أخرجوا المشركين من جزيرة العرب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الكفار إما أهل حربٍ، وإما أهل عهد، كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان المشركون على منـزلتين من النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين: كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهدٍ لا يقاتلهم ولا يقاتلونه) .
وأهل العهد ثلاثة أصناف:
أهل ذمة: وهم الذين يُقرّون في ديارهم التي يحكمها المسلمون على أن يؤدوا الجزية ولهم ذمة مؤبدة، بشرط أن يجري عليهم حكم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم .
أهل هدنة (صلح) : وهم الذين صالحهم المسلمون على حقن الدماء والكف عن الإيذاء والاعتداء، ولا تجري عليهم أحكام المسلمين؛ لأنهم مستقلون في بلادهم وليس للمسلمين يدٌ عليها.
المستأمنون: وهم الذين يقدمون بلاد المسلمين من غير استيطان لها، ولكن لتجارةٍ أو عملٍ أو زيارةٍ أو نحو ذلك.وكل هؤلاء الأصناف الثلاثة لا يجوز الاعتداء عليهم، ولا سلب أموالهم ولا إيذاؤهم، فدماؤهم وأموالهم معصومة.والصنفان الأخيران لا يجب عليهم ـ كما توهم السائل ـ دفعُ الجزية، ولا يلزمهم القيامُ للمسلم ولا الإفساح له ..إلخ .وعقدهم وعهدهم باقٍ يجب الوفاء به والتزامه ولو في جزيرة العرب، فإن دخول الكافر إلى جزيرة العرب بعهد أمان من مسلم أو من دولة لا يجعل العهد منكوثاً، ولا دمه مهدراً..
وأما حديث إخراج المشركين من جزيرة العرب، فلا يدل على جواز قتل مَن في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين البتة، لا بدلالة منطوقه ولا بدلالة مفهومه.
ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم أجد من قال بذلك من أهل العلم.
وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين ولو كان فاجراً.ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد الذي أُعطوه لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له. قال أحمد: “إذا أشير إليه ـ أي الحربي ـ بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العدو أنه أمانٌ فهو أمان ” أ.هـ (حاشية ابن قاسم 4/297)
على أن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة.
فذهب أحمد إلى أن جزيرة العرب هي المدينة وما والاها. قال في ( المغني 13/243) : يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينةُ وما والاها، وهو مكة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها. وهذا قول الشافعي؛ لأنهم لم يُجلوا من تيماء، ولا من اليمن). ثم قال ـ أي ابن قدامة: (فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أُريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد. ولا يمنعون من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ـ بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة ـ ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك) أهـ.
كما أن دلالة الحديث تحتمل قصر المنع على استيطان جزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت أو التجارة، كما هو شأن الكفار الوافدين.
والظاهر أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب مقيدٌ بحالة عدم الحاجة إليهم في عمل من الأعمال التي لا يجيدها غيرهم، أو لا يُستغنى فيها عن خبراتهم.
وقد أفتى بعض مشايخنا بجواز استقدام الكفار عند الحاجة، وقصروا تحريم استقدامهم فيما إذا أمكن الاستغناء عنهم.
والمقصود أن الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يقضي بانتقاض عهدهم وأمانهم إذا دخلوها، بل هو عقد ماضٍ محترم، فدماؤهم معصومة، وأموالهم معصومة، ولا يجوز الاعتداء عليهم، ولا إيذاؤهم.
ومع ذلك ينبغي ألا يُترك في جزيرة العرب من هؤلاء إلا من تدعو الحاجة والمصلحة إلى بقائه فيها، وأنصح القارئ بمراجعة كتاب أسئلة جريئة المنشور في موقع الإسلام اليوم، ففيه تفصيل مفيد ومهم..
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/3336.html#ixzz2vYCLGCML
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق