الاثنين، 10 مارس 2014

شبهة التكفير بالولاء للكافرين

شبهة التكفير بالولاء للكافرين

مما يردده الغلاة أصحاب الفكر المنحرف ويجعلونه دليلا على تكفيرهم لمخالفيهم ويستحلون به دماء إخوانهم: أنهم يوالون الكفار ويعادون المجاهدين، فهل دليلهم هذا صحيح في محله أولا، وهل الموالاة صورة واحدة أو أنها تختلف، لنقف مع شبهتهم هذه بعض الوقفات:
الأولى: أن الله سبحانه وتعالى أمر بموالاة المؤمنين ونهى عن موالاة الكافرين، وهذا من صميم عقيدة المسلمين ومن أوثق عرى الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [المائدة : 55]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ…) [الممتحنة : 1]، وقال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ …) [آل عمران : 28]. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير الآية – (6 / 313) ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك “فليس من الله في شيء”، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.
فكما أن هؤلاء الغلاة يحذرون ويكفرون من موالاة الكفار، فكذلك خطاب الشرع موجه إليهم بالتحذير من البراءة من المؤمنين وعدم توليهم، لأن من مقتضى الإيمان تولي من يتولى الله ورسوله.
الثانية: أن التعامل مع الكفار في بيعهم وشراءهم والتعاقد معهم فيما فيه مصالح خاصة أو عامة تعود على الأمة بالنفع ليس من الموالاة المحرمة في شيء، بل ذلك من الأمور المباحة في الشريعة، وقد تصل تلك المعاملة إلى حد الوجوب.
قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [الممتحنة : 8]، قال الإمام ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوال العلماء المفسرين للآية ومرجحاً للقول الراجح: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله:( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصصْ به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكُراع أو سلاح. تفسير الطبري – (23 / 323).
وقال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره – (8 / 95) أي لا ينهاكم الله عن بر الذين لم يقاتلوكم { وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ } تعدلوا فيهم بالإحسان والبر { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }. قال ابن عباس: نزلت في خزاعة كانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدًا، فرخص الله في برهم. 
وقال القرطبي بعد أن ذكر الخلاف في تفسير الآية – (18 / 59): وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة. واحتجوا بأن أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها- سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تصل أمها حين قدمت عليها مشركة؟ قال: (نعم) خرجه البخاري ومسلم.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة – (1 / 602): فإن الله سبحانه لما نهى في أول السورة عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء وقطع المودة بينهم وبينهم توهم بعضهم أن برهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة، فبين الله سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها، وأنه لم ينه عن ذلك، بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه وكتبه على كل شيء..
وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم عدة عقود مع الكفار من اليهود والمشركين وغيرهم، كمثل معاهدته مع اليهود حين قدم المدينة، وكما عقد الصلح مع قريش فنقضت الصلح فكان ذلك سبباً لفتح مكة، واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته كافراً واستأمنه ليدله على أنسب الطرق للمدينة عماية على قريش حتى لا يمنعوه من الهجرة، وكذلك حضوره صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول مع أعمامه قبل بعثته بدار عبد الله بن جدعان، حتى قال صلى الله عليه وسلم في ذلك الحلف: شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي غُلَامًا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ حُمْرَ النَّعَمِ، وَإِنِّي أَنْكُثُهُ “. 
وفي صحيح مسلم عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةً ». وهذا الحلف المنفي في الحديث هو ما كان من الأحلاف الجائرة في الجاهلية المسبب للقتال بين القبائل.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله-موفقاً بين الحلف المنفي في الحديث وبين المثبت فيه-: ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك، والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد… فتح الباري (10 / 502).
وبعد هذه النقول المحررة من علماء الأمة الأكابر يتبين أن التعامل مع الكفار من الأمور الجائزة في الشريعة، ولا يمكن البتة أن تكون تلك التعاملات سواء من الحكام أو من غيرهم من آحاد المسلمين مع أؤلئك الكفرة سبباً في تبديعهم أو تفسيقهم فضلاً عن تكفيرهم واستحلال دماءهم.
الثالثة: أن العلماء المحققين قد فرقوا بين التولي؛ والتي هي الموجبة للبراءة من المتولي للكفار حتى ألحقوا المتولي لهم بهم. وبين الموالاة التي هي أعم من التولي؛ والتي لا يندرج بعض آحادها في الوعيد المترتب على التولي.
قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: “التولي: كفرٌ يخرج من الملة، وهو كالذّبّ عنهم، وإعانتهم بالمال والبدن والرأي.
والموالاة: كبيرة من كبائر الذنوب، كَبَلِّ الدواة، أو بري القلم، أو التبشّش لهم، أو رفع السّوط لهم”. الدرر السنية في الأجوبة النجدية (8/422).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان نظماً في الفرق بين الموالاة والتولي؛ في عقود الجواهر المنضدة الحسان (ص 146):
وأصلُ بلاء القوم حيث تورّطوا            هو الجهل في حكم الموالاة عن زلل
فمـا فرّقوا بين التولّي وحكمه            وبين المـوالاة التي هي في العمـل
أخـفّ، ومنها ما يكفر فعـله           ومنها يكون دون ذلك في الخلـل.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: “مسمّى الموالاة يقع على شعَب متفاوِتة منها ما يوجب الردّة لذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات” الرسائل المفيدة (ص 43).
وقال -رحمهُ اللهُ- أيضاً: «وأما إلحاق الوعيد المترتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في حق المعين كحب الله ورسوله… إلى قوله: وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد… فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله: ” صدقكم، خلوا سبيله” ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذا كان مؤمنا بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب; وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال: ” خلوا سبيله”».
والحاصل مما سبق أن التعامل مع الكفار لا يصح أن يستدل به على أن فاعله من الموالين لهم، لكون الأدلة الشرعية قد فرقت بين تلك التعاملات، فكيف يجيز الغلاة لأنفسهم تجاوز هذه الحدود الشرعية، وإلقاء التهم جزافاً على المسلمين حكاماً ومحكومين؛ لتبرير أفعالهم الشنيعة وأفعالهم القبيحة ومن سفك الدماء المحرمة وانتهاك الأعراض المصونة.
أفلا تعقلون وتعودون إلى رشدكم.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/4512.html#ixzz2vYYI24kY

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق