الأحد، 9 مارس 2014

سلسلة مناقشة الغلاة – 8 – شبه تكفير العلماء تعيينًا ممن لم يسلك سبيلهم

سلسلة مناقشة الغلاة – 8 – شبه تكفير العلماء تعيينًا ممن لم يسلك سبيلهم


قد تطاول الغلاة على العلماء وكفروهم تعيينًا، بموجب طاعتهم للحكام، يقول أبو عمر البغدادي(1) عما سماه (أنصار الطاغوت) قال: “وهم علماء السوء والضلالة والمتعالمون الذين يسبغون (الشرعية) على الحكام الكافرين وينافحون عنهم ويدفعون تهمة الكفر عنهم ويسفهون المؤمنين المجاهدين الخارجين عليهم ويتهمونهم بالمروق والضلال، ويُغرون الحكام بهم، ويقدمون الفتاوى الضالة بقتلهم وذبحهم ويلقبونهم بالفئة الضالة أو بالمفسدين في الأرض أو أنهم خوارج العصر وتراهم يسبحون بحمد الطواغيت الذين والوا أعداء الله من اليهود والصليبيين”(2). 
وقال في موضع آخر: ” أما حكم أنصارهم من علماء السوء والإعلاميين والجنود وغيرهم فهم كفار على التعيين، ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 42](3).
ومن الغلاة من يراهم سحرة للسلطان يزينون له ويدافعون عنه، فيقول أبو بصير الطرطوسي في كتابه (الغلام والملك): “ومن جملة السحرة الكفار الذين يتكئ عليهم الطاغوت في هذا العصر مشايخ السوء والبلاط.. علماء اللسان والمنطق.. الذين يجعلون من أنفسهم وعلمهم أدوات طيعة تنافح عن ظلم وطغيان وكفر أنظمة الطواغيت الظالمين (4).
- ويرد عليهما بما يأتي من أمور:
الأمر الأول: يُرد عليهم بما رُدّ عليهم آنفًا في تكفير الحكام؛ لأن عدم جواز التكفير تعيينًا يصدق على كل معين من المسلمين حاكما أو عالمًا أو غيرهما من آحاد الأمة.
الأمر الثاني: أن التكفير له شروط، وموانع، وعليهم دراسة موقف كل عالم على حدة، والبحث والتأكد من توافر الشروط وانتفاء الموانع للخلوص إلى القول بالتكفير، وهذا الأمر ليس لأي أحد وإنما لأهل العلم خاصة، ولا يجوز التكفير لأي مسلم لخطورة التكفير أصلا، فضلا عن تكفير أهل العلم الحريصين على الأمة.
الأمر الثالث: يرد عليهم بالقواعد والضوابط التي تطرقنا إليها من قبل، وبما استقر في القلوب من خطورة التكفير، وتحذير النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏ منه، ومن الانجرار والانزلاق فيه، وقد سبقت نصوص الشرع فيما مضى.
¬¬- شبه أخرى:
إضافة إلى شبهة تكفير العلماء توجد شبهات تناولها الغلاة، وهي: 
1- عدم التسليم بأن علماء البلاد التي يحكمها الحكام المسلمون بأنهم علماء من أهل السنة والجماعة ولكنهم علماء سلطة، فلا يرجعون إليهم فيما يقولون، ويقولون أن هذا الطعن ليس في علماء ولكن في أشخاص عاديين لا علاقة لهم بالعلم.
2- شبهة التعصب الأعمي من المغالي لشيخه وأنه الحق، والعلماء بالنسبة له علماء سلطة لا يُسْمع لهم.
3- شبهة التقليد الأعمى للأمير دون مناقشته والاقتناع التام أنه على الحق وغيره من العلماء المخالفين هم علماء سلطة لا يلتفت إلى كلامهم، وخاصة في الجهاد.
4- شبهة التشنيع على المخالف وتتبع زلات العلماء، وجعل ذلك سبيلا ودليلا لإسقاط آرائهم.
5- شبهة أن العلماء يتناقضون في قولهم بالنسبة للجهاد.
والشبهتان الرابعة والخامسة نرد عليهما فيما يلي من أمور:
الأمر الأول: أن صنيع الغلاة في هذا كصنيع الخوارج، فالخوارج لم يرضوا بعدالة ولا عِلْم الصحابة، فَضَلُّوا وأضلوا، وفي هذا العصر نجد شبابًا خالفوا العلماء، وطعنوا فيهم، بل كفَّروهم، فَضَلُّوا وأضلوا.
الأمر الثاني: أن العلماء هم مشاعل الهدى الذين يرجع إليهم في النوازل، والجديد من الأحداث، وهم صمام أمان الأمة كل عام، أوليس رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ هو القائل: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها»(5). 
الأمر الثالث: لقد عُدَّ من الآداب التي يطالب بها المتعلم بعد احترامهم وتوقيرهم أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ عنه العلم، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، ويتحرى في كونه ممن كملت أهليته وتحققت شفقته، وطهرت مروءته وعرفت عفته، واشتهرت صيالته، وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا، ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص ورع أو دين أو عدم خلق جميل، وعن السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الأخذ عن الخاملين، فقد عده الغزالي وغيره من الكبر في العلم، لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها إليه، فإنه يهرب من مخافة الجهل كما يهرب من الأسد، والهارب من الأسد لا يأنف من دلالة من يدله على الخلاص، كائنًا من كان. فما ظهر من الغلاة هداهم الله عاريًا عن هذه الآداب.
ومن آداب المتعلم مع الشيوخ: أن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء، وبين الناس مطلقًا في العقليات والسمعيات، فإنه يحير الذهن ويدهش العقل، بل يتقن أولا كتابًا واحدًا في فن واحد، أو كتبًا في فنون إن احتمل ذلك على طريقة واحدة يرتضيها له شيخه، فإن كانت طريقة شيخه نقل المذاهب والاختلاف، ولم يكن له رأي واحد، قال الغزالي: فليحذر منه فإن ضرره أكثر من النفع به، وكذلك يحذر في ابتداء طلبه من المطالعات في تفاريق المصنفات، فإنه يضيع زمانه ويفرق ذهنه، بل يعطي الكتاب الذي يقرأه أو الفن الذي يأخذه كليته حتى يتقنه، وكذلك يحذر من النقل من كتاب إلى كتاب، من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح(6).
وتأمل قول الشافعي: تفقه قبل أن ترأس، فإذا ترأست فلا سبيل إلى الفقه، وليحذر من مضرة نظره نفسه بعين الكمال، والاستغناء عن المشايخ، فإن ذلك عين الجهل وقلة المعرفة وما يفوته أكثر مما حصله، قال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالمًا ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى فهو أجهل ما يكون، وإذا كملت أهليته وظهرت فضيلته، ومر على أكثر كتب الفن، أو المشهورة منها، بحثًا ومراجعة ومطالعة، اشتغل بالتصنيف وبالنظر في مذاهب العلماء، سالكًا طريق الإِنصاف فيما يقع له من الخلاف؛ كما تقدم في آداب العالم(7).
فهذه الآداب من الضروري أن يتعاطاها الشباب المتحمس حتى يعلموا عمن يأخذون دينهم.
الأمر الرابع: أن العلماء استشعروا بخطر ما عليه الغلاة من الشرود والاضطراب فكانوا سباقين للغلاة؛ آتوهم إلى حيث هم فأزلوا عنهم ما لحق بهم، فسعوا سعيًا دؤوبًا لمعرفة مناهج الغلاة، وما يسيطر عليهم من أفكار وأحوال نفسية؛ لأن هذه المعرفة هي التي تهيئ الأرضية المناسبة للعلاج، لأن العلماء يعلمون أن هذه قضية مهمة ترمي بثقل المسؤولية الهائلة على أعناقهم، لأنها تتعلق بأرواح العباد وأمن البلاد وخاصة مقدسات المسلمين، فهؤلاء المرضى من المسلمين إما أن يعالجوا بالدواء فيتقبلوه ويسعدوا، وإما أن يهملوا فتكون تبعة شقائهم وإفسادهم معلقة بأعناق من عرف الدواء ولم يعطه لهم، علم العلماء الربانين بواجبهم نحو الغلاة الذين كفروهم وعاملوهم من منطلق العلم رَحِم بين أهله، وذلك لأنهم أيضًا على وعي باحتمالات المضار ومظان المنافع، فهو واجب ثقيل على عاتقهم تترتب عليه سعادة الأمة في حاضرها ومستقبلها، وذلك بحفظ دينها وقيمها وأمنها واقتصادها ووحدتها(8).
الأمر الخامس: العلماء الذين يهون الغلاة من شأنهم أوليس هم من قال النبي ‏صلى الله عليه وسلم‏ فيهم: “العلماء ورثة الأنبياء، إن العلماء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”(9).
ونذكركم بأن العلماء المقصود بهم: العالمون بشرع الله، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، على سنة رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269] والحكمة: العلم والفقه. والعلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته.
والعلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى: ﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ [النساء: 59] قال مجاهد: هم أولوا العلم والفقه.
والعلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى، على دينها، وعلى دنياها وأمنها.
•يتبع الرد على قولهم إن العلماء يتناقضون في قولهم بالنسبة للجهاد، فقد نقل عنهم قولهم: رأينا تناقض هؤلاء العلماء، فدعوا إلى جهاد روسيا في أفغانستان بإشارة من أمريكا، وسكتوا عن الجهاد في العراق؛ لأن أمريكا هي الخصم الآن، ومن كان كذلك فلا نأخذ بفتواه
————
(1) أبو عمر البغدادي (1947- ): هو عبدالله رشيد صالح البغدادي. انضم إلى الجماعة السلفية الجهادية في العراق عام 1985. وكان من أبرز منظريها، طورد من قبل نظام صدام حسين وهرب من العراق إلى أفغانستان عام 1987 وعاد لاحقا إلى العراق عام 1991م وقيل إنه أعدم بعد القاء القبض عليه من قبل أجهزة الأمن ولم يعلن عن وجوده في العراق إلى عام 2004م في معركة الفلوجة الأولى، فيما بعد تم اختياره كأمير لما يمسى مجلس شورى المجاهدين، ثم أميرا لما يسمى “دولة العراق الإسلامية”. موقع (صوت الجهاد). 
(2) انظر: لماذا نقاتل؟ ومن نقاتل؟ لأبي حمزة البغدادي: (ص 85).
(3) انظر: لماذا نقاتل؟ ومن نقاتل؟ لأبي حمزة البغدادي: (ص 48).
(4) انظر: الغلام والملك (ص 49).
(5) أخرجه أبو داود برقم (4291) عن أبي هريرة.
(6) انظر: آداب العلماء والمتعلمين (ص 18).
(7) السابق (ص 19).
(8) انظر: وظيفة العلماء والدعاة في احتواء السلوك الإرهابي (ص: 7).
(9) أخرجه أحمد (5/196، رقم: 21763)، وأبو داود (3/317، رقم: 3641)، والترمذى (5/48، رقم: 2682) وقال: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندى بمتصل، ثم أورد له إسنادًا وقال هذا أصح. وابن ماجه (1/81، رقم: 223)، وابن حبان (1/289، رقم: 88)، والبيهقى فى شعب الإيمان (2/262، رقم: 1696) عن أبي هريرة.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/14009.html#ixzz2vSxvDeNH

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق