الاثنين، 10 مارس 2014

هل هناك جهاد في سبيل الله سوى القتال؟

مناقشة شبهة قصر الجهاد على القتال

من مواطن الخلل في عقلية الغلاة: قصر مفهوم الجهاد على القتال.
من مكامن الخلل القاتلة في منهجية النظر لدى الغلاة توجيه كل نصوص الوحي كتابا وسنة نحو مفهوم القتالدون غيره من أوجه مفهوم الجهاد بوجه عام ذلك ان المتقرر لدى علماء الامة وفي كتب المذاهب ان الجهاد له معان كثيرة ومتعددة منها الجهاد بالنفس ومنها الجهاد باللسان ومنها الجهاد بالمال غير ان الدعاة لحاجة في نفس يعقوب وجهوا نصوص الجهاد على نوع واحد وهو الجهاد بالنفس او القتال وذلك عن دل فإنما يدل أولا على انحراف منهجي منهجي خطير ثانيا يدل على لي اعناق النصوص ةأمثلة هذا الانحراف كثيرة منها مثلا قولهم : «لا نشك أن المسلمين اليوم ضعفاء، وضعفهم متفاوت من بلد إلى آخر، ولكن هل كانوا ضعفاء إلا بترك الجهاد؟
هل يمكن أن يزول هذا الضعف إلا باستثمار الطاقات الموجودة وتوجيهها للجهاد؟
وهل يكف بأس الكفار بغير الجهاد؟
 لا والله ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى الله أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالله أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا﴾ [النساء: 84]، وإنّ المسلمين لا يقاتلون عدوهم بعدد ولا عدة، بل وعدهم الله بالنصر إن هم نصروه مهما كانوا ضعفاء ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال:26] فكيف وهم اليوم كثيرٌ عددُهم، مستفيضةٌ أموالُهم، تملأُ الأرضَ خيراتُ بلادِهم، والسلاح بين أيديهم؟!(1).
ففي هذا الاستدلال تحدث المؤلف عن أهمية الجهاد وان تركه أصاب الامة بكثير من الآفات والعلل وهذا امر متفق عليه إذا ما كان الحديث عن الجهاد الذي هو بذل الجهد في سبيل رفعة الإسلام غير ان الكاتب توجه إلى أدلة تصرف مفهوم الجهاد بمعناه الشامل على صورة من صورة وهي القتال او الجهاد بالنفس وهذا يدل على أزمة في فهم فقه الجهاد نفسه بحاجة ان التوقف عندها وقد تناولنا في حلقات ماضية كثيرا من هذه الجوانب لكننا سنقف اليوم عند هذا الخلل وهو قصر الجهاد على الجهاد بالنفس او القتال وتجاهل بقية الانواع رغبة في التدليس على شباب الامة وايهامهم بانك اذا قرات القرىن وتأثرت بآيات الجهاد فليس عليك سوى ان تقوم وتحمل سلاحك لتنصر الأمة!!!
الرد على هذه الشبهة من خلال الأمور الآتية:
الأمر الأول: أن هذه الشبهة مليئة بالتناقضات، فقد اعترافوا أولا بضعف المسلمين اليوم في بلاد كثيرة، وفي المقابل قالوا في نهاية الشبهة ما يدل على قوة المسلمين اليوم فقد قالوا: «فكيف وهم اليوم كثيرٌ عددُهم، مستفيضةٌ أموالُهم، تملأُ الأرضَ خيراتُ بلادِهم، والسلاح بين أيديهم».
وقد قالوا: إن القتال ليس بالعدد والعدة، وفي المقابل يقولون: إن عدد المسلمين اليوم كثير فكيف لا يقاتلون.
وقالوا: إن القتال لا يحتاج إلى عدد وعدة، وفي المقابل قولهم عن المسلمين اليوم: «والسلاح بين أيديهم». 
كما يوجد تناقض بين ما أوردوه هنا وبين ما تقرر في فكرهم، فحال الضعف الذي تحدثوا عنه واعترفوا به هنا، أنكروه فيما تقدم في أول مواطن هذا المبحث.
الأمر الثاني: «ترك الجهاد» الذي جعلوه سببًا لضعف الأمة، وهذا اتهام ليس على حقيقته ولا دليل عليه، وعند التحرير نقول إن الجهاد بمعنى القتال قد يؤجل ولكن ليس بمتروك، ويدل عليه الحروب التي خاضها المسلمون في الحقب القريبة في عصرنا، فلو كان هناك ترك للجهاد فعلا ما قامت لهذه الحروب قائمة، فدعوى ترك الجهاد ليست صادقة، وإنما من الممكن أن يقال: إن الجهاد بالنفس أو النفير هو الذي تأجل، وإن كان المراد الجهاد بمعناه الشامل فهناك كيفيات وصور متروكة او حدث تقصير فيها وهذا ما يجب ان يتوجه إليه الكلام ، أما قصر الجهاد على القتال فقط فهذا خطأ عظيم.
الأمر الثالث: إن قضية هذه الشبهة كما هو بيِن قصْر مفهوم الجهاد على القتال، وأتى الغلاة بالآيات القرآنية التي تدل على القتال، وغفلوا عن أدلة أخرى تبين أنواع الجهاد ومراتبه وكيفياته.
فقد أكد العلماء أن الجهاد بالمعنى العام يشمل عدة أنواع حصرها بعض العلماء في أربعة أنواع(2): 
النوع الأول: جهاد النفس، ويكون بمخالفتها بالصبر على طاعة الله وهجرة المعاصي، فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله  في حجة الوداع: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب»(3).
النوع الثاني: جهاد الشيطان: بمعنى دفعه باليقين، ودفع ما يزينه من الشهوات بالصبر عن الشهوات، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24].
النوع الثالث: جهاد البغاة، وأرباب الظلم والبدع، والمنكرات: ويكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه التي أوضحها الحديث الشريف فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(4).
النوع الرابع: جهاد الكفار: ويكون بالسيف وبالمال، وباللسان، وبالقلب، وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان(5).
فأما السيف فيستدل عليه بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾[التوبة: 73]، وكذا الآية الأولى التي استدل بها الغلاة، وبغيرهما من آيات القرآن الكريم، وقد حدد ربنا في إحداها الجهاد بالنفس والمال وذلك في قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾[التوبة: 41].
وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي  قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»(6). فمن هذه النصوص يتبين أن الجهاد لا يكون مقتصرًا على الجهاد بالنفس أو النفير، وإنما توجد مراتب وكيفيات أخرى للجهاد.
والتنقل بين هذه الكيفيات والدرجات بحسب الاستطاعة لأنها مناط الجهاد كما هو معروف، فإذا لم تستطع الأمة جهاد باليد أو السلاح، فلها أن تجاهد بأموالها، وإذا لم تستطع أن تجاهد بأموالها اجتهدت بألسنتها وطالبت بحقوقها، وإن لم تستطع جاهدت بالقلب، وقد وقع في الأمة في زماننا هذه الكيفيات والمراتب الأربعة حسب الاستطاعة، وهذا يدل على أن حصر الجهاد في القتال فقط إغفال لهذه المراتب التي يحققها المسلم عند استطاعته حتى لا يغلق باب الجهاد بالكلية.
الأمر الرابع: إن قصر الغلاة الجهاد على القتال في سبيل الله بالسلاح، تكليف بالنفس بما لا تطيقه عند العجز، وغلق لأبواب الجهاد الأخرى «بالمال واللسان والقلب»، فما اتهم الغلاة به غيرهم من ترك الجهاد وتعطيل الجهاد وغلق باب الجهاد بالكلية كما تقدم في شبهاتهم، يمكن أن يقال في حصرهم الجهاد في القتال بالنفس، فهم بذلك يتركون بقية الكيفيات والمراتب، ويعطلونها، ويغلقونها بالكلية على حد تعبيرهم، وهذا إذا حدثناهم بمنطقهم، ولكن لا نقول لهم ذلك وإنما نكتفي بأن الجهاد ماض بكيفياته التي تحققه بالنفس أو المال أو اللسان أو القلب والتي دلت عليها النصوص الشرعية، فلا يعطل ولا يغلق بابه ولله الحمد.
الأمر الخامس: مرة أخري نريد أن نؤكد مرارا وتكرارا على قضية جوهرية في أمر الجهاد فقد حدث تشوه لمفهوم الجهاد وتضييق لمعناه، مثلما حدث في مفاهيم الإسلام الأخرى، كالعبادة التي هي كل ما يحبه الله ويرضاه ضيق الناس معناها فصارت لدى كثير من الناس محصورة في الصلاة والصيام والحج مع أن المفهوم أوسع وكذلك مفهوم الجهاد، فقد أصبح كثيرٌ من الناس يظن أن الجهاد هو القتال فحسب، مع أن القتال صورة واحدة فقط من صور الجهاد، ثم ازداد تضييق مفهوم الجهاد، فظن بعض الشباب أنه مقصور على بلد معين لا غير، وهذا غلط كبير، فعندما يَرِد -أحيانًا- سؤال يقول: ما حكم الجهاد؟ 
فإن السائل يقصد الجهاد في بعض بلاد المسلمين، هل هو فرض عين أم فرض كفاية؟
لأنه قد استقر في ذهنه أن الجهاد قائم في ذلك البلد فحسب، وهذا خطأ وخطر يجب استدراكه؛ إذ الجهاد أوسع من ذلك بكثير. فالصورة الذهنية التي يختزلها بعض الناس في أذهانهم عن معنى الجهاد تقودهم إلى سلوك محدد، وهو القتال،  وتدور أسئلتهم حول هذا الموضوع وحول تلك الصورة، وتنحصر تلك الصورة ببلد دون غيره وكأن المسلم مطالب بأن يذود عن ديار المسلمين في كل مكان دون اعتبار للمصالح المترتبة على هذا القتال هنا أو هناك، ودون أن يؤخذ بعين الاعتبار التيارات السياسية والاجتماعية والاعتبارات الدولية في تلك الاندفاعات النفسية,ومن هنا جاء هذا الطرح لتكون الصورة الذهنية أوسع وأرحب من حصرها في بعد  واحد من أبعاد الجهاد،  أو وضعها في إطار محدد ليس له استثناء،  والأمر الذي نريد أن نقرره هو أن الصورة الذهنية عندما تحكم ذهن الإنسان فإنها تتحكم في سلوكه وممارساته ومن ثم فان تلقي الحق يكون من خلال تلك الصورة الذهنية التي وضعها لنفسه، ويحسب انه يحسن صنعا،  ويغذي تلك الصورة الذهنية لدى أوساط الشباب ممن يختلطون بهم، فهم لايسمعون إلا من أمثالهم الذين يحملون تلك الصور الذهنية ويسقطون الأغيار من اعتبارهم، وهذا انحراف كبير في التصورات العقلية قد تردي الإنسان في مهاوي الضلال من حيث لا يدري. 
الأمر السادس : للجهاد معان متعددة متسعة منها:ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم و ألسنتكم” (7) وفي هذا الحديث تتعدد صور الجهاد،  فلم يقتصر مفهوم الجهاد على القتال وإنما تعدى إلى المال واللسان سواء كان من خلال وسائل الإعلام أو الدعوة إلي الله سبحانه وتعالى، ولكن الأمر ليس ذا صورة واحدة ليلزم الناس بها وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال” أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر” (8) ولم ينص في هذا الحديث عن قتال ولكنه صلى الله عليه وسلم أكد على أفضيلة الجهاد، كلمة حق عند سلطان جائر وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله “وأحسبه قال:”وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر”  (9)وتلك إشراقة أخرى، وبشارة منه صلى الله عليه وسلم أن القائمين على العمل الخيري ومفرجي الهموم عن الناس والراعين لأحوالهم كالمجاهدين في سبيل الله سواء بسواء وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال:أحي والداك قال:نعم قال ففيهما فجاهد”(10)  وان تعجب فالعجب مما يقع من بعض الشباب ومن الحماسة التي تحملهم على الذهاب الي القتال (قتال طلب) دون رضا الوالدين ويحسبون أن تلك الصورة التي يمارسون هي في مرضاة الله سبحانه وتعالى ونحن لانتدخل في أمر النوايا وإنما نقرر الأمور الشرعية التي يجب ان يستندوا عليها في تقييم أعمالهم. 
 فهذه الأحاديث جعلت من ضرورة الجهاد الجهاد بالمال واللسان والجهاد برعاية الوالدين من الضياع جنبا إلى جنب بالجهاد باليد والقتال وبذل النفس والنفيس ومن الطبيعي أن تتنوع أشكال الجهاد لتنوع الأعداء 
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم)(11)
ووجه الدلالة أن الإعداد الشامل يتناول جميع أنواع القوة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإيمانية حتى تستطيع الأمة أن تواجه كل الأعداء في كافة الميادين.
وإذا كان الجهاد في الأصل فرض كفاية ولا يتعين إلا في حالات محددة فهذا يعني أن الانشغال الأكبر للأمة سيكون من نصيب الجهاد بمعناه الشامل الذي يمكنها من بناء حصونها من الداخل, حتى وإن طال الزمن في ذلك البناء ولم ير الإنسان ثمرة جهوده الكبيرة في الأمة التي يسعى لنشر الدين فيها، وجعلها خير أمة أخرجت للناس،  فالأمر ليس مرتبطا بالسرعة والتوقيت وإنما هو مرتبط ببذل الجهد والأخذ بأسباب النصر وإن طال الزمن. 
————
الهوامش:
(1) انظر: شبهات وتساؤلات حول الجهاد في جزيرة العرب (ص 16).
(2) انظر: زاد المعاد (3/9-11)، وفتح الباري (6/3) والروض المربع (4/253).
(3) أخرجه أحمد (6/21، رقم 24004)، وابن حبان (11/203، رقم 4862)، والطبراني في المعجم الكبير (18/309، رقم 796)، والحاكم في المستدرك (1/54، رقم 24)، وابن المبارك في الزهد (1/284، رقم 826).
(4) سبق تخريجه.
(5) انظر: زاد المعاد (3/9-11)، وفتح الباري (6/3) والروض المربع (4/253).
(6) أخرجه أحمد في المسند (3/124، رقم 12268)، والدارمي (2/280، رقم 2431)، وأبو داود (3/10، رقم 2504)، والنسائي (6/7، رقم 3096)، وأبو يعلى (6/468، رقم 3875)، وابن حبان (11/6، رقم 4708)، والحاكم (2/91، رقم 2427) وقال : صحيح على شرط مسلم، والبيهقي (9/20، رقم 17576)، والضياء (5/271، رقم 1902).
(7) رواه أبو داوود 2504 
(8) البخاري 2785
(9) رواه البخاري 6007
(10) رواه البخاري 3004
(11) الأنفال 60


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/27237.html#ixzz2vY8Xwv00

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق