الاثنين، 10 مارس 2014

هل أهل الثغور هم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد؟

هل أهل الثغور هم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد؟

والجواب على هذه الشبهة: أن مسائل الجهاد باب من أبواب الفقه الإسلامي، وأبواب الفقه الإسلامي عِلْمٌ من علوم الشريعة، وقد اتفق أهل النظر والأصول والحديث أن علوم الشريعة لا تدرك إلا بالأخذ عن العلماء، ولما كان الجهاد له تعلقٌ ملموسٌ بالسياسة الشرعية كان لولاة الأمر حظ وافر من النظر في مصالح البلاد لحمايتها تحت مشورة العلماء لكونهم فقهاء الجهاد وغيره من مسائل الشرع، ثم يتم القطع في أمر الجهاد وتقام الخطط السياسية بترتيب الجيش والعتاد لسد الثغور وحماية البلاد ومقاتلة الأعداء.
وأهل الثغور ” أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له”([1])، ويقال للموضع الذي هم فيه رباط، ويقال له ثغر ” فهو كالثلمة في الحائط يخاف هجوم السارق منها والجمع ثغور”. 
ويكلفهم بهذه المهمة الإمام، سواء قاموا بمهمة الحرب أو الدفاع أو الحراسة، وأهل الثغور فيهم العامي وشبه المتعلم ويقل فيهم العلماء، فكيف يمكن لهم أن يفتوا في مسائل الجهاد ومدلهمات الأمور، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام له حق الفتيا والنظر في مسائل الجهاد، وكل من أرسلهم للجهاد لا يخرجون عن أمره، وكذا الأمر في عهد الخلفاء الراشدين المهديين فقد كانوا صاحب الأحقية في مسائل القتال وسياسة البلاد، فيعزلون من شاءوا من أهل الثغور وينصبون غيرهم، وكانوا يستشيرون العلماء في مثل هذه الأمور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور – في الدولة الأموية والعباسية – أن الإمام يكون إماماً في هذين الأصلين جميعاً: الصلاة والجهاد فالذي يؤمهم في الصلاة يؤمهم في الجهاد وأمر الجهاد والصلاة واحد في المقام والسفر”.([2]) 
قال شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي رحمه الله ” ويلزم الإمام عشرة أشياء: حفظ الدين، وتنفيذ الأحكام، وحماية البيضة، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجهاد من عاند، وجباية الخراج والصدقات، وتقدير العطاء، واستكفاء الأمناء، وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور”([3]). 
فإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام موكول إلى ولاة الأمر وهم يستشيرون العلماء كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وليس لأهل الثغور إلا السمع والطاعة لولاة الأمر بموجب الأمر الشرعي، ولذا قال تعالى ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ([4]).
” قال الحسن وقتادة وابن أبي ليلى هم أهل العلم والفقه، وقال السدي: الأمراء والولاة، قال أبو بكر ( ابن العربي ): يجوز أن يريد به الفريقين من أهل الفقه والولاة لوقوع الاسم عليهم جميعاً”([5]).
وولاة أمور المسلمين هم الأمراء والعلماء، فالأمراء هم الأعلم بمسائل السياسة، والعلماء هم الأعلم بمسائل الشرع، ولا يجوز للمسلم الخروج عن رأي ولاة الأمر بنوعيهم حتى وإن كان من أهل الثغور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَوُلَاةِ الْأُمُورِ فِينَا هُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ وَيَكْثُرُونَ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَوْفُوا بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَدُّوا لَهُمْ الَّذِي لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ » وَقَالَ أَيْضًا: « الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ » وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: « وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت خُلَفَائِي قَالُوا: وَمَنْ خُلَفَاؤُك ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي يُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ » فَهَؤُلَاءِ هُمْ وُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهَا السَّلَفُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ. ([6])
والحاصل: أن أهل الثغور من رعايا ولاة الأمر يأتمرون بأمره وله حق التنصيب والعزل، وليس لأحد أن يربط مسائل الجهاد بأهل الثغور لكونهم تحت إمرة إمامهم والجهاد موكول إليه، ومن كان تحت إمرة إمام فيجب عليه السمع والطاعة سواء كان مرابطاً مع أهل الثغور أو في الحضر عملاً بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ([7]).
وفي صحيح مسلم ” سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟، فقال: «اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم».
قال النووي ” وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم”([8]).
 
 
 
 
 
——————————————————————————–
(1) عون المعبود للعظيم آبادي (11/216).
(2) المصباح المنير للفيومي (1/81).
(3) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/115)

(4) سورة النساء، الآية رقم (83).
(5) أحكام القرآن لابن العربي (3/182).
(6) مجموع فتاوى ابن تيمية (4/196).
(7) متفق عليه من حديث ابن عمر.
(8) المنهاج شرح مسلم (12/225).


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/3348.html#ixzz2vYA1CjL7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق