الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مسائل وضوابط
أسامة عكاشة
فضيلة هذه الشعيرة العظيمة
فقد شاء الله تعالى : أن تجمع هذه الأمة الخير من أقطاره كلها ، فكتابها معجزة باقية إلى يوم الدين ، ورسولها خاتم الأنبياء والمرسلين ، وصفوة المرسلين ، وهي مع هذا كله : خير أمة أخرجت للعالمين .
وقد ذكر الله تعالى أنّ مناط الخيرية في هذه الأمة : موصول العرى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من منطلق الإيمان بالله تعالى ، فقال سبحانه وتعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} آل عمران : 110
قال ابن كثير –رحمه الله – : ” فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح, كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها, رأى من الناس سرعة, فقرأ هذه الاَية {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة, فليؤد شرط الله فيها, رواه ابن جرير,
ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الاَية,
ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات, شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم, فقال تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب} أي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {لكان خيراً لهم, منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} أي قليل منهم من يؤمن با لله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم, وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان. ” - عمدة التفسير –
قال القرطبي : ” قوله تعالى: “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم. “
وبين الله – عز وجل – بيانا محكما : أنّ معلم الأمر والنهي تفترق عنده الجادة إلى سبيلين اثنين : فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فعلى جادة أهل الإيمان يسير ،
ومن أمر بالمنكر ونهى عن المعروف فعلى سبيل نفاق تفضي إلى النار وبئس المصير .
قال تعالى في المؤمنين : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } براءة :71
وقال في المنافقين :{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} براءة :67 .
عموم النفع من تطبيق هذه الشعيرة
بين النبي –صلى الله عليه وسلم- أنّ الأمر والنهي ليس مما يعود نفعه على فاعله فحسب ، بل هو سفينة النجاة للمجتمع المسلم كله ، وضرب لهذا مثلا محسا ليكون أوقع في تصور النجاة والهلاك، وارتباط أسباب النجاة والهلاك بالأمر بالمعروف والنهي أخذا وتركا ،
فقال -صلى الله عليه وسلم- : ” مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا.” أخرجه البخاري في صحيحه.
فالنجاة للمجتمع تكون بالأخد بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر –بضوابطها- في أصغر الأمور مخالفة قبل أكبرها حتى ينجو المجتمع بأثره ، لأن “الخرق” في السفينة ولو كان صغيرا هو مساويا لمعنا واحد وهو ” أوسع قبرا” كما قال الرافعي .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي
والله - سبحانه وتعالى- كما أخبر بأن هذه الأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران:104
قال ابن كثير - رحمه الله- : ”يقول تعالى: {ولتكن منكم أمة} منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, {وأولئك هم المفلحون}.
وقال:والمقصود من هذه الآية, أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن,وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه. “.
قال البغوي –رحمه الله- : “ولتكن منكم أمة ” أي : كونوا أمة ، ” من ” صلة ليست للتبعيض ، كقوله تعالى : ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان “(الحج-30) لم يرد اجتناب بعض الأوثان بل أراد فاجتنبوا الأوثان ، واللام في قوله ” ولتكن” لام الأمر، ” يدعون إلى الخير” إلى الإسلام ، ” ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”.”
بينما قال القرطبي في تفسير هذه الآية : ”قد مضى القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه السورة. و”من” في قوله “منكم” للتبعيض، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء. وقيل: لبيان الجنس، والمعنى لتكونوا كلكم كذلك.
قلت: القول الأول أصح؛ فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية، وقد عينهم الله تعالى بقوله: “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة” [الحج: 41] الآية. وليس كل الناس مكنوا. ” انتهى كلام القرطبي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” ويجب على أولي الأمر : وهم علماء كل طائفة ، وأمراؤها ، ومشايخها ، أن يقوموا على عامتهم ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر . ” .
فإذا تقرر هذا فهناك ضوابط لابد أن تعلم حتى تطبق هذه الشريعة على النحو الصحيح :
أولا : ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
فقد قعد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله – قاعدة ذهبية وهي ” ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ، ونهيك عن المنكر غير منكر “
وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الدين ، وقد فصلها الإمام ابن القيم –رحمه الله- شيئا ما فقال : ” شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وان كان الله يبغضه ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا أفلا نقاتلهم فقال: “لا ما أقاموا الصلاة” وقال: “من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته” ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو اكبر منه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء
أربع درجات للإنكار:
فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبئ الذرية وأخذ الأموال فدعهم ” . – إعلام الموقعين – .
ثانيا : ضوابط ينبغي أن تراعى في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
قال سفيان الثوري : ” لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، إلا من كان فيه خصال ثلاث : رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر عالم بما ينهى .”" – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ؛ وعزا ابن رجب هذا القول لسفيان في جامع العلوم والحكم .-
وذكر الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله – في مطلع شرحه على باب ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” من كتاب رياض الصالحين كلاما كأنه مفسر لهذا الأثر الوارد عن سفيان رحمه الله ،
فقال –رحمه الله- : “” والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى أمور:
الأمر الأول: أن يكون الإنسان عالماً بالمعروف والمنكر، فإن لم يكن عالماً بالمعروف فإنه لا يجوز أن يأمر به ، لأنه يأمر بماذا ؟ قد يأمر بأمر يظنه معروفاً وهو منكر ولا يدري، فلابد أن يكون عالماً أن هذا من المعروف الذي شرعه الله ورسوله،
ولابد أن يكون عالماً بالمنكر، أي : عالماً بأن هذا منكر، فإن لم يكن عالماً بذلك ؛ فلا ينه عنه؛ لأنه قد ينهى عن شيء هو معروف فيترك المعروف بسببه، أو ينهى عن شيء وهو مباح فيضيق على عباد الله، بمنعهم مما أباح الله لهم، فلابد أن يكون عالماً بأن هذا منكر، وقد يتسرع كثير من إخواننا الغيورين، فينهون عن أمور مباحة يظنونها منكراً فيضيقون على عباد الله.
فالواجب أن لا تأمر بشيء إلا وأنت تدري أنه معروف، وأن لا تنه عن شيء إلا وأنت تدري أنه منكر.
الأمر الثاني: أن تعلم بأن هذا الرجل تارك للمعروف أو فاعل للمنكر، و لا تأخذ الناس بالتهمة أو بالظن، فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) الحجرات:12 ،
فإذا رأيت شخصاً لا يصلي معك في المسجد، فلا يلزم من ذلك أنه لا يصلي في مسجد آخر؛ بل قد يصلي في مسجد آخر، وقد يكون معذوراً ، فلا تذهب من أجل أن تنكر عليه حتى تعلم أنه يتخلف بلا عذر.
نعم لا بأس أن تذهب وتسأله، وتقول : يا فلان ، نحن نفقدك في المسجد، لا بأس عليك، أما أن تنكر أو أشد من ذلك أن تتكلم فيه في المجالس، فهذا لا يجوز؛ لأنك لا تدري؛ ربما أنه يصلي في مسجد آخر، أو يكون معذوراً.
ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يستفهم أولاً قبل أن يأمر ، فإنه ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس ولم يصل تحية المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :” أصليت؟” قال: لا ، قال:” قم فصل ركعتين” ، ولم يأمره أن يصلي ركعتين حتى سأله : هل صلى أم لا؟
مع أن ظاهر الحال أنه رجلٌ دخل وجلس ولم يصل، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام خاف أن يكون قد صلى وهو لم يشعر به، فقال :” أصليت؟” فقال: لا ، قال ” قم فصل ركعتين”.
كذلك في المنكر لا يجوز أن تنكر على شخص إلا إذا علمت أنه وقع في المنكر،
فإذا رأيت امرأة مع شخص في سيارة مثلاً، فإنه لا يجوز أن تتكلم عليه أو علي المرأة؛ لأنه ربما تكون هذه المرأة من محارمه؛ زوجة، أو أم ، أو أخت، أو ما أشبه ذلك ، حتى تعلم أنه قد أركب معه امرأة ليست من محارمه، أو وجدت شبهة قوية، وأمثال هذا كثيرٌ.
المهم أنه لابُد من علم الإنسان بأن هذا معروف ليأمر به، أو منكر لينهى عنه، ولا بد أن يعلم أيضاً أن الذي وجّه إليه الأمر أو النهي قد وقع في أمر يحتاج إلى أمر فيه أو نهي عنه.
ثم أن الذي ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون رفيقاً بأمره في نهيه؛ لأنه إذا كان رفيقاً أعطاه الله سبحانه وتعالى ما لا يعطي على العنف، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” فأنت إذا عنَّفت على من تنصح ربما ينفر، وتأخذه العزة بالإثم ، ولا ينقاد لك، ولكن إذا جئته بالتي هي أحسن فإنه ينتفع.
ويُذكر – قديماً – أن رجلاً من أهل الحسبة- يعني من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر- مرّ على شخص يستخرج الماء من البئر على إبله عند أذان المغرب، وكان من عادة هؤلاء العمال أن يحدوا بالإبل ، يعني يُنشدون شعراً من أجل أن تخف الإبل ؛ لأن الإبل تطرب لنشيد الشعر، فجاء هذا الرجل ومعه غيره، وتكلم بكلام قبيح على العامل الذي كان متعباً من العمل وضاقت عليه نفسه فضرب الرجل بعصا طويلة متينة كانت معه- فشرد الرجل وذهب إلى المسجد والتقى بالشيخ- عالم من العلماء من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- وقال: إني فعلت كذا وكذا ، وإن الرجل ضربني بالعصا، فلما كان من اليوم الثاني ذهب الشيخ بنفسه إلى المكان قبل غروب الشمس، وتوضأ ووضع مشلحه على خشبه حول البئر، ثم أذن المغرب فوقف كأنه يريد أن يأخذ المشلح ، فقال له : يا فلان… يا أخي جزاك الله خيراً، أنت تطلب الخير في العمل هذا، وأنت على خير، لكن الآن أذن للمغرب، لو أنك تذهب وتصلي المغرب وترجع ما فاتك شيء، وقال له كلاماً هيناً، فقال له: جزاك الله خيراً، مرّ علىّ أمس رجل جلف قام ينتهرني، وقال لي كلاماً سيئاً أغضبني، وما ملكت نفسي حتى ضربته بالعصا، قال : الأمر لا يحتاج إلى ضرب، أنت عاقل ، ثم تكلم معه بكلام لين، فأسند العصا التي يضرب بها الإبل ثم ذهب يصلي بانقياد ورضا.
وكان هذا لأن الأول عامله بالعنف، والثاني عامله بالرفق، ونحن وإن لم تحصل هذه القضية فلدينا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول :” إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” ويقول صلى الله عليه وسلم :” ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما ينزع من شيء إلا شانه” فعلى الآمر أن يحرص على أن يكون أمره ونهيه رفيقاً. “”
ثالثا : فرق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبين تغيير المنكر.
”"ومعلوم أن هناك فرقاً بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين تغيير المنكر ؛
لأن تغيير المنكر يكون من ذي سلطة قادر، مثل الأمير من جعل له تغييره، ومثل الرجل في أهل بيته، والمرأة في بيتها وما شابه ذلك. فهذا له السلطة أن يغير بيده، فإذا لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
أما الأمر: فهو واجب بكلّ حال، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجب بكل حال؛ لأنه ليس فيه تغيير، بل فيه أمر بالخير ونهي عن الشر، وفيه أيضاً دعوة إلى الخير والمعروف وإلى ترك المنكر، فهذه ثلاث مراتب : دعوة ، وأمر ونهي، وتغيير.
أما الدعوة : فمثل أن يقوم الرجل خطيبا في الناس، يعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الهدى.
وأما الأمر : فإن يأمر أمراً موجهاً إلى شخص معين، أو إلى طائفة معينة . يا فلان احرص على الصلاة، واترك الكذب ، اترك الغيبة، وما أشبه ذلك.
أما التغيير : فإن يغير هذا الشيء، يزيله من المنكر إلى المعروف ، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزع الخاتم من صاحبه نزعاً ، وطرحه على الأرض طرحاً .”" شرح رياض الصالحين لابن عثيمين باب ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” -
عقوبة ترك هذه الشعيرة من شعائر الإسلام .
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
قال الشيخ الشنقيطى فى أضواء البيان (وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَاهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَعُمُّ الظَّالِمَ وَغَيْرَهُ هِيَ أَنَّ النَّاسَ ذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ ، صَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ ، وَبِهِ فَسَرَّهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ “
قال الشيخ السعدى :أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك.
وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:
منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.
ومنها: ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.
ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا.
ومنها: أن – في ترك (1) الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها – يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟”
ومنها: أن السكوت (2) على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه، ومنها ومنها.
فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم.
وعن حذيفة رضي الله عنهُ عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ” والذي نفسي بيده، لتأمرون بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجابُ لكم” . رواه الترمذي .
قال الشيخبن عثيمين فى شرح رياض الصالحين : فالواجب علينا جميعا أن نأمر بالمعروف فإذا رأينا أخا لنا قد قصر في واجب أمرناه به وحذرناه من المخالفة وإذا رأينا أخا لنا قد أتى منكرا نهيناه عنه وحذرناه من ذلك حتى نكون أمة واحدة لأننا إذا تفرقنا وصار كل واحد منا له مشرب حصل بيننا من النزاع والفرقة والاختلاف ما يحصل فإذا اجتمعنا كلنا على الحق حصل لنا الخير والسعادة والفلاح…”
ضرورة دعم إخواننا فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
ولما كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو صمام أمان المجتمع الإسلامى توجب علينا من باب التعاون على البر والتقوى دعم إخواننا فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتشجيعهم وبذل ما نستطيع من دعمهم صيانة لهذه الشعيرة الكبيرة ……نسأل الله الإعانة على ذلك
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/16604.html#ixzz2vdxEKV4F
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق