الثلاثاء، 11 مارس 2014

الاعتداء على أهل الإسلام وترك أهل الأوثان

الاعتداء على أهل الإسلام وترك أهل الأوثان

محمد بن عبد السلام الأنصاري

مما ابتليت به أمة الإسلام منذ القرون الأولى مروق طائفة منها والخروج عليها؛ وتصويب سهامها إلى صدور إخوانها بدلاً أن تصوب سهامها إلى الأعداء الحقيقيين للأمة جمعاء.
وهذا الفهم السقيم الذي يحمل المرء على أن يوجه سلاحه لأخيه المسلم بدل أن يوجهه للوثني العنيد هو ما اتصفت به هذه الطائفة التي تكاثرت النصوص النبوية في ذمها وذم أصحابها.
وإن من أعجب أوصاف هذه الطائفة التي يدرك بها عقلاء المسلمين ضلال هذه الفرقة المارقة استحلالهم لقتل المسلمين بدلاً من قتل الكافرين؛ بل ويدّعون أن ذلك الفعل المشين هو قمة الجهاد في سبيل الله.
فتاريخ هذه الفرقة المشينة شاهد على ذلك الوصف النبوي والذي هو دلالة وعلم من أعلام النبوة.
فأين تاريخ هذه الفرقة في صدّ عدوان المعتدين على ديار  الإسلام؛ وما هي المدائن الإسلامية التي اغتصبها الأعداء واستعمروها ثم قاموا باستردادها؛ بل وما هي البلاد التي أدخلوها في حكم الإسلام بعد تربع الكفر عليها، كل ذلك لم يكن منه شيء.
وإنما واقع وتاريخ هذه الفرقة شاهد على خلاف ذلك كله؛ فمن قتل الخليفة الراشد الذي يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا هم! حتى قال قائلهم مادحاً ذلك القاتل: 
يا ضربة من تقي ما أراد بها == إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه == أوفى البرية عند الله ميزانا
ومن أشغل المسلمين بحروب داخلية عبر تاريخ الإسلام الطويل وكانوا عبئاً على دولة الإسلام إلا هذه الطائفة.
ومن الذين تسببوا في زعزعة أمن بلاد الإسلام في العصور المتأخرة فأخافوا الآمنين؛ وروعوا المطمئنين؛ وسفكوا الدماء المعصومة؛ ونقضوا العهود المبرومة إلا هذه الطائفة.
بينما الأعداء الحقيقيين للأمة في مأمن من شرهم وشجاعتهم وبسالتهم؛ فيالله العجب؛ كيف لبّس الشيطان عليهم أن زين لهم الباطل وجعله حقاً وقُربة وطاعة في أعينهم.
ومما يؤكد هذا الوصف الشنيع في هذه الطائفة ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ». فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، – أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ – فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: ” إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ “.
ولما كان شررهم عائد للمسلمين وغمدهم مغمور في صدور المؤمنين أجمع المسلمون على قتالهم وصد عدوانهم؛ وقد قال في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: 
قِتَال الْخَوَارِجِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ عَلَى قِتَالِهِمْ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ . وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ لَهُمْ أَسْمَاءٌ يُقَالُ لَهُمْ : ” الحرورية ” لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِمَكَانِ يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ وَيُقَالُ لَهُمْ: “أَهْلُ النهروان” : لِأَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُمْ هُنَاكَ وَمِنْ أَصْنَافِهِمْ ” الإباضية ” أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبَاضٍ و ” الأزارقة ” أَتْبَاعُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ و ” النَّجَدَاتُ ” أَصْحَابُ نَجْدَةَ الحروري . وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِالذُّنُوبِ بَلْ بِمَا يَرَوْنَهُ هُمْ مِنْ الذُّنُوبِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَلِكَ فَكَانُوا كَمَا نَعَتَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ “، وَكَفَّرُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عفان وَمَنْ وَالَاهُمَا وَقَتَلُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِهِ قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ المرادي مِنْهُمْ وَكَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخَوَارِجِ مُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانُوا جُهَّالًا فَارَقُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ ؛ فَقَالَ هَؤُلَاءِ : مَا النَّاسُ إلَّا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ ؛ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ فَعَلَ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ ؛ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ . ثُمَّ جَعَلُوا كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ كَذَلِكَ فَقَالُوا : إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَنَحْوَهُمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَظَلَمُوا فَصَارُوا كُفَّارًا . وَمَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بِدَلَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فجدير بمن تأثر بفكر هذه الطائفة واستحسن ما هم عليه من التكفير للمسلمين وزعزعة أمنهم أن يؤب إلى رشده؛ ويعود إلى حظيرة السنة وجماعة المسلمين، ويقلع عن مصاحبة هذه الفئة الفاسدة؛ لئلا تدركه الساعة التي يقول فيها “يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا”…


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/18300.html#ixzz2vdv3sz23

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق