الأربعاء، 19 مارس 2014

"التكفير والقتال" الدميجي

صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية. 
(الجزء الأول).
 "التكفير والقتال"


                             أَمَامَكَ قِصَّـةٌ عَنْ مَجْدِ قوم
                                      تَقَشَّعَ عَنْ سَمَائِهُمُ الْسَّـحَابُ
                            هُمُ الإِخْـوَانُ عَنْ دِيْنٍ تَآخَوا
                                       وَبِالتَّقْـوَى عَنِ الزَّلاتِ آبُوا
                           وَبِالتَّوْحِـيْدِ قَدْ رَفَعُوا سَنَامَاً
                                      وَمِنْ بٍرٍّ قَدِ امْتَـلأَ الإِهَـابُ
                            فَيَا ذَا الْعَـرْشِ أَنْزِلْهُمْ جِنَانَاً
                                   وَأَسْعِـدْهُمْ فَبِالْتَّجْـرِيْدِ طَابُوا

      الحمدُ لله ربّ العالمين, الرّحمن الرّحيم, مالك يوم الدّين, ولا عدوان إلّا على الظّالمين, وأشهد أن لا إله إلّا الله القويُّ العليُّ المتينُ, خلق السماوات فأعلاها, وبسط الأرض وسوّاها, وبِصُمِّ الجبالِ أرساها, وبكلمة التوحيد أصلح شأنها وهداها, وبالإيمان شفى مرضها وداواها, بل من موات القلوب بعثها وأحياها, وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله, إمامُ الهدى, ونورُ الدُّجى, نبي الرحمة والملحمة, بعثه الله بين يدي الساعة, فكشف به الغُمَّةِ, وأنجى به الأمّة, سيّدُ الأولين والآخرين, وقائدُ الغُرِّ المُحَجَّلين, صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين, الّلهم إنِّي أشهد أنّه بلّغ الرّسالة حقّ البلاغ, وأدّى الأمانة حقّ الأداء, ونصح الأمّة محض النّصح, اللّهم أحينا على مِلّته, وثبّتنا على سنّته, واملأ قلوبنا من محبته, وأقر عيوننا برؤيته, وتوفنا على شِرْعته, وابعثنا على محجّته, وارزقنا شفاعته, وأوردنا حوضه, واجعلنا تحت لوائه, وأدخلنا معه جنّتك, يا حيُّ يا قيّوم, يا ذا الجلال والإكرام .
     أمّا بعد : فهذه وريقات كتبتها في موضوع بلغ الأهميّة بمكان, ذاك هو موضوع مغازي الإخوان, الذين أثبتوا أنّهم معادلة صعبة في رحى ذلك الزمان, فهذه الدّولة السّعودية المباركة قد قامت - بحمد الله تعالى - على هذه الشّريعة الغرّاء, والمحجّة البيضاء, فأعادت للتّوحيد عظمته بعد ما ضعف في النّفوس أو اضمحلّ, إلّا ما رحم ربي الأجلّ, وردّت للسنّة عبقها, بعدما شِيبت ببدعٍ ومحدثاتٍ سافراتٍ وخفيّاتٍ, فعاد الإسلام جَذَعَاً عزيزاً بفضل الله تعالى وحده الّذي أقام هذه الدّولة المباركة من أسرة آل سعود . فمن كان في قلبه تعظيم للتّوحيد, وإكبار للشّريعة, عَرَفَ صِدْقَ ذلك بأدنى مطالعة لجميل فعالهم, وكريم سجاياهم, ورفيع خصالهم, كذلك صدق علمائهم, وثبات جهادهم, وصدعهم بالحقِّ أينما كانوا, وإخلاص أتباعهم, وعظيم تضحياتهم, ولم يك هذا بالهيّن السّهل, لا وربّي! بل قام على دماء طاهرات, أروت الأرض بعبق صدقها, ونبل مقصدها, ومحض اتّباعِها, وطيب معدنها.
     ألَا وإنّ لهم على الأمة فضل نشر التوحيد بثوبه النقي, وحراسة السنة ومهيعها الجلي, فجهادهم يُذكر فيُشكر, وحقيق بأن يُروى ويُنشر, بَيْدَ أن الكثير ممّن قضوا نحبهم, ونحسبهم في سبيل الله شهداء, لم يعطِهِمُ التاريخُ حقَّهم من الذّكر والشّكر والعرفان, حتّى ممّن يستظلون بنعمة الأمن والإيمان والسّنّةِ والإسلام ممّن يُظن فيهم نبل الوفاء, وحسن الذّكرى.
    بل إنّ بعض المعارك الفاصلة في تاريخ هذا الزّمان لم يُستوف فيها صدق الكلام, ولم يُحرّر فيها كما ينبغي المقال, بل للأسف! فالبعض منها قد كُتب بأقلام ملوّثة العقيدة, مشوبة بل مغرقة بهوى كالح, قد أَحْنَاهَا القَرِينُ لإحَنِ الجاهليّة, وخرافات الوثنيّة, ارتضعت من لَبَانِ الهوى, وَكَرَعَت في حمأة الرّدى, فضربت عن ناصع سيرتهم البيضاء صفحاً, وطوت عن إنصافهم كشحاً, وأعنقت في الباطل خطىً، إذ لم ترتضِ صنيع أولائك الميامين, الّذين أذلّ الله بهم الشّرك وأهله, وأعلى التّوحيد وأهله, بلْه ما كتب بأقلام صليبيّة قُحَّةٍ وقحة, ولاغرو :
                        رَضِيْعَي لَبَانٍ ثَدْيِ أُمٍّ تَحَالَفَا
                                       بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرّقُ
   لذا كان لزاماً على كلّ من عنده شيء من القدرة على المساهمة في نصح التّاريخ, وإظهار حال القوم الصّراح, والحقّ الأبلج الوضّاح, وبيان أخبار تيك الكوكبة المنصورة, والطائفة المظفّرة المشهورة, والجيل الزّكيّ القويم, الّذي ذكَّرَنا فرسانُه ونبلاؤه بأمجاد صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أن يُدليَ بما عنده, علّه أن يسدّ شيئاً مما أغفله المؤرّخون, ولله الأمر من قبل ومن بعد .
   وما حالي إلا كما قال أبو علي البصير:
                        وَقَدْ قِيْلَ البِلَادُ إِذَا اقْشَعَرَّتْ
                                         وَصَوَّحَ نَبْتُهَا رُعِيَ الهَشِيمُ
   أو كما قال الهمذاني: وجود شَوْلٍ خير من عدمِ ماجد, وأبلغ وأعظم من ذلك قول العلي الأجلّ: ( فإن لم يصبها وابل فطلّ ) ( البقرة:٢٦٥).
   ووريقاتنا هذه ليست بشاملةٍ, ولا عامّةٍ, ولا مستوعبةٍ للأحداث الّتي وقعت, إنّما هي تسليط الضّوء على جزء جميل من ثوب ذلك الزّمان, نَصَعَ طِيبُه, وشذا عَرْفُهُ, وتضوّع مِسْكُهُ, وزَانَ مُحياه, وانبلج سرورُه, قد سكنه قوم سُمُّوا بالإخوان, ووُسِموا بالجهاد والإيمان, ولا نزكّيهم على الإله الرّحمن, ذِكراهم أَرَقّ من سَجعِ الحمام, ودَمع الغَمام, وأبهى من واسطة النّظام .
   وهي كلمات ليست مفصّلة لأمورهم, ولا مُجلية لكلّ شؤونهم, ولا هي من أبكار الأفكار, ولا لقاح الفهوم, إنّما هي ذكر وتحليل شذرات ممّا وقف عليه عشرة من كبار السنّ في هذا الزّمان, ممّن أدركوا تلك الكوكبة المنيرة, وعاصروا ذلك العزّ التليد, كَتبتُها من أفواههم وسجّلتها وَوَثّقتُها صَوتاً, قبل أن يَرحلَ جُلُّهم إلى ربّهم ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) (الأحزاب:٢٣) رحم الله الميّت وحفظ الحيّ (*).
   ولا نقصد بكلامنا هذا عصمة الإخوان! فهم بشر يخطئون ويصيبون, ويطيعون ويعصون, لهم وعليهم, بل منهم من يعذر ومنهم من لا يعذر, لكن المنصف من نظر لحالهم إجمالاً, ووزن ما لهم بما عليهم, ولم يك أعور النظر, ولا مطفف المكيال, بل متجرداً من حظوظ النفس الأمّارة قدر طاقته, حتى وإن اختلف معهم: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائدة:٣) وبالعدل قامت السماوات والأرض, وبالقسط مُدحت الأمة المحمدية: (لتكونوا شهداء على الناس) (البقرة: ١٤٣) واللهُ تعالى موعد الجميع!.
                   إِذَا كَانَ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتى
                                   تَهَيّا له مِن كلِّ شيءٍ مُرَادُهُ
                   فَإِنْ لمَ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى  
                                  فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُه
   لذا فالمنصف _ وما أَعَزَّهُ _ لا يظلم القارئ بتدليسه ولا المقروء بتلبيسه, وأعوذ بالله أن أقول مالا أفعل! أو أُخالف إلى ما أنهى! هو ربي وحسبي ووكيلي وكافيني, اللهم لا تكلني لنفسي فأعجز ولا إلى الناس فأضيع وكِلني في ديني ودنياي إليك .
   كذلك فلا يعتب عليّ القارئ الكريم في وصفي لمن قُتِلَ من الإخوان بالشّهادة, فهذا ليس تزكيةً منّي لبواطنهم فعلمها عند الله, ولكنّهُ وَصْفٌ لما ظهر من حالهم, والمسألة مبسوطة في كتب العقائد, وحسبي ذكر إمامين جليلين أفتيا في هذه المسألة: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - بفعله, فقد كان يصف نور الدّين محمود بالشّهيد, وابن باز - رحمه الله تعالى - بنصّه, فقد أفتى بأنّ هذا لا بأس به, وأنّه ليس من التزكية المذمومة, إنّما نصفه بذلك كي نعامله ظاهراً على وفقها, كعدم تغسيله وتكفينه والصّلاة عليه ونحو ذلك, وإلاّ فحقيقة الشّهادة علمها عند العليم الخبير سبحانه . أما الإمام البخاري _رحمه الله_ فقد بوّب: باب لا يقال فلان شهيد . وذكر فيه قول عمر رضي الله عنه: تقولون: فلان شهيد وفلان شهيد والله أعلم بمن يكلم في سبيله . وعلى كلٍّ فأمير المؤمنين رضي الله عنه علّل نهيه بأن كلامهم يؤول للحكم بباطن العمل, ولكن إن ذكر في سياق حكم الظاهر دون الباطن فلا يظهر أنه قد نهى عنه, والمسألة عند هذا الحدّ فيها سعة إن شاء الله تعالى_أي إطلاق الشهادة ظاهراً وعدم الحكم على الباطن, وهو تفويض المآل_ .
   عِلْماً بأن تاريخَيْ ابن غنام وابن بشر - رحمهما الله تعالى - الّذَينِ رويا مغازي الإمام محمّد بن سعود, وابنه الشّهيد عبد العزيز, ثمّ ابنه سعود, ثمّ ابنه الشّهيد عبد الله, ومعهم علماء الأمّة, كالمجدّد المصلح محمّد بن عبد الوهّاب, وتلاميذه, وأبنائه, وأحفاده, فقد كان هذان المؤرخان الجليلان يذكران الأسماء صريحة, وكانا يصفان هؤلاء بالمسلمين والمؤمنين, وأولئك بالمشركين والكفّار, فلا ضير علينا والحال كالحال, مع اختلاف الزمان, والله المستعان . ولا مشاحّة في الاصطلاح, وعند الخلاف المعتبر يعذر الأخ أخاه, والحمد لله .
وهذه الأجزاء مستلة من كتابي"صفحة مطوية من تاريخ الجزيرة العربية" -لم ينشر بعد-
"نَهْجُ البَحْثِ"

1- قولبةُ جميع الرّوايات في سرد تاريخيّ واحد, مع إغفال أسماء الرواة عن مجمل الروايات لتداخلها وتكرارها غالباً, مع ذكر من انفرد بتفاصيل مهمة أو أحداث مستقلة قدر الإمكان .

2- كتابتها بالفصحى, عدا الأشعار والمقولات الّتي تستلزم ذلك, مع وضع المقولات بين قوسين خلا الأشعار .

3- إبهام أسماء الأشخاص الّذين ذُكِرُوا بسوء, عدا القوّاد الكبار أو من لهم علاقة مباشرة بالأحداث, قدر الطّاقة .

4- التاريخ المعتمد هو الهجري, لذا فليس هنا حاجة لذكر رمزه (هـ) أمّا إن كان المقصود هو التاريخ الإفرنجي( الميلادي ) فيشار لذلك, كما نبه لذلك الشيخ بكر أبو زيد, رحمه الله تعالى .

5- الضّرب صفحاً عن الرّوايات المتداولة المطبوعة حتّى لا يثقل الكتاب, وقد نشير إلى بعضها على سبيل الشّواهد أو الاعتبار, وهذه تكثر في المعارك الّتي كان للإمام عبد العزيز حضور مباشر فيها, فقد أكثر المؤرخون الكتابة فيها .
تنبيه للقارئ النبيه:

   هذه الرّوايات تعتبر جانباً من جوانب التاريخ, وليست بغُفْلٍ عن الرّوايات الأخرى, وإن خالفتها, فالمقصود إثباتها مع لبنات الزمان المقروء, وذكر بعض فضائل القوم . ( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين ) (يوسف: ٨١).
   وعلى كلٍّ فلا نريد لهذا الكتاب أن يكون "منافق أفندي!" ولا "مفجر نت!" بل نريده صدقاً بين مَيْنَيْن, وحقاً بين باطلين, وهدىً بين ضلالتين (من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) (النحل: ٦٦) فالمذكورون في الكتاب بمختلف مشاربهم في حياتهم الفائته؛ هم الآن تحت التراب, ينتظرون العرض الأكبر للحساب, والكاتب والقارئ على الأثر, فمأجور ومأزور, وشقي وسعيد:
                  فَقُلْ لِلَّذِيْ يَبْقَى خِلَافَ الّذِيْ مَضَى  
                                     تَهَيّأْ لِأُخْـرَى مِثْلَهَا فَكَأَنْ قَـدِ
   فمن الخطر العظيم والخطل الجسيم؛ بهتانهم! أو التشفي بهم! أو الوقوع في شَرَكِ أعراضهم بغير حق! وقانا الله شر اللِّسَانَيْن, وهدانا سبلنا في الدارين, وصلى الله على سيد المُصطَفَيْن, فعلى الله وحده الاتكال, وإليه التفويض, ومنه المدد والمعونة, وهو ربنا فنعم المولى ونعم النصير(**) .
"مسألة التّكفير والقتال"
   لا بد قبل الخوض في سرد الأحداث من الوقوف عند مسألة قد أشكلت على الكثير ممّن خاضوا في هذا الموضوع الجلل, فثبّت الله فيها أقدام أقوام وزلّت أقدام آخرين, تلك هي مسألة التّكفير والقتال, وهذه المسألة ليست بجديدة على الأمة, بل هي قديمة قدم الإسلام؛ لتعلّقها بالدعوة والجهاد الذي على ساقه قامت هامة الدين, وعلى عموده ارتفعت واتسعت خيمة دولة المؤمنين, فمن كفّرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كُفْراً أكبرَ, ولم يكن لهم عَهْدٌ ولا عَقْدٌ, فَدَمُهُمْ ومَالُهُمْ مباحٌ للمؤمنين الموحّدين, إن أبوا الإسلام أو الجزية- على الراجح من قولي أهل العلم- ثُمّ في عهد الصّدّيق رضي الله عنه, لماّ ارتدّ من ارتدّ من العرب, وانقسموا لأقسام, فمنهم من آمن بمدّعِيِ النبوّة ومنتحلي الرسالة؛ كأتباع مسيلمة والأسود وسجاح! ومنهم من ألغى تشريع الزكاة وأسقط ركنيتها من الإسلام, ولم يعتقده واجباً بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم, ومنهم من لم يسقطه أو يلغيه, لكنّه منع الزّكاة وقاتل دون إخراجها . فكيف كان تعامل الصّدّيق رضي الله عنه مع هؤلاء ؟
والجواب: أنّه قد عاملهم جميعاً معاملة الكفّار المرتدّين, وسَنَّ عليهم سُنَّةً واحدة, وهي القتالُ المتفرعُ عن تكفيره لهم, كما قرّر ذلك جمع من الأئمّة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيّم وابن باز رحمهم الله تعالى, وَتَابَعَ الصحابةُ خليفتَهم على ذلك, وشرح الله صدورهم له، وأجمعوا على موافقته, ومضى الزمانُ وهذا حال المسلمين مع من لم يدخل في السّلْمِ كافّةً, أنّه يقاتل قتال الكفّار, حتّى يكون الدّين كلّه لله ( وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله ) ( البقرة:١٩٣) بل وللتّأكيد في الآية الأخرى: ( حتّى يكون الدّين كلّه لله ) ( الأنفال: ٣٩) ثُمَّ دارت الأيّام والليالي, وعاد الحال كالأزمنة الخوالي, وبَلِيت بعضُ أصول الدّين في توحيد العبادة عند الكثير من النّاس, ولم يبق منها إلّا رسوم, فبعث الله الإمام المجدّد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه البررة, فأحيا الله بهم ما اندرس من معالم أصول الدّين, ودعائم الملّة الحنيفيّة, فقاموا لله حقّ القيام, رحمهم الله تعالى, وصدق أبو حيّان في قوله:
                       قَامَ ابنُ تَيْمِيَةَ فِي نَصْرِ شِرْعَتِنَا  
                                       مَقَامَ سَيّدِ تَيْمٍ إِذْ عَصَتْ مُضَرُ
   ثمّ دار الزّمان دورته الثّالثة, وبثّ الشيطان سراياه, لتتلقّف ما استطاعت من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم, وتخرجهم من النّور إلى الظّلمات, لِما اقتضته حكمة الحكيم سبحانه, الّذي يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء, ولا يَهْلِكُ عليه إلّا هالك, أن يَقَعَ مَا قُدِّرَ في الأَزَلِ, فخرج النّاس من دين الله أفواجاً, بعد ما دخلوه أفواجاً! ويشهد بذلك كُلُّ ناقد بصير قرأ ذلك التّاريخ وتلوّع بدواهيه وأخباره, ورأى فشوّ الشرك بين النّاس بكاهله وبجِرانه وأذياله, فصار عندهم مألوفاً معروفاً غير منكر, والوثنيّة الّتي قد ضربت أطنابها بين ظهراني من يدّعون الإسلام, وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً, وبُدّلت السنن, وأُمِيتت الشّريعة, وظهرت قرون البدع, بل شخوصها, ودُعِي الموتى من دون الله, واعتقد الرّعاعُ بمتصرِّفين مع الله في الكون, وتسلّط السّحرة والكهنة عليهم, واندرس الدّينُ فصار كَوَشْيِ الثوب الخَلِق, وصار القابض على دينه بالبراءة والإنكار كالقابض على الجمر, وأصبح التّوحيد غريباً والموحّدون غرباء, حتّى وإن كانوا علماء! فَأَمَامَهم موج متلاطم من وباء الجاهليّة الأولى, فنشأ على هذا الصغير, وهَرمَ عليه الكبير, حتّى رحم الله أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم بدعوة الإمام المجدّد لما اندرس من معالم الإسلام, في النّصف الثاني من القرن الثّاني عشر فما بعده إلى يومنا هذا, وهو الإمام محمّد بن عبدالوهّاب (١) الّذي نسأل الله تعالى أن يجزيه عنا خير ما جزى مصلحاً عن أمته, وعالماً عن أمانته ودعوته, ولكن ذلك البعث التّجديديّ لدعوة الإمام المصلح لم يكن لينجح ويفلح لولا لطف الله تعالى وتوفيقه, ثمّ التّضحيات تلو التّضحيات, من الدماء الطّاهراتِ الزاكّيّاتِ, ممّن اعتنقوا الإسلام المحض, والإيمان الصّافي من شوائب البدع والخرافات والضّلالات والمحدثات والشّهوات.
   وكافح العلماء الصّادقون, وطلّابهم وجنودهم, يتقدّمُهُمْ أمراؤهم من آل سعود الميامين, فاتّحد اللّسان والسّنان, والرمح والبرهان, والكتاب والسّيف, والعلماء يُبَصّرون الناس بدينهم, ويفقهونهم شريعتهم, ويأمرونهم بالمعروف, وينهونهم عن المنكر, ويأطرون جهّالهم على الحق أطراً (٢) .
                      إِذَا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعِيْــشَ بِذِلّةٍ  
                                         فَلَا تَسْـتَعدنَّ الحُـسَامَ اليَمَانِيَا
                      فَمَا يَنفَعُ الأُسدَ الحَيَاءُ منَ الطّوَى  
                                        وَلَا تُتّقَى حَتّى تَكُـونَ ضَوَارِيَا
   ومن رافق الراحة فارقته الراحة! ومن فارق الراحة رافقته الراحة في الأولى والعقبى! ( وما عند الله خير وأبقى ) ( القصص: ٦٠) .
   وابتدؤا جهاد المخالفين من المشركين ومن وقف دونهم سنة: ( 1157) حين وُلدت دولة منهاج النّبوّة, وهي الدّولة السّعوديّة الأولى, من عهد الإمام الموفَّقِ محمد بن سعود:(ت:1179) ثمّ ابنه الإمام المجاهد الشّهيد عبد العزيز (ت:1218) ثمّ من بعده سعود (ت:1228) ثمّ الشّهيد عبد الله (ت:1234) الذي قتلته يد دولة التّصوف والتّعصّب, دولة آل عثمان, بعدما هدمت الدرعية مأرز العلم والتّوحيد في ذلك العصر! ويكفي أن تقرأ وصفها في عزّ مجدها من تاريخ ابن غنّام, حتّى تعرف قدر جناية وجرم من سَوَّوْهَا بالتراب من فوق جثث عباد الله وحماة التّوحيد وحرّاس الملّة, في تلك الأيّام الحزينة ولياليها الثكالى الباكية .
   ومن ثمّ ضَعُفَ أمر التّوحيد وأهلِهِ في نفوس النّاس, وعاد الشّرك على استحياء شيئاً فشيئاً, ثمّ تنامت خلاياه السّرطانية بقوّةٍ وبسرعة, خاصّةً كلّما ابتعد النّاس عن مهد حركة الإصلاح بنجد مكاناً وزماناً, ثمّ جاءت الدّولة السّعوديّة الثّانية, لكنّها كانت أقصر عمراً وأقلّ كفاءةً من أن تبعث الحركة الإصلاحيّة من جديد.
حتّى أذن الله تعالى أن تُشرق شمسُ رجلٍ, عَتِيْقِ السُّلالةِ, صافي المَحْتِدِ, عدناني الأرومة، نجدي المولد، إنّه الإمام عبدالعزيز, مؤسّس الدّولة السّعوديّة الثّالثة, الّذي آلى على نفسه أن يعزّ التّوحيد وأهله, وأن ينشر ألوية السنّة المحمدية، وأنوار الملّة الحنيفيّة, في ما استطاع من قلوب الناس, دون سدنة الشّياطين الجاثمة على سوادهم الأعظم! فطبع من كتب الإمام المجدّد وتلاميذه وتلاميذهم كمجموعة التّوحيد النّجديّة, والأصول الثّلاثة, ومسائل الجاهليّة, ونحوها من الكتب النّافعة, وبثّ الدّعاة الهداة، ولا نزكيه على الله تعالى.
                        وَإِذَا بَحَثْتَ عَنِ التَّقِيِّ وَجَدْتَهُ
                                        رَجُلاً يُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعَـال
   وقد وَقَفَ معه العلماء وقفةَ صدقٍ وجهادِ علمٍ وبيانٍ وإيمانٍ , فعادت أنوار الإيمان والإسلام والمعروف, تنتشر في أرجاء مملكته الفتيّة ودولته الفاضلة, وخرجَ جيلٌ نادرُ المثالِ في إيمانه وورعه وزهده وجهاده وحرصه على اقتفاء آثار الصّحابة رضي الله عنهم في كلّ ما يأتي ويذر , ذلك هو جيل "الإخوان" .
                        أَلَا بَلّغَ الله الحِمـَى مَنْ يُرِيْدُهُ
                                     وَبَلّغَ أَطْرَافَ الحِمَى مَنْ يُرِيْدُهَا
   وبما أنّ دعوة الإمام المجدّد قد جُوبهت بالعداء السّافر والكيد الفاجر, من قبل بعض علماء السّوء, فلم تكن حركة الإخوان بدعاً من ذلك, كيف لا, وهي تستقى من معين كتب دعوة المجدّد وعلماء الدعوة؟. وعلماؤُها هم تلاميذ معدودون من تلاميذ الإمام المجدّد . لذا, فالّذي قيل هنا قد قيل هناك, وكفى الأولون الآخرين عناء البحث والاستدلال.
   هذا، وأعظمُ ما جوبهت به حركة الإخوان هما تهمتي التّكفيرِ والقتال, وهما ما قد رُمي بهما الإمام المجدّد رأساً وابتداءً, حتّى ألّف الكثير من الصّفحات في إجلاء عقيدته ورؤيته لهذين الأمرين . والرُّباعيةُ المشهورةُ عنه تشهدُ بذلك, وهي أنُهُ دعا النّاس إلى أربعة أمور, فوافقه العلماء على اثنتين: وهما التّوحيد والبراءة من الشّرك, وخالفه بعضهم في اثنتين: وهما التّكفير والقتال, قال رحمه الله تعالى: (فلمّا اشتهر عنّي هؤلاء الأربع, صدّقني من يدّعي أنّه من العلماء في جميع البلدان, في التّوحيد وفي نفي الشّرك, وردّوا عليّ التّكفير والقتال )(٣).
لذا فمن أقرّه ووافقه في الأُولَيَيْن لزمه متابعته في الأُخْرَيَيْن, فهما النتيجة الطّبيعيّة المنطقيّة لهما والمتلازمة معهما, وإلا هُدِمَ الدين! فما الجهاد في سبيل الله إلا لإزالة العقبات عن طريق التوحيد, فمن أقر بوجوب تحقيق التّوحيد ولزوم نفي الشّرك والبراءة منه, لزمه أن يتبرّأَ من أهله وحزبه, وإلّا صار مداهناً غير مكمّلٍ للبراءة الواجبة من الشّرك . وهذا الأمر العظيم والأصل القويم - وهو وجوب البراءة من الشرك وأهله - لا يختلف فيه اثنان, ولا تنتطح فيه عنزان, فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار, ولكن بعض الناس لا يعقلون! وويل للشجيّ من الخليّ!.
   ولا ينقضي العجب ممن يُقِرّ الإمامَ على تقعيده لمسائل الشّرك وتقسيماته, ثمّ لا يتابعه في لوازمه وتفريعاته, فمن أقرّ أنّ دعاء الموتى والغائبين شرك أكبر؛ لزمه أن يقرّ بأن من دَعَى ميتاً من دون الله فقد أشرك شركاً أكبر, فإن أقرّ بذلك وإلاّ فقد كذّب نفسه وناقض عقله في التفريق بين المتماثلات والمباعدة بين المتلازمات, فإن وافق على تكفير الشخص المعيّن الّذي قامت عليه الحجّةُ الرّسالية, لزمه إنكار منكره, وأطره على الملة قدر طاقته, وردّه لحياض التّوحيد _ إن كان قد دخله أصلاً! _ فإن أَبَىْ, لزم على وليّ الأمر إجراء أحكام الردّة عليه, فإن أبى ناجزه وقاتله, وهذا هو عين ما فعله الإخوان بكل اختصار, ولكن من جهل شيئاً عاداه, ومن قصر عن شيء عابه: ( بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) (يونس: ٣٩ ).
   لذا فالنّاظر لهذه الأحداث, لابدّ أن تكون عنده دراية بخلفيّة الإخوان العقديّة في التّكفير والقتال وبأدلتهم الشرعية, حتى يخرجوا منه بعذر وإن اختلفوا معه في بعض تطبيقاتها وإيقاعها على أرض العمل, أمّا من لم يتبيّن له ذلك؛ فإنّه سيسير في متاهة محيّرة, وسيتخبط في دوّامة شائكة, وستنطلي عليه حيل القوم وهم يقولون: كيف تكفِّرون المسلمين الّذين يصلّون ويؤذِّنون ويصومون ويحجّون؟! كقول شاعرهم:
                       حسبنا الله على الخـرمة واهلها
                                      كفّـــرونا وحنّا مسلمين (٤)
   لهذا؛ فالإخوان حينما يكفّرون, فإنّهم لا يكفّرون بالهوى والشبهة, كصنيع الخوارج المارقين, بل هم لا يكفّرون إلّا من كفّره القرآن والسّنة(٥) - ولا نزكي على الله أحداً- صادرين عن فتاوى علمائهم الرّاسخين. وقديماً قيل: ربّ سامع بجرمي لم يسمع بعذري!.
   وَلَهُمْ حيثيّات كثيرة في تكفير من كفّروهم, كفشوِّ الشّرك الأكبر في بلادهم, الذي لم يتبرؤا منه ومن أهله, ومناقضتهم لكلمة التّوحيد الّتي يلفظونها بأفواههم وتأبى أفعالهم تحقيقها! وأنّى ذلك إلّا بالبراءة من الشّرك وأهله, وهذا هو النّاقض الثّالث من نواقض الإسلام العشرة المشهورة, وكموالاتهم لأعداء الشّريعة والتّوحيد, وحربهم للمسلمين الدّاعين لتحكيم الشّريعة, ومعلوم أنّ مناصرة المشركين في حرب الموحّدين من أعظم نواقض الدّين, كذلك عدم دخولهم في جميع شرائع الملّة, فهم لم يدخلوا في السِّلْم كافّة, ولم يحقّقوا الإسلام جملة, وذلك بأن يستسلموا لله بالتّوحيد, وينقادوا له بالطّاعة, ويتبرؤا من الشرك وأهله, أيضاً عدم تحكيم الشّريعة..... إلى غير تلك الأمور الّتي أفتى بعض علماءُ العارضِ (٦) الإخوانَ بكفر أصحابها, ومروقهم من الدّين, وحِلِّ دمائهم وأموالهم بإذن إمامهم . وتأمل هذه النصوص من علماء الدعوة قال الشيخ حمد بن عتيق: (...فإنه قد بلغني أن بعض الناس يقول: إن في الأحساء من هو مظهر دينه لا يُرَدُّ عن المساجد والصلاة, وأنّ هذا عندهم هو إظهار الدين, وهذه زلة فاحشة, غايتها: أن أهل بغداد وأهل منبج وأهل مصر قد أظهر من هو عندهم دينه فإنهم لا يمنعون من صلى, ولا يردون عن المساجد . فيا عباد الله: أين عقولكم؟! فإن النزاع بيننا وبين هؤلاء ليس هو في الصلاة, إنما هو في تقرير التوحيد والأمر به وتقبيح الشرك والنهي عنه والتصريح بذلك ) (٧) (٨).
   وقال لمن ناظره من أهل مكة: ( ... جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام, فنقول وبالله التوفيق: قد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ... ... إلى أن قال: أمّا إذا كان الشرك فاشياً مثل دعاء الكعبة ... وذكر أمثلة ... فلا يشك من له أدنى علم أنّ هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك (٩) لا سيّما إذا كانوا معادين لأهل التوحيد, وساعين في إزالة دينهم, ومُعينين في تخريب بلاد الإسلام ... إلى أن قال: وأما قول القائل: ما ذكرتم من الشرك إنما هو من أفقيّه لا من أهل البلد, فيقال: أولاً: هذه إما مكابرة أو عدم علم بالواقع, فمن المقرر: أن أهل الآفاق تبع لأهل البلاد في دعاء الكعبة والمقام والحطيم كما يسمعه كل سامع, ويعرفه كل موحد, ويقال ثانياً: إذا تقرر هذا وصار هذا معلوماً, فذلك كاف في المسألة, ومن الذي فرّق بين ذلك ؟! فيالله العجب, إذا كنتم تخفون توحيدكم في بلادكم, ولا تقدرون أن تصرحوا بدينكم ... أرأيتم لو قال رجل منكم لمن يدعو الكعبة أو الحطيم أو يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة: يا هذا لا تدعُ غير الله, أو أنت مشرك, هل تراهم يسامحونه؟! أو يكيدونه؟! . فليعلم المجادل أنهم ليسوا على توحيد الله, فوالله ما عرف التوحيد ولا تحقق بدين الرسول صلى الله عليه وسلم.
   أريت لو أن رجلاً عندهم قال: يا هؤلاء راجعوا دينكم واهدموا البنايات التي على القبور, ولا يحل دعاء غير الله هل يكفيهم فيه فعل قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ لا والله, لا والله . وإذا كانت الدار دار إسلام لأي شيء لم تدعوهم إلى الإسلام؟ وتأمروهم بهدم القباب واجتناب الشرك وتوابعه؟ فإن غرّكم أنهم يصلون, أو يحجون؛ فتأملوا الأمر من أوله؛ وهو أن التوحيد قد تقرر في مكة بدعوة إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – ومكث أهل مكة عليه مدة من الزمان, ثم إنه نشأ فيهم الشرك بسبب عمرو بن لحي فصاروا مشركين وصارت البلاد بلاد شرك مع أنه قد بقي معهم أشياء من الدين كما كانوا يحجون ويتصدقون على الحاج ... ) (١٠) إلى آخر كلامه رحمه الله، علماً بأن الشيخ حمد بن عتيق هو والد الشيخ سعد بن حمد بن عتيق الذي يُعد من أبرز علماء ذلك الزمان الذي جرت فيه حروب الإخوان مع الشريف,(١١) ذكرنا ذلك حتى لا يُشغب على الإخوان باختلاف الزمان والمكان فالحال لم يتغير .
أما الإمام سعود بن عبد العزيز رحمهما الله فقد قال - وأسعد فؤادك متأملاً ما في ثنايا كلامه من عزّة المؤمنين على المشركين -: ( أما ما ذكرت: أنا نقتل الكفار فهذا أمر لا نعتذر عنه, ولم نستخف فيه, ونزيد في ذلك إن شاء الله, ونوصي به أبناءنا من بعدنا, وأبناؤنا يوصون به أبناءهم من بعدهم, كما قال الصحابي: على الجهاد ما بقينا أبداً, ونُرغم أنوف الكفار, ونسفك دماءهم, ونغنم أموالهم بحول الله وقوته, ونفعل ذلك إتباعا لا ابتداعا, طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقربة نتقرب بها إلى الله تعالى, ونرجو بها جزيل الثواب بقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ... ) (التوبة: ٥)(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) (البقرة: ١٩٣)( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) (محمد: ٤)( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) (التوبة: ١٤) ونرغب فيما عند الله من جزيل الثواب حيث قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ... ) (التوبة: ١١١) ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ... ) (الصف: ١٠) ... وأما ما ذكرت: من مسكننا في أوطان مسيلمة الكذاب فالأماكن لا تُقدس أحداً ولا تُكفره, وأحب البقاع إلى الله وأشرفها عنده مكة, خرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي فيها إخوانك أبو جهل وأبو لهب ولم يكونا مسلمين ... وأما ما ذكرتم: أنكم مشيتم على الأحساء فنقول: الحمد لله على ذلك الممشى فإنه ولله الحمد والمنّة هتك أستاركم به, ونزع به مهابتكم من قلوب المسلمين, وأخزاكم الله به الخزي العظيم الظاهر الباطن الذي ما عليه مزيد ... وقولك: أنا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أموالها؛ فالحمد لله رب العالمين, ولا نعتذر عن ذلك ونقول: (وللكافرين أمثالها )( محمد: ١٠) ... وما ذكرت من جهتي الحرمين الشريفين, فالحمد لله على فضله وكرمه حمداً كثيرا كما ينبغي أن يحمد, وعز جلاله, لما كان أهل الحرمين آبين عن الإسلام, وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله, ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد, ووجب علينا الجهاد, وبحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير استحلال لحرمتهما ) (١٢).
                          وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا
                                            وهكذا يعصف التوحيد بالوثن
   وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ: ( وهؤلاء الذين قاموا في أهل التوحيد, واستعدوا بالكفار عليهم وأدخلوهم إلى بلاد نجد, وعادوا التوحيد وأهله أشد العداوة "الرشيد" ومن انضم إليهم من أعوانهم؛ لا يشك في كفرهم ووجوب قتالهم على المسلمين إلا من لم يشم روائح الدين! أو صاحب نفاق أو شك في الدعوة الإسلامية! )(١٣). علماً بأن قصد علماء الدعوة بالمشركين الذين يُستعان بهم هم الأتراك في ذلك العصر, وملخص كلام أئمة الدعوة في هذه المسألة – أي مسألة الاستعانة بالمشركين في الحرب –: هو التحريم مطلقاً . قال الشيخ عبداللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: ( وأما مسألة الاستنصار بهم – أي المشركين – مسألة خلافية, والصحيح الذي عليه المحققون: منع ذلك مطلقاً, وحجتهم حديث عائشة وهو متفق عليه, وحديث عبد الرحمن بن حبيب وهو حديث صحيح مرفوع, والقائل بالجواز احتج بمرسل الزهري وقد عرفت ما في المراسيل إذا عارضت كتابا أو سنة, ثم إن القائل به شرط أن يكون فيه نصح للمسلمين ونفع لهم, وشرط أيضا ألاّ يكون للمشركين صولة ودولة يخشى منها, وشرط مع ذلك ألا يكون له دخل في رأي ولا مشورة )(١٤).
   وهذه الفتاوى وأمثالها هي التي انطلق منها مشايخ الإخوان وعملوا بمقتضاها, وسلّوا السيوف لإحقاق ما يرون أنه الحق بها, وهجروا المنزل والحبيب, والدار والقريب من أجل تحقيق كلمة التوحيد, وإعزاز ملّة إبراهيم, ودين محمد والمرسلين, عليهم أزكى الصلاة والتسليم.
   علماً بأنّ القتال ليس مرتبطاً بالتّكفير, وليس كل من قاتله الإخوان قد كفّروه, فهناك حالات يقاتَلُ المَرْءُ من أجلها مع بقاء حكم الإسلام له, كحال الخوارج والبغاة وقطاع الطريق ونحوهم.
   وَلْنَعُدْ لكلام الإمام المجدّد رحمه الله, حيث قال: ( ولكنّهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة, فأصغوا لجوابها, وذلك أنّهم يقولون: كلّ هذا حقّ نشهد أنّهُ دين الله ورسوله, إلّا التكفير والقتال! والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقرّوا أنّ هذا هو دين الله ورسوله,كيف لا يَكْفُرُ مَنْ أَنكَرَهُ ؟! وَقَتَلَ مَنْ أَمَرَ بِهِ؟! وَحَبَسَهُم؟!.......إلى آخر جوابه رحمه الله (١٥) وقال: ( الأمر الثّالث: ممّا يوجب الجهاد لمن اتّصف به, مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين , بيدٍ أو بلسان أو بقلب أو بمال , فهذا كفر مخرج من الإسلام ) (١٦).
   وحتّى لا يطول بنا البحث والاستدلال -لأن الغرض ليس تقعيد المسألة بقدر ما هو بيان مناطِ حُكْمِهِم على المخالفين لأصول الإسلام أو المانعين حقوقه- لذا سأسوق كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, نقلاً عن كِتَابٍ تناقَلَهُ الإخوان, واهتمّوا به, وتربّوا عليه في حِلَقِ أهل العلم, ذاك هو كتاب: "مجموعة التّوحيد النّجديّة" وهو مجموعة كتب ورسائل لأئمّة الدّعوة الإصلاحيّة, ومن ضمن الرّسائل في هذه المجموعة المباركة, رسالة في غاية النّفاسة للشّيخ عبد الله بن الإمام المجدّد محمّد بن عبد الوهّاب رحمهما الله تعالى وفيها: ( وقال تقيّ الدّين رحمه الله تعالى لمّا سُئل عن قتال التّتار مع التمسّك بالشّهادتين, وَلِمَا زعموا من اتّباع أصل الإسلام, فقال: كلّ طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظّاهرة المتواترة, من هؤلاء القوم, أو غيرهم, فإنه يجب قتالهم, حتّى يلتزموا شرائعه, كما قاتل أبو بكر والصّحابة رضي الله عنهم مانعي الزّكاة, وعلى ذلك اتّفَقَ الفقهاء بعدهم, مع سابقةِ مناظرةِ عمرَ لأبي بكرٍ رضي الله عنهما, فاتّفق الصّحابة على القتال على حقوق الإسلام, عَمَلاً بالكتاب والسنة, وكذلك ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج والأمر بقتالهم, وأخبر أنّهم شرّ الخلق والخليقة مع قوله: ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ) "متفق على صحته" فعُلِمَ أنّ مجرّد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه, ليس بمسقط للقتال, فالقتال واجب حتّى يكون الدّين كلّه لله, وحتّى لا تكون فتنه, فمتى كان الدّين لغير الله, فالقتال واجب, فأيّما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصّلوات المفروضات أو الصّيام أو الحجّ _ واسترسل في الأمثلة إلى أن قال:_ أو غير ذلك من التزام واجبات الدّين أو محرّماته, الّتي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها الّتي يكفر الواحد بجحودها, فإنّ الطّائفة الممتنعة تقاتل عليها, وهذا ممّا لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ..... إلى أن قال: وهؤلاء عند المحقّقين ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين عن الإمام, أو الخارجين عن طاعته, كأهل الشّام مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, فإنّ أولئك خارجون عن طاعة إمام معيّن, أو خارجون عليه لإزالة ولايته, أمّا المذكورون فهم خارجون عن الإسلام, بمنزلة مانعي الزكاة وبمنزلة الخوارج الّذين قاتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, ولهذا افترقت سيرته رضي الله عنه في قتاله أهل البصرة وأهل الشّام, وفي قتاله لأهل النّهروان, فكانت سيرته مع البصريين والشّاميين سيرة الأخ مع أخيه, ومع الخوارج بخلاف ذلك, وثبتت النّصوص عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما استقر عليه إجماع الصّحابة من قتال الصّديق رضي الله عنه لمانعي الزكاة وقتال عليّ رضي الله للخوارج )(١٧) انتهى كلامه رحمه الله . وقد علّق عليه الناقل الشّيخ عبد الله بن الإمام المجدّد بتعليق محقّق جدير بالعناية فرحمهما الله تعالى.
   وقد ذكر الإمام المجدد رحمه الله تعالى كلاماً عظيم القدر في هذه المسألة, نذكر بعضاً من لُمَعِه ودُرَرِهِ, قال رحمه لله تعالى بعد ذكره لقصة المرتدين: ( ... الدليل الثاني: قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين وهي أنّ بقايا من بني حنيفة لمّا رجعوا إلى الإسلام وتبرؤا من مسيلمة وأقروا بكذبه, كبر ذنبهم في أنفسهم وتحمّلوا بأهليهم إلى الثغر لأجل الجهاد في سبيل الله, لعل ذلك يمحو عنهم تلك الردة لأن الله تعالى يقول: ( إلّا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فؤلئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) (الفرقان:٧٠) وقوله: ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) ( طه: ٨٢) فنزلوا بالكوفة, وصار لهم بها محلة معروفة, فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة, فمر بعض المسلمين على مسجدهم مابين المغرب والعشاء, فسمع منهم كلاماً معناه: أنّ مسيلمة على حق! وهم جماعة كثيرون لكن الذي لم يقل لم ينكر على من قال, فرفعوا أمرهم إلى ابن مسعود رضي الله عنه فجمع من عنده من الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم هل يقتلهم وإن تابوا؟ أو يستتيبهم؟ فأشار بعضهم بقتلهم من غير استتابة, وأشار بعضهم باستتابتهم, فاستتاب بعضهم وقتل بعضهم ولم يستتبه, وقتل عالمهم ابن النوّاحة . فتأمل رحمك الله: إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا, لمّا تبرؤا من الكفر وعادوا إلى الإسلام ولم يظهر منهم إلا كلمة أخفوها في مدح مسيلمة لكن سمعها بعض المسلمين, مع هذا لم يتوقف أحد في كفرهم كلّهم, المتكلم والحاضر الذي لم ينكر, لكن اختلفوا هل تقبل توبتهم أم لا؟ والقصة في صحيح البخاري ... الدليل الرابع: ما وقع زمن الصحابة وهي قصة المختار ابن أبي عبيد ... فاستولى على العراق, وأظهر شرائع الإسلام, ونصب القضاة, وكان هو الذي يصلي بالناس الجماعة والجمعة, لكن في آخر أمره زعم أنه يوحى إليه, فسير إليه عبد الله بن الزبير جيشاً فهزم جيشه وقتلوه, وكان تحته امرأة أبوها أحد الصحابة فدعاها مصعب إلى تكفيره, فأبت, فكتب إلى أخيه عبدالله يستفتيه فيها, فكتب إليه: إن لم تبرأ منه فاقتلها فامتنعت فقتلها مصعب ... وفيما ذكرنا كفاية لمن هداه الله سبحانه, وأما من أراد الله فتنته فلو تناطحت الجبال بين يديه لم ينفعه ذلك ... فمن لم يفهمها فليبك على نفسه فإنها قد ماتت, ولينتبه قبل حلول رمسه فان دنياه وأخراه قد فاتت, وليتدارك ما بقي من يومه قبل أمسه فان ركائب الموت بفنائه قد باتت, والله سبحانه وتعالى أعلم ) (١٨).
   فانظر أيها القارئ الحبيب لهذه الفتاوى التي بينت أن بعض من يُظن فيهم الإسلام قد خلعوا ربقته بشؤم فعالهم (٢٠) وتأمل كيف أبدى الصريح عن الرّغوة, وتبين الصبح لذي عينين ( الآن حصحص الحق ) (يوسف:٥١).
                              إذَا جَاءَ مُوسَى وَأَلقَى العَصَا
                                              فَقَد بَطَلَ السِّحْرُ والسَّاحِر
   وأعظم وأكرم وأجلّ؛ قول الربّ العليّ الأجلّ: ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) (الإسراء:٨١).
                                                                                            ......يتبع

 إبراهيم الدميجي
 19/1/1433
@aldumaiji

.......................................................................
(*)ورواتنا هم:
1- المعمّر الحميديّ بن مفرّح السبيعي, رحمه الله تعالى .
2- المعمّر محمّد بن الحسين الشّنبري الشّريف, رحمه الله تعالى .
3- المعمّر حثيري الحلحلي العتيبي, حفظه الله تعالى .
4- المعمّر هاضل بن ناجي السبيعي, رحمه الله تعالى .
5- المعمّر عبد الرّحمن بن ثويني, رحمه الله تعالى .
6- ذعار بن مناحي الشّريف, رحمه الله تعالى .
7- المعمر عبيد السمي البقمي, رحمه الله تعالى .
8- المعمّر ماضي بن حمود الحارث الشّريف, رحمه الله تعالى .
9-10-11- 12-أربعة آثرت تأجيل ذكرهم للمصلحة.
- الوثائق البريطانيّة المنشورة, بتحقيق نجدة فتحي صفوة من عام: (1914م) إلى عام: (1920م) والمطبوعة في خمس مجلدات كبار .
إضافة إلى قريب من أربعين مرجعاً آخر, مكتوب أو مسموع أو مخطوط,  جمعتها في أكثر من عشر سنوات, لكن لم ألجأ إلى المصادر غير المسموعة إلاّ على نحو يسير, فأساس البحث هنا هو روايات هؤلاء, ورحم الله الجميع.
(**)"ترتيبُ المَغَازِي الإخوانية في الحجاز والجنوب ومعركة السبلة":
1- حَوْقَان: وتسمّى ( المدفع ) في رجب ( 1336 ) وهو الراجح, وقيل في (25) شعبان (1336 ).
2-  السُّوق: وتسمّى ( الدّفعة ) في (1336) وبعضهم يجعلها تابعة لحوقان.
3- جَبَّار: وتسمّى ( الرّضْم - أبو بغيث ) في (17) رمضان ( 1336) وهو الموافق ليوم الفرقان غزوة بدر الكبرى.
4-  الحنُو: يوم عرفة (9) ذو الحجة (1336).
5-  القُرَيْن: في ( 17) صفر (1337).
6-  تربة: في (25) شعبان ( 1337).
7-  الرّيعان: الأُخيضر في (1337), الخرائق في ( 1340), العبيلا, الجرشيّة, أمّ الجرفان, العقيق, جليل, القرشيّات, العَرفا, مقتل الفرد والعبّود في (1342) .... إلى مغازي متفرّقة في سِتِّ سنوات بعد تربة.
8-  يوم الغلطة: قبل دخول الطائف ( قَتْلُ منير الحضبي بالخطأ, في نحو عشرين من الإخوان ).
9-  الطّائف: في أوائل صفر (1343).
10-  الهدا: في ( 26)  صفر ( 1343) وهي تابعة للطّائف.
11-  دخول مكّة المكرمة: في ( 17) ربيع الأول ( 1343 ).
12-  دخول المدينة النبويّة: في ( 18)  جمادى الأولى ( 1344).
13-  ينبع, وبدر: في ( 1344).
14-  جدّة, ومعركة الرّغامة: في غرّة جمادى الآخرة ( 1344).
15-  مغازي الشّمال: بعد دخول مكّة المكرمة.
16-  السّبلة: في ( 19)  شوال ( 1347).
17-  الجنوب, واليمن: بعد السبلة.
(١) وكان رحمه الله كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات:
                                  بأي لسـان أشكــر الله إنّه 
                                                     لذو نعمة أعجـزت كل شاكر
                                 حباني بالإسـلام أعظـم منّة
                                                    وبسنّة المعصـوم أزكى الشعائر
                               وبالنعمة العظمى اعـتقاد ابن حنبل
                                                   عليها اعتقادي يوم كشف السرائر
   كان مولده في العيينة من سنة:( 1115هـ / 1703م) ووفاته في العيينة يوم الإثنين من شهر شوال سنة: (1206 هـ/ 1791م ) عن اثنتين وتسعين سنة, ومات ولم يخلف ديناراً ولا درهماً, فلم يقسم بين ورثته مال, ورحل بعد أن جدد الله به الدين في القرن الثاني عشر وما بعده, رحمه الله تعالى .
(٢) يصم بعض الناس الدولة السعودية الأولى وشيخها الإمام المجدد بالخروج على ولي الأمر آنذاك أي الدولة العثمانية، والحق أن تلك التهمة لا تصح لأمور منها:
١- أن أهل نجد بعامّة لم يكونوا من رعايا الدولة العثمانية ولا من أتباعها فمعلوم أن وسط نجد خاضع تماماً لإمارات مستقلة وليست تابعة لأحد، ولم تصل قط سرية عثمانية لبلاد نجد قبل قيام الدعوة السلفية الإصلاحية ممثلة في دولتها السعودية.
٢- أن حروبهم للشريف في الحجاز كانت دفاعاً عن النفس إذ هو من بدأ بظلمهم وقتالهم، ثم منعهم من الحج عدة سنين فألجأهم ذلك لدخول مكة المكرمة ومن ثم ضموها إليهم.

(٣) مجموعة مؤلفات الشّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: ( 5/ 26 ) . ووصفنا لهم بالحركة لا يعني هذا أنهم حزب منظم كحال الأحزاب أو بعض الحركات التي على الساحة , إنما نعني بالحركة وصف ذلك التدين العام المتجه نحو التوحيد والجهاد .
(٤) وفي رواية:
                                  حسبنا الله على خالد والإخوان 
                                                    كفرونا وحنا مســلمين
(٥) ولا يمنع من ذلك وقوع بعض الأفعال الفردية التي برئ منها جموعهم قولاً وفعلاً, فقد كان علماؤهم يسوسونهم بالشريعة, ويقودونهم بالقرآن, وليس من الإنصاف ضرب المنهج بفعل آحاد أتباعه .
(٦) أي علماء نجد، وتسمى العارض واليمامة وجَوْ.
(٧) وسنكثر النقول عن أئمة الدعوة النجدية لأمرين: الأول: هو المعاصرة, وقربها زمناً مما نحن بصدده مع اتحاد المكان . والثاني: أنّ تلك الفتاوى إنّما هي التطبيق العملي المنهجي لتنظيرهم لمسائل التوحيد والشرك والجهاد ومسائل الإيمان والكفر وبلاد الإسلام وبلاد الحرب .
(٨) كما في الدرر ( 9 /252 ) .
(٩) لذا فالإخوان يسمّون مغازيهم بالفتوح، والمرجح لدي - والعلم عند الله تعالى - أنها بلد إسلام لا بلد شرك فشعائر الدين قائمة، ولعل هذه الأفعال الشركية ليست غالبة على الناس وليست بممالأة من مجموعهم، ولا شك أن ضعف أو عدم إنكارهم منكر عظيم، لكن هذا شيء والحكم على البلدة بالكفر شيء آخر، وهو بعيد إن شاء الله تعالى. وتعليقي هنا من باب تحقيق المناط لا تنقيحه فالشيخ رحمه الله لم يخرم أصلاً من الأصول بل هو جار على جادة أهل السنة والجماعة.
(١٠) المرجع السابق: ( 9 /259-260 )
(١١) ويعده بعضهم ممن حضر معركة تربة حيث جاء مع أهل الغطغط، والعلم عند الله.
(١٢) المرجع السابق: ( 9 / 280 ). (14) المرجع السابق:( 9 /82 )وكثير من نواقض الإسلام مغيب فقهه عن جمهور الأمة في هذه الأزمنة، ولذلك أسباب عدة.
(١٣) المرجع السابق:( 8 /366 ).
(١٤) نقلاً عن دعاوى المناوئين للشّيخ عبد العزيز آلعبد اللّطيف: (161) وهو بنصِّهِ في الدّرر: (10/ 8)
(١٥) الدّرر السّنيّة (9| 292) .
(١٦) مجموعة التوحيد النجدية (318).
(١٧) الدرر السنية: ( 9/ 388 ).
(١٨) كما أن موجبات الردة, ونواقض الملة عديدة, إلا أن مسألة تكفير المعيّن في غاية الخطر إن كانت في يد من لم يملك أدواتها, وفي سلطة من لم يستتم شروط إيقاعها, ولا يجوز أن يترك عنان التكفير للعامة, بل هو خاص بمن أوكل الله لهم سياسة الناس بالشريعة, وهم العلماء الراسخون الذين علموا شروط التكفير وموانعه, وأحسنوا إقامة الحجة على متنكبي المحجة, فقد يُتهم المرء بارتكاب مكفر وهو منه براء! إنما كُذب عليه كما كُذب على الإمام المجدد بأنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم .
   وقد يرتكب الإنسان المعصية وهي ليست من المكفرات, فيرمى بالردة! . كصنيع الخوارج بمرتكب الكبيرة.
وقد يركب الذنب المكفر المخرج من الملة ولكنه لم يكفر بسبب أحد الموانع:
   كالجهل: كقصة الذي قال لولده: "إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في الهواء فلئن قدر الله علي ليعذبني..." (متفق عليه) فهذا شك في عموم قدرة الله تعالى وهذا من المكفرات, مع هذا غفر الله له لخشيته وجهله .
   وكالخطأ: كقصة الفرح بعودة دابته فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح".( أصل الحديث في مسلم وهذا لفظ ابن منده في التوحيد).
   وكالتأويل الذي له وجه: ولم يتضح الحق لصاحبه كالكثير ممن يظنون أنهم ينزهون الله تعالى فيصل بهم ذلك إلى إنكار بعض صفاته, كما كان الإمام أحمد يصلي خلف بعض من قال بتلك المقالات, وقال شيخ الإسلام لبعض المحرفة(المؤولة): أنتم تقولون كلاماً لو قلت به لكفرت! لكنكم لم تكفروا عندي لأنكم ترومون التنزيه بذلك التحريف ولم تتصوروا حقيقة مذهبكم ومآله . أما تأويلات الباطنية والفلاسفة والرافضة وأشباههم فهي كفر محض .
   وكالإكراه: ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) (النحل: ١٠٦ ) وبعضهم خص الرخصة بالنطق فقط, وبعضهم خص الإكراه؛ بالتهديد بالقتل دون الضرب والحبس, والله أعلم .
   وتكفير المعين يختلف عن تكفير الوصف؛ كحديث: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" (رواه أحمد) أما تكفير الشخص المعين كأن تقول: فلان كافر! وهنا مكمن الخطر لمن توغل في ذلك بغير بينة ولا برهان .
الشاهد من هذا أن على الناصح لنفسه أن لا يقع في شَرَك التكفير بغير حق وليعلم أن من دخل في الإسلام بيقين فلا يُخرج منه إلا بيقين, وليتيقن أن لكلّ كلمة طالباً من الله تعالى, وأنه موقوف بين يدي الجبار جل جلاله, ومسؤول عن ما اقترفه لسانه أو خطه بنانه, فليعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً وأنّى ذلك إلا ببرهان شاف, واستدلال كاف, والكلمة يملكها من كانت حبيسة جوفه, لكن إن خرجت فقد ملكته, فإما إعتاق أو إيباق! والله المسؤول أن يحفظني والقارئ والمسلمين من مضلات الفتن ودواهي المحن, فهو المستعان, وعليه التكلان, ولا إله إلا هو .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق