الاثنين، 10 مارس 2014

هل جهاد الدفع لا يشترط له إذن الإمام على الإطلاق؟

هل جهاد الدفع لا يشترط له إذن الإمام على الإطلاق؟

الشبهة
إن قيل: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام، قلنا لهم: هذا كلام مجمل، يحتاج إلى تفصيل.
الإجابة
فإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلد آخر غير بلدنا، قلنا لهم: هذا لا يسمى جهاد دفع، وإنما جهاد نصرة، ونصرة المسلم لغير المسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها، ومن الموانع وجود عهدٍ بين المسلمين والكفار لقوله تعالى: ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير)  [الأنفال 72]. والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصر أبا بصير وأصحابه، مع حاجتهم للنصرة، لوجود عهدٍ بينه وبين قريش وهو صلح الحديبية، ولم ينصره أحدٌ من الصحابة الذين كانوا تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن جهاد النصرة لا يكون إلا بعد زوال الموانع، وأنه يُشترط فيه إذن ولي الأمر. وسيأتي قريباً تفصيل القول في جهاد النصرة وأحكامه فلينظر. 
وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلدنا في حالة هجوم العدو عليه، قلنا لهم: نشكركم على حرصكم على بلدكم وأهله، ونخبركم أن ولي الأمر أحرصُ منكم على حماية بلده من غزو الأعداء، وأعرف منكم بتحركاته، وكثرته وقلته، وقيامكم بالدفاع وحدكم دون الانضمام ولي الأمر وطاعته، والقتال تحت لوائه، يشتت الجهود، ويُضعف القوى وهذا هو عين ما يريده الأعداء، لأن هزيمتكم متفرقين أسهل من هزيمتكم مجتمعين متفقين، كما قال الشاعر: 
إن الأمور إذا اجتمعن فرامَها بالكسر ذو حَنَقٍ وبطشٍ مُفنِدِ
عزَّت فلم تُكسر وإن هي بدَّدت فالكسرُ والتوهينُ للمتبدِّدِ
وقال الآخر:
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكسُّراً فإذا افترقن تكسَّرت آحادا
والصحابة رضي الله عنهم دافعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق (الأحزاب) ولم ينفصلوا عنه، ولم يستبدَّ أحدٌ منهم برأيٍ دون النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب الله لهم النصر، ولنا في قصة حذيفة السابقة خيرُ عظةٍ وعبرةٍ.
ويُستثنى من هذه الصورة ما إذا فاجأ العدو البلد، ولم يكن هناك وقت لإبلاغ ولي الأمر، فحينئذٍ فإنه يجب دفع المعتدي، لما في تركه وتأخر دفعه من المفاسد، ولما جاء في الصحيحين (1) أن غطفان أغاروا على لِقاحٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان سلمة بن الأكوع خارجاً من المدينة فلقيه غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبره فتبعهم وقاتلهم من غير إذن النبي صلى الله عليه وسلم، واستنقذها منهم، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل مدحه وقال: «خير رجالتنا سلمة» وأعطاه سهمين سهم الفارس وسهم الراجل، ثم أردفه وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
ففي هذه القصة أن سلمة رضي الله عنه عندما لحق القوم لم يكن لديه وقت لاستئذان النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لمَّا لحق به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان قد استنقذ النوق، عاد ليستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاحقتهم قبل أن يعود إلى المدينة، فقال رضي الله عنه: يا رسول الله خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبرٌ إلا قتلته. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلاً» فقال: نعم، والذي أكرمك. فقال: «إنهم الآن يُقرَونُ في أرض غطفان». فهذا دليل على أنهم كانوا يرون وجوب استئذان ولي الأمر، إلا في حالة مباغتة العدو أرض المسلمين.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ، القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا، إلا أن يأذن الإمام، إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين. (2)
ونصَّ على ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني (3) فقال: (… إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه، لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم.
وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: دفع الصائل الذي يصول على النفس والمال، قلنا صحيح أنه في هذه الحالة يجوز القتال دون إذن ولي الأمر، لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال : (قاتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار) » . (4) 
ولكن دفع الصائل – كما في هذا الحديث – قتال وليس جهاد، لأنه لا تنطبق عليه ضوابط الجهاد، فهو يجوز قتاله ولكن لا يجوز قتله إلا إذا اضطر إليه، كما قال الشافعي رحمه الله – كما حكاه عنه البيهقي -: أَمَرَ اللهُ بقتال الفئة الباغية وأمرَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وليس القتال من القتل بسبيل، قد يحل قتال المسلم ولا يحل قتله، كما يحل جرحه وضربه ولا يحل قتله. (5)
وهذا بخلاف الجهاد الذي يجوز فيه القتال والقتل جميعاً، وأما دفع الصائل فيكون بالأسهل فالأسهل، ولا يَلجأ إلى القتل إلا إذا اضطر إليه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن عُدي على مالي؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال : فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فقاتل فإن قُتِلت ففي الجنة، وإن قَتَلت ففي النار) » . (6)
ولما رواه النسائي وغيره « أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: (ذكره بالله) قال: فإن لم يذَّكِر؟ قال: (فاستعن عليه من حولك مَن المسلمين) قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: (فاستعن عليه بالسلطان) قال: فإن نأى السلطانُ عني؟ قال: (قاتل دون مالك، حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك) » . (7)
قال ابن قدامة رحمه الله في الكافي (8) : (ويدفع الصائل بأسهل ما يمكن الدفع به، فإن أمكن دفعه بيده، لم يجز ضربه بالعصا، وإن اندفع بالعصا، لم يجز ضربه بحديدة، وإن أمكن دفعه بقطع عضو، لم يجز قتله، وإن لم يمكن إلا بالقتل، قتله ولم يضمنه، لأنه قتل بحق فلم يضمنه كالباغي ) .
وقال الإمام أحمد: (وقتال اللصوص والخوارج جائز، إذا عَرَضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنهما بكل ما يقدر. وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحدٍ إلا الإمام أو ولاة المسلمين. إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً؛ فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوتُ له الشهادة. كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا: إنما أَمَرت بقتاله، ولم تأمُر بقتله ولا اتباعه، ولا يُجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاَّه الله، فيحكُم فيه). (9)
ومما سبق يتبين أن دفع الصائل يكون بالأسهل فالأسهل وإن قُدِرَ عليه وجب تسليمه للسلطان ولا يُقتل، وإن جُرِحَ لا يُجهز عليه، وبهذا يتبين أنه ليس من الجهاد، لأن هذه ليست صورة الجهاد، فلا يدخل في جهاد الدفع، ولذلك تلاحظ أن الفقهاء – رحمهم الله – لا يضعون باب قتال أهل البغي وباب دفع الصائل ضمن كتاب الجهاد بل ضمن كتاب الحدود.
ومن المناقشة السابقة يتبين خطأ هذه المقولة: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام، على إطلاقها، وإنما هي استثناءٌ – كما في قصة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه المتقدمة – قلَّ أن يحدث هذه الأزمان، لأن الدول صار لها على حدودها عيون وجند، وهو ما يُعرف في هذا الزمن باسم: سلاح الحدود، يعرفون المعتدي ويباشرون ردَّه قبل غيرهم من الناس، والله أعلم. وجزاك الله خيراً
——————————————————————————–
(1) تجد القصة في البخاري (3041) و(4194) ومسلم (1806) و(1807) وصحيح ابن حبان (7173) ومسند الإمام أحمد (16587). 
(2) مسائل الإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله. ص258 
(3) المغني لابن قدامة (13/33-34). 
(4) رواه مسلم (140) والبيهقي في السنن الكبرى (5856) . 
(5) السنن الكبرى للبيهقي (8/188). 
(6) رواه النسائي (4082) و(4083) وأحمد (8456) والبيهقي في السنن الكبرى (17418) وصححه الألباني. 
(7) رواه النسائي (4081) والطبراني في المعجم الكبير (20/314) وعبد الرزاق في المصنف (18572) وقال الألباني: حسن صحيح. 
(8) (4/112-113). 
(9) أصول السنة للإمام أحمد، ضمن طبقات الحنابلة (1/244) .


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/3341.html#ixzz2vYBIYTgR

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق