التحذير من البدع وبيان أثرها السيئ في الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:
إن الحديث عن البدعة في غاية الأهمية، بل إنه من أهم المواضيع وأخطرها، لأن الحديث عن الشرك حماية للتوحيد، أما الحديث عن البدعة حماية للكتاب والسنة، حماية للبلاد والعباد، اليهود والنصارى إلى اليوم يعانون من الزيادة والنقص في دينهم، لأنه ليس عندهم ضوابط البدعة، بل إن الجماعات والفرق التي تنشأ في ديار الإسلام إنما تنشأ بسبب عدم معرفة ضوابط البدعة، فلو أنهم يعلمون ضوابط البدعة ما استطاع أحد أن يزيد في دين الله أو ينقص.
صيانة الله -عز وجل- لهذا الدين
إن دين الإسلام جاء كاملا لا يحتاج إلى زيادة، ولا يحتاج إلى أن ينقص منه أحد، دين الإسلام مَحْمِيٌ من عند الله -سبحانه وتعالى- مُبَشَّرٌ بالنصر، هناك حماية داخلية «إنما الأعمال بالنيات»(1)، وهناك حماية تتمثل في حديث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(2) حتى إننا لا نستطيع أن نزيد أي أمر نتقرب به إلى الله -عز وجل- لم يأتِ به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذا معنى قول العلماء: خالصا صوابا. خالصًا لله، صوابا على سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
نطرح سؤالا كمقدمة: كيف سنواجه كل التيارات التي تنشأ في بلادنا وخارج بلادنا؟ كيف سنجمعهم على كلمة واحدة؟ هل يكفي أن نقول: اتقوا الله يا إخوان هذه بدعة؟ كيف سندعو إلى الله؟ كيف سنري العالم الذي أصبح كقرية واحدة من خلال الانترنت وغيره؟ هل نُظْهر ديننا بزيادة فلان، فلان زاد كذا، وفلان أنقص كذا، أم نظهره كما جاء نَقِيًا خاليا من الشوائب؟
تعريف البدعة
إن البدعة من أخطر وسائل الشيطان لاستدارج الأمة إلى الضياع والفرقة، فالضياع والفرقة يأتي من وراء البدعة.
البدعة: من الابتداع إن أردنا تعريفا لها، وهي أمر مُحْدَثٌ على غير مثال سبق. وللبدعة تعريفات كثيرة إن اخترنا تعريف الإمام الشاطبي فإنه قال في تعريفها: “طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ –سُبْحَانَهُ-”(3).
فهذا تعريف دقيق، فهو عندما يقول: “طريقة”، يعني مطروقة ليست غلطًا جاء من مرة واحدة. وقوله: “في الدين” أي: أن الأمور التي من غير الدين لا يقال عنها بدعة، رجل لبس ساعة، ركب طائرة، لبس عقالا، عمل بيتا، عمل مصنعا، هذا ليس من الدين، إنما البدعة الأمر الذي هو دين نتقرب به إلى الله -سبحانه وتعالى- .
تعريف البدعة في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-
إذا نظرنا إلى أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعندنا حديث الْعِرْبَاض بن سارية -رضي الله عنه- قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» إلى آخر الحديث وفي آخره: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ»(4) هنا خَصَّ «إياكم ومحدثات الأمور»، وفي حديث جابر -رضي الله عنه- في خُطَبِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا»(5) ، وحديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(6)، إذن: «أحدث» و«ليس عليه أمرنا» هذه الألفاظ هي تعريف البدعة، تُحْدِثُ أمرًا ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس عليه الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- .
كمال الشريعة
الله -سبحانه وتعالى- بَشَّر الأمة بقوله: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[سورة المائدة : الآية 3] الله أكمل هذا الدين ورضيه لنا ،وكانت هذه الآية العظيمة آخر ما نزل من القرآن حتى إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- توفي بعدها بأشهر، فكانت آخر ما أنزل الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاس} [سورة النحل : الآية 44] ، فالنبي-صلى الله عليه وسلم- مبين قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل : الآية 44] ، وقد بَيَّن -صلى الله عليه وسلم- الدين كاملا.
صراط الله واحد
يقول الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [سورة الأنعام : الآية 153] صراط الله مستقيم لا يحتاج أن نتجادل عليه، الصراط واحد فاتبعوه ولا تتبعوا السبل، لا نتتبع السبل فالسبل كثيرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [سورة الأنعام : الآية 153] هذه الوصية من الله -سبحانه وتعالى-:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَه} [سورة البقرة : الآية 112] يعني: أسلم مخلصا بالتوحيد لله، لجأ لله وهو محسن، وهو متبع لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكما يقول حذيفة: “كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر شيئا” .
فكل عبادة لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فِعْلُها مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع فهي بدعة، فإذا قررنا القواعد وعرفنا كيف نضبط البدعة لا يمكن أن يتسلل إلينا أحد فيقول: هذه بدعة. لأنه لو وجد مصلحة من وراء بدعة معينة، نسأل هل هذه المصلحة موجودة وقت التشريع وزمن صحابة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
فأي عبادة يستدل عليها بحديث مكذوب لا تُقْبَل، أَيُّ عبادة بُنِيَتْ على استحسان عقلي لا تُقْبل، لا نأخذ العبادة إلا من رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لأنه {مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى} [سورة النجم : الآية 3] يوحى إليه من عند الله -سبحانه وتعالى-، ولا نأخذ العبادة من العادات والتقاليد، الله -سبحانه وتعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63].
البدعة ادعاء أن الدين لم يكمل
إن البدعة خروج عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، البدعة ادعاء أن هذا الدين لم يكمل، البدعة تفريق للأمة، فالمبتدع مفرق للأمة إذا أنشأتْ بدعة ما الذي يمنع رفيقه أو جاره أن يأتي ببدعة أخرى، إن قلت له: لا تفعل. قال لك: أنت لما فعلت؟ وإن تركت فلانا يفعل، وفلانا يفعل، فأنت تسد الباب لأنه يفرق، ولذلك أعطانا النبي -صلى الله عليه وسلم- نورًا عظيمًا حينما قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(7) قوله: “بالنواجذ” يعني: تمسكوا بهذه السنة بأقوى ما عندكم، فالنواجذ أقوى ما عندك في أسنانك، ثم قال: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ» ، وخص محدثات الأمور لأنها تخلط الأوراق، تشتت الإسلام عن المعنى الحقيقي الذي أريد به أن ينشأ وأن ينتشر بين الناس.
اتباع هدي الصحابة اتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم-
خير القرون هم الصحابة فهم متميزون -رضوان الله عليهم أجمعين- ولا تجد أحدًا من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- وقع في بدعة ولا هوى، بل إن الصحابة-رضي الله عنهم أجمعين- أمة معصومة من الخطإ، لا يجمعون على خطإ أبدًا، فأنت إذا استنرت في أعمالك بأفعال الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- سرت على درب النجاة لأن الله -سبحانه وتعالى- رضي عن الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- فقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} [سورة الفتح : الآية 18] ، وتاب الله عليهم فقال:{لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} [سورة التوبة : الآية 117] ، فالصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- نالوا ما لم يناله أحد، فهم خير البشر بعد الأنبياء والرسل، نعلم أننا إذا تأسينا بهؤلاء النفر فإننا نتأسى بمن أوصانا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن نتأسى به، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- “إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ” اختاره من بين قلوب العباد ” ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ “(8) فالصحابة اختارهم الله -عز وجل- أن يكونوا أنصار نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، الله -سبحانه وتعالى- يقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [سورة الجاثية : الآية 18] الله -عز وجل- يأمر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- باتباع الشريعة التي أنزلت من عند الله، وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا»(9).
إن الذي يتمسك بالسُّنَّة، وينتصر للسُّنَّة، ويعرف قدر السنة، فإنه يجد النور بإذن الله قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْك} [سورة الزخرف : الآية 43] الله يوصي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان يعلم الْبَرَاء -رضي الله عنه- يقول له: «قل» لما علمه الحديث: «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» قال البراء -رضي الله عنه-: ورسولك الذي أرسلت. قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»(10) حتى الغلط في كلمة ممنوع لا تزيد، ممنوع الزيادة، فهذا دين كامل لا يحتاج إلى زيادة، انظر إلى الثلاثة الذي جاءوا تَقَالَّوْا عبادتهم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماذا كانوا يقولون: أصوم ولا أفطر، أقوم الليل ولا أنام، يعني جاءوا بعبادات ماذا قال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟ هل قال لهم: نِيَّتكم صالحة. لا، بل قال مبينا بيانًا واضحًا جليا: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(11) لا يمكن أن تأتوا بتشريع من عندكم، إياكم والغلو، فهذا كلام لم يأت به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عنده، إنما جاء به من عند الله، فأنت لا يمكن أن تزيد أو تنقص.
البدعة سبب للفتنة
معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- صحابي، جَعَلَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه- يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- : “لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا”، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، يرد ابن عباس -رضي الله عنهما-:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-: “صَدَقْتَ”(12). فأصحاب السنة، وأصحاب الحق لا يقعون، إذا نُبِّهُوا انْتَبَهُوا ويرجعون إلى الحق، فهذا معاوية -رضي الله عنه- يقول له: صدقت.
لما جاء رجل إلى الإمام مالك: أُحْرِمُ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ؟، فَقَالَ لَهُ: “بَلْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ”، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أَحْرَمْتُ أَنَا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَة}(13) [سورة النور : الآية 63]. فالفتنة أن تظن أنك جئت بخير لم يؤت به، عندما تحاول الزيادة على السنة.
عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ عند سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ سَالِمٌ: وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، ثُمَّ قَالَ سَالِم بَعْدُ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمَّا قُلْتُ لَكَ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ، قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ» ثُمَّ قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَرُدَّ – يَعْنِي عَلَيْهِمْ – يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ»(14). لا تقول: أنتم لا تصلون على النبي، نحن نصلي على النبي لكن ليس هذا وقته، هذه عبادة لا بد أن تأتي بالعبادة كما جيء بها، لذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: ” كُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَامِلَهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْبَدُ بِأَمْرِهِ، لَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ”(15).
لذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: « مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ، إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ »(16) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- فالبدعة مرفوضة عند الصحابة، مرفوضة في الكتاب والسنة.
أقوال الأئمة في البدعة
إن البدعة مرفوضة عند الأئمة انظر إلى الإمام الشافعي هو الذي يقول: من استحسن فقد شرع. والإمام أحمد يقول: “أصُول السّنة عندنَا التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- والاقتداء بهم”(17). وننقل عن الإمام مالك كلاما في البدعة من أشد ما قيل، يقول ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: “مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَانَ الرِّسَالَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا”(18).
هذه أقوال الأئمة، والله -سبحانه وتعالى- يقول:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء} [سورة النحل : الآية 89] وقال تعالى:{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [سورة النساء : الآية 80] وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [سورة الحشر : الآية 7] هذا قول الله، والله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ} [سورة يونس : الآية 32] ماذا بعد الحق إلا الضلال، السنة ضدها البدعة، الطاعة ضدها المعصية هذه أضداد، ولكن البدعة قد تدخل في الجميع، وقد تفسد الجميع.
تنوع البدع
أول ما حدثت البدعة كان التكفير، وهم الحرورية الذي نسميهم بالخوارج، هؤلاء كَفَّرُوا بالذنوب، ثم بدأت تزداد بدعهم، ومنهم الإباضية وقد قاتلهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وحاول أن يوقف مد الخوارج وقاتلهم المسلمون في عهد بني أمية.
ثم جاءت فتنة القدر الذين أنكروا قدرة الله وهم مجوس الأمة، والمجوس يعتقدون بالإلهين إله الخير وإله الشر، وهؤلاء القدرية عندهم خلط في الفعل، ومَنِ الذي يَفْعل والفاعل، فيقولون الشر فعل العبد وهكذا، فبدأت فتنهم وهم مجوس الأمة.
الخوارج أضافوا خروجًا على الحكام، طعنوا في بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- الذين يعارضونهم، أنكروا خروج الدجال، أنكروا نزول المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- وهكذا، والْفِرَقْ تكاد تجتمع على أنهم لا يسلم الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- منهم، أغلب الفرق المنحرفة من علاماتهم أنهم يؤذون الصحابة.
الجهمية أنكروا الصفات الخبرية، ثم أنكروا صفات الله كلها، وأنكروا أسماء الله -سبحان وتعالى-، ثم ضيعوا كل شيء .
أما الرافضة فادعوا أن عليًا -رضي الله عنه وأرضاه- إمام معصوم، ومن خالفه كفر، ثم بدأت عدواتهم لأهل السنة ظاهرة، وهؤلاء شر الفرق في تأصيل الحقد والدس والنهب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نحن ندعوهم إلى ترك تأجيج القلوب ضد أبناء السنة والأحقاد ضد أبناء السنة.
أما المرجئة فقالوا بالاستثناء في الإيمان، ثم بعد ذلك انتهوا إلى أن الإيمان في القلب ولا يضر مع الإيمان معصية.
أما المعتزلة جعلوا القواعد الأربع والقواعد خمس، وكل واحدة من القواعد جعلوا لها معنى.
ثم نجد أن هذه التشكيلة خوارج، وقدرية، ومعتزلة، ورافضة هؤلاء قاعدة أساسية تتفرع عنها البدع وتخرج منها الفرق، وتجد أصول الفرق الحادثة نتيجة لهذه الفرق.
ثم تأتيك من بعدها الأشاعرة وغيرهم، والقاديانية والقرآنيون الذي لا يعترفون بالسُّنَّة، ثم الجماعات، جماعة فلان وفلان وفلان، كل واحدة تدعي أنها على خير، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل بدعة ضلالة»(19).
وبدع رفع القبور، والصلاة عند القبور، والاعتكاف عند القبور، والدعاء مدد يا فلان، مدد يا بدوي، مدد يا رسول الله، مدد يا حسين، مدد يا علي، مدد يا زيد، مدد يا عبيد، وتأتيك أسماء لا تعرف من أين جِيء بها، كل إنسان يستغيث بشخص في قبر يرى أنه صالح، وأيضا يرددون ما نعبدهم، وهم في قولهم هذا كقول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر : الآية 3] ، هؤلاء يقولون: ما نعبدهم، هؤلاء شفعاؤنا، وهذا كلام السابقين.
الدولة الفاطمية ورعايتها للبدع والزندقة
في وسط القرن الثالث جاءت الدولة الفاطمية، الدولة الفاطمية مسمى لكن اسمها في الحقيقة العُبَيْديون، وهم خَليط من اليهود والمجوس، ونتج عن هذا الفكر البدع، لأنك إذا رأيت جماعة تنمو في بلد وتأملت من الذي يدعم هذه الجماعة، تجد أهل الشر ينفخون في أهل البدعة حتى تَقْوَى شوكتهم، لأنهم يعلمون من أين يفرقون صفوف المسلمين.
بدأت الدولة العبيدية تُنشئ الموالد، وتُنشئ التصوف، ونحن نعلم أن اليهود قالوا: إن الله حل في عُزير، والنصارى قالوا: إن الله حل في ثلاثة: الابن، والروح، والأب إلى آخره، لكن الحلولية من الصوفية قالوا: إن الله حل في كل شيء، وهذا غلو حتى في الكفر، إن الإنسان أحيانا يغلو في كل أموره، وعلى أية حال لا يشترط في البدعة ألا يكون فيها خير أو ألا يكون فيها فوائد، قد يكون فيها بعض الخير، ولكن البدعة ليست باطلا خالصا، لأن البدعة لو كانت باطلا خالصا ما أقبل عليها أحد، فالبدعة فيها تخليط بين الحق والباطل.
أسباب الوقوع في البدع
من أسباب الوقوع في البدعة: الجهل، فالإنسان لا يستطيع أن يرفع الجهل عن نفسه إلا بصحبة العلماء، بسؤالهم، بالتأني فلا تأخذه الحمية والعزة، لأن العلماء يعرفون الفتن، ويعرفون البدع، ويعرفون ما الذي يجري، ويرون المصلحة والمفسدة، فالجهل عدو الإنسان، فالإنسان لابد أن يأخذ العلم من أبوابه.
من أسباب الوقوع في البدعة: أخذ الفتوى عن غير أهل العلم، وعدم معرفة ضوابطها، فالفتوى بغير علم سبب لضياع الناس، فعلى الإنسان أن يتحرى من أين يأخذ الفتوى، فلا تؤخذ الفتوى إلا من أهل العلم الراسخين المشهود لهم.
أمثلة للبدع
فنحن كما قلنا إذا ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعل عبادة مع كون موجبها يقتضي لها فهي بدعة، مادام الرسول -صلى الله عليه وسلم- تركها، أضرب مثالا: التلفظ بالنية: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة المغرب في المكان الفلاني وراء الإمام الفلاني، الموجب للتلفظ بالنية موجود، لو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يذكرها ونقلت لما قلنا بدعة.
الصلاة بلا أذان كصلاة التراويح هل هناك أذان؟ هذه سنة تَرْكِيَّة، فتركها سنة وهي ما تعرف بالسنة التَّرْكِيِّة.
ومن الأمثلة: صلاة الرغائب، الاحتفال برأس السنة، والاحتفال بعيد الحب، والاحتفال بعيد الأم.
الاحتفال بالمولد مولد رسولنا -صلى الله عليه وسلم-،نحن نسأل أنفسنا: لم يفعله رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأمر الصحابة بفعله ولم يفعلوه، ولا التابعون، وهل تجد الإمام أبا حنيفة النعمان وتلامذته فعلوا المولد؟ هل فعله الإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد؟.
انظر إلى تلامذتهم، تلامذة الإمام أحمد: البخاري، النسائي، ابن ماجه، أبو داود، الترمذي، ثم جاء من بعدهم ابن خزيمة، كل العصور المفضلة والأخيار الذين طبقوا هذا الدين التطبيق الحقيقي لم يفعلوا المولد، بل ولا أمروا أحدًا أن يفعل هذا المولد.
محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعني الاتباع لهديه
هل ينازعنا أحد أو يساومنا في محبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن، ولا يمكن أن يدعي أحد -إلا أن يكون غير عاقل- ويقول للناس: أن أحب الرسول أكثر منكم، نحن نعتقد في كل مسلم أنه يحب الرسول غاية المحبة، لكن المحبة لا تعني إلا الطاعة والاتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هل الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- جَهِلوا؟ هل نحن وُفِّقْنَا أكثر مما وفقوا إليه؟ هل عندنا محبة أكثر من محبتهم؟ أم ولاؤنا أكثر من ولائهم، حرصنا أكثر من حرصهم، توفيق الله لنا أكبر من توفيق الله لهم، الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- هم خير القرون أُمِرْنَا باتباعهم وأُمِرَ غيرنا باتباعهم لا باتباعنا.
تحذير السلف من البدع وأهلها
كان السلف يحذرون من هذه البدع يقول الفضيل بن عياض: “لَأَنْ آكُلَ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَحَبّ ُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ، فَإِنِّي إِذَا أَكَلْتُ عِنْدَهُمَا لَا يُقْتَدَى بِي، وَإِذَا أَكَلْتُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ اقْتَدَى بِي النَّاسُ , أُحِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حِصْنٌ مِنْ حَدِيدٍ , وَعَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمِلِ صَاحِبِ بِدْعَةٍ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ جَلَسَ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَاحْذَرْهُ , وَصَاحِبُ بِدْعَةٍ لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِكَ، وَلَا تُشَاوَرْهُ فِي أَمْرِكَ، وَلَا تَجْلِسْ إِلَيْهِ , فَمَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ وَرَّثَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْعَمَى، وَإِذَا عَلِمَ اللهُ مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ مُبْغِضٌ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ رَجَوْتُ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ , وَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ فَإِنِّي أَرْجُو لَهُ, لِأَنَّ صَاحِبَ السُّنَّةِ يَعْرِضُ كُلَّ خَيْرٍ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ إِلَى اللهِ عَمَلٍ, وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ”(20).
من آثار البدعة
من آثار البدعة أنها من محبوبات الشيطان، وأنها سبب لرفع السُّنَّة، ومن علامات المبتدعة أنهم لا يَعْتَنُون بالسُّنَّة، بل ولا يحفظون القرآن، والبدعة تفرق المجتمع فإن تكلمت عليهم وقعت في شر، وإن تركتهم رأيت تفرقا وتمزقا.
شُبَهِ أهل البدع
نذكر بسرعة بعض الشبه: من شبه المبتدعة الاستدلال بحديث: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً»(21) السنة ليست بدعة، وهذه شبهة، وليس فيمن ابتدع بدعة حسنة فلهذا الحديث قصة، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- جَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، فحثَّ الناسَ على الصَّدَقة فقال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» فقال : «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً».
نحن ننصح بأن يراجع الإنسان كتابًا مثل كتاب “الاعتصام” للشاطبي، وكتاب “اقتضاء الصراط المستقيم” لشيخ الإسلام ابن تيمية.
الاعتصام بالسنة وقاية من البدع
في الختام للوقاية من البدعة علينا بالاعتصام بالكتاب والسنة، وسؤال أهل العلم فيما أشكل علينا، علينا تطبيق السنة في حياتنا اليومية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الاكثار من الجدال، وترك المتشابه من الآيات والأدلة.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظنا ويحفظ ديننا وحكوماتنا وعلماءنا، وأن يحفظ على هذه البلاد أمنها، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان، أسأله أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يشفي مريضنا، وأن يصلح فاسقنا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء
الأمر بالتمسك بالسنة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
إن الله -جل وعلا- بعث محمدًا بالْهُدَى ودين الحق، بالعلم النافع والعمل الصالح، أكمل به الدين، وأتم به النعمة قال تعالى:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سورة المائدة : الآية 3]، لم يترك طريقًا يقربنا إلى الله إلا بَيَّنَه لنا وأمرنا بسلوكه، ولا طريقًا يباعدنا عن الله إلا بينه لنا وأمرنا باجتنابه، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»(22)، فقد دَلَّنَا محمد -صلى الله عليه وسلم- على كل خير يعلمه لنا، ولقد حذرنا من كل شر يكرهه لنا، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فهو قُدوتنا وأسوتنا وإمامنا، ونحن تابعون له مُقْتَفُون أثر سنته وهديه وهو القائل-صلى الله عليه وسلم- : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(23).
البدعة تضاد الشريعة
البدعة في الدين هي من المصائب، لأن هذه البدعة شَرْعُ عبادة لم يشرعها الله، وجَعْلُ أمْرٍ لا دلالة عليه جعله من دين الله {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى : الآية 21]، والبدعة في الدين يزينها الشيطان للإنسان فيراها حقا، ويعتقد أنها حق، وأنه في طاعة الله، والواقع أنه على خلاف الْهَدْى، وليحذر المسلم من البدع لأنه يدخل تحت قول الله -جل وعلا- : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سورة الكهف : الآية 103-104].
إن البدعة تُضاد الشريعة وتُصَادِمُها، والمبتدعون مضادون للشرع، وإن أخرجوا بدعتهم في قالب الخير والصلاح، لكن ما دامت بدعة فإنها مرفوضة، لأنها زيادة في دين الله والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(24) وفي لفظ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
فالبدعة باطلة من أصلها وإن زعم مُبْتَدِعُها الخير، فهي لا خير فيها، إذ هي زيادة فيما شرع الله، فلو ادعى أحد مشروعية ركعة خامسة في الظهر أو العصر، أو رابعة في المغرب، أو ثالثة في الفجر لكانت هذه بدعة ضالة، ويخشى على صاحبها الكفر والعياذ بالله.
البدع المكفرة
أصحاب البدع ابتدعوا في دين الله ما لم يشرعه الله، وأعظم البدع الغلو في قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، من طواف بقبورهم، وذبح النذور لهم، ودعائهم من دون الله، وصرف خالص العبادة، وصرف خالص حق الله لهم، وهذه من البدع المكفرة.
البدع غير المكفرة
ومنها بدع دون التكفير لكنها خطأ، كالذين شرعوا قبل الأذان ما يسمى بالابتهالات قبل أذان الفجر، ومن شرعوا أذان لصلاة العيد وإقامة، ونحو ذلك.
وصلاة الرغائب الذي يفعلونها في شعبان، يَدَّعُون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وما يحصل من شرع صيام أيام يطالب بصيامها كصيام النصف من شعبان، لا على أنه من أيام البيض، ولكن لأنهم يرون أن صبيحة ليلة النصف من شعبان تُقْضَى فيها الأمور، وهذا كله من الخطأ.
وإحياء ليلة المولد النبوي، تلك البدعة التي تغلغلت في نفوس كثير من المسلمين وظنوها حقا، وزعموا أنهم بهذا يظهرون محبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وموالاتهم له، وتمسكهم بسنته وكل هذا من الخطإ، فالمحب لرسول الله هو المؤمن به، المتبع لسنته، المحكم لشريعته، الذي يرضى بحكمه، المطمئن لذلك.
كم أحدثوا في هذا المولد من أناشيد وقصائد وأقوال باطلة وتوسلات وابتهالات باطلة، وكم أحدث المتصوفة في دين الله ما ليس منه، من رسوم وطقوس خاصة بهم، وجعلوها دينا واتخذوها طريقة لهم، وهي مخالفة لشرع الله.
خطر البدعة
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ”(25). صاحب البدعة أعظم من صاحب المعصية، لأن صاحب المعصية يعملها ويرى ويعترف أنه مخطئ ومرتكب ما حرم الله عليه، لكن صاحب البدعة يعملها ويظن أنها تقربه إلى الله زلفى.
بدعة الخوارج التكفير بالذنوب والمعاصي الصغيرة، وإخراج العاصي من رحمة الله، والحكم عليه بالخلود في النار، واستحلال دمه وماله.
الروافض ابتدعوا في دين الله فغلوا في علي -رضي الله عنه- حتى إن بعضهم جعله أفضل من الصديق الأكبر -رضي الله عنه-، وهذا أعظم شرًا، منهم من جعله نبيا وزعم أن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة، ومنهم من ألَّهه وجعله ربا من دون الله، تعالى الله علوًا كبيرًا.
وكم ابتدعت الرافضة من البدع والضلالات، من اعتقاد عصمة آل البيت، والغلو فيهم، وما يفعلونه في أيام مواسم يوم عاشوراء من الأمور التي لا دليل عليها بل هي بدعة ضلالة، ليس عليه دليل إنما هي من بدع المبتدعين وضلالات المضللين، وكم يحصل فيها من الشرك بالله، والكفر به، ودعاء غيره ما الله به عليم.
وكما ابتدعت الجهمية في دين الله فأنكروا أسماء الله وصفاته وجحدوها، ولم يثبتوا لله اسما ولا صفة .
وكما ابتدعت المعتزلة بدعها بزعمهم أن القرآن كلام الله مخلوق.
وكما ابتدعت الأشاعرة تأويل الصفات ،كل هذه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن المسلم يسير على الطريق المستقيم قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام : الآية 153] ، فالبدعة كلها باطلة لا خير فيها وإن ادعى أهلها أنهم محسنون ومسلمون لكنهم في الواقع مخطئون وضالون.
نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والاستقامة عليه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، ويجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يصلح قادتنا ويهديهم سواء السبيل، ويمدهم بعونه وتوفيقه، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأسئلة
سماحة الشيخ يقول السائل: الذي يعمل بدعة هل يسمى مبتدعا، وهل يُؤخذ العلم عنه؟
إن من ابتدع بدعة ما أنزل الله بها من سلطان يكون مبتدعا، فهو يسمى تحت البدع من بدع صغيرة أو كبيرة، لكن إذا أخذ العلم عنه، يؤخذ العلم عنه فيما عدا ما هو عليه من بدعة، وما يحوم حول بدعته.
سماحة الشيخ يقول السائل: في هذه السنة أنا أدفع إلى شركة التأمين مبلغ ألف وأربعمائة ريال للتأمين الصحي، ما حكم العلاج في هذا التأمين وجزاكم الله خيرًا؟
التأمين الصحي عندما تطبقه على أرض الواقع تجده لا شيء، هو خداع للناس ما بين ظلم وغُرْمٍ، ولهم في التأمين الصحي شروط ثقيلة، ما يمكن أن يتصورها، فإنهم لا يعالجون بهذا كل مرض، وإنما أشياء خاصة بمواصفات خاصة، وإلا إذا طالبتهم بجميع الأشياء لوجدت ذلك غير واقع على أرض الواقع لا وجود له، لكنها أكل أموال الناس بالباطل.
هذا سائل من الجزائر بالانترنت يقول: سماحة الشيخ شخص يذهب للمخالفين ويستدرجهم ليوقعهم في أخطاء، ثم يسجل لهم خِفْيَةً دون النصيحة، هل هذه طريقة مشروعة؟
هذا جهل وقلة علم، أنت لست مسئولًا عن أخطائهم، انصح لله، بَيِّنْ لله، انصحهم وادع لخيرٍ تُجْزَ خيرًا، المهم أن تصلح أحوالهم، وأن تناقشهم، وأن تدخل معهم بأدب واحترام، لعل الله أن يرزقك التوفيق لهدايتهم، فتكون ممن هدى الله على يده من ضلالة.
يقول السائل: في هذه السنة أديت فريضة الحج أنا وزوجتي، وفي طواف الوداع خرج مني قطرات من المزي، أكملت الطواف، ما حكم هذا الحج؟
لا، اذبح كبشًا بمكة، لأن هذا الطواف غير صحيح، لأن من شرط الطواف الطهارة.
هذا السائل يقول: سماحة الشيخ نلاحظ من بعض لاعبي الكرة بعد تسجيل الهدف السجود، هل هذا الأمر يعتبر مشروعا؟
هو سجود الشكر، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بلغه أمر يسره خر لله ساجدًا، لكن هذا السجود لا شك أنه لله، أرجو أن يكونوا محافظين على الصلوات، ملازمين لها مؤدين لها في أوقاتها، أما مجرد السجود للفوز بمثل هذا فهي في نظرهم جيدة، وفي نظر غيرهم أنها من الأمور التي ليست بذات شأن، لكن في نفوسهم وفي نظرهم إليها أنهم يدعونها نعمة، لكن عليهم تقوى الله والمحافظة على الصلوات الخمس وألا يكون حظه مجرد الفوز بهذا، وليلتزموا الإسلام بالمحافظة على الصلوات والالتزام بها، وأن تكون الآداب الشرعية لدى اللاعبين كشف العورة من كشف الفخذ وغيره، وأن يكون الالتزام الأدبي بالإسلام فإذا التزم الرياضيون بأدب الشريعة في لعبهم وفي أمورهم كان طيبًا، المهم أن النوادي الرياضية إذا وُفَّقَ أصحابُها وأصبغوها بالصبغة الإسلامية والضوابط الشرعية، ويجنبوها الأمور التي تخالف الشرع فستكون الأمور أفضل، لكن المصيبة إذا لم يكن هناك وعي سليم، أو ما يحصل منهم عفانا الله وإياهم أحيانا كما يكتب في الصحف من مبالغات وأموال طائلة تدفع إلى بعض المدربين، حتى إن بعض الأندية قد دفعوا لمدرب ما يقارب ثلاثين مليون أو نحو ذلك، هذه الأمور في الحقيقة هي التي تؤخذ على هؤلاء إنفاق الأموال الطائلة في أمور لا تعود على الناس بخير عام، نسأل الله الهداية للجميع .
يقول السائل: سماحة الشيخ إن الملائكة تصلي على ميامن الصف الأول، ما المقصود بالميامن، هل هو يسار المؤذن أم ماذا يراد بذلك؟
عن يمين، أي: مكان عن يمين الإمام، ما كان عن يمين الإمام.
وما المقصود بصلاة الملائكة يا شيخ؟
يعني دعاءهم لهم، والصلاة عليهم.
يقول السائل: يلاحظ في الآونة الأخيرة أن المساجد تقل من المصلين، ممن هم بجوار المساجد، ومنعهم الأبناء أن يشهدوا الصلاة في المسجد إلا قليلا، نرجو النصيحة، والأمر بالمعروف في ذلك والدعوة إليه.
لا شك أن إتيان المسجد لأداء الصلوات الخمس فيه من واجبات الإسلام ومن شعائر الدين، ولا حق لمسلم يتمتع بصحة وعافية في بدنه أن يهمل الجماعة ويضيعها، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- : ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ “(26) فلا ينبغي لمسلم قرب المسجد يسمع النداء أن يتخلف.
يقول السائل: سماحة الشيخ ما نصيحتكم لنا في هذا الزمن الذي كثرت فيه البدع، وكثرت فيه الفتن، ما المخرج من هذه الفتن، بارك الله فيكم؟
المخرج منها كتاب الله، تلاوته وتدبره والعمل به، ولزوم الخير، ودعوة الناس للهدى والاستقامة على ذلك، وسؤال الله الثبات، نسأل الله العفو والثبات.
يقول السائل: سماحة الشيخ رجل يتمسك بالبدعة، ويظهر أنه متعلق بالقبور كما يذكر هذا السائل، ما حكم الصلاة خلفه؟
من يذبح للقبور، ويطوف بأهلها بالقبور، ويدعوهم من دون الله، ما تصلي وراءه، هذا غير مُسْلِم.
يقول السائل: سماحة الشيخ لدي قطعة أرض لم أعرضها للبيع، وأنوي بيعها في الوقت الحاضر، تركتها للحاجة، فما حكم الزكاة فيها؟
والله إن كنت اشتريتها لتربح ففيها زكاة، وإن اشتريتها لأجل العمارة فلا زكاة فيها، أما شراؤها للتجارة وإن كنت تؤخر بيعها تزكي.
سماحة الشيخ هذا سائل من الجزائر يقول: هل التكفير لمن وقع في الكفر الأكبر لا يصح حتى تقوم عليه الحجة الرسالية؟
أحيانا يكون العمل كفريًا فيحكم عليه بالكفر به، لكن الشخص ذاته قد يكون عنده موانع، إما أنه جاهل، أو التأويل، لكن عمله كفر، فرق بين العمل وذات الشخص، العمل كان كفرًا وقد نعامله بالكفر في الدنيا، لكن أمور الآخرة الله أعلم بها.
يقول السائل: هل هنالك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
لا، أبدًا البدعة في الإسلام مذمومة أما قول عمر -رضي الله عنه-: “نعمت البدعة”(27) ما قصده بدعة أصلا يعني إعادة الناس إلى الأول، لأن صلاة التراويح كانت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول السائل: هل يمكن أن نقول: إن العادات والتقاليد بدعة ؟
لا، ما هي بدعة كما أشار الشوكاني، ما هي بدعة لأن التي تتعلق بالشرع شيء يتعبد به.
يقول السائل: كثير من الناس في حالة الدعاء خارج الصلاة يرفعون اليدين، هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرفع يديه كلما أراد الدعاء؟
الظاهر أنه السنة، ففي الحديث «إِنَّ رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»(28)، لكن إذا سلمنا من الفريضة شرع الاستغفار، والتسبيح، والتكبير، والتحميد، وقراءة آية الكرسي، وقل هو أحد، والمعوذتين، ثم إذا أردنا أن ندعوا رفعنا أيدينا.
يقول السائل: التشهد في الجلسة الأولى هل يقال كاملا أم ماذا؟ ما هي السنة؟
السنة تخفيفه، إنما الإطالة في التشهد الأخير، وفي الدعوة التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يقولها ويأمر صحابته بها: « إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »(29).
يقول السائل: أنا عامل نظافة بمسجد في مزرعة والراتب يأتيني من أهل المزرعة، وهنالك عامل آخر يأتيه الراتب من الأوقاف، وهذا العامل الآخر يأتي ببعض الاحتياجات في المسجد كالمناديل وغيرها، ويعطيني جزءا من المال هل أقبل منه (يعني جزء من المال المخصص للمسجد)؟.
إذا كان يعطيه من ماله الخاص ما في شيء، يعني ما يعطيه من مال المسجد.
يقول السائل: ما هو السحر وهل يقع طلاق المسحور؟.
السحر معروف، عقد ورقع، وطلاق المسحور إذا ثبت في الشرع وفي المحكمة أنه مسحور وأن السحر حقيقة قد لا يقع طلاقه.
يقول السائل: هل قيام الليل جماعيًا يعتبر من البدعة في غير رمضان؟
خلاف السنة، والفقهاء يقولون: ولا يشرع التطوع جماعة. أو قالوا: لا مانع إذا لم تتخذ عادة. لأنه ما شرع إلا التراويح فقط، شرع لنا الجماعة في الصلوات الخمس، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، التراويح، وما عدا هذا فالكل يصلي وحده.
يقول السائل: سماحة الشيخ نذرت قبل عشرين سنة بذبح ذبيحة كل سنة في شهر رجب وتوزيعها على الفقراء والجيران، وأنا مستمر على ذلك فما حكم عملي؟
لماذا خصصت رجب، تخصيص شيء في رجب بدعة، لأن رجب ما شرع فيه شيء أبدًا، هو فقط أحد الأشهر الحرم، لكن ما شرع فيه صدقة ولا عمرة ولا صلاة معينة.
***************************************************************************
(1) أخرجه البخاري (1/3، رقم 1)، ومسلم (3/1515، رقم 1907).
(2) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(3) الاعتصام (1/50).
(4) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(5) أخرجه مسلم (2/592، رقم 867).
(6) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(7) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(8) أخرجه أحمد (6/84، رقم 3600).
(9) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17182)، وابن ماجه (1/16، رقم 43).
(10) أخرجه أبو داود (4/311 ، رقم 5046)، وابن ماجه (2/1725، رقم3876).
(11) أخرجه البخاري (5/1949، رقم 4776)، ومسلم (2/1020، رقم 1401).
(12) أخرجه البخاري (2/151، رقم 1608)، والترمذي (3/204، رقم 858)، وأحمد (3/369، رقم 1867) واللفظ له.
(13) أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/261، رقم 98).
(14) أخرجه أبو داود (4/307 ، رقم 5031).
(15) مدارج السالكين (1/105).
(16) البيهقي في الكبرى (7/121، رقم 13443).
(17) أصول السنة (1/14).
(18) الاعتصام (1/64-65).
(19) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(20) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/103)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/706).
(21) أخرجه مسلم (4/2059، رقم 1017).
(22) أخرجه مسلم (3/1472، رقم 1844).
(23) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(24) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(25) أخرجه الدارمي (1/80، رقم 205)، و الطبراني (9/154، رقم 8770).
(26) أخرجه مسلم (1/453، رقم 654).
(27) أخرجه مالك (1/114، رقم 3).
(28) أخرجه أحمد (5/438، رقم 23765)، أبو داود (2/78، رقم 1488)، والترمذي (5/556، رقم 3556).
(29) أخرجه مسلم (1/412، رقم 588).
إن الحديث عن البدعة في غاية الأهمية، بل إنه من أهم المواضيع وأخطرها، لأن الحديث عن الشرك حماية للتوحيد، أما الحديث عن البدعة حماية للكتاب والسنة، حماية للبلاد والعباد، اليهود والنصارى إلى اليوم يعانون من الزيادة والنقص في دينهم، لأنه ليس عندهم ضوابط البدعة، بل إن الجماعات والفرق التي تنشأ في ديار الإسلام إنما تنشأ بسبب عدم معرفة ضوابط البدعة، فلو أنهم يعلمون ضوابط البدعة ما استطاع أحد أن يزيد في دين الله أو ينقص.
صيانة الله -عز وجل- لهذا الدين
إن دين الإسلام جاء كاملا لا يحتاج إلى زيادة، ولا يحتاج إلى أن ينقص منه أحد، دين الإسلام مَحْمِيٌ من عند الله -سبحانه وتعالى- مُبَشَّرٌ بالنصر، هناك حماية داخلية «إنما الأعمال بالنيات»(1)، وهناك حماية تتمثل في حديث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(2) حتى إننا لا نستطيع أن نزيد أي أمر نتقرب به إلى الله -عز وجل- لم يأتِ به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهذا معنى قول العلماء: خالصا صوابا. خالصًا لله، صوابا على سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
نطرح سؤالا كمقدمة: كيف سنواجه كل التيارات التي تنشأ في بلادنا وخارج بلادنا؟ كيف سنجمعهم على كلمة واحدة؟ هل يكفي أن نقول: اتقوا الله يا إخوان هذه بدعة؟ كيف سندعو إلى الله؟ كيف سنري العالم الذي أصبح كقرية واحدة من خلال الانترنت وغيره؟ هل نُظْهر ديننا بزيادة فلان، فلان زاد كذا، وفلان أنقص كذا، أم نظهره كما جاء نَقِيًا خاليا من الشوائب؟
تعريف البدعة
إن البدعة من أخطر وسائل الشيطان لاستدارج الأمة إلى الضياع والفرقة، فالضياع والفرقة يأتي من وراء البدعة.
البدعة: من الابتداع إن أردنا تعريفا لها، وهي أمر مُحْدَثٌ على غير مثال سبق. وللبدعة تعريفات كثيرة إن اخترنا تعريف الإمام الشاطبي فإنه قال في تعريفها: “طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ –سُبْحَانَهُ-”(3).
فهذا تعريف دقيق، فهو عندما يقول: “طريقة”، يعني مطروقة ليست غلطًا جاء من مرة واحدة. وقوله: “في الدين” أي: أن الأمور التي من غير الدين لا يقال عنها بدعة، رجل لبس ساعة، ركب طائرة، لبس عقالا، عمل بيتا، عمل مصنعا، هذا ليس من الدين، إنما البدعة الأمر الذي هو دين نتقرب به إلى الله -سبحانه وتعالى- .
تعريف البدعة في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-
إذا نظرنا إلى أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعندنا حديث الْعِرْبَاض بن سارية -رضي الله عنه- قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» إلى آخر الحديث وفي آخره: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ»(4) هنا خَصَّ «إياكم ومحدثات الأمور»، وفي حديث جابر -رضي الله عنه- في خُطَبِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا»(5) ، وحديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(6)، إذن: «أحدث» و«ليس عليه أمرنا» هذه الألفاظ هي تعريف البدعة، تُحْدِثُ أمرًا ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس عليه الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- .
كمال الشريعة
الله -سبحانه وتعالى- بَشَّر الأمة بقوله: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[سورة المائدة : الآية 3] الله أكمل هذا الدين ورضيه لنا ،وكانت هذه الآية العظيمة آخر ما نزل من القرآن حتى إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- توفي بعدها بأشهر، فكانت آخر ما أنزل الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاس} [سورة النحل : الآية 44] ، فالنبي-صلى الله عليه وسلم- مبين قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل : الآية 44] ، وقد بَيَّن -صلى الله عليه وسلم- الدين كاملا.
صراط الله واحد
يقول الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [سورة الأنعام : الآية 153] صراط الله مستقيم لا يحتاج أن نتجادل عليه، الصراط واحد فاتبعوه ولا تتبعوا السبل، لا نتتبع السبل فالسبل كثيرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [سورة الأنعام : الآية 153] هذه الوصية من الله -سبحانه وتعالى-:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَه} [سورة البقرة : الآية 112] يعني: أسلم مخلصا بالتوحيد لله، لجأ لله وهو محسن، وهو متبع لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكما يقول حذيفة: “كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر شيئا” .
فكل عبادة لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فِعْلُها مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع فهي بدعة، فإذا قررنا القواعد وعرفنا كيف نضبط البدعة لا يمكن أن يتسلل إلينا أحد فيقول: هذه بدعة. لأنه لو وجد مصلحة من وراء بدعة معينة، نسأل هل هذه المصلحة موجودة وقت التشريع وزمن صحابة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
فأي عبادة يستدل عليها بحديث مكذوب لا تُقْبَل، أَيُّ عبادة بُنِيَتْ على استحسان عقلي لا تُقْبل، لا نأخذ العبادة إلا من رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لأنه {مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى} [سورة النجم : الآية 3] يوحى إليه من عند الله -سبحانه وتعالى-، ولا نأخذ العبادة من العادات والتقاليد، الله -سبحانه وتعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور : الآية 63].
البدعة ادعاء أن الدين لم يكمل
إن البدعة خروج عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، البدعة ادعاء أن هذا الدين لم يكمل، البدعة تفريق للأمة، فالمبتدع مفرق للأمة إذا أنشأتْ بدعة ما الذي يمنع رفيقه أو جاره أن يأتي ببدعة أخرى، إن قلت له: لا تفعل. قال لك: أنت لما فعلت؟ وإن تركت فلانا يفعل، وفلانا يفعل، فأنت تسد الباب لأنه يفرق، ولذلك أعطانا النبي -صلى الله عليه وسلم- نورًا عظيمًا حينما قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(7) قوله: “بالنواجذ” يعني: تمسكوا بهذه السنة بأقوى ما عندكم، فالنواجذ أقوى ما عندك في أسنانك، ثم قال: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ» ، وخص محدثات الأمور لأنها تخلط الأوراق، تشتت الإسلام عن المعنى الحقيقي الذي أريد به أن ينشأ وأن ينتشر بين الناس.
اتباع هدي الصحابة اتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم-
خير القرون هم الصحابة فهم متميزون -رضوان الله عليهم أجمعين- ولا تجد أحدًا من الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- وقع في بدعة ولا هوى، بل إن الصحابة-رضي الله عنهم أجمعين- أمة معصومة من الخطإ، لا يجمعون على خطإ أبدًا، فأنت إذا استنرت في أعمالك بأفعال الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- سرت على درب النجاة لأن الله -سبحانه وتعالى- رضي عن الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- فقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} [سورة الفتح : الآية 18] ، وتاب الله عليهم فقال:{لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} [سورة التوبة : الآية 117] ، فالصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- نالوا ما لم يناله أحد، فهم خير البشر بعد الأنبياء والرسل، نعلم أننا إذا تأسينا بهؤلاء النفر فإننا نتأسى بمن أوصانا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن نتأسى به، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- “إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ” اختاره من بين قلوب العباد ” ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ “(8) فالصحابة اختارهم الله -عز وجل- أن يكونوا أنصار نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، الله -سبحانه وتعالى- يقول: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [سورة الجاثية : الآية 18] الله -عز وجل- يأمر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- باتباع الشريعة التي أنزلت من عند الله، وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا»(9).
إن الذي يتمسك بالسُّنَّة، وينتصر للسُّنَّة، ويعرف قدر السنة، فإنه يجد النور بإذن الله قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْك} [سورة الزخرف : الآية 43] الله يوصي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان يعلم الْبَرَاء -رضي الله عنه- يقول له: «قل» لما علمه الحديث: «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» قال البراء -رضي الله عنه-: ورسولك الذي أرسلت. قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»(10) حتى الغلط في كلمة ممنوع لا تزيد، ممنوع الزيادة، فهذا دين كامل لا يحتاج إلى زيادة، انظر إلى الثلاثة الذي جاءوا تَقَالَّوْا عبادتهم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماذا كانوا يقولون: أصوم ولا أفطر، أقوم الليل ولا أنام، يعني جاءوا بعبادات ماذا قال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟ هل قال لهم: نِيَّتكم صالحة. لا، بل قال مبينا بيانًا واضحًا جليا: «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(11) لا يمكن أن تأتوا بتشريع من عندكم، إياكم والغلو، فهذا كلام لم يأت به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عنده، إنما جاء به من عند الله، فأنت لا يمكن أن تزيد أو تنقص.
البدعة سبب للفتنة
معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- صحابي، جَعَلَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه- يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- : “لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ؟ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا”، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، يرد ابن عباس -رضي الله عنهما-:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-: “صَدَقْتَ”(12). فأصحاب السنة، وأصحاب الحق لا يقعون، إذا نُبِّهُوا انْتَبَهُوا ويرجعون إلى الحق، فهذا معاوية -رضي الله عنه- يقول له: صدقت.
لما جاء رجل إلى الإمام مالك: أُحْرِمُ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ؟، فَقَالَ لَهُ: “بَلْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ”، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أَحْرَمْتُ أَنَا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَة}(13) [سورة النور : الآية 63]. فالفتنة أن تظن أنك جئت بخير لم يؤت به، عندما تحاول الزيادة على السنة.
عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ عند سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ سَالِمٌ: وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ، ثُمَّ قَالَ سَالِم بَعْدُ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمَّا قُلْتُ لَكَ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ، قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ» ثُمَّ قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَرُدَّ – يَعْنِي عَلَيْهِمْ – يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ»(14). لا تقول: أنتم لا تصلون على النبي، نحن نصلي على النبي لكن ليس هذا وقته، هذه عبادة لا بد أن تأتي بالعبادة كما جيء بها، لذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-: ” كُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَامِلَهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعْبَدُ بِأَمْرِهِ، لَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ”(15).
لذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: « مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ، إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ »(16) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- فالبدعة مرفوضة عند الصحابة، مرفوضة في الكتاب والسنة.
أقوال الأئمة في البدعة
إن البدعة مرفوضة عند الأئمة انظر إلى الإمام الشافعي هو الذي يقول: من استحسن فقد شرع. والإمام أحمد يقول: “أصُول السّنة عندنَا التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- والاقتداء بهم”(17). وننقل عن الإمام مالك كلاما في البدعة من أشد ما قيل، يقول ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: “مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَانَ الرِّسَالَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا”(18).
هذه أقوال الأئمة، والله -سبحانه وتعالى- يقول:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْء} [سورة النحل : الآية 89] وقال تعالى:{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [سورة النساء : الآية 80] وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [سورة الحشر : الآية 7] هذا قول الله، والله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ} [سورة يونس : الآية 32] ماذا بعد الحق إلا الضلال، السنة ضدها البدعة، الطاعة ضدها المعصية هذه أضداد، ولكن البدعة قد تدخل في الجميع، وقد تفسد الجميع.
تنوع البدع
أول ما حدثت البدعة كان التكفير، وهم الحرورية الذي نسميهم بالخوارج، هؤلاء كَفَّرُوا بالذنوب، ثم بدأت تزداد بدعهم، ومنهم الإباضية وقد قاتلهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وحاول أن يوقف مد الخوارج وقاتلهم المسلمون في عهد بني أمية.
ثم جاءت فتنة القدر الذين أنكروا قدرة الله وهم مجوس الأمة، والمجوس يعتقدون بالإلهين إله الخير وإله الشر، وهؤلاء القدرية عندهم خلط في الفعل، ومَنِ الذي يَفْعل والفاعل، فيقولون الشر فعل العبد وهكذا، فبدأت فتنهم وهم مجوس الأمة.
الخوارج أضافوا خروجًا على الحكام، طعنوا في بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- الذين يعارضونهم، أنكروا خروج الدجال، أنكروا نزول المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- وهكذا، والْفِرَقْ تكاد تجتمع على أنهم لا يسلم الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- منهم، أغلب الفرق المنحرفة من علاماتهم أنهم يؤذون الصحابة.
الجهمية أنكروا الصفات الخبرية، ثم أنكروا صفات الله كلها، وأنكروا أسماء الله -سبحان وتعالى-، ثم ضيعوا كل شيء .
أما الرافضة فادعوا أن عليًا -رضي الله عنه وأرضاه- إمام معصوم، ومن خالفه كفر، ثم بدأت عدواتهم لأهل السنة ظاهرة، وهؤلاء شر الفرق في تأصيل الحقد والدس والنهب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نحن ندعوهم إلى ترك تأجيج القلوب ضد أبناء السنة والأحقاد ضد أبناء السنة.
أما المرجئة فقالوا بالاستثناء في الإيمان، ثم بعد ذلك انتهوا إلى أن الإيمان في القلب ولا يضر مع الإيمان معصية.
أما المعتزلة جعلوا القواعد الأربع والقواعد خمس، وكل واحدة من القواعد جعلوا لها معنى.
ثم نجد أن هذه التشكيلة خوارج، وقدرية، ومعتزلة، ورافضة هؤلاء قاعدة أساسية تتفرع عنها البدع وتخرج منها الفرق، وتجد أصول الفرق الحادثة نتيجة لهذه الفرق.
ثم تأتيك من بعدها الأشاعرة وغيرهم، والقاديانية والقرآنيون الذي لا يعترفون بالسُّنَّة، ثم الجماعات، جماعة فلان وفلان وفلان، كل واحدة تدعي أنها على خير، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل بدعة ضلالة»(19).
وبدع رفع القبور، والصلاة عند القبور، والاعتكاف عند القبور، والدعاء مدد يا فلان، مدد يا بدوي، مدد يا رسول الله، مدد يا حسين، مدد يا علي، مدد يا زيد، مدد يا عبيد، وتأتيك أسماء لا تعرف من أين جِيء بها، كل إنسان يستغيث بشخص في قبر يرى أنه صالح، وأيضا يرددون ما نعبدهم، وهم في قولهم هذا كقول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر : الآية 3] ، هؤلاء يقولون: ما نعبدهم، هؤلاء شفعاؤنا، وهذا كلام السابقين.
الدولة الفاطمية ورعايتها للبدع والزندقة
في وسط القرن الثالث جاءت الدولة الفاطمية، الدولة الفاطمية مسمى لكن اسمها في الحقيقة العُبَيْديون، وهم خَليط من اليهود والمجوس، ونتج عن هذا الفكر البدع، لأنك إذا رأيت جماعة تنمو في بلد وتأملت من الذي يدعم هذه الجماعة، تجد أهل الشر ينفخون في أهل البدعة حتى تَقْوَى شوكتهم، لأنهم يعلمون من أين يفرقون صفوف المسلمين.
بدأت الدولة العبيدية تُنشئ الموالد، وتُنشئ التصوف، ونحن نعلم أن اليهود قالوا: إن الله حل في عُزير، والنصارى قالوا: إن الله حل في ثلاثة: الابن، والروح، والأب إلى آخره، لكن الحلولية من الصوفية قالوا: إن الله حل في كل شيء، وهذا غلو حتى في الكفر، إن الإنسان أحيانا يغلو في كل أموره، وعلى أية حال لا يشترط في البدعة ألا يكون فيها خير أو ألا يكون فيها فوائد، قد يكون فيها بعض الخير، ولكن البدعة ليست باطلا خالصا، لأن البدعة لو كانت باطلا خالصا ما أقبل عليها أحد، فالبدعة فيها تخليط بين الحق والباطل.
أسباب الوقوع في البدع
من أسباب الوقوع في البدعة: الجهل، فالإنسان لا يستطيع أن يرفع الجهل عن نفسه إلا بصحبة العلماء، بسؤالهم، بالتأني فلا تأخذه الحمية والعزة، لأن العلماء يعرفون الفتن، ويعرفون البدع، ويعرفون ما الذي يجري، ويرون المصلحة والمفسدة، فالجهل عدو الإنسان، فالإنسان لابد أن يأخذ العلم من أبوابه.
من أسباب الوقوع في البدعة: أخذ الفتوى عن غير أهل العلم، وعدم معرفة ضوابطها، فالفتوى بغير علم سبب لضياع الناس، فعلى الإنسان أن يتحرى من أين يأخذ الفتوى، فلا تؤخذ الفتوى إلا من أهل العلم الراسخين المشهود لهم.
أمثلة للبدع
فنحن كما قلنا إذا ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعل عبادة مع كون موجبها يقتضي لها فهي بدعة، مادام الرسول -صلى الله عليه وسلم- تركها، أضرب مثالا: التلفظ بالنية: اللهم إني نويت أن أصلي صلاة المغرب في المكان الفلاني وراء الإمام الفلاني، الموجب للتلفظ بالنية موجود، لو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يذكرها ونقلت لما قلنا بدعة.
الصلاة بلا أذان كصلاة التراويح هل هناك أذان؟ هذه سنة تَرْكِيَّة، فتركها سنة وهي ما تعرف بالسنة التَّرْكِيِّة.
ومن الأمثلة: صلاة الرغائب، الاحتفال برأس السنة، والاحتفال بعيد الحب، والاحتفال بعيد الأم.
الاحتفال بالمولد مولد رسولنا -صلى الله عليه وسلم-،نحن نسأل أنفسنا: لم يفعله رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأمر الصحابة بفعله ولم يفعلوه، ولا التابعون، وهل تجد الإمام أبا حنيفة النعمان وتلامذته فعلوا المولد؟ هل فعله الإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد؟.
انظر إلى تلامذتهم، تلامذة الإمام أحمد: البخاري، النسائي، ابن ماجه، أبو داود، الترمذي، ثم جاء من بعدهم ابن خزيمة، كل العصور المفضلة والأخيار الذين طبقوا هذا الدين التطبيق الحقيقي لم يفعلوا المولد، بل ولا أمروا أحدًا أن يفعل هذا المولد.
محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعني الاتباع لهديه
هل ينازعنا أحد أو يساومنا في محبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن، ولا يمكن أن يدعي أحد -إلا أن يكون غير عاقل- ويقول للناس: أن أحب الرسول أكثر منكم، نحن نعتقد في كل مسلم أنه يحب الرسول غاية المحبة، لكن المحبة لا تعني إلا الطاعة والاتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هل الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- جَهِلوا؟ هل نحن وُفِّقْنَا أكثر مما وفقوا إليه؟ هل عندنا محبة أكثر من محبتهم؟ أم ولاؤنا أكثر من ولائهم، حرصنا أكثر من حرصهم، توفيق الله لنا أكبر من توفيق الله لهم، الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- هم خير القرون أُمِرْنَا باتباعهم وأُمِرَ غيرنا باتباعهم لا باتباعنا.
تحذير السلف من البدع وأهلها
كان السلف يحذرون من هذه البدع يقول الفضيل بن عياض: “لَأَنْ آكُلَ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَحَبّ ُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ، فَإِنِّي إِذَا أَكَلْتُ عِنْدَهُمَا لَا يُقْتَدَى بِي، وَإِذَا أَكَلْتُ عِنْدَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ اقْتَدَى بِي النَّاسُ , أُحِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حِصْنٌ مِنْ حَدِيدٍ , وَعَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمِلِ صَاحِبِ بِدْعَةٍ، وَمَنْ جَلَسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ جَلَسَ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَاحْذَرْهُ , وَصَاحِبُ بِدْعَةٍ لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِكَ، وَلَا تُشَاوَرْهُ فِي أَمْرِكَ، وَلَا تَجْلِسْ إِلَيْهِ , فَمَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ وَرَّثَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْعَمَى، وَإِذَا عَلِمَ اللهُ مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ مُبْغِضٌ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ رَجَوْتُ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ , وَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ فَإِنِّي أَرْجُو لَهُ, لِأَنَّ صَاحِبَ السُّنَّةِ يَعْرِضُ كُلَّ خَيْرٍ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ إِلَى اللهِ عَمَلٍ, وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ”(20).
من آثار البدعة
من آثار البدعة أنها من محبوبات الشيطان، وأنها سبب لرفع السُّنَّة، ومن علامات المبتدعة أنهم لا يَعْتَنُون بالسُّنَّة، بل ولا يحفظون القرآن، والبدعة تفرق المجتمع فإن تكلمت عليهم وقعت في شر، وإن تركتهم رأيت تفرقا وتمزقا.
شُبَهِ أهل البدع
نذكر بسرعة بعض الشبه: من شبه المبتدعة الاستدلال بحديث: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً»(21) السنة ليست بدعة، وهذه شبهة، وليس فيمن ابتدع بدعة حسنة فلهذا الحديث قصة، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- جَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، فحثَّ الناسَ على الصَّدَقة فقال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» فقال : «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً».
نحن ننصح بأن يراجع الإنسان كتابًا مثل كتاب “الاعتصام” للشاطبي، وكتاب “اقتضاء الصراط المستقيم” لشيخ الإسلام ابن تيمية.
الاعتصام بالسنة وقاية من البدع
في الختام للوقاية من البدعة علينا بالاعتصام بالكتاب والسنة، وسؤال أهل العلم فيما أشكل علينا، علينا تطبيق السنة في حياتنا اليومية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الاكثار من الجدال، وترك المتشابه من الآيات والأدلة.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظنا ويحفظ ديننا وحكوماتنا وعلماءنا، وأن يحفظ على هذه البلاد أمنها، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان، أسأله أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يشفي مريضنا، وأن يصلح فاسقنا، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء
الأمر بالتمسك بالسنة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
إن الله -جل وعلا- بعث محمدًا بالْهُدَى ودين الحق، بالعلم النافع والعمل الصالح، أكمل به الدين، وأتم به النعمة قال تعالى:{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سورة المائدة : الآية 3]، لم يترك طريقًا يقربنا إلى الله إلا بَيَّنَه لنا وأمرنا بسلوكه، ولا طريقًا يباعدنا عن الله إلا بينه لنا وأمرنا باجتنابه، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»(22)، فقد دَلَّنَا محمد -صلى الله عليه وسلم- على كل خير يعلمه لنا، ولقد حذرنا من كل شر يكرهه لنا، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فهو قُدوتنا وأسوتنا وإمامنا، ونحن تابعون له مُقْتَفُون أثر سنته وهديه وهو القائل-صلى الله عليه وسلم- : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(23).
البدعة تضاد الشريعة
البدعة في الدين هي من المصائب، لأن هذه البدعة شَرْعُ عبادة لم يشرعها الله، وجَعْلُ أمْرٍ لا دلالة عليه جعله من دين الله {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى : الآية 21]، والبدعة في الدين يزينها الشيطان للإنسان فيراها حقا، ويعتقد أنها حق، وأنه في طاعة الله، والواقع أنه على خلاف الْهَدْى، وليحذر المسلم من البدع لأنه يدخل تحت قول الله -جل وعلا- : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سورة الكهف : الآية 103-104].
إن البدعة تُضاد الشريعة وتُصَادِمُها، والمبتدعون مضادون للشرع، وإن أخرجوا بدعتهم في قالب الخير والصلاح، لكن ما دامت بدعة فإنها مرفوضة، لأنها زيادة في دين الله والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(24) وفي لفظ: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
فالبدعة باطلة من أصلها وإن زعم مُبْتَدِعُها الخير، فهي لا خير فيها، إذ هي زيادة فيما شرع الله، فلو ادعى أحد مشروعية ركعة خامسة في الظهر أو العصر، أو رابعة في المغرب، أو ثالثة في الفجر لكانت هذه بدعة ضالة، ويخشى على صاحبها الكفر والعياذ بالله.
البدع المكفرة
أصحاب البدع ابتدعوا في دين الله ما لم يشرعه الله، وأعظم البدع الغلو في قبور الأنبياء والأولياء والصالحين، من طواف بقبورهم، وذبح النذور لهم، ودعائهم من دون الله، وصرف خالص العبادة، وصرف خالص حق الله لهم، وهذه من البدع المكفرة.
البدع غير المكفرة
ومنها بدع دون التكفير لكنها خطأ، كالذين شرعوا قبل الأذان ما يسمى بالابتهالات قبل أذان الفجر، ومن شرعوا أذان لصلاة العيد وإقامة، ونحو ذلك.
وصلاة الرغائب الذي يفعلونها في شعبان، يَدَّعُون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وما يحصل من شرع صيام أيام يطالب بصيامها كصيام النصف من شعبان، لا على أنه من أيام البيض، ولكن لأنهم يرون أن صبيحة ليلة النصف من شعبان تُقْضَى فيها الأمور، وهذا كله من الخطأ.
وإحياء ليلة المولد النبوي، تلك البدعة التي تغلغلت في نفوس كثير من المسلمين وظنوها حقا، وزعموا أنهم بهذا يظهرون محبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وموالاتهم له، وتمسكهم بسنته وكل هذا من الخطإ، فالمحب لرسول الله هو المؤمن به، المتبع لسنته، المحكم لشريعته، الذي يرضى بحكمه، المطمئن لذلك.
كم أحدثوا في هذا المولد من أناشيد وقصائد وأقوال باطلة وتوسلات وابتهالات باطلة، وكم أحدث المتصوفة في دين الله ما ليس منه، من رسوم وطقوس خاصة بهم، وجعلوها دينا واتخذوها طريقة لهم، وهي مخالفة لشرع الله.
خطر البدعة
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ”(25). صاحب البدعة أعظم من صاحب المعصية، لأن صاحب المعصية يعملها ويرى ويعترف أنه مخطئ ومرتكب ما حرم الله عليه، لكن صاحب البدعة يعملها ويظن أنها تقربه إلى الله زلفى.
بدعة الخوارج التكفير بالذنوب والمعاصي الصغيرة، وإخراج العاصي من رحمة الله، والحكم عليه بالخلود في النار، واستحلال دمه وماله.
الروافض ابتدعوا في دين الله فغلوا في علي -رضي الله عنه- حتى إن بعضهم جعله أفضل من الصديق الأكبر -رضي الله عنه-، وهذا أعظم شرًا، منهم من جعله نبيا وزعم أن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة، ومنهم من ألَّهه وجعله ربا من دون الله، تعالى الله علوًا كبيرًا.
وكم ابتدعت الرافضة من البدع والضلالات، من اعتقاد عصمة آل البيت، والغلو فيهم، وما يفعلونه في أيام مواسم يوم عاشوراء من الأمور التي لا دليل عليها بل هي بدعة ضلالة، ليس عليه دليل إنما هي من بدع المبتدعين وضلالات المضللين، وكم يحصل فيها من الشرك بالله، والكفر به، ودعاء غيره ما الله به عليم.
وكما ابتدعت الجهمية في دين الله فأنكروا أسماء الله وصفاته وجحدوها، ولم يثبتوا لله اسما ولا صفة .
وكما ابتدعت المعتزلة بدعها بزعمهم أن القرآن كلام الله مخلوق.
وكما ابتدعت الأشاعرة تأويل الصفات ،كل هذه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن المسلم يسير على الطريق المستقيم قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام : الآية 153] ، فالبدعة كلها باطلة لا خير فيها وإن ادعى أهلها أنهم محسنون ومسلمون لكنهم في الواقع مخطئون وضالون.
نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والاستقامة عليه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، ويجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يصلح قادتنا ويهديهم سواء السبيل، ويمدهم بعونه وتوفيقه، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأسئلة
سماحة الشيخ يقول السائل: الذي يعمل بدعة هل يسمى مبتدعا، وهل يُؤخذ العلم عنه؟
إن من ابتدع بدعة ما أنزل الله بها من سلطان يكون مبتدعا، فهو يسمى تحت البدع من بدع صغيرة أو كبيرة، لكن إذا أخذ العلم عنه، يؤخذ العلم عنه فيما عدا ما هو عليه من بدعة، وما يحوم حول بدعته.
سماحة الشيخ يقول السائل: في هذه السنة أنا أدفع إلى شركة التأمين مبلغ ألف وأربعمائة ريال للتأمين الصحي، ما حكم العلاج في هذا التأمين وجزاكم الله خيرًا؟
التأمين الصحي عندما تطبقه على أرض الواقع تجده لا شيء، هو خداع للناس ما بين ظلم وغُرْمٍ، ولهم في التأمين الصحي شروط ثقيلة، ما يمكن أن يتصورها، فإنهم لا يعالجون بهذا كل مرض، وإنما أشياء خاصة بمواصفات خاصة، وإلا إذا طالبتهم بجميع الأشياء لوجدت ذلك غير واقع على أرض الواقع لا وجود له، لكنها أكل أموال الناس بالباطل.
هذا سائل من الجزائر بالانترنت يقول: سماحة الشيخ شخص يذهب للمخالفين ويستدرجهم ليوقعهم في أخطاء، ثم يسجل لهم خِفْيَةً دون النصيحة، هل هذه طريقة مشروعة؟
هذا جهل وقلة علم، أنت لست مسئولًا عن أخطائهم، انصح لله، بَيِّنْ لله، انصحهم وادع لخيرٍ تُجْزَ خيرًا، المهم أن تصلح أحوالهم، وأن تناقشهم، وأن تدخل معهم بأدب واحترام، لعل الله أن يرزقك التوفيق لهدايتهم، فتكون ممن هدى الله على يده من ضلالة.
يقول السائل: في هذه السنة أديت فريضة الحج أنا وزوجتي، وفي طواف الوداع خرج مني قطرات من المزي، أكملت الطواف، ما حكم هذا الحج؟
لا، اذبح كبشًا بمكة، لأن هذا الطواف غير صحيح، لأن من شرط الطواف الطهارة.
هذا السائل يقول: سماحة الشيخ نلاحظ من بعض لاعبي الكرة بعد تسجيل الهدف السجود، هل هذا الأمر يعتبر مشروعا؟
هو سجود الشكر، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بلغه أمر يسره خر لله ساجدًا، لكن هذا السجود لا شك أنه لله، أرجو أن يكونوا محافظين على الصلوات، ملازمين لها مؤدين لها في أوقاتها، أما مجرد السجود للفوز بمثل هذا فهي في نظرهم جيدة، وفي نظر غيرهم أنها من الأمور التي ليست بذات شأن، لكن في نفوسهم وفي نظرهم إليها أنهم يدعونها نعمة، لكن عليهم تقوى الله والمحافظة على الصلوات الخمس وألا يكون حظه مجرد الفوز بهذا، وليلتزموا الإسلام بالمحافظة على الصلوات والالتزام بها، وأن تكون الآداب الشرعية لدى اللاعبين كشف العورة من كشف الفخذ وغيره، وأن يكون الالتزام الأدبي بالإسلام فإذا التزم الرياضيون بأدب الشريعة في لعبهم وفي أمورهم كان طيبًا، المهم أن النوادي الرياضية إذا وُفَّقَ أصحابُها وأصبغوها بالصبغة الإسلامية والضوابط الشرعية، ويجنبوها الأمور التي تخالف الشرع فستكون الأمور أفضل، لكن المصيبة إذا لم يكن هناك وعي سليم، أو ما يحصل منهم عفانا الله وإياهم أحيانا كما يكتب في الصحف من مبالغات وأموال طائلة تدفع إلى بعض المدربين، حتى إن بعض الأندية قد دفعوا لمدرب ما يقارب ثلاثين مليون أو نحو ذلك، هذه الأمور في الحقيقة هي التي تؤخذ على هؤلاء إنفاق الأموال الطائلة في أمور لا تعود على الناس بخير عام، نسأل الله الهداية للجميع .
يقول السائل: سماحة الشيخ إن الملائكة تصلي على ميامن الصف الأول، ما المقصود بالميامن، هل هو يسار المؤذن أم ماذا يراد بذلك؟
عن يمين، أي: مكان عن يمين الإمام، ما كان عن يمين الإمام.
وما المقصود بصلاة الملائكة يا شيخ؟
يعني دعاءهم لهم، والصلاة عليهم.
يقول السائل: يلاحظ في الآونة الأخيرة أن المساجد تقل من المصلين، ممن هم بجوار المساجد، ومنعهم الأبناء أن يشهدوا الصلاة في المسجد إلا قليلا، نرجو النصيحة، والأمر بالمعروف في ذلك والدعوة إليه.
لا شك أن إتيان المسجد لأداء الصلوات الخمس فيه من واجبات الإسلام ومن شعائر الدين، ولا حق لمسلم يتمتع بصحة وعافية في بدنه أن يهمل الجماعة ويضيعها، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- : ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ “(26) فلا ينبغي لمسلم قرب المسجد يسمع النداء أن يتخلف.
يقول السائل: سماحة الشيخ ما نصيحتكم لنا في هذا الزمن الذي كثرت فيه البدع، وكثرت فيه الفتن، ما المخرج من هذه الفتن، بارك الله فيكم؟
المخرج منها كتاب الله، تلاوته وتدبره والعمل به، ولزوم الخير، ودعوة الناس للهدى والاستقامة على ذلك، وسؤال الله الثبات، نسأل الله العفو والثبات.
يقول السائل: سماحة الشيخ رجل يتمسك بالبدعة، ويظهر أنه متعلق بالقبور كما يذكر هذا السائل، ما حكم الصلاة خلفه؟
من يذبح للقبور، ويطوف بأهلها بالقبور، ويدعوهم من دون الله، ما تصلي وراءه، هذا غير مُسْلِم.
يقول السائل: سماحة الشيخ لدي قطعة أرض لم أعرضها للبيع، وأنوي بيعها في الوقت الحاضر، تركتها للحاجة، فما حكم الزكاة فيها؟
والله إن كنت اشتريتها لتربح ففيها زكاة، وإن اشتريتها لأجل العمارة فلا زكاة فيها، أما شراؤها للتجارة وإن كنت تؤخر بيعها تزكي.
سماحة الشيخ هذا سائل من الجزائر يقول: هل التكفير لمن وقع في الكفر الأكبر لا يصح حتى تقوم عليه الحجة الرسالية؟
أحيانا يكون العمل كفريًا فيحكم عليه بالكفر به، لكن الشخص ذاته قد يكون عنده موانع، إما أنه جاهل، أو التأويل، لكن عمله كفر، فرق بين العمل وذات الشخص، العمل كان كفرًا وقد نعامله بالكفر في الدنيا، لكن أمور الآخرة الله أعلم بها.
يقول السائل: هل هنالك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
لا، أبدًا البدعة في الإسلام مذمومة أما قول عمر -رضي الله عنه-: “نعمت البدعة”(27) ما قصده بدعة أصلا يعني إعادة الناس إلى الأول، لأن صلاة التراويح كانت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول السائل: هل يمكن أن نقول: إن العادات والتقاليد بدعة ؟
لا، ما هي بدعة كما أشار الشوكاني، ما هي بدعة لأن التي تتعلق بالشرع شيء يتعبد به.
يقول السائل: كثير من الناس في حالة الدعاء خارج الصلاة يرفعون اليدين، هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرفع يديه كلما أراد الدعاء؟
الظاهر أنه السنة، ففي الحديث «إِنَّ رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»(28)، لكن إذا سلمنا من الفريضة شرع الاستغفار، والتسبيح، والتكبير، والتحميد، وقراءة آية الكرسي، وقل هو أحد، والمعوذتين، ثم إذا أردنا أن ندعوا رفعنا أيدينا.
يقول السائل: التشهد في الجلسة الأولى هل يقال كاملا أم ماذا؟ ما هي السنة؟
السنة تخفيفه، إنما الإطالة في التشهد الأخير، وفي الدعوة التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يقولها ويأمر صحابته بها: « إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »(29).
يقول السائل: أنا عامل نظافة بمسجد في مزرعة والراتب يأتيني من أهل المزرعة، وهنالك عامل آخر يأتيه الراتب من الأوقاف، وهذا العامل الآخر يأتي ببعض الاحتياجات في المسجد كالمناديل وغيرها، ويعطيني جزءا من المال هل أقبل منه (يعني جزء من المال المخصص للمسجد)؟.
إذا كان يعطيه من ماله الخاص ما في شيء، يعني ما يعطيه من مال المسجد.
يقول السائل: ما هو السحر وهل يقع طلاق المسحور؟.
السحر معروف، عقد ورقع، وطلاق المسحور إذا ثبت في الشرع وفي المحكمة أنه مسحور وأن السحر حقيقة قد لا يقع طلاقه.
يقول السائل: هل قيام الليل جماعيًا يعتبر من البدعة في غير رمضان؟
خلاف السنة، والفقهاء يقولون: ولا يشرع التطوع جماعة. أو قالوا: لا مانع إذا لم تتخذ عادة. لأنه ما شرع إلا التراويح فقط، شرع لنا الجماعة في الصلوات الخمس، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، التراويح، وما عدا هذا فالكل يصلي وحده.
يقول السائل: سماحة الشيخ نذرت قبل عشرين سنة بذبح ذبيحة كل سنة في شهر رجب وتوزيعها على الفقراء والجيران، وأنا مستمر على ذلك فما حكم عملي؟
لماذا خصصت رجب، تخصيص شيء في رجب بدعة، لأن رجب ما شرع فيه شيء أبدًا، هو فقط أحد الأشهر الحرم، لكن ما شرع فيه صدقة ولا عمرة ولا صلاة معينة.
***************************************************************************
(1) أخرجه البخاري (1/3، رقم 1)، ومسلم (3/1515، رقم 1907).
(2) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(3) الاعتصام (1/50).
(4) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(5) أخرجه مسلم (2/592، رقم 867).
(6) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(7) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(8) أخرجه أحمد (6/84، رقم 3600).
(9) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17182)، وابن ماجه (1/16، رقم 43).
(10) أخرجه أبو داود (4/311 ، رقم 5046)، وابن ماجه (2/1725، رقم3876).
(11) أخرجه البخاري (5/1949، رقم 4776)، ومسلم (2/1020، رقم 1401).
(12) أخرجه البخاري (2/151، رقم 1608)، والترمذي (3/204، رقم 858)، وأحمد (3/369، رقم 1867) واللفظ له.
(13) أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/261، رقم 98).
(14) أخرجه أبو داود (4/307 ، رقم 5031).
(15) مدارج السالكين (1/105).
(16) البيهقي في الكبرى (7/121، رقم 13443).
(17) أصول السنة (1/14).
(18) الاعتصام (1/64-65).
(19) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(20) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/103)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/706).
(21) أخرجه مسلم (4/2059، رقم 1017).
(22) أخرجه مسلم (3/1472، رقم 1844).
(23) أخرجه أحمد (4/126، رقم 17184)، وأبو داود (4/200، رقم 4607)، والترمذي (4/44، رقم 2676).
(24) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
(25) أخرجه الدارمي (1/80، رقم 205)، و الطبراني (9/154، رقم 8770).
(26) أخرجه مسلم (1/453، رقم 654).
(27) أخرجه مالك (1/114، رقم 3).
(28) أخرجه أحمد (5/438، رقم 23765)، أبو داود (2/78، رقم 1488)، والترمذي (5/556، رقم 3556).
(29) أخرجه مسلم (1/412، رقم 588).
فضيلة الشيخ محمد بن منصور بن إسماعيل
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/31767.html#ixzz2vOuEKsdr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق