مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالط في المدينة اليهود والمنافقين وكان هؤلاء يُظْهِرون له الخير والبشاشة، ويُخْفُون في أنفسهم البغض للإسلام وأهله والكيد لهم، لكن ذلك لم يغير من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ويدلل على ذلك أن اليهود جاءوا يومًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وغَيَّروا في عبارتهم، وقصدوا بها اللعن والذم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم – أي: الموت – ففهمت عائشة رضي الله عنها كَلِمَتَهُم، فقالت: عليكم السام، ولعنكم الله وغضب الله عليكم. فقال نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم: «يا عائِشةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ»( 2) قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالُوا؟ قال: «قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ».
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو اليمن، فقال: «الإِيمانُ يمانٍ ها هُنا، ألا إِنَّ الْقسْوةَ وغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أذْنابِ الإِبِلِ، حيْثُ يطْلُعُ قرْنَا الشّيْطانِ فِى ربِيعة ومُضر»(3 ).
والفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك، أو هم الرعاة والجمالون، وإنما ذم صلى الله عليه وسلم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم، وذلك يفضي إلى قساوة القلب.
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحذر من العنف في الفعل والقول في مواضع كثيرة، وقد جاء ذلك في أحاديثه الشريفة، حيث قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى ذمه العنف وأهله: «إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطمةُ، فإِيَّاك أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». ( 4)الحطمة: أي العنيف في رعيته، لا يرفق بها في سوْقها ومرعاها، بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره ، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها.
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم مُحذِّرًا من العنف في معاملة الرعية: «اللّهُمَّ منْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عليْهِمْ فاشْقُقْ عليْهِ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شيْئًا فرَفَقَ بِهِمْ فارْفُقْ بِهِ»( 5) ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخيْرَ».( 6)
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم في وصية لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: «يا عائِشةُ ارْفُقِى فإِنَّ اللَّهَ إِذا أراد بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا دَلَّهُمْ على بابِ الرِّفْقِ».( 7) وفي رواية عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا أراد اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا أدْخل عليْهِمُ الرِّفْقَ».( 8)
لقد كان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يَشْكُون إليه قَسْوةَ قلوبهم ويسألونه صلى الله عليه وسلم عما يُلَيِّن قلوبَهم ويقودهم إلى الرفق بأنفسهم وبعباد الله تبارك وتعالى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رجُلا شكا إِلى رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قسْوة قلْبِهِ فقال لهُ صلى الله عليه وسلم: « إِنْ أردْتَ أنْ يلِينَ قلْبُك فأطْعِمِ الْمِسْكِينَ وامْسَحْ رأْسَ الْيَتِيمِ».( 9)
وكان صلى الله عليه وسلم يعامل الناس ويعامل أصحابه بهذا الرفق، وكان صلى الله عليه وسلم يرفق بالنساء، ويظهر هذا عندما كان في مسيرٍ له، فحدا حادٍ – يقال له: أنجشة – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يَا أنْجَشَةُ، رُويْدَكَ سَوْقًا بِالْقوارِيرِ».( 10). طلب منه صلى الله عليه وسلم الرفق في السير؛ لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته، فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك؛ لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن وسقوطهن.
وكان عند نبينا صلى الله عليه وسلم أضياف من أصحابه رضي الله عنهم وكان جالسًا في بيت إحدى أمهات المؤمنين – بيت عائشة رضي الله عنها – فأرسلت إحدى ضرّاتها بإناء فيه طعام، فغارت عائشة رضي الله عنها من إرسال الطعام في يومها، فربما يكون أحسن من طعامها، فضربت الإناء فسقط فانكسر، والناس ينظرون إلى ما يجري في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو صانع بامرأته؟! لكن ما عنَّفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شتمها ولا كهرها، إنما قال صلى الله عليه وسلم: «غَارَتْ أُمُّكُمْ».( 11) ثم جمع الطعام في الإناء وقَدَّمه لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وأرسل إناءً صحيحًا إلى تلك الضَّرَّة، وقال: «طعامٌ كطعامِها وإِناءٌ كإِنائِها».( 12)
وتظهر رحمته صلى الله عليه وسلم عندما رُمِيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في عِرْضها، وتكلم الناس فيها شهرًا، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين هو من يُروِّج لذلك، فيبْلُغ الكلامُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يبلغه ذلك في حق زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فما يتكلم صلى الله عليه وسلم بشيء في حقِّها، وما رماها صلى الله عليه وسلم بشيء مما يتكلم به الناس، إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى من ذلك، ويُرى ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم، وما قال لها إلا كلمات يسيرة، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائِشةُ، إِنّهُ بلغنِي عنْكِ كذا وكذا، فإِنْ كُنْتِ برِيئةً، فسيُبرِّئُكِ اللَّهُ، وإِنْ كُنْتِ ألْممْتِ بِذنْبٍ فاسْتغْفِرِي اللّه وتُوبِي إِليْهِ، فإِنَّ الْعبْد إِذا اعْترف ثُمَّ تابَ تابَ اللَّهُ عليْهِ»( 13) ولما نزلت براءتها من عند الله عز وجل، قال لها صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرِي يا عائِشةُ، أمَّا اللَّهُ فقدْ برَّأَكِ»( 14) وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الآيات من سورة النور في براءة أمنا عائشة رضي الله عنها: ﴿إِنَّ الَّذِين جاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبةٌ مِّنكُمْ لا تحْسبُوهُ شرًا لّكُم بلْ هُو خيْرٌ لّكُمْ ﴾ [سورة النور : الآية 11] إلى آخر الآيات. قالت أم عائشة: يا عائشة، قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحمديه. فقالت عائشة رضي الله عنها: والله لا أحمده، إنما أحمد الله الذي أنزل براءتي.
يقول ابن القيم رضي الله عنه ورحمه وغفر له: وكان هذا من أحب ما يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنها وَحَّدت الله ونسبت النعمة إليه تبارك وتعالى، ولم تنسبها إلى أحد من البشر.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من رِفْقِه بأهله يكون في مهنتهم، فعن الأسود قال سألتُ عائشة ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصنع فى بيته، قالت: كان يكون فى مِهْنةِ أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.(15 )
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه إذا علَّموا وأرشدوا الناس بأن يتجنبوا العنف وأن يرفقوا بعباد الله تبارك وتعالى، ويبين ذلك أنه جاء أعرابي فدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال في ناحية من المسجد، فقام إليه الناس لينهروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ».( 16) أي: لا تقطعوا بوله. فلما فرغ الرجل من بوله، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجْلٍ من ماء أو بذنوب من ماء، وأمر بالماء فأريق عليه، وانتهى الأمر عند هذا. فلو أنهم عنفوه فلربما هجرهم ولربما ترك الخير الذي كان مقبلًا عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاَّ زانهُ ولا يُنْزَعُ مِنْ شىْءٍ إِلاَّ شانهُ».( 17)
وعن معاوية بن الحكم السلمى قال بينا أنا أصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلِيَّ؟ فجعلوا يضْرِبون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتُونني لكنى سكتُّ، فلما صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبأبي هو وأمي، ما رأيت مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرنِي ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إِنَّ هذِهِ الصّلاة لا يصْلُحُ فِيها شيْءٌ مِنْ كلامِ النّاسِ، إِنّما هُو التّسْبِيحُ والتّكْبِيرُ وقِراءةُ الْقُرْآنِ».( 18)
يقول قتادة رحمه الله في قول ربنا جل وعلا: ﴿فبِما رحْمةٍ مِّن اللّهِ لِنت لهُمْ ولوْ كُنت فظاًّ غلِيظ القلْبِ لانفضُّوا مِنْ حوْلِك ﴾ [سورة آل عمران : الآية 159] قال: والله لقد طهره من الفظاظة والغلظة، جعله بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا.
كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف والشدة في التعامل مع النفس ويأمر بالرفق بها، فعن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها وعندها امرأة، قال: «منْ هذِهِ؟» . قالت: فلانة. تذكر من صلاتها. قال: «مهْ، عليْكُمْ بِما تُطِيقُون، فواللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا» ( 19). وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: والله لأقومن الليل ولأصومن النهار ما حييت. فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنّك تصُومُ النَّهار وتقُومُ اللّيْل؟» . فقُلْتُ: بلى يا رسُول اللَّهِ. قال: «فلا تفْعَلْ، صُمْ وأفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، فإِنَّ لِجسدِك عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِعيْنِكَ عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِزوْجِك عليْك حقًّا، وإِنَّ لِزوْرِك عليْك حقًّا، وإِنَّ بِحسْبِك أنْ تصُوم كُلَّ شهْرٍ ثلاثةَ أيّامٍ، فإِنَّ لك بِكُلِّ حسنةٍ عشْرَ أمْثالِها، فإِنَّ ذلِكَ صِيامُ الدّهْرِ كُلِّهِ»( 20) يقول عبد الله بن عمرو: ياليتني أطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
عنْ أنسٍ – رضي الله عنه – أنَّ النّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رأى شيْخًا يُهادَى بيْن ابْنيْهِ، قال: «ما بالُ هذا؟!». قالُوا: نَذَر أنْ يمْشِيَ. قال: «إِنَّ اللَّهَ عنْ تعْذِيبِ هذا نفْسَهُ لَغَنِىٌّ».( 21) وأمره أن يركب. صلوات الله وسلامه عليه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشدة في أداء العبادة، ويأمر بالرفق بالعابدين المصلين الرُّكَّع السُّجُود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه وأرضاه لما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله إمام قومه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمَّ قوْمَكَ، فمَنْ أمَّ قوْمًا فلْيُخفِّفْ، فإِنَّ فِيهِمُ الْكبِيرَ، وإِنَّ فِيهِمُ الْمرِيضَ، وإِنَّ فِيهِمُ الضّعِيفَ، وإِنَّ فِيهِمْ ذا الْحاجةِ، وإِذا صلَّى أحدُكُمْ وحْدهُ فلْيُصلِّ كيْف شاءَ».( 22)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل في الصيام، أي: يصوم يومين متتابعين بغير إفطار، وكان بعض أصحابه يريد الوصال، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «إِيّاكُمْ والْوِصال». مرّتيْنِ، قِيل: إِنّك تُواصِلُ. قال: «إِنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي ربِّي ويسْقِينِ، فاكْلفُوا مِن الْعملِ ما تُطِيقُون» ( 23).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في سفر ، فرأى زِحامًا، ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: «مَا هَذَا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليْسَ مِن الْبِرِّ الصّوْمُ فِي السّفرِ»( 24)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف في معاملة الحيوان ويأمر بالرفق به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كتَبَ الإِحْسانَ على كُلِّ شىْءٍ، فإِذا قَتَلْتُمْ فأَحْسِنُوا الْقِتْلة، وإِذا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْح، ولْيُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرتَهُ، فلْيُرِحْ ذبِيحتهُ».( 25)
يقول سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لَحِق ظهرُه ببطنِه، فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ فِى هذِهِ الْبهائِمِ الْمُعْجمةِ فارْكبُوها وكُلُوها صالِحةً ».(26)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فرأينا حُمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الْحُمّرةُ فجعلت تفرش – أي ترفرف بجناحيها – فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِولدِها؟! رُدُّوا ولدها إِليْها». ( 27)
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن الغلظة والفظاظة والعنف في معاملة الناس عمومًا وفي معاملة الحكام خُصوصًا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبيِّنًا أن العنف في معاملة الحكام مُؤدٍّ إلى عواقب وخيمة لا تحمد في الدنيا ولا في الآخرة: «منْ أراد أنْ ينْصح لِذِي سُلْطانٍ لا يُبْدِهِ علانِيةً ولكِنْ يأْخُذُ بِيدِهِ، فيخْلُو بِهِ، فإِنْ قبِل مِنْهُ فذاك وإِلاّ كان قدْ أدَّى الَّذِي عليْهِ»(28 ) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلظة والشدة في معاملة الحكام، فإن هذا لا ينبغي كما يقول أهل العلم.
وحُكِي أن رجلاً أغلظ في نصيحته لأحد أمراء بني العباس، فقال له: يا هذا، قد أرسل الله عز وجل من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون فقال: ﴿فقُولا لهُ قوْلًا لّيِّنًا لّعلّهُ يتذكّرُ أوْ يخْشى ﴾ [سورة طه : الآية 44]. وهذا قد يكون ما فيه من الخطإ، فربما أضر به السلطان.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: تكون ذا أناة فتلاين الولاة. قال: فما الخرق؟ يعني الحمق. قال: معاداة إِمامِك ومناوأة من يقدر على ضررك.
وقد جاءت الأخبار مشيرة إلى ملاينة الولاة وطاعتهم، فعن حذيفة بن اليمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكُونُ بعْدِى أئِمّةٌ لا يهْتدُون بِهُداي ولا يسْتنُّون بِسُنّتِي وسيقُومُ فِيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشّياطِينِ فِي جُثْمانِ إِنْسٍ». قال: قُلْتُ: كيْف أصْنعُ يا رسُول اللّهِ إِنْ أدْركْتُ ذلِك؟ قال: «تسْمعُ وتُطِيعُ لِلأمِيرِ وإِنْ ضُرِبَ ظهْرُك وأُخِذَ مالُك فاسْمعْ وأطِعْ».( 29)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ»(30 )
وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».(31 )
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على ولاة الأمور وعلى المسلمين وحمل السلاح عليهم، فقال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا».( 32) وأمر بالصبر على جور الولاة وذلك لما فيه من الخير والنفع على عموم الأمة.
وعن ابن الأعرابي قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بُنَيَّ سُلْطان عادلٌ خَيْرٌ مِن مَطَرٍ وَابِلٍ، وَأَسَد حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ ظلوم، وسلطانٌ غَشُوم ظَلُوم خَيْرٌ من فِتْنَةٍ تَدُومُ.(33 )
فإذا كان في الناس حاكم يظلم بعض الشيء ولكن تقام شرائع الإسلام من صلاة وغيرها فهم في خير، ولكن إذا وقعت الفتنة انقطعت السبل واعتُدِي على حرمات الله تبارك وتعالى.
—————————-
المحاضر:الشيخ سلطان العيد
*******************
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/16453.html#ixzz2lB7GrXCE
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو اليمن، فقال: «الإِيمانُ يمانٍ ها هُنا، ألا إِنَّ الْقسْوةَ وغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أذْنابِ الإِبِلِ، حيْثُ يطْلُعُ قرْنَا الشّيْطانِ فِى ربِيعة ومُضر»(3 ).
والفدادون جمع فدان وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك، أو هم الرعاة والجمالون، وإنما ذم صلى الله عليه وسلم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم، وذلك يفضي إلى قساوة القلب.
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحذر من العنف في الفعل والقول في مواضع كثيرة، وقد جاء ذلك في أحاديثه الشريفة، حيث قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى ذمه العنف وأهله: «إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطمةُ، فإِيَّاك أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». ( 4)الحطمة: أي العنيف في رعيته، لا يرفق بها في سوْقها ومرعاها، بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره ، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها.
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم مُحذِّرًا من العنف في معاملة الرعية: «اللّهُمَّ منْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عليْهِمْ فاشْقُقْ عليْهِ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شيْئًا فرَفَقَ بِهِمْ فارْفُقْ بِهِ»( 5) ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخيْرَ».( 6)
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم في وصية لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: «يا عائِشةُ ارْفُقِى فإِنَّ اللَّهَ إِذا أراد بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا دَلَّهُمْ على بابِ الرِّفْقِ».( 7) وفي رواية عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا أراد اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِأهْلِ بيْتٍ خيْرًا أدْخل عليْهِمُ الرِّفْقَ».( 8)
لقد كان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يَشْكُون إليه قَسْوةَ قلوبهم ويسألونه صلى الله عليه وسلم عما يُلَيِّن قلوبَهم ويقودهم إلى الرفق بأنفسهم وبعباد الله تبارك وتعالى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رجُلا شكا إِلى رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قسْوة قلْبِهِ فقال لهُ صلى الله عليه وسلم: « إِنْ أردْتَ أنْ يلِينَ قلْبُك فأطْعِمِ الْمِسْكِينَ وامْسَحْ رأْسَ الْيَتِيمِ».( 9)
وكان صلى الله عليه وسلم يعامل الناس ويعامل أصحابه بهذا الرفق، وكان صلى الله عليه وسلم يرفق بالنساء، ويظهر هذا عندما كان في مسيرٍ له، فحدا حادٍ – يقال له: أنجشة – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يَا أنْجَشَةُ، رُويْدَكَ سَوْقًا بِالْقوارِيرِ».( 10). طلب منه صلى الله عليه وسلم الرفق في السير؛ لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته، فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك؛ لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن وسقوطهن.
وكان عند نبينا صلى الله عليه وسلم أضياف من أصحابه رضي الله عنهم وكان جالسًا في بيت إحدى أمهات المؤمنين – بيت عائشة رضي الله عنها – فأرسلت إحدى ضرّاتها بإناء فيه طعام، فغارت عائشة رضي الله عنها من إرسال الطعام في يومها، فربما يكون أحسن من طعامها، فضربت الإناء فسقط فانكسر، والناس ينظرون إلى ما يجري في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو صانع بامرأته؟! لكن ما عنَّفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شتمها ولا كهرها، إنما قال صلى الله عليه وسلم: «غَارَتْ أُمُّكُمْ».( 11) ثم جمع الطعام في الإناء وقَدَّمه لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وأرسل إناءً صحيحًا إلى تلك الضَّرَّة، وقال: «طعامٌ كطعامِها وإِناءٌ كإِنائِها».( 12)
وتظهر رحمته صلى الله عليه وسلم عندما رُمِيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في عِرْضها، وتكلم الناس فيها شهرًا، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين هو من يُروِّج لذلك، فيبْلُغ الكلامُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يبلغه ذلك في حق زوجه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فما يتكلم صلى الله عليه وسلم بشيء في حقِّها، وما رماها صلى الله عليه وسلم بشيء مما يتكلم به الناس، إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى من ذلك، ويُرى ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم، وما قال لها إلا كلمات يسيرة، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائِشةُ، إِنّهُ بلغنِي عنْكِ كذا وكذا، فإِنْ كُنْتِ برِيئةً، فسيُبرِّئُكِ اللَّهُ، وإِنْ كُنْتِ ألْممْتِ بِذنْبٍ فاسْتغْفِرِي اللّه وتُوبِي إِليْهِ، فإِنَّ الْعبْد إِذا اعْترف ثُمَّ تابَ تابَ اللَّهُ عليْهِ»( 13) ولما نزلت براءتها من عند الله عز وجل، قال لها صلى الله عليه وسلم: «أبْشِرِي يا عائِشةُ، أمَّا اللَّهُ فقدْ برَّأَكِ»( 14) وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الآيات من سورة النور في براءة أمنا عائشة رضي الله عنها: ﴿إِنَّ الَّذِين جاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبةٌ مِّنكُمْ لا تحْسبُوهُ شرًا لّكُم بلْ هُو خيْرٌ لّكُمْ ﴾ [سورة النور : الآية 11] إلى آخر الآيات. قالت أم عائشة: يا عائشة، قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحمديه. فقالت عائشة رضي الله عنها: والله لا أحمده، إنما أحمد الله الذي أنزل براءتي.
يقول ابن القيم رضي الله عنه ورحمه وغفر له: وكان هذا من أحب ما يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنها وَحَّدت الله ونسبت النعمة إليه تبارك وتعالى، ولم تنسبها إلى أحد من البشر.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من رِفْقِه بأهله يكون في مهنتهم، فعن الأسود قال سألتُ عائشة ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصنع فى بيته، قالت: كان يكون فى مِهْنةِ أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.(15 )
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه إذا علَّموا وأرشدوا الناس بأن يتجنبوا العنف وأن يرفقوا بعباد الله تبارك وتعالى، ويبين ذلك أنه جاء أعرابي فدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال في ناحية من المسجد، فقام إليه الناس لينهروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ».( 16) أي: لا تقطعوا بوله. فلما فرغ الرجل من بوله، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجْلٍ من ماء أو بذنوب من ماء، وأمر بالماء فأريق عليه، وانتهى الأمر عند هذا. فلو أنهم عنفوه فلربما هجرهم ولربما ترك الخير الذي كان مقبلًا عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاَّ زانهُ ولا يُنْزَعُ مِنْ شىْءٍ إِلاَّ شانهُ».( 17)
وعن معاوية بن الحكم السلمى قال بينا أنا أصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلِيَّ؟ فجعلوا يضْرِبون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتُونني لكنى سكتُّ، فلما صلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبأبي هو وأمي، ما رأيت مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرنِي ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إِنَّ هذِهِ الصّلاة لا يصْلُحُ فِيها شيْءٌ مِنْ كلامِ النّاسِ، إِنّما هُو التّسْبِيحُ والتّكْبِيرُ وقِراءةُ الْقُرْآنِ».( 18)
يقول قتادة رحمه الله في قول ربنا جل وعلا: ﴿فبِما رحْمةٍ مِّن اللّهِ لِنت لهُمْ ولوْ كُنت فظاًّ غلِيظ القلْبِ لانفضُّوا مِنْ حوْلِك ﴾ [سورة آل عمران : الآية 159] قال: والله لقد طهره من الفظاظة والغلظة، جعله بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا.
كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف والشدة في التعامل مع النفس ويأمر بالرفق بها، فعن عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها وعندها امرأة، قال: «منْ هذِهِ؟» . قالت: فلانة. تذكر من صلاتها. قال: «مهْ، عليْكُمْ بِما تُطِيقُون، فواللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا» ( 19). وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: والله لأقومن الليل ولأصومن النهار ما حييت. فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنّك تصُومُ النَّهار وتقُومُ اللّيْل؟» . فقُلْتُ: بلى يا رسُول اللَّهِ. قال: «فلا تفْعَلْ، صُمْ وأفْطِرْ، وقُمْ وَنَمْ، فإِنَّ لِجسدِك عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِعيْنِكَ عليْكَ حقًّا، وإِنَّ لِزوْجِك عليْك حقًّا، وإِنَّ لِزوْرِك عليْك حقًّا، وإِنَّ بِحسْبِك أنْ تصُوم كُلَّ شهْرٍ ثلاثةَ أيّامٍ، فإِنَّ لك بِكُلِّ حسنةٍ عشْرَ أمْثالِها، فإِنَّ ذلِكَ صِيامُ الدّهْرِ كُلِّهِ»( 20) يقول عبد الله بن عمرو: ياليتني أطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
عنْ أنسٍ – رضي الله عنه – أنَّ النّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رأى شيْخًا يُهادَى بيْن ابْنيْهِ، قال: «ما بالُ هذا؟!». قالُوا: نَذَر أنْ يمْشِيَ. قال: «إِنَّ اللَّهَ عنْ تعْذِيبِ هذا نفْسَهُ لَغَنِىٌّ».( 21) وأمره أن يركب. صلوات الله وسلامه عليه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشدة في أداء العبادة، ويأمر بالرفق بالعابدين المصلين الرُّكَّع السُّجُود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه وأرضاه لما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله إمام قومه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمَّ قوْمَكَ، فمَنْ أمَّ قوْمًا فلْيُخفِّفْ، فإِنَّ فِيهِمُ الْكبِيرَ، وإِنَّ فِيهِمُ الْمرِيضَ، وإِنَّ فِيهِمُ الضّعِيفَ، وإِنَّ فِيهِمْ ذا الْحاجةِ، وإِذا صلَّى أحدُكُمْ وحْدهُ فلْيُصلِّ كيْف شاءَ».( 22)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل في الصيام، أي: يصوم يومين متتابعين بغير إفطار، وكان بعض أصحابه يريد الوصال، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «إِيّاكُمْ والْوِصال». مرّتيْنِ، قِيل: إِنّك تُواصِلُ. قال: «إِنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي ربِّي ويسْقِينِ، فاكْلفُوا مِن الْعملِ ما تُطِيقُون» ( 23).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان في سفر ، فرأى زِحامًا، ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: «مَا هَذَا؟». فقالوا: صائم. فقال: «ليْسَ مِن الْبِرِّ الصّوْمُ فِي السّفرِ»( 24)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن العنف في معاملة الحيوان ويأمر بالرفق به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كتَبَ الإِحْسانَ على كُلِّ شىْءٍ، فإِذا قَتَلْتُمْ فأَحْسِنُوا الْقِتْلة، وإِذا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْح، ولْيُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرتَهُ، فلْيُرِحْ ذبِيحتهُ».( 25)
يقول سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لَحِق ظهرُه ببطنِه، فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ فِى هذِهِ الْبهائِمِ الْمُعْجمةِ فارْكبُوها وكُلُوها صالِحةً ».(26)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فرأينا حُمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الْحُمّرةُ فجعلت تفرش – أي ترفرف بجناحيها – فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِولدِها؟! رُدُّوا ولدها إِليْها». ( 27)
وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن الغلظة والفظاظة والعنف في معاملة الناس عمومًا وفي معاملة الحكام خُصوصًا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبيِّنًا أن العنف في معاملة الحكام مُؤدٍّ إلى عواقب وخيمة لا تحمد في الدنيا ولا في الآخرة: «منْ أراد أنْ ينْصح لِذِي سُلْطانٍ لا يُبْدِهِ علانِيةً ولكِنْ يأْخُذُ بِيدِهِ، فيخْلُو بِهِ، فإِنْ قبِل مِنْهُ فذاك وإِلاّ كان قدْ أدَّى الَّذِي عليْهِ»(28 ) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلظة والشدة في معاملة الحكام، فإن هذا لا ينبغي كما يقول أهل العلم.
وحُكِي أن رجلاً أغلظ في نصيحته لأحد أمراء بني العباس، فقال له: يا هذا، قد أرسل الله عز وجل من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون فقال: ﴿فقُولا لهُ قوْلًا لّيِّنًا لّعلّهُ يتذكّرُ أوْ يخْشى ﴾ [سورة طه : الآية 44]. وهذا قد يكون ما فيه من الخطإ، فربما أضر به السلطان.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه عبد الله: ما الرفق؟ قال: تكون ذا أناة فتلاين الولاة. قال: فما الخرق؟ يعني الحمق. قال: معاداة إِمامِك ومناوأة من يقدر على ضررك.
وقد جاءت الأخبار مشيرة إلى ملاينة الولاة وطاعتهم، فعن حذيفة بن اليمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكُونُ بعْدِى أئِمّةٌ لا يهْتدُون بِهُداي ولا يسْتنُّون بِسُنّتِي وسيقُومُ فِيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشّياطِينِ فِي جُثْمانِ إِنْسٍ». قال: قُلْتُ: كيْف أصْنعُ يا رسُول اللّهِ إِنْ أدْركْتُ ذلِك؟ قال: «تسْمعُ وتُطِيعُ لِلأمِيرِ وإِنْ ضُرِبَ ظهْرُك وأُخِذَ مالُك فاسْمعْ وأطِعْ».( 29)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ»(30 )
وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».(31 )
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على ولاة الأمور وعلى المسلمين وحمل السلاح عليهم، فقال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا».( 32) وأمر بالصبر على جور الولاة وذلك لما فيه من الخير والنفع على عموم الأمة.
وعن ابن الأعرابي قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بُنَيَّ سُلْطان عادلٌ خَيْرٌ مِن مَطَرٍ وَابِلٍ، وَأَسَد حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ ظلوم، وسلطانٌ غَشُوم ظَلُوم خَيْرٌ من فِتْنَةٍ تَدُومُ.(33 )
فإذا كان في الناس حاكم يظلم بعض الشيء ولكن تقام شرائع الإسلام من صلاة وغيرها فهم في خير، ولكن إذا وقعت الفتنة انقطعت السبل واعتُدِي على حرمات الله تبارك وتعالى.
—————————-
المحاضر:الشيخ سلطان العيد
*******************
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/16453.html#ixzz2lB7GrXCE
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/32972.html#ixzz2vTcIwTMs
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق