الاثنين، 10 مارس 2014

ضوابط الاستدلال بالنصوص الشرعية

ضوابط الاستدلال بالنصوص الشرعية

الكاتب: فضيلة الشيخ / حمد التويجري

ليس كل من استدل بالقرآن والسنة يُعْتَبَرُ مُحِقًّا، إنما المحق الذي يستدل بالنص في مكانه، وبمعناه الصحيح، وبمراد الله، ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا استدل الإنسان
بكلام الله على غير مراده فهذا من أعظم الفرية، ومن أعظم الجرم، لأن هذا افتراء على الله -عز وجل- يُحَمِّلُ كلام الله ما لا يحتمل، فإنه لو أتى إنسان وقال: أنت أردت بكلامك كذا
وكذا، على غير مرادك، لقلت له: كذبت أنا ما أردت بهذا الكلام هذا المعنى. فكيف يفتري هؤلاء على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويَحْمِلُون كلامهما على غير مرادهما،
ولهذا لابد من ضوابط وقواعد يُضْبَطُ به الاستدلال بنصوص الوحيين، لنعرف الحق من الباطل، ولنفرق بين المحق والمبطل.
بعض النصارى احتج على بعض المسلمين وقال: في كتابكم ما يشهد على أن الله ثالث ثلاثة، أي: أن الآلهة ثلاثة الأب والابن الروح القدس، قوله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر} [
سورة الحجر : الآية 9]، فهذا استدلال باطل، وحملٌ لكلام الله على غير مراده.
ضوابط الاستدلال بالكتاب والسنة
من هذه القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم:
الأول: التسليم المطلق لكلام الله، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-:
قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم}[سورة الأحزاب : الآية 36]، فينبغي أن يُسَلَّمَ الأمر لله -عز وجل-
ولرسوله في أي أمر من الأمور، ليس للإنسان حرية الاختيار أن يفعل أو لا يفعل .
وقال سبحانه: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [سورة النساء : الآية 80].
وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه}[سورة الحشر : الآية 7].
وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63]، ولهذا قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ “الفتنة
الشرك”( 3).
وجاء رجل إلى الإمام مالك -رحمه الله-، إمام أهل المدينة فقال له: “يا أبا عبد الله أريد أن أعتمر فمن أين أُحْرِم؟ قال له: أَحْرِم من حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من
ذي الْحُلَيْفَة فقال: أريد أن أحرم من مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له الإمام مالك: “أخشى عليك الفتنة”. قال له: أي فتنة في أميال أزيدها. قال الإمام مالك: “
أخشى عليك مخالفة فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والله -عز وجل- يقول فيه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63]،
أَحْرِم من حيث أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم-”(4 ).
وقال سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة النور : الآية 51]، فهذه علامة الإيمان، إذا دعي الإنسان إلى
كلام الله ورسوله يقول: سمعت وأطعت.
ويقول -جل وعلا-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء : الآية 65] ففي هذه الآية عدة
مؤكدات، أولا: أقسم الله بنفسه، وهذا أعظم قسم في القرآن {فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُون} لا يحصل لهم الإيمان، ثانيا: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} إذا اختلفوا في شيء فالنبي -صلى الله
عليه وسلم- هو الذي يحكم فيه، لا قول فلان، ولا قول علان، ثالثا: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا}فمع تحكيم كلام الله وكلام الرسول، تستسلم بقلبك، ثم لا تجد في نفسك ترددًا ،
وأخيرا: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ويسلموا بجوارحهم، ويسلموا لهذا الأمر إن كان أمرًا فعلوه، أو نهيا انتهوا عنه، وبهذا يحصل الإيمان.
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُه إِلَى اللَّه} [سورة الشورى : الآية 10].
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم} [سورة الأنفال : الآية 24] يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَقَرَنَ بَيْنَ مُخَالَفَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، كَمَا قَرَنَ بَيْنَ اسْمِهِ وَاسْمِهِ»( 5).
يقول الشافعي -رحمه الله-: “وَلَا أعلم من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أحدًا أخبر عَن رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- إِلَّا قُبِلَ خَبره وانْتهى إِلَيْهِ وَأثبت ذَلِك سنة»( 6).
ولما سأله رجل عن مسألة قال: قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا. فقال له الرجل: ما تقول أنت؟ فغضب الإمام الشافعي وقال له: “تراني في بيعَة، تراني في كَنِيسَة، ترى عَلَىَّ زِي الْكفَّار، هُوَ ذَا تَراني في مَسْجِد الْمُسلمين عَلَىَّ زِي الْمُسلمين مُسْتَقْبل قبلتهم، أروى حَدِيثا عَن النبي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ثمَّ لَا أَقُول بِهِ»( 7).
ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: “وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ اعْتِصَامُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَكَانَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ
مِنْ أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ، لَا بِرَأْيِهِ، وَلَا ذَوْقِهِ، وَلَا مَعْقُولِهِ، وَلَا قِيَاسِهِ، وَلَا وَجْدِهِ”( 8).
تطبيق السلف التسليم لله -عز وجل- وللرسول -صلى الله عليه وسلم- تطبيقًا عمليًا
وقد طبق السلف -رحمهم الله- هذا عمليا في حياتهم وفي عبادتهم، فهذا عمر -رضي الله عنه- يقف أمام الحجر الأسود ويقول: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ»( 9). يعني: لو رجع الأمر إليه فهو يعلم ويعتقد أنه حجر لا ينفع ولا يضر، لكنه التسليم والمتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما- يرى مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-: « لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا»، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ.( 10)
ورأى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: ” لَا وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى
خِلَافِ السُّنَّةِ “( 11).
والآثار في هذا كثيرة، منها: ما وقع لأبي بكر -رضي الله عنه- في حادث الإسراء والمعراج، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَى رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكِ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ
اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: أَوَ تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي
لَأَصُدِّقُهُ فِي مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ فِي خَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-»(12 ) هذا هو التسليم والاستسلام لنصوص الوحيين.
وهذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة لأصحابه «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.( 13)
ولما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ، قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ» فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ
اللهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا، أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ».(14 )
العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه:
نحن نعلم أن كتاب الله -عز وجل- منه المحكم ومنه المتشابه، يقول -سبحانه- في سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه} [سورة آل عمران : الآية 7].
كتاب الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيه المتشابه وفيه المحكم، فيجب الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم، ورَدُّ المتشابه إلى المحكم، هذا هو منهج أهل السنة، أما منهج
أهل الأهواء وأهل البدع فيستدلون بالمتشابه منه.
أقسام التشابه:
والتشابه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تشابه حقيقي مثل: كيفية صفات الله -عز وجل-، فهذا التشابه الحقيقي الذي لا يمكن للعقول ولا يمكن للإنسان أن يدرك كيفية الصفة.
والقسم الثاني: تشابه نِسْبِي قد يتشابه هذا النص عليك، أو على هذه الطائفة، لكن لا يتشابه على الطائفة الأخرى، ولهذا إذا رُدَّ المتشابه إلى المحكم وضحت دلالته، وسَلِمَ
الْمُسْتَدِلُّ، وأدى المعنى المطلوب.
عدم معارضة النص بالعقل:
إن معارضة النص بالعقل من أعظم أسباب تفرق الأمة وظهور أهل البدع والضلال، لأن أصحاب هذا المنهج عارضوا نصوص الوحيين بعقولهم، وقد أمرنا الله -عز وجل- بالتسليم المطلق
لهذه النصوص، وعدم مقابلة هذه النصوص بأذواقنا، ولا بعقولنا، ولا باجتهاداتنا.
إن منهج أهل السنة والجماعة: لا يتعارض النص الصحيح مع العقل الصريح، فإذا وقع التعارض فيكون لعدم صحة النقل أو عدم صحة الدليل العقلي، وإذا صح العقل وصح النقل
فيكون التعارض من المستحيلات.
مثال ذلك الحديث القدسي الصحيح الثابت: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي»(17 ) «يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي»، أشكل هذ الحديث على
بعض أهل البدع واتخذوه حجة للقول: بأن الشرع يمكن أن يتعارض مع العقل. قالوا: هذا الحديث يتعارض مع العقل كيف يمكن عقلًا أن ينسب لله الجوع والمرض، تعالى الله عن ذلك
علوًا كبيرًا؟ لا يمكن. والحديث صحيح. قلنا: لا إشكال، الحديث صحيح، الدليل العقلي الذي أوردتموه صحيح، الله -عز وجل- لا يجوز أن ينسب له النقص من جوع ومرض، تعالى الله عن
ذلك علوًا كبيرًا، وإنما الإشكال في الدلالة. أنتم كيف فهمتم أن هذا الحديث يدل على أن الله منسوب له الجوع والمرض، آخر الحديث يوضح أوله: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي
فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي» فالجوع والمرض ليس منسوبا لله -عز وجل-.
فهذا الحديث الشاهد منه أن منهج أهل السنة في فهم نصوص الوحيين أنها لا تُعَارَض بالعقل، فإذا لم يستطع العقل إدراك معنى النص يقدم الإنسان النص، لأن النقل ثابت معصوم
من الخطإ، أما العقل فمتغير وغير معصوم من الخطإ، فالعقول متفاوتة فالرازي -رحمه الله وعفا الله عنا وعنه- يقرر المسألة بالدليل العقلي في موضع ثم يقرر ما يناقضها في
موضع آخر، ولهذا يجب تقديم النص إذا تعارض مع العقل.
فهم النص وفق فهم السلف الصالح -رحمهم الله-:
هذه النصوص ليس لها أفهام جديدة، فيجب أن تُفهم على وفق ما فهمه السلف الأول، ويستحيل عقلا وشرعا وحِسًّا أن نفهم من الآية، أو الحديث فهما جديدًا لم يفهمه السلف الصالح،
كيف يكون هذا والله -عز وجل- أثنى عليهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَار} [سورة التوبة : الآية 100]، وأثنى عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «خَيْرُ
النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»( 18)، ولما أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة ستفترق، وسأله الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- عن الفرقة الناجية
فقال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»( 19)، فقرن النجاة بما كان عليه هو وأصحابه، فكيف يقول عاقل إنه يمكن أن يفهم من النص فهمًا جديدًا لم يفهمه السلف الصالح، من نزل
عليهم القرآن، ونزل القرآن بلغتهم، وعرفوا أسباب النزول، بل نزل القرآن ليحدد مسارهم ويصحح أفعالهم، عاصروا نزوله، وعاملوه عمليًّا ونظريًّا، ولهذا يقول شيخ الإسلام:
إن الصحابة -رضي الله عنهم- تلقوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- معاني القرآن، وكان حرصهم على المعنى أكثر من حرصهم على اللفظ، وأدوه إلى التابعين كذلك. لهذا بعض
العلماء كان يتحرج أن يقول بقول لم يسبقه إليه أحد.
*************************
الكاتب: فضيلة الشيخ / حمد التويجري
———————————-
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/16371.html#ixzz2glEBAa44


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/29924.html#ixzz2vZ5YMgps

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق