون تمييز مسائل تلازم المعروف بالمنكرعن غيرها فكان سببا في الصد عن طاعة الله والأمر
بمعصيته.
- وإلحاق المعين الذي عنده بدعة ملازمة لسنة
أو معصية ملازمة لطاعة بحكم من ليس كحاله ظلم له حتى لوكانت مخالفته أظهر فضلا عن مالو
كانت أقل .
-من الخطأ في الفهم جعل هذه الصورة مطابقة لغيرها
من صور موازنة الحسنات والسيئات فهي من باب التلازم لا من باب الحكم العام الذي هو
نوع آخر.
-الحكم العام وذكر مايحذر منه في (المعين) عند
الحاجة هو من التقييم المأمور فيه بالعدل ومن النصح الذي يختلف عن تعليق الذم بالوصف
المجمل والظن.
- وهذا كلام الإمام ابن تيمية في الاستقامة
بتمامه : (إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما
; بل إما أن يفعلوهما جميعا ; أو يتركوها جميعا : لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا
من منكر ; ينظر : فإن كان المعروف أكثر أمر به ; وإن استلزم ما هو دونه من المنكر
. ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ; بل يكون النهي حينئذ من باب الصد
عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات وإن كان المنكر أغلب
نهى عنه ; وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف . ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم
للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله . وإن تكافأ المعروف والمنكر
المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما .
فتارة يصلح الأمر ; وتارة يصلح النهي ; وتارة
لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ; وذلك في الأمور المعينة
الواقعة .
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى
عن المنكر مطلقا . وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها
ويحمد محمودها ويذم مذمومها ; بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر
فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه .
وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له
الحق ; فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ; وإذا تركها كان عاصيا فترك الأمر الواجب
معصية ; وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية . وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله
. ) مجموع الفتاوى ج٢٨ ص ١٣٠ـ ١٣١
-ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق