السبت، 8 مارس 2014

فضل الاجتماع وذم الفرقة

فضل الاجتماع وذم الفرقة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن الله عز وجل بعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهُدَى وأنزل عليه الفُرقان، وأقام به الحُجَّة، وبَيَّن به الْمَحَجَّة، وهدَى به من الضلال، وجَمَع به باب التفرق والاختلاف، فكانت بعثتُه صلى الله عليه وسلم رحمةً للعباد، كما قال الله جل وعلا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: الآية 107]، بعَثَه الله عز وجل في قوم مُتفرِّقين مُختلفِين مُتناحرِين، يَكْفُر بعضُهم ببعض، ويَلْعَن بعضُهم بعضًا، ويَسْبِي بعضُهم بعضًا، ويَقْتُل بعضُهم بعضًا، في صور من الظلم والبغي والعدوان والقطيعة. 
بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء القوم الذين كانت رَحَى الحربِ دائرةً بينَهم، كُلَّما خَبَت نارُ حَرْبٍ أضاءت نارُ حَرْبٍ أخرى، حتى أهلكت هذه الحروب الحَرْثَ والنَّسْلَ، وذلك من الإفساد في الأرض الذي لا يُحِبُّه الله عز وجل، فهؤلاء القوم الذين بُعِث فيهم نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم صاروا بعد بعثتِه أُمَّةً متراحمةً يرحَمُ بعضُهم بعضًا، ويجل بعضُهم بعضًا، ويتعاونون على البر والتقوى، وقد أثنى الله عز وجل عليهم بذلك، ورَغَّبنا في اتِّباع سبيلهم وسلوكِ طريقهم، واتباع سننهم حذو القذة بالقذة، قال الله جل وعلا في حقهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [سورة الأنفال: الآية 72].
وقال جل وعلا في الآية الأخرى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاًّ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سورة الأنفال: الآية 74]. 
وقال جل وعلا في شأنهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [سورة الفتح: الآية 29].
ورغبنا سبحانه وتعالى في التأسي بهم في قوله جل وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [سورة التوبة: الآية 100].
واتباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإحسان يكون بلزوم طريقتهم التي تجمع ولا تفرق، وتؤلف بين القلوب، وتجمع المؤمنين وتلم شملهم، فمن سار على نهج هؤلاء فهو ممدوح عند الله عز وجل، كما أن له النَّصِيبَ الطَّيِّبَ في الحياة الدنيا؛ لأنهم – رضوان الله عليهم – كانوا على الحق المبين في عقيدتهم وشريعتهم وسلوكهم وأخلاقهم ومنهجهم، ومن ذلك منهجهم في الاجتماع وترك التفرق والاختلاف الذي ذمه الله عز وجل، وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن الناس لَمَّا قَلَّ إيمانُهم وضَعُفت طِباعُهم، وبَعِدوا عن نور النبوة كان التفرق يسري إليهم سريعًا، وكان داء الأمم السابقة يدب إلى قلوبهم وينتشر فيهم حتى صار طوائف من المسلمين بينهم نزاع وشقاق وتدابر وتقاطع وتهاجر، بل آل الأمر ببعضهم إلى تكفير بعض واستحلال دمهم بغير برهان من شرع الله، لا من كتابه، ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنما هو محض الهوى والافتراء على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ووقعوا في هذا فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».(1)
وفعلوا ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».(2)
وخالفوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».(3) 
والمؤمن أيها الإخوة الكرام إنما آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم طلبًا للفوز بنعيم الله عز وجل في الدار الآخرة، وهذا لا يناله إلا المؤمنون الذين صَدَّقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وامتثلوا أمره، وانتهوا بنهيه عليه الصلاة والسلام، وأخذوا بما بَيَّنه لهم من كتاب ربهم جل وعلا، وذلك كما قال سبحانه: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 44] وكقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة النحل: الآية 89].
فرسول الله صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنٌ لكتاب الله جل وعلا، ومُعلِّمٌ هذه الأُمَّةَ ما تحتاج إليه في أمر معاشها ومعادها، ومن أعظم ما يحتاج إليه الناس في أمر المعاش والمعاد أن يفقهوا ما دلهم عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من وجوب الاجتماع وترك التفرق والاختلاف، بل إن أهل العلم رحمهم الله ذكروا أن الاجتماع أصل من أصول الدين، لا يقوم الدين إلا به، فلا جهاد إلا باجتماع، ولا نصرة على العدو إلا باجتماع، ولا أمن إلا باجتماع، بل مصالح الدنيا والآخرة تعود إلى الاجتماع، والمراد بالاجتماعِ الاجتماعُ الذي أمرنا الله عز وجل به.
الاجتماع المأمور به:
إن الاجتماعات كثيرة، منها ما هو مذموم ومنها ما هو ممدوح، والممدوح هو الاجتماع القائم على الإيمان، المبني على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الاجتماع الذي يحبه الله عز وجل، ويحب أهلَه ويرضاه لأهل الإسلام، ويجب أن يكون الاجتماع على إمام مسلم يسوسهم ويرعاهم ويقوم على مصالحهم ويجتمعون عليه ولا يتفرقون، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
إن الله جل وعلا بَيَّنَ في كتابه الكريم أن الاجتماع الذي يرضاه إنما هو اجتماع هذه الأمة المؤمنة على الإيمان، قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء: الآية 92].
وقال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [سورة المؤمنون: الآية 52].
فالموجب للاجتماع هو الإيمان، وأساس هذا الاجتماع هو تقوى الله عز وجل وعبادته والإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بشرائع الإسلام، فهذا هو الاجتماع الذي طلبه الله عز وجل من عباده، وأمرهم به، فعبادة الله عز وجل وتقواه هي الإيمان به، وهي الخصلة التي خلق الله عباده من أجلها، وهو الأمر الذي يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإيمان فصله الله عز وجل وبينه، وذكره في أوصاف المؤمنين، بيانًا شافيًا، فقوله جل وعلا: ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء: الآية 92] وقوله: ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [سورة المؤمنون: الآية 52] بينه جل وعلا في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَا مُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: الآية 71]. وبينه جل وعلا في قوله: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [سورة الحج: الآية 41] وبينه جل وعلا في قوله: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [سورة المجادلة: الآية 22]. فقوله جل وعلا: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ [سورة المجادلة: الآية 22] هو معنى قوله جل وعلا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [سورة الأنبياء: الآية 92].
فحزب الله عز وجل واحد، وليس لهم إلا طريق واحد وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، فالمؤمنون إنما يجتمعون على الإيمان وعلى توحيد الله عز وجل وعبادته، فلا يجتمع مؤمن وكافر، ولا مشرك وموحد، وكيف يجتمع الإنسان مع من يكفر بربه، ويلعن نبيه صلى الله عليه وسلم ويسخر بدين الإسلام، إن هذين ضدان لا يجتمعان أبدًا، لا يجتمع إيمان وكفر، ولا شرك وتوحيد، فهما متناقضان، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى﴾ [سورة البقرة: الآية 256] والعروة الوثقى هي الإسلام، ومعنى ذلك أن من لم يكفر بالطاغوت فليس مستمسكًا بالعروة الوثقى، ومن لم يؤمن بالله فليس مستمسكًا بالعروة الوثقى، والاجتماع إنما يتحقق مع أهل العروة الوثقى الموحدين المؤمنين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
لا ريب أن الإنسان يجوز له أن يتعامل مع غير المؤمنين في مصالح الدنيا بدون أن يكون لذلك أثر على دينه، فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين والكفار، بل وعاهدهم صلى الله عليه وسلم وحالفهم من أجل الإسلام، فليس محظورًا على المؤمن أن يعامل الكفار معاملةً تقوم على وفق الشرع، وليس محظورًا على المؤمن أيضًا أن يَبَرَّ الكافر ويُحْسِنَ إليه، وإنما المحظورُ عليه أن يُحِبَّ الكُفَّار وأن يُواليَهم وأن يَجتمِعَ معَهم على الباطل، أو على هدم الإسلام، أو على قتل المسلمين، فهذا هو الذي حرمه الله عز وجل في قوله جل وعلا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾ [سورة المائدة: الآية 51].
فالاجتماع إذن لا يكون إلا على الإيمان والتوحيد، ولا رابطةَ بين أهل الإسلام إلا رابطة الإيمان، وأما ما سواها من الروابط فهي غير مُعْترَفٍ بها في دين الله، بحيث إنها تُصيِّرُ الناس أمة واحدة، هناك روابط اعتبرها الشرع، ولكن هذا الاعتبار ليس هو المطلوب في مسألة الاجتماع، وإنما الاجتماع لا يكون إلا على الإيمان.
شروط الاجتماع:
لا بد للاجتماع من إمام يرجع الناس إليه، ويأتمرون بأمره، ويقوم على مصالحهم ويرعاهم؛ لأن الناس بدون إمام يضطربون ويتسلط عليهم عدوهم، وتكون أمور معاشهم غير منتظمة، ولذلك ترون البلاد التي لا تُحْكَم بلاد فوضى، ليس فيها مصالح على وجه صحيح، كما أن عبادات الناس تتأثر بذلك تأثرًا بليغًا، والإسلام جاء بأعلى الكمالات، وكما أنه راعى مصالح الدين، فكذلك راعى مصالح الدنيا، وهذان الأمران مجتمعان في مسألة الإمامة، ولهذا أجمع أهل العلم على أن المسلمين لا بد أن يُنَصِّبُوا إمامًا يرجعون إليه، ويقوم على أمرهم، وهذا من المعلوم من الإسلام بالضرورة، وقد أخذه العلماء من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [سورة البقرة: الآية 30]، ومن قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 59]. فلما أُمِرْنا بطاعة أولي الأمر دل ذلك على أنه لا بد من تنصيب إمام يرجع الناس إليه، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «منْ رأى مِنْ أمِيرِهِ شيْئًا يكْرهُهُ فلْيصْبِرْ عليْهِ، فإِنّهُ منْ فارق الْجماعة شِبْرًا فمات، إِلاّ مات مِيتةً جاهِلِيّةً» (4).
ولهذا كان أهل الجاهلية يرون الس9مع والطاعة للإمام مذلة ومهانة، وأما أهل الإسلام فيرون السمع والطاعة للإمام عِزَّةً وكرامةً ورِفْعةً ومَهَابةً لهذه الأمة، فالناس يجتمعون على الإيمان، ويجتمعون على الإمام، ولكن هذا الاجتماع لا بد أن يكون مَبْنِيًّا على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن ما يجتمعون عليه لا بد أن يكون واردًا بالكتاب والسنة، لا يجتمعون على بدع وخرافات وضلالات، كالذين يعبدون القبور أو يذبحون لها، أو يستغيثون بالأموات، أو يُحْدِثون البِدَع والخرافات ويجتمعون عليها، ويقولون: نحن مسلمون مجتمعون على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. كلا، وإنما الاجتماع يكون على الإسلام الخالص والدين الحنيف، والإيمان الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاجتماع على الإيمان إنما يكون على وصف الشرع، فيطاع في المعروف، ولا يطاع في المعصية،لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«السَّمْعُ والطاعةُ حَقٌّ على المرءِ المُسلمِ فيما أَحَبَّ وَكَرِهَ،ما لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فإذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فلاَ سَمْعَ عَلَيْهِ وَلاَ طَاعَةَ»(5).
فلا يطيع الإنسان الإمام في معصية الله عز وجل، وإنما يطيعه في المعروف، يطيعه في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الناس أطاعوا إمامهم واتبعوه فيما يقول، واستحلوا محارم الله، أو حرموا ما أحل الله لقول إمامهم، فهذا من جنس عمل اليهود والنصارى وذلك كما قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [سورة التوبة: الآية 31] ولا يصح ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 57].
فالله عز وجل يحكم ويقضي بين عباده، والعباد يمتثلون ما أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك طاعة إمامهم بالمعروف، ومعصيته إذا أمرهم بمعصية الله عز وجل، وهذه هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة والجماعة وأهل الإيمان وسط في هذا الباب، لا يغالون في الإمام حتى يطيعوه في معصية الله، ولا يسيئون إلى الإمام ويعصونه حتى يخرجوا عليه، بل إنهم يطيعونه في طاعة الله، ولا يطيعونه في معصية الله عز وجل، ولا يخرجون عليه، وينصحون له، ويذكرونه بربه عز وجل، ويعينونه على الحق، ويسألون له التوفيق، ويقومون بالبيعة التي بايعوه عليها؛ لأن البيعة حق أوجب الله عز وجل الوفاء به: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾. [سورة الإسراء: الآية 34]. 
أيها الإخوة هذا هو ما يُجْتَمَعُ عليه، يُجْتَمَعُ على الإيمان وعلى الإمام، على وَفْقِ شرع الله عز وجل، وهذا مَبْنِيٌّ على الكتاب والسنة، ليس مَبْنِيًَّا على الأهواء ولا على الآراء، قال الله جل وعلا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 153]، وقال جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103]، وقال جل وعلا: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [سورة طه: الآية 123]. وقال جل وعلا: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [سورة النور: الآية 51].
وأما الاجتماع على غير هَدْيِ الله عز وجل الذي بَعَث به نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فأهله حزب الشيطان , وأهله خاسرون في الدنيا والآخرة؛ لأن حزب الله عز وجل واحد، وأهله هم المفلحون، وأما كل حزب غير هذا الحزب فهو إلى النار؛ لأنه حزب باطل مبني على شفا جُرُفٍ هَارٍ، ينهار بأهله في نار جهنم، وكل شعار يَعْلِن غير شعار الإسلام فهو باطل، ولهذا من دعا إلى عَصَبية أو إلى قَبَلية أو إلى إقليمية أو إلى وَطَنية أو إلى جنس أو إلى نوع أو إلى لغة أو إلى حزب، فقد دعا إلى الباطل، وكان هذا الاجتماع على غير الحق، وإنما الاجتماع الذي يؤلف القلوب هو الذي جاء به الإسلام وهو أن يكون على الإيمان، وما سواه فهو باطل مصيره إلى النار.
وقد بَيَّن الله عز وجل ذلك في آيةٍ مُحْكَمة بل في آيات، قال الله جل وعلا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [سورة المجادلة: الآية 14] إلى أن قال جل وعلا: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ [سورة المجادلة: الآية 19] فسمى الله عز وجل من اجتمع مع القوم المغضوب عليهم وهم اليهود واستحوذ عليهم الشيطان، سماهم حزب الشيطان، وقضى بأن أهله خاسرون، وبين جل وعلا ذلك في آيات كثيرة، كما قال جل وعلا: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [سورة النساء: الآية 115].
وقال جل وعلا: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وَجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [سورة الأحزاب: الآية 66 - 68].
وفي معناه قوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [سورة البقرة: الآية 166 - 167].
فليلزم كل مؤمن ومؤمنة حزب الله عز وجل، وحزب الله عز وجل هم الذين يكونون على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى طريقة أولياء الله عز وجل المذكورة في قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [سورة المائدة: الآية 55] فهذه هي طريقة أولياء الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ﴾ [سورة المائدة: الآية 55 - 56]. 
فدل ذلك على أن تلك الأمة أمة واحدة، وأن اجتماعها يجب أن يكون على شيء واحد وهو توحيد الله عز وجل والإيمان به، وأن يكون اجتماعها على إمام واحد، وألا يكون فيها أحزاب ولا تجمعات، وأن هذه التجمعات والحزبيات تئول بأصحابها إلى الجهالات في الدنيا والآخرة، أعاذنا الله عز وجل من سخطه وعقابه. 
الاجتماع سبب لوحدة الأمة:
أيها الإخوة إن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما خير هادٍ إلى كل خير كما قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [سورة الإسراء: الآية 9] وكما قال جل من قائل: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة العنكبوت: الآية 51].
ومن هداية الله عز وجل لهذه الأمة أن أمرها بالاجتماع وحثها عليه ورغبها فيه، وحذرها من التفرق والاختلاف، وحرم على هذه الأمة القطيعة والتدابر، وقد جاء في الوحيين بيان ذلك بيانًا شافيًا كافيًا، لِمَن وَفَّقه الله عز وجل وعَصَمه من الضلال، ومن ذلك أن الله عز وجل بَيَّن أن هذا الاجتماع هو طريق الأنبياء أجمعين، كما أن دعوتهم دعوة واحدة إلى توحيد الله عز وجل، فكذلك جميع الأنبياء جاءوا بالدعوة إلى الاجتماع، قال الله عز وجل: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [سورة الشورى: الآية 13]. وهؤلاء الأنبياء أمرنا الله عز وجل بالاقتداء بهم كما قال سبحانه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [سورة الأنعام: الآية 90].
والله عز وجل أمرنا بالاجتماع ونهانا عن ضده وعن التفرق، وبَيَّن أن التفرق سبيل الكافرين، وتَوَعَّد الله عز وجل الْمُتفرِّقِينَ وجعل الجزاء الحسن للمجتمعين المتآلفين على الحق، وذكر الله عز وجل ذلك في قوله عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 102 - 103] فأمرنا عز وجل بالاعتصام بِحَبْله، وهو دينه وشرعه، وأن نكون في هذا الاعتصام مجتمعين غير متفرقين، فأكد علينا الاجتماع بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ [آل عمران: الآية 103] ثم نهانا عن التفرق بقوله: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103].
فذكر جل وعلا أن الاجتماع نعمة امْتَنَّ الله عز وجل بها على هذه الأمة، فلا للتفرق، ومن شُكْر الله عز وجل على هذه النعمة أن نَمْتَثِلَ أمْرَه جل وعلا، وأن نعتصم بدينِه، وأن نجتمع على الحق، وأن نجتنب الفرقة وأسبابها والتي كان الناس بسببها في الضلال كما قال: ﴿وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 103] إلى أن قال: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 106] وهؤلاء هم أهل البدعة المتفرقون المختلفون؛ لأنه ما من صاحب بدعة إلا ويخرج على جماعة المسلمين. ولهذا قال السلف: ما من صاحب بدعة إلا ويرى السيف. يعني يرى الخروج على إمام المسلمين الذي هو عنوان على اجتماعهم وتآلفهم.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 107] وهؤلاء هم أهل السنة، وهم المجتمعون على الحق، ثم إن الله جل وعلا قد وصف أهل الاجتماع بأنهم هم أهل هدايته، وهذا يدل على أن أهل التفرق ليسوا على هُدًى، بل على ضلال، قال الله جل وعلا: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [سورة البقرة: الآية 213].
فدل ذلك على أن من لم يكن مجتمعًا فهو ضَالٌّ، وأن الاجتماع علامة الهداية وعلامة التوفيق، وعلامة صحة المعتقد، وعلامة على ما فيه اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن رَبَّنا جل وعلا في كتابه عَظَّم شأن الاجتماع وضرورته لحياة الناس، بل لحياة المسلم على وجه الخصوص، جعل الله عز وجل المسلمين باجتماعهم كأنهم نفس واحدة وجسد واحد، كما قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 29] يعني لا يقتل بعضكم بعضًا، فجعل أنفس المؤمنين كلها كالنفس الواحدة، وهذا يدل على أن المسلمين لا بد أن يكونوا مجتمعين، وأن يكون اجتماعهم قَوِيًّا، وأن يكون هاديَهم كتابُ الله وسنةُ نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الاجتماع الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»(6).
والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «مَثَل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمِهم وتَعَاطُفِهم مَثل الجَسَد، إذا اشتكى منه عُضْوٌ تَداعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى».(7) 
وهذا هو الاجتماع الذي أمرنا الله عز وجل به، ومَنَّ به علينا، وذَكَّرَنا به عز وجل في كتابه، كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103]، وفي قوله جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة الأنفال: الآية 62 - 63].
فهذه نعمة عظيمة ينبغي للمسلم أن يتذكرها وأن يشكر ربه جل وعلا عليها؛ لأنها من أعظم المنن، ولهذا ذكر بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم حنين لما قسم الغنائم، قال صلى الله عليه وسلم لهم: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي». كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ (8). فعرفوا هذه المنة، وشهدوا بها، وأيقنتها أنفسهم، وعلموا فضل الله عز وجل عليهم، فكان لذلك أثر عليهم في اجتماعهم وتآلفهم، وقد بَيَّن الله عز وجل ذلك في قوله عن المهاجرين والأنصار حيث قال تعالى عن الأنصار: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [سورة الحشر: الآية 9] وقد كان الأنصار يتكونون من الأوس والخزرج، وكانت بينهم حروب طاحنة استمرت سنوات عديدة فيها من القتل والنهب والسبي، حتى جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتآلفت قلوبهم واجتمعت على الهدى، فذكرهم الله بهذه النعمة فقال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103] فكان من شكرهم لهذه النعمة ما ذَكَرَهُ الله عز وجل من نصرتهم لإخوانهم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله، شكروا هذه النعمة واعترفوا بها وطبقوها تطبيقا عَمَلِيًّا، ليس كلامًا بألسنتهم، وإنما قول وعمل، فحققوا ما أمرهم الله عز وجل بشكر نعمته، وأفاض الله عز وجل عليهم بذلك نعمته ظاهرة وباطنة.
دلائل الترغيب في الجماعة:
جاء في كتاب ربنا جل وعلا وصف المؤمنين فيما يقتضي اجتماعهم، فوصفهم جل وعلا بأنهم إخوة: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [سورة الحجرات: الآية 10] وهذه إخوة الدين، وهي أعظم الروابط التي تربط المسلم بغيره، ولهذا كان الرجل يقتل أباه، ويقتل أخاه، ويقتل ابنه في سبيل الله، لا يلوي إلى عشيرته ولا إلى قومه، ما دام مؤمنًا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما داموا على الكفر والإشراك، فتجردت قلوبهم لله عز وجل، وأخلصوا له، واتبعوا نبيَّهم صلى الله عليه وسلم، فعملوا بمقتضى هذه الأخوة التي تقتضي النصرة والتأييد والحفظ في الغيبة والحضور، وأن يشعر الإنسان بآلام أخيه، وأن يفرح إذا أصابه شيء مما يفرح به المسلم لنفسه، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بِهِنَّ حَلاوةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للَّهِ، وأنْ يَكْرَه أن يَعُودَ في الكُفْرِ بعد إذ أنْقَذَه اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُلْقَى في النَّارِ» (9).
وهذا هو معنى الأخوة في الله عز وجل التي قضى الله عز وجل شَرْعًا أن تكون بين المؤمنين، ووصف الله عز وجل المؤمنين بأن بعضهم يتولى بعضًا، وذلك من مقتضيات الاجتماع، فالاجتماع لا بد فيه من الأخوة، ولا بد فيه من الولاية، يوالي بعضهم بعضًا؛ لأن موجب الولاية هو محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يوالي إلا في الله، ولا يعادي إلا في الله، ولا يحب إلا في الله، ولا يبغض إلا في الله، ووصف الله عز وجل المؤمنين بأنهم يتراحمون بينهم، كل هذه الأوصاف الأخوة والولاية والتراحم كلها تقتضي أن يكون المؤمنين مجتمعين غير متفرقين، وذلك من أعظم نعم الله عز وجل على عباده المؤمنين، وجعل الله عز وجل رحمته بأهل الاجتماع ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [سورة هود: الآية 118 - 119] يعني أن الله خلقهم للرحمة، ولم يخلقهم الله جل وعلا للتفرق والاختلاف، فقوله: ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ [سورة هود: الآية 119] يعني إلا من رحم ربك فإنهم لا يختلفون، بل يجتمعون ويتآلفون، فدل الاجتماع على أنه من علامات هذه الأمة، وأنها تكون أمة مرحومة إذا اجتمعت وائتلفت ولم تتفرق ولم تختلف، ثم إن هذه الشريعة جاءت بما يدعو المسلم إلى الاجتماع، وبما يباعده عن التفرق والاختلاف، فجاء الله عز وجل وشرع لعباده أسباب الاجتماع، ألم تنظروا أن الله عز وجل شرع لنا الاجتماع في الصلوات الخمس، وفي الجمعة، وفي العيدين، وفي الحج، شرع هذا الاجتماع حتى يتحقق الاجتماع الأكبر، وهو اجتماع الأمة الذي هو من دين الله ومن شرعه، وجاء الشرع بالتحذير والنهي وتحريم أسباب التفرق والاختلاف، فحرم جل وعلا الغيبة والنميمة، والتنابذ بالألقاب، وحرم جل وعلا الهجر فوق ثلاث ليال إلا لمصلحة دنيوية، وحرم جل وعلا كل معاملة مشتملة على غرر أو جهالة، وحرم جل وعلا الأسباب المفضية إلى التقاطع، وأمر جل وعلا بالأسباب المفضية إلى الاجتماع والتآلف من التهادي والسلام وغيرهما، كل ذلك من أجل تحقيق مصلحة عُلْيا، وهو اجتماع هذه الأمة، وجاء الشرع بحماية جماعة الأمة من أن تتفرق، أو أن يعتدي عليها من يريد بها سوءًا ليفرق جماعتهم بعد اجتماعهم، ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم مُخْبِرًا عن خروج الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، قال صلى الله عليه وسلم قبل خروجهم وذلك من معجزاته: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود»(10) لأنهم يفرقون الأمة بعد اجتماعها، وقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ» (11)
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» (12). 
فمن جاء إلى هذه الأمة يُرِيدُ تَفْرِيقَ صَفِّها وبَثَّ الفُرْقَةِ فيها، فإنه يُقْتَلُ كائنًا مَن كان، حِرْصًا على اجتماع هذه الأمة، وهو من المصالح العظمى التي جاءت الشريعة بالأمر بتحقيقها وتكوينها على الوجه الذي أمر الله عز وجل به، وقد بَرَّأ اللَّهُ عز وجل في كتابه رسولَه صلى الله عليه وسلم من التفرق وأهله، برأه من الذين فرقوا دينهم؛ لأن هذا الوصف إنما هو من أوصاف الجاهلية قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [سورة البقرة: الآية 176]. وقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 159].
فالمتفرقون ليسوا على هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن الله عز وجل بَرَّأ رسوله صلى الله عليه وسلم منهم، فليسوا منه، وليس منهم، وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة المسلمة المجتمعة ويتضح هذا في قوله: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ﴾ [سورة الزمر: الآية 11 - 12].
والمسلمون هم أهل الاجتماع، وكتاب الله عز وجل مليءٌ بالأمر بالاجتماع، وبيان أسبابه وآثاره وبيان حقيقته ومفهومه، يدرك ذلك مَن بَصَّره الله عز وجل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الاجتماع الذي أمر الله عز وجل به عباده فيه مصالح الدنيا والآخرة، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن مصالح الدنيا والآخرة لا تتحقق على وجهها الأكمل إلا بالاجتماع، وبقدر ما تكون الفرقة يحصل النقص من هذه المصالح، وهذا أمر دل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وشهدت به الوقائع، حيث إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِى الاِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِى الأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِى الثَّمَانِيَةَ». (13). قال العلماء: يستفاد من هذا أن الله عز وجل جعل في الاجتماع بركة، وأن الاجتماع له أثر حتى على مصالح الدنيا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»(14) وهذا من بركة الاجتماع، ولهذا صَدَّر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بلفظ الاجتماع، ولو أنك تلوت كتاب الله عز وجل دون أن تكون مجتمعًا عليه لن يتحقق لك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ههنا، وإن كانت تتحقق لك فضائل القراءة. 
قال العلماء على هذا الحديث: فيه بركة الاجتماع الأخروية. والحديث قبله فيه البركة في الاجتماع على الطعام، فالناس قد يستقلون هذا الأمر، ولكن اجتماعهم عليه فيه مصلحة دنيوية ظاهرة، واجتماعهم على أمر الآخرة من تدارس القرآن فيه مصلحة في الأخرى، وهكذا كل اجتماع شَرَعه الله عز وجل ففيه مصلحة في الدنيا والآخرة، فما بالكم بالاجتماع الأعظم الذي يتحقق به ظهور الإسلام ونصرة المسلمين، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة الأنفال: الآية 45 - 46]. فبَيَّن جل وعلا أن التنازع والاختلاف سبب لتسلط العدو وغلبته، وهذا يدل بمفهومه على أن الاجتماع والتآلف سبب لنصرة الله عز وجل لأوليائه وإن كانوا أقلَّ عددًا وعُدَدًا، ويكفي المؤمنين أن يمتثلوا أمر الله عز وجل وأن يجتمعوا، فإذا فعلوا ذلك بصِدْق فقد نصروا الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [سورة محمد: الآية 7] ونصرة الله عز وجل تكون باتباع شَرْعِه والكَفِّ عن محارمِه جل وعلا والإعداد لِمَا أمر الله عز وجل به في قوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ﴾ [سورة الأنفال: الآية 60] ولهذا لما كانت هذه الأمة مجتمعة على عهده صلى الله عليه وسلم مع ما هم عليه من قلة العدد والعُدَّة مَكَّن الله عز وجل لهم في الأرض، وأظهرهم على الأديان كلها، فصارت هذه الأمة أمةً ظاهرةً، لا بما يملكونه من عَدَد وعُدَد، وإنما بنصر الله عز وجل لهم لَمَّا نصروا الله عز وجل قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ [سورة التوبة: الآية 25]. وقال جل من قائل: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 123].
ومقابل الاجتماع الاختلاف، فإن الاختلاف سبب للهلاك بلا شك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّما هَلَك مَن كان قَبْلَكم بكَثْرةِ سؤالهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فَأْتُوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فَدَعُوه» (15) وقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا» (16) وقال الله عز وجل مُبَيِّنا هذا الهلاك الذي هلكت به الأمم من قبل: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [سورة البقرة: الآية 253].
فالله عز وجل لا يريد الاختلاف شَرْعًا، ولكنه جل وعلا أراده كونًا، فيقع هذا الاختلاف بين الناس، ولكن المسلم يطلب العصمة من هذا الاختلاف، ولهذا نبينا صلى الله عليه وسلم بَيَّن أن هذا الاختلاف واقع في هذه الأمة، وأمرنا بالاعتصام بحبل الله عز وجل امتحانًا للمؤمنين ولإيمانهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَأَلْتُ رَبِّى ثَلاَثًا فَأَعْطَانِى ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّى أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» (17) فالاقتتال والاختلاف حاصل بين هذه الأمة، وقد فُتِح بابه بمقتل عثمان تعالى رضي الله عنه، ولكن هذا قَدَرُ الله الكوني، وأما أمره الشرعي فإن الله عز وجل لا يرضى لعباده الاختلاف، بل أمرهم بالاتفاق والاجتماع، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فلا يستند عبد على هذا الحديث فيقع في التفرق والاختلاف ويزعم أن الله عز وجل أراده؛ لأن إرادته عز وجل هذه من مقتضيات ربوبيته، وأما أمره جل وعلا فإنه من مقتضيات عبوديته وألوهيته لخلقه، هكذا ينبغي أن يفهم المؤمن هذا، ولما نزل قوله عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾ [سورة الأنعام: الآية 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». ( أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [سورة الأنعام: الآية 65] قال: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [سورة الأنعام: الآية 65] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَهْوَنُ».  (18)
فهذه الأمة سيقع بينها التفرق والاختلاف، وستختلف كما أخبر صلى الله عليه وسلم على ثلاث وسبعين فرقة، ولكن على المسلم أن يعتصم بحبل الله، وأن يستمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يحرص على ألا يكون من المختلفين، ولا من المتفرقين، وأن يطلب الكتاب والسنة هاديًا إلى كل خير، وأن يحسن أعمال القلوب أو أعمال الجوارح أو مما يتفوه به اللسان، فإن خير عاصم يهتدي به العبد ويقتدي به هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله أن من أعظم أسباب التفرق والاختلاف جهل الناس بشرع الله عز وجل، ولو كانوا يعلمون هذا الشرع لم يختلفوا، قال الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ [سورة الحج: الآية 8] وقال جل وعلا: ﴿وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ [سورة البقرة: الآية 113].
ونحن أيها المؤمنون علينا أن نرد بيان هذه المسائل إلى أهل العلم؛ لأن الله عز وجل أمرنا بذلك حيث قال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 43] 
نرد هذا لأهل العلم، ولا ندخل في الجدال والمراء؛ لأن الجدال والمراء ليسا من أوصاف المؤمنين، وأهل العلم هم الذين يبينون عن الله آياته ويحفظون شرعه، ويهدون الناس للتي هي أقوم؛ لأن هذه وظيفتهم، وهم ورثة الأنبياء والمرسلين، وهم حملة هذه الشريعة، وهم الذين أناط الله عز وجل بهم البيان، فوجب على الناس جميعًا الرجوع إليهم، وخاصة في المسائل الكبار التي تهم الأمة، وتتعلق به مصالحها العظمى، فلا يصلح لكل إنسان أن يخوض فيها، ولا يصلح لكل أحد أن يتلقى العلم من كل قائل، ولا أن يتبع صاحب كل ذي شبهة، ولا أن يتبع كل مُدَّعٍ للعلم، وإنما يتبع مَن توافرت فيه صفات العلماء الناصحين الصادقين، الذين يحرصون على البيان ويرعون مصالح الأمة، ويقفون عند حدود الله عز وجل.
بعض أسباب التفرق:
كذلك من أسباب التفرق التي بينها الله عز وجل اتباع الهوى واتباع الظن، وهما قائدان عظيمان يقودان إلى التفرق والاختلاف، ولهذا حذر الله عز وجل من ذلك في قوله: ﴿يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [سورة ص: الآية 26].
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عامة مواضع التفرق والاختلاف إنما تصدر من اتباع الظن واتباع الهوى، ولقد جاءهم من ربهم الهدى، فلو لزموا الهدى لم يتبعوا الظن، ولم يتبعوا الهوى.
ومن أعظم أسباب التفرق اتباع المتشابه، وذلك طريقة أهل الزيغ والضلال، فهم يتبعون ما تشابه من الآيات، فيقعون فيما حَرَّمه الله عز وجل، فيكون التفرق والاختلاف.
نسأل الله عز وجل أن يعصمنا وإياكم، وأن يجمع قلوبنا على الحق، وأن يوفقنا للصواب، وأن يجعلنا من أتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
تعليق سماحة مفتي عام الملكة العربية
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،، تحدث الدكتور عبد العزيز بن محمد السعيد وَفَّقه الله في موضوع مبارك وهو ” فضل الاجتماع وخطر التفرق” وإنه لموضوع هام، والأمة بأمس الحاجة إلى أن تذكر هذا الموضوع ليشيع بينها هذا الأمر، وتعرف فضل اجتماع الكلمة، واتحاد الصف، وانتظام الأمر، وأن الفرقة والاختلاف سبب لذل الأمة وهوانها، وسبب لضعفها وعجزها، وتسلط العدو عليها، واجتماعها سبب لعزها وقوتها وخيبة الأعداء منها، فالاجتماع اجتماع الكلمة ووحدة الصف سبب لتآلف القلوب، ولما كانت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة شرائع الله جاءت بما يسعد البشرية من دنياها وآخرتها، واسمع إلى قول الله تبارك وتعالى حيث يقول آمرا عباده بالاجتماع: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103] فأمرنا بالاعتصام، والأخذ بالكتاب والسنة، والعمل بأحكامهما وتطبيقهما على واقعنا تطبيقًا حقيقيًّا حِسًّا ومَعْنًى، ونهانا عن التفرق بقوله: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103]. فإن التفرق هو الداء العضال، يُفَوِّتُ المصالح والخير، ويخرج البلاء والمصائب، وذكرهم تعالى نعمته عليهم بالإسلام الذي جمع الله به قلوبهم، ورفع به شأنهم، وجعلهم به مُلُوكًا على رقاب العباد حيث قال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً﴾ [سورة آل عمران: الآية 103]. 
أجل كانوا قبل الإسلام أعداءً تمكنت العداوة في قلوبهم وكانوا على وشك أن يهلكوا قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103] فلو بقيتم على هذا الظلام لكانت النار مقركم ومصيركم، لكن جاء الإسلام فاستنقذكم من هذه الغواية وهداكم صراط الله المستقيم، لم تكن لغتهم محققة لهم اجتماعًا، ولا تُرْبَة أرضهم محققة لهم اجتماعًا، ولا أنسابهم وأحسابهم محققة لهم اجتماعًا، كانوا متفرقين وهم أبناء قبيلة واحدة، ومتقاطعين ومتناحرين، لكن لَمَّا جاء الإسلام صهرهم جميعًا، فجعلهم إخوة في العقيدة، إخوة في هذا الدين، متآلفين على الخير، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [سورة التوبة: الآية 71]. وقال جل من قائل: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة الأنفال: الآية 62 – 63]. لقد أصبح المؤمنون بنعمته جل وعلا إخوانا – أي بنعمة هذا الدين – يحب بعضكم بعضًا، ويوالي بعضكم بعضًا، وينصر بعضكم بعضًا على الحق، ويدفعه عن الباطل، ويعينه على الخير، ويحذره من السوء، فبنعمة الإسلام وحدها تحققت الأخوة الإسلامية التي تمكنت في قلوب أهل الإيمان قال تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [سورة الحجرات: الآية 10].
أيها الإخوة إن اجتماع سبب للعزة وحصول الخير واطمئنان النفس والأمن والاستقرار ورغد العيش، والفرقة تجلب الخوف والفاقة والذلة والهوان، وتحول الحياة إلى جحيم ملتهب، ولذا ألزم الإسلام المسلمين السمع والطاعة لولاة أمره في المعروف، وحرم عليهم التمرد والخروج على أئمتهم، وجعل ذلك من أخلاق الجاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية وقال تعالى حاثا على طاعة أولي الأمر: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ). [سورة النساء: الآية 59]. 
إن الاجتماع كله خير كما أشار الشيخ حتى في المصالح الدنيوية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُم وَاذْكُروا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يبُارِكْ لَكُمْ فِيهِ».  (19) 
فكل اجتماع قام على أسس من الخير ومن توجيهات الإسلام فسيكون اجتماعًا نافعًا، شُرِعت لنا صلاة الجماعة خمس مرات في كل يوم وليلة لتتآلف قلوبنا وتتصافى أرواحنا، وتَقْوَى المودة والمحبة بيننا، وشُرِعَ اجتماع الجمعة ليكون هذا الاجتماع أوسع من اجتماع الفرائض، وجُعِلَ اجتماع عرفة وهو أوسع اجتماعٍ من ذلك، كل هذا لبيان ما يريد الإسلام من الأمة من الالتحام والمودة، وأمر بالبر، وأمر بصلة الرحم، كل هذا لِيُقَوِّيَ الروابط بين الأمة، ولِنَعِيشَ في خير، ونُهِينا عن الحسد والبغضاء، والغش والكذب، حتى لا يخدش هذا الاجتماع شيء ويكدر صفوه، فالاجتماع خير على الطاعة والهدى وعلى ما فيه مصالح الأمة في دينها ودنياها، والتنازع والتفرق وتمايل الآراء والأفكار وتنوع الاتجاهات مما يفل صَفَّ الأمة، ولذا قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 159] فرقوا دينهم وكانوا شيعا وأحزابا وطوائف، ولذا قال الله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 153]. 
فالآراء المتعددة والأفكار المتباينة كلها تقوض وحدة الأمة وتقضي على اجتماعها، والأمة مأمورة بأن تكون أمة واحدة مجتمعة على دين ربها قال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [سورة المؤمنون: الآية 52].
نأسأل الله للجميع التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.
أسئلة:
سؤال:
ما رأيكم فيمن يسمون أنفسهم بجماعة العدل والإحسان أو ما شابه ذلك وجزاكم الله خيرا؟
جواب:
لأول مرة أسمع بجماعة العدل والإحسان، نحن كما قال الله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ﴾ [سورة الحج: الآية 77 - 78] فنحن المسلمون، نحن المؤمنون، والعدل والإحسان من أخلاقنا، أما أن نترك رمز الإسلام ونأتي برمز آخر كما يقول “جماعة العدل والإحسان”، هذه أظنها مبادئ أحزاب، وأفكار يحب أولئك أن يجعلوها سببًا لافتراق الأمة.
الإحسان والعدل كله من أخلاق الإسلام، والإسلام عام، والعدل والإحسان داخل ضمنه، لكن أن يصفوا أنفسهم بوصف يظنون به أنهم أفضل من الناس أو أنهم يأتونهم بخير، فيصفون أنفسهم بذلك ويتخذون هذا شعارهم ليدل على خيرية فيهم، فهذا بلا شك خطأ، فالمسلمون شعارهم الإسلام والإيمان، فهذه ألقاب يأتوننا بها كل يوم، فنسمع ألقابًا وشعارات سبيلها التفرق، فهذا من الجهل وقلة العلم، ووراء هذه الشعارات ما وراءها مما يعلم الله ما تشتمل عليه من أمور تخالف الشرع؛ لأن فيها انتسابا إلى نسبة غير الإسلام، فكل داع إلى الله فهو أهل عدل، لكن هو مسلم كما سماه الله.
سؤال:
يقول أحدهم: ما حكم قول الناس: اختلاف العلماء رحمة؟
جواب:
الاختلاف قسمان: اختلاف في الاتجاهات الفكرية والآراء، وهذا خطأ؛ لقول الله: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103]، واختلاف في مفهوم الأدلة، وهل هذا الدليل يشمل هذه المسألة أم لا ؟ فهذا خلاف سابق بين الصحابة، فالصحابة اختلفوا، وكل له دليل، وما أنكر أحد على أحد، يُنْكَر على مَن كان خلافه بغير الدليل، أما مَن كان متمسكًا بدليل فهو معذور في رأيه، وإن كان المطلوب من العلماء أن يحرصوا على أن تكون فتاواهم صادرة من اتفاق، بعيدة عن التشويش على العامة، هذا لا يجب، وإن وُجِد كان أنسب، لكن هذا قد لا يأتي؛ لأن الناس لا تستطيع أن تجمعهم على قول واحد، ومن نعم الله أن هذا الاختلاف ليس اختلافًا في الأصول ولا اختلافًا في الأركان، وإنما هو اختلاف في مفهوم الأدلة، والناس معذورون، وكل مجتهد، فمن اجتهد ووافق الصواب فله أجران، ومن اجتهد ولم يحالف الصواب فله أجر؛ لأن النية كانت صحيحة.
**************************************************************
(1 ) أخرجه البخاري (1/56، رقم 121)، ومسلم (1/81، رقم 65).
(2 ) أخرجه البخاري (1/20 رقم 31)، ومسلم (4/2214 رقم 2888).
(3 ) أخرجه البخاري (5/2110، رقم 5230)، ومسلم (3/1305، رقم 1679).
(4 ) أخرجه البخارى (6/2588، رقم 6646)، ومسلم (3/1477، رقم 1849).
(5 ) أخرجه أحمد (2/142، رقم 6278)، والبخاري (6/2612، رقم 6725)، ومسلم (3/1469، رقم 1839).
(6 ) أخرجه البخاري (2/863، رقم 2314)، ومسلم (4/1999، رقم 2585).
(7 ) أخرجه البخاري (5/2238، رقم 5665)، ومسلم (4/1999، رقم 2586).
(8 )أخرجه البخاري (4/1574، رقم 4075)، ومسلم (2/738، رقم 1061).
(9 ) أخرجه البخاري (1/14، رقم 16)، ومسلم (1/66، رقم 43).
(10 ) أخرجه البخاري (4/1581، رقم 4094)، ومسلم (2/742، رقم 1064).
(11 )أخرجه البخاري (6/2521، رقم 6484).
(12 ) أخرجه مسلم ( 6 / 23، رقم 4826 ).
(13 ) أخرجه مسلم (3/1630، رقم 2059).
(14 ) أخرجه مسلم (4/2074، رقم 2699).
(15 ) أخرجه البخاري (6/2658، رقم 6858)، ومسلم (2/975، رقم 1337).
(16 )أخرجه البخاري (3/1282، رقم 3289).
(17 ) أخرجه مسلم (4/2216، رقم 2890).
(18 ) أخرجه البخاري (6/2667، رقم 6883).
(19 )أخرجه أحمد (3/501، رقم 16122)، وأبو داود (3/346، رقم 3764)، وابن ماجه (2/1093، رقم 3286).



رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/25807.html#ixzz2vOwfdVrx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق