تنوّع الأعمال الصالحات من محاسن ديننا
حاسِبُوا أنفسَكم قبل الحِساب؛ لتكثُر حسناتُكم وتقِلَّ سيئاتُكم، وأنتم في فُسحةٍ من الأجل، وتمكُّنٍ من العمل، ولن يضُرَّ عبدًا دخل عليه النقصُ في دُنياه وسلِمَ له دينُه، وعظُم أجرُه في أُخراه؛ إذ الدنيا متاع، وما قدَّره الله للإنسان من الرزقِ مع العمل الصالح فهو رزقٌ مُبارَك، ولا خيرَ في رزقٍ ودُنيا لا دينَ معها يُرضِي العبدُ به ربَّه.
وقد تكفَّل الله – تبارك وتعالى – بالرزقِ لعِظَم شأن العبادة؛ إذ عليها مدارُ السعادة، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58].
وفعلُ الأسباب المُباحة لاكتِساب الرزقِ الحلالِ مما شرَعَه الإسلام، ولكنَّ ربَّنا الرحمنَ الرحيمَ الحكيمَ العليمَ، ذا المجد والكرَم، وهَّابَ النعم أرشدَنا إلى أن يكون همُّ المُسلم الأعظم هو الأعمالَ الصالحات التي يرحمُه الله بها ويُدخِله الجنة، ويُنجِّيه من النار، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس: 25]، وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) [البقرة: 221]، وقال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
وكان من دُعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما روى ابنُ عمر -: «اللهم لا تجعَل مُصيبَتَنا في ديننا، ولا تجعَل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ”.
وفي الحديث: «من أصبحَ والآخرة همُّه جمعَ الله شملَه، وجعلَ غِناه في قلبه، وأتَتْه الدنيا وهي راغِمة، ومن أصبحَ والدنيا همُّه شتَّت الله شملَه، وأفشَى ضيعتَه، وجعلَ فقرَه بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له».
وقد وصفَ الله لنا في كتابه نعيمَ الجنات بما لا مزيدَ عليه في كُتب الله المُتقدِّمة، ووصفَ لنا رسولُنا – صلى الله عليه وسلم – ذلك النعيمَ المُقيمَ بما لم يصِفه نبيٌّ قبلَه، وكذلك وصفُ النار وعذابِها الأبَديِّ، كأنَّ الجنة والنار رأي العَين؛ ليتسابَقَ المُتسابِقون، ولينزجِرَ عن المعاصِي الغافِلون الجاهِلون.
وبيَّن الله لنا الأعمالَ التي تُدخِلُ الجنات، وبيَّنها رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إجمالاً وتفصيلاً.
فأعظمُ ما يُدخِلُ الجنات العُلَى: توحيدُ الله – تبارك وتعالى – بأن لا يُشرِكَ المُكلَّفُ بالله شيئًا في أي عبادةٍ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واجتِناب المظالِم، وأداء الحُقوق لأهلِها.
عن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من عبَدَ الله لا يُشرِكُ به، وأقامَ الصلاة، وآتَى الزكاة، وصامَ رمضان، واجتنَبَ الكبائرَ؛ دخل الجنة»؛ رواه أحمد، والنسائي، وإسناده صحيح.
والاستِكثارُ من فضائل الأعمال والمُستحبَّات من الخيرات بعد القيام بالواجِبات، وترك المُحرَّمات، مما يرفعُ الله به للعبد الدرجات، وينالُ الخيرات، ويُكفِّرُ به السيئات، قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].
ولا تزهدَنَّ – أيها المسلم – في أي حسنةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرةٍ، ولا تحقِرَنَّ من فعل الخير والقُرُبات شيئًا، فما تدري أيّ حسنةٍ يثقُلُ بها ميزانُك، ويُغفَرُ بها ذنبُك؟!
وأبوابُ الخير كثيرة، والفضائل واسِعة، والحسناتُ مُتشعِّبة وافِرة، فاحرِص عليها زادًا لأُخراك، وعُمرانًا لدارِك دار القرار؛ فمنها:
الأذكار المُستحبَّةُ بعد الصلوات؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من سبَّح دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِدَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر ثلاثًا وثلاثين، وختَمَ المائةَ بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير؛ غُفِرَت ذنوبُه ولو كانت مثلَ زبَدِ البَحر»؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «من قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنَعه من دخول الجنة إلا أن يموت». وفي روايةٍ: «وقل هو الله أحد»؛ رواه النسائي، والطبراني، وابن حبان.
والأذكارُ في الصلاة وبعدها مُباركةُ المنافع، فالمسلمُ يحرِصُ ويتعلَّم ويعمل، والله قد ضمِنَ له أعظمَ الأجر.
ومما رغَّبَ الله فيه ورسولُه: التطوُّع بجنسِ الفرائض والواجبات؛ فإن العبدَ إذا حاسبَه الله على الفرائض والواجِبات، ووُجِد فيها النقص، قال الله تعالى: «انظُروا هل لعبدي من تطوُّعٍ تُكمِلون به الفريضة؟» فيلتمِسون أعمالَ التطوُّع لإكمال الواجِبات؛ كالوِتر، والسنن الراتِبة، ونوافِل الصلاة، والصدقات مع الزكاة، وصيامِ النوافِل مع رمضان، وتطوُّع الحجِّ والعُمرة، والخُلُق الحسن إذا ضعُف العبدُ عن بعضِ العمل المُستحبّ يرفع الله – عز وجل – به الدرجات.
فيا فوزَ من استكثَرَ من فضائل الأعمال المُستحبَّات، ويا خسارةَ من فاتَه الكثيرُ من نوافِل الطاعات، فنقَصَت في حقِّه الدرجات.
واستمِعوا فضلَ عملٍ قليلٍ عليه ثوابٌ جليلٌ: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «صيامُ يوم تطوُّع، وصدقةٌ على مِسكين، واتِّباعُ جنازة، وعيادةُ مريضٍ، ما اجتمَعن لرجُلٍ مُسلمٍ في يومٍ إلا دخلَ الجنة»؛ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
والذِّكرُ بابٌ عظيمٌ من أبوابِ الجنة، يجلُو صدأَ القلوب، ويغفرُ الذنوب، ويُفرِّجُ الكُروب؛ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُكم بأفضل أعمالِكم، وأزكاهَا عند مليكِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكرُ الله»؛ رواه الحاكم، وقال: “صحيحُ الإسناد”.
وعن عبد الله بن بُسْرٍ – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله! إن شرائِعَ الإسلام قد كثُرت، فبابٌ نتمسَّكُ به جامعٌ؟ قال: «لا يزالُ لِسانُك رطبًا من ذكرِ الله»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قال حين يُصبِح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير مائةَ مرة؛ كتبَ الله له بها مائةَ حسنة، ومحَا عنه مائةَ سيئة، وكانت كعِدلِ عتقِ عشر رِقابٍ، وكانت حِرزًا له من الشيطان يومَه ذاك»؛ رواه البخاري ومسلم.
«ومن قال: سبحان الله وبحمده مائةَ مرة في أول يومِه، ومائةَ مرة أول ليلته؛ لم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عمِلَ مثلَ عمله، أو زادَ»؛ رواه مسلم.
والأذكارُ في أول النهار وفي إقبال الليل، الوارِدةُ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مُباركةٌ، جمَعَت كلَّ الخيرات؛ ففيها الأجورُ العظيمة، والمنافعُ التي لا تُحصَى، وحِرزٌ للعبد من شياطين الإنس والجنِّ.
ومن أحسن الكُتب التي جمعَتها: “تحفةُ الذاكِرين شرحُ الحِصن الحَصين”.
وجامِعُ خيرَي الدنيا والآخرة: الدعاء؛ عن أنس – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «الدعاءُ مُخُّ العبادة»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء»؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وهو صحيحُ الإسناد.
لأن الدعاءَ يعتمِدُ القلبُ فيه على الله، ويتعلَّقُ برب العالمين، ويتوكَّلُ عليه، ولا يلتفِتُ إلى غيره، ولا يُشرِك الداعِي إذا دعا الله – عز وجل – لا يُشرِك مع الله فيه أحدًا.
فمن لزِمَ دعاءَ ربِّه وحدَه قُضِيَت حاجاتُه، وحسُنَت عاقِبَتُه، وصحَّت دِيانتُه، ومن دعا غيرَ الله تعالى خابَ وخَسِرَ، وخُذِلَ، واقترفَ الشركَ الأكبر.
والصلاةُ والسلام على سيِّدنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – يُغفرُ بها الذنب، ويكفِي الله بها العبدَ ما أهمَّه، ويُصلِّي الله على العبد بكل صلاةٍ عشرًا؛ عن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أولَى الناسِ بي يوم القيامة: أكثرُهم عليَّ صلاة»؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان في “صحيحه”.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].
وكما أن للجنة أعمالاً مُبارَكة يُحبُّها الله ويرضَاها، فكذلك للنار أعمالاً يُبغِضُها ويكرَهُها، ويُعاقِبُ عليها في الدنيا ويُعاقِبُ عليها بالنار في الأخرى.
وأكبرُ الأعمال المُوجِبَة للنار: أنواعُ الشرك الأكبر، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].
وترك الصلاة كفرٌ، ثم الكبائر وهي إلى السبعين أقرب، منها: قتلُ النفس التي حرَّم الله، والزنا، وعملُ قوم لُوط، قال الله تعالى: ({وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}) [الفرقان: 68].
وقال – تبارك وتعالى – عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر: 42- 47].
وسيئاتُ اللسان من أعظم الخطَر على الإنسان؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلا حصائِدُ ألسِنَتهم؟!»؛ رواه الترمذي.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومُحقِّرات الذنوب؛ فإنهنَّ يجتمِعنَ على الرجلِ حتى يُهلِكنَه».
——————————
الخطيب: فضيلة الشيخ علي الحذيفي
وقد تكفَّل الله – تبارك وتعالى – بالرزقِ لعِظَم شأن العبادة؛ إذ عليها مدارُ السعادة، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58].
وفعلُ الأسباب المُباحة لاكتِساب الرزقِ الحلالِ مما شرَعَه الإسلام، ولكنَّ ربَّنا الرحمنَ الرحيمَ الحكيمَ العليمَ، ذا المجد والكرَم، وهَّابَ النعم أرشدَنا إلى أن يكون همُّ المُسلم الأعظم هو الأعمالَ الصالحات التي يرحمُه الله بها ويُدخِله الجنة، ويُنجِّيه من النار، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس: 25]، وقال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) [البقرة: 221]، وقال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
وكان من دُعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما روى ابنُ عمر -: «اللهم لا تجعَل مُصيبَتَنا في ديننا، ولا تجعَل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ”.
وفي الحديث: «من أصبحَ والآخرة همُّه جمعَ الله شملَه، وجعلَ غِناه في قلبه، وأتَتْه الدنيا وهي راغِمة، ومن أصبحَ والدنيا همُّه شتَّت الله شملَه، وأفشَى ضيعتَه، وجعلَ فقرَه بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِب له».
وقد وصفَ الله لنا في كتابه نعيمَ الجنات بما لا مزيدَ عليه في كُتب الله المُتقدِّمة، ووصفَ لنا رسولُنا – صلى الله عليه وسلم – ذلك النعيمَ المُقيمَ بما لم يصِفه نبيٌّ قبلَه، وكذلك وصفُ النار وعذابِها الأبَديِّ، كأنَّ الجنة والنار رأي العَين؛ ليتسابَقَ المُتسابِقون، ولينزجِرَ عن المعاصِي الغافِلون الجاهِلون.
وبيَّن الله لنا الأعمالَ التي تُدخِلُ الجنات، وبيَّنها رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إجمالاً وتفصيلاً.
فأعظمُ ما يُدخِلُ الجنات العُلَى: توحيدُ الله – تبارك وتعالى – بأن لا يُشرِكَ المُكلَّفُ بالله شيئًا في أي عبادةٍ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واجتِناب المظالِم، وأداء الحُقوق لأهلِها.
عن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من عبَدَ الله لا يُشرِكُ به، وأقامَ الصلاة، وآتَى الزكاة، وصامَ رمضان، واجتنَبَ الكبائرَ؛ دخل الجنة»؛ رواه أحمد، والنسائي، وإسناده صحيح.
والاستِكثارُ من فضائل الأعمال والمُستحبَّات من الخيرات بعد القيام بالواجِبات، وترك المُحرَّمات، مما يرفعُ الله به للعبد الدرجات، وينالُ الخيرات، ويُكفِّرُ به السيئات، قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].
ولا تزهدَنَّ – أيها المسلم – في أي حسنةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرةٍ، ولا تحقِرَنَّ من فعل الخير والقُرُبات شيئًا، فما تدري أيّ حسنةٍ يثقُلُ بها ميزانُك، ويُغفَرُ بها ذنبُك؟!
وأبوابُ الخير كثيرة، والفضائل واسِعة، والحسناتُ مُتشعِّبة وافِرة، فاحرِص عليها زادًا لأُخراك، وعُمرانًا لدارِك دار القرار؛ فمنها:
الأذكار المُستحبَّةُ بعد الصلوات؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من سبَّح دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِدَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر ثلاثًا وثلاثين، وختَمَ المائةَ بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير؛ غُفِرَت ذنوبُه ولو كانت مثلَ زبَدِ البَحر»؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «من قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُر كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنَعه من دخول الجنة إلا أن يموت». وفي روايةٍ: «وقل هو الله أحد»؛ رواه النسائي، والطبراني، وابن حبان.
والأذكارُ في الصلاة وبعدها مُباركةُ المنافع، فالمسلمُ يحرِصُ ويتعلَّم ويعمل، والله قد ضمِنَ له أعظمَ الأجر.
ومما رغَّبَ الله فيه ورسولُه: التطوُّع بجنسِ الفرائض والواجبات؛ فإن العبدَ إذا حاسبَه الله على الفرائض والواجِبات، ووُجِد فيها النقص، قال الله تعالى: «انظُروا هل لعبدي من تطوُّعٍ تُكمِلون به الفريضة؟» فيلتمِسون أعمالَ التطوُّع لإكمال الواجِبات؛ كالوِتر، والسنن الراتِبة، ونوافِل الصلاة، والصدقات مع الزكاة، وصيامِ النوافِل مع رمضان، وتطوُّع الحجِّ والعُمرة، والخُلُق الحسن إذا ضعُف العبدُ عن بعضِ العمل المُستحبّ يرفع الله – عز وجل – به الدرجات.
فيا فوزَ من استكثَرَ من فضائل الأعمال المُستحبَّات، ويا خسارةَ من فاتَه الكثيرُ من نوافِل الطاعات، فنقَصَت في حقِّه الدرجات.
واستمِعوا فضلَ عملٍ قليلٍ عليه ثوابٌ جليلٌ: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «صيامُ يوم تطوُّع، وصدقةٌ على مِسكين، واتِّباعُ جنازة، وعيادةُ مريضٍ، ما اجتمَعن لرجُلٍ مُسلمٍ في يومٍ إلا دخلَ الجنة»؛ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
والذِّكرُ بابٌ عظيمٌ من أبوابِ الجنة، يجلُو صدأَ القلوب، ويغفرُ الذنوب، ويُفرِّجُ الكُروب؛ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِرُكم بأفضل أعمالِكم، وأزكاهَا عند مليكِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكرُ الله»؛ رواه الحاكم، وقال: “صحيحُ الإسناد”.
وعن عبد الله بن بُسْرٍ – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله! إن شرائِعَ الإسلام قد كثُرت، فبابٌ نتمسَّكُ به جامعٌ؟ قال: «لا يزالُ لِسانُك رطبًا من ذكرِ الله»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قال حين يُصبِح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير مائةَ مرة؛ كتبَ الله له بها مائةَ حسنة، ومحَا عنه مائةَ سيئة، وكانت كعِدلِ عتقِ عشر رِقابٍ، وكانت حِرزًا له من الشيطان يومَه ذاك»؛ رواه البخاري ومسلم.
«ومن قال: سبحان الله وبحمده مائةَ مرة في أول يومِه، ومائةَ مرة أول ليلته؛ لم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عمِلَ مثلَ عمله، أو زادَ»؛ رواه مسلم.
والأذكارُ في أول النهار وفي إقبال الليل، الوارِدةُ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مُباركةٌ، جمَعَت كلَّ الخيرات؛ ففيها الأجورُ العظيمة، والمنافعُ التي لا تُحصَى، وحِرزٌ للعبد من شياطين الإنس والجنِّ.
ومن أحسن الكُتب التي جمعَتها: “تحفةُ الذاكِرين شرحُ الحِصن الحَصين”.
وجامِعُ خيرَي الدنيا والآخرة: الدعاء؛ عن أنس – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «الدعاءُ مُخُّ العبادة»؛ رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء»؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وهو صحيحُ الإسناد.
لأن الدعاءَ يعتمِدُ القلبُ فيه على الله، ويتعلَّقُ برب العالمين، ويتوكَّلُ عليه، ولا يلتفِتُ إلى غيره، ولا يُشرِك الداعِي إذا دعا الله – عز وجل – لا يُشرِك مع الله فيه أحدًا.
فمن لزِمَ دعاءَ ربِّه وحدَه قُضِيَت حاجاتُه، وحسُنَت عاقِبَتُه، وصحَّت دِيانتُه، ومن دعا غيرَ الله تعالى خابَ وخَسِرَ، وخُذِلَ، واقترفَ الشركَ الأكبر.
والصلاةُ والسلام على سيِّدنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – يُغفرُ بها الذنب، ويكفِي الله بها العبدَ ما أهمَّه، ويُصلِّي الله على العبد بكل صلاةٍ عشرًا؛ عن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أولَى الناسِ بي يوم القيامة: أكثرُهم عليَّ صلاة»؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان في “صحيحه”.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].
وكما أن للجنة أعمالاً مُبارَكة يُحبُّها الله ويرضَاها، فكذلك للنار أعمالاً يُبغِضُها ويكرَهُها، ويُعاقِبُ عليها في الدنيا ويُعاقِبُ عليها بالنار في الأخرى.
وأكبرُ الأعمال المُوجِبَة للنار: أنواعُ الشرك الأكبر، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].
وترك الصلاة كفرٌ، ثم الكبائر وهي إلى السبعين أقرب، منها: قتلُ النفس التي حرَّم الله، والزنا، وعملُ قوم لُوط، قال الله تعالى: ({وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}) [الفرقان: 68].
وقال – تبارك وتعالى – عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر: 42- 47].
وسيئاتُ اللسان من أعظم الخطَر على الإنسان؛ قال – عليه الصلاة والسلام -: «وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلا حصائِدُ ألسِنَتهم؟!»؛ رواه الترمذي.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومُحقِّرات الذنوب؛ فإنهنَّ يجتمِعنَ على الرجلِ حتى يُهلِكنَه».
——————————
الخطيب: فضيلة الشيخ علي الحذيفي
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/38076.html#ixzz2vY4xPPv6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق