ما حكم تبييت ذراري الكفار؟
الشبهة
وجود بعض المدنيين الأبرياء من الكفار في عداد القتلى لا يحرم هذه العمليات، فقد روى الصعب بن جثامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيّتون فيصاب من نسائهم وذرياتهم، قال: « هم منهم ».
وجود بعض المدنيين الأبرياء من الكفار في عداد القتلى لا يحرم هذه العمليات، فقد روى الصعب بن جثامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيّتون فيصاب من نسائهم وذرياتهم، قال: « هم منهم ».
فهذا الحديث يدل على أن النساء والصبيان، ومن لا يجوز قتله منفرداً يجوز قتلهم إذا كانوا مختلطين بغيرهم ولم يمكن التمييز.
الإجابة
وقد أجاب أهل العلم على هذه الشبهة بقولهم :
إن مما نحمده للسائل لياذه بكلام أهل العلم، ونقل نصوص من عباراتهم، وهو منهج إذا اكتمل واضطرد وحسن معه القصد أفضى بصاحبه إلى طريق الصواب، وإن من أهم ما ينبه إليه طالب العلم ضرورة ضم النصوص بعضها إلى بعض، والصدور عن دلالتها مجتمعة، وعدم ضرب بعضها ببعض، أو الانتقاء منها بإعمال بعضها والإعراض عن بعض، ولهذا ألّف العلماء في الجمع بين النصوص والتوفيق بين دلالاتها وتنـزيل كل نص على ما يناسبه، وكذلك كلام أهل العلم فإنه يُجمع بعضه إلى بعض، ويصدر عن مجموعه ولا يعامل باجتزاء منقوص وإنما باستقراء متكامل، ولذا فإن دلالة هذه النقول المذكورة في السؤال لا بد أن تُستكمل بذكر النصوص الشرعية الأخرى في هذه المسألة وكلام أهل العلم عليها، وأن يتكون الرأي بعد البحث والنظر، لا أن ينطلق الإنسان في بحثه ليحشد لرأي قد حسمه وفرغ منه، وإن كان منطلقه عاطفة جيّاشة وحميّة صادقة، فالمقام مقام امتحان القلوب للتقوى، وصدق التحري لمراد الله –عز وجل-، والخضوع والتسليم لحكمه، وبذلك يكتمل النظر، ويتحقق –بتوفيق الله- الوصول إلى الحق بتجرد وإنصاف.
فإذا نظرنا بهذا النظر إلى هذه المسألة فإنا نجد أصلاً عاماً قررته النصوص الشرعية ببيان جلي، وهو تحريم قتل النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال منها:
1- قوله تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ).
قال القرطبي (2/348): قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد هي محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم.
2- عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: « إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقتولة فأنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان » أخرجه البخاري (3014) ومسلم (1744)، قال النووي في شرح مسلم (12/73): “أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا.
3- عن سلمان بن بردة قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ثم قال: « اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً… » رواه مسلم (1731).
4- عن رياح بن ربيع قال: « كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: انظر إلى ما اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: ما كانت هذه لتقاتل، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً فقال: قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً » أخرجه أبو داود (2324) وصححه الألباني.
فاستنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- قتل المرأة، وبين سبب استنكاره وهو كونها ليست من أهل القتال، فقرن النبي –صلى الله عليه وسلم- كونها لا تقاتل بمنع قتلها، فدل على أن علة القتل هي القتال.
وكذا ذكره –صلى الله عليه وسلم- العسيف، وهو الأجير لحفظ المتاع والدواب فلا يقتل إلا إن قاتل، وبناءً عليه فكل مستأجر لأعمال غير قتالية لا يجوز قتله ولو حضر لأرض المعركة.
5- عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- أنه خرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أميراً على جيش فقال له:(إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له). أخرجه مالك (973).
6- عن عمر –رضي الله عنه- أنه قال: (اتقوا الله في الفلاحين). أخرجه البيهقي (9/19).
إن هذه النصوص مجتمعة تدل على أن القتال إنما هو لأهل المقاتلة والممانعة، أما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:”وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) انتهى مختصراً من مجموع الفتاوى (28/354).
إن هذه النصوص من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وعلماء الأمة الراسخين متواردة على حرمة دم من ليس من أهل القتال، وأنها مصانة بحكم جليّ واضح، فإذا وجد من النصوص ما يظن أن ظاهره يخالف هذا جمع بين هذه النصوص بحيث تأتلف ولا تختلف قائلين (آمنا به كل من عند ربنا)، عائذين بالله أن نشابه من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
ولذلك فإن هذه النصوص المتظاهرة لا يمكن أن تعطل دلالتها، ويبطل معناها بحديث التبييت المشهور.
فإن الاستدلال بحديث (التبييت) المروي في البخاري (3021) ومسلم (1745) عن الصعب بن جثامة – رضي الله عنه – على إباحة قتل الأبرياء من الكفار غير المحاربين استدلال بالشيء في غير موضعه، فلا يصح من وجهين:
الوجه الأول: أن الذين أجاز النبي تبييتهم -ولو أصيب نساؤهم وأطفالهم- إنما هم الكفار المحاربون الذين يقيمون في ديار الحرب، وليس بينهم وبين المسلمين ميثاقٌ ولا عهد، فيدخل النساء والذراري تبعاً. بخلاف هؤلاء المستهدفين في المجمعات السكنية، فهم معاهدون معصومون.
ولذا جاء في لفظ الحديث : « سئل عن الذراري من المشركين ». وهؤلاء الأبرياء الذين قتلوا في التفجيرات مقيمون في ديار الإسلام لا في ديار الكفر، ولسنا معهم في حالة حرب، وحتى لو فرض غلط المسلمين بعقد الأمان لهم، فإن الذمة لهم باقية وذمة المسلمين واحدة. وقد نص ابن تيمية مراراً في على أنه شبهة الأمان تنـزل منـزلة الأمان. انظر الصارم المسلول (2/522).
الوجه الثاني: على التسليم بأن هؤلاء حربيون، فإن مسألة التبييت إنما جازت للحاجة، وليست هي الأصل، بل الأصل تحريم قتل نساء الكفار وصبيانهم وشيوخهم حتى في ساعة القتال، إذا لم يظهر منهم قتال أو إعانة عليه.
ويبقى جواز التبييت مقيداً بما إذا تعذر تمييز المقاتلة زمن الحرب والقتال، أولم تكن مقدوراً عليها إلا بالتبييت،: إما لقوتهم أو لتحصنهم أو نحو ذلك؛ جمعاً بين النهي عن قتل النساء والأطفال والترخيص بالتبييت.
ولذا لم يقع من الرسول تبييت لليهود وهم مجتمعون في حصونهم وقلاعهم؛ لأنه قد قدر عليهم بغير التبييت .
قال ابن حجر في فتح الباري (6/146) في شرحه لحديث التبييت : ” قوله : « هم منهم » أي في حكم تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتله” أهـ.
وقال الشافعي في الأم 7/370 : ” وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد عقده المسلمون لا يكون لأحد أن يغير عليها، وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار. فلما كان الأطفال والنساء -وإن نهي عن قتلهم- لا ممنوعي الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم، ولا ممنوعي الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا عرف مكانهم” أهـ.
وكذلك القول في نصب المنجنيق فإنها نصبت على محاربين تحصنوا في حصونهم التي هي دار حرب، وليست كالحال هنا.
أما إذا ثبت أن هؤلاء المعاهدين ردء للعدو أو جواسيس فإن عهدهم ينتقض وهذا من اختصاص ولي الأمر، فينبذ إليهم ويبلغهم ويطردون من البلاد وليس ذلك مبيحاً لقتلهم ابتداءً بلا إنذار ولا ثبوت تهمة فضلاً عن قتل من لا يجوز قتله ممن ساكنهم أو عمل عندهم.
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/3339.html#ixzz2vYBhwzZc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق