الاثنين، 10 مارس 2014

الكسب الطيب والنهي عن الفساد من محاسن الإسلام الشيخ صالح آل طالب

الكسب الطيب والنهي عن الفساد من محاسن الإسلام

فضيلة الشيخ / صالح آل طالب
حبُّ المال طبيعةٌ في البشر، وجِبِلَّةٌ في الإنسان، قال الله – عز وجل -: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20]، وقال – سبحانه -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران: 14].
والكسبُ الطيبُ محمودٌ في شريعة الله؛ حيث أمرَ الله بالسعي بقوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
وقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – لعمرو بن العاص – رضي الله عنه -: «يا عمرو! نِعم المالُ الصالحُ مع الرجلِ الصالحِ»؛ أخرجه الإمام أحمد في “مسنده”، وابن حبان في “صحيحه”.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكُلَ من عمل يدِه، وإن نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكلُ من عملِ يدِه»؛ رواه البخاري.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «لأَن يأخُذ أحدُكم أحبُلَه ثم يأتي الجبل، فيأتي بحُزمةٍ من حطَبٍ على ظهره فيبيعُها، فيكُفُّ الله بها وجهَه خيرٌ له من أن يسألَ الناسَ أعطَوه أو منَعوه»؛ رواه البخاري.
عباد الله:
لقد جعل الله الرغبةَ في المال ابتلاءً واختبارًا؛ ذلك أنه – سبحانه – هو الربُّ العظيم، وقد قرَّر ألوهيَّته ووحدانيَّته في آيات القرآن العظيم، ثم ذكر أنه وحده المُشرِّعُ للحلال والحرام؛ فهو الخالقُ الرازقُ، والمالكُ المُتصرِّفُ، فأمرُ الحلال والحرام له – سبحانه -، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168].
وقال الله – عز وجل -: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [المائدة: 88].
حلالاً طيبًا، والحلالُ الطيبُ أي: مُحلَّلٌ لكم ليس مُكتسبًا بطريقٍ مُحرَّم؛ كالغصب، والسرقة، والرِّبا، والرِّشوة، والغشِّ، والمعاملات المُحرَّمة.
طيبًا أي: ليس بخبيثٍ؛ كالميتة، ولحم الخنزير، والخمر، والخبائث كلها.
أيها المسلمون:
أصحابُ المكاسِب الطيبة والأموال الصالحة هم أسلمُ الناس دينًا، وأعفُّهم نفسًا، وأهدؤُهم بالاً. هم أشرحُ الناس صدرًا، وأهنؤُهم عيشًا، أعراضُهم مُصانة، وأيديهم نزيهة، ورِزقُهم مُبارَك، وذِكرُهم في الناس جميل.
وقد كان تحرِّي أكلِ الحلال من أعظم الخِصال التي تحلَّى بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابُه، وكان أهلُ السنة والصلاح يتواصَون بالتعفُّف في المآكِل والمشارِب والمكاسِب:
عن أبي سعيد الخُدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من أكلَ طيبًا وعمِل في سُنَّة، وأمِنَ الناسُ بوائِقَه دخل الجنة»؛ رواه الترمذي.
وأخرج الإمام أحمد وغيرُه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتكَ من الدنيا: حِفظُ أمانة، وصِدقُ حديث، وحُسن خليقة، وعِفَّةٌ في طُعمة».
ولقد احتفَى العلماءُ بأكل الحلال تقريرًا وتحقيقًا، حتى أثبَتوه في عقائِدِهم. قال الفُضيل بن عياضٍ – رحمه الله -: “إن لله عبادًا يُحيِي بهم البلاد والعباد، وهم أصحابُ سُنَّة، من كان يعقِلُ ما يدخلُ جوفَه من حِلِّه كان في حِزبِ الله المُفلِحين”.
وإن الله طيبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا، والطيبُون للطيِّبات، والطيِّباتُ للطيِّبين، (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 32].
وإذا طابَت النفسُ طابَ منها كل شيءٍ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه -: «يا سعد! أطِب مطعمَك تكُن مُستجابَ الدعوة، والذي نفسُ محمدٍ بيدِه؛ إن العبدَ ليقذِفُ اللُّقمةَ الحرامَ في جوفِه ما يتقبَّلُ الله منه عملاً أربعين يومًا، وأيُّما عبدٍ نبَتَ لحمُه من سُحتٍ فالنارُ أولَى به».
إن طلبَ الحلال وتحرِّيه ليس مُجرَّد خُلُقٍ فاضلٍ؛ بل هو أمرٌ واجبٌ، فلن تزولَ قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألَ عن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفقَه؟
وإن حقًّا على كل مسلمٍ أن يتحرَّى الطيبَ من الكسب، والنَّزيهَ من العمل؛ ليأكُلَ حلالاً، ويُنفِقَ في حلال.
ومن هنا؛ كان للصالحين مواقِفُ في الورعِ والتحرِّي يطولُ بها الحديث:
فهذا الصدِّيقُ أبو بكرٍ – رضي الله عنه – يجيئُه غلامُه بشيءٍ فيأكلُه، فيقول الغلامُ: أتدرِي ما هو؟ تكهَّنتُ في الجاهليَّة لإنسان، وما أُحسِنُ الكِهانة، لكني خدعتُه، فلقِيَني فأعطانِي بذلك، فهذا الذي أكلتَ. فأدخلَ أبو بكرٍ – رضي الله عنه – يدَه في فمِه، فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه.
وفي روايةٍ أنه قال: “لو لم تخرُج إلا مع نفسِي لأخرجتُها، اللهم إني أعتذرُ إليك مما حمَلَت العروقُ وخالطَ الأمعاء”؛ أخرجه البخاري.
وشرِبَ عمرُ – رضي الله عنه – لبنًا فأعجبَه، فقال للذي سقَاه: من أين لك هذا؟ قال: مررتُ بإبلِ الصدقة وهم على ماء، فأخذتُ من ألبانِها. فأدخلَ عُمرُ يدَه فاستقاءَ.
وتلك امرأةٌ صالحةٌ تُوصِيِ زوجَها فتقول: يا هذا! اتقِ اللهَ في رِزقِنا؛ فإننا نصبِرُ على الجوع ولا نصبِرُ على النار.
هكذا يتورَّعُ الصالحون؛ صيانةً لدينِهم، وتقوَى لربِّهم، وبُعدًا عن الشُّبُهات. فكيف بمن يعمَدُ إلى الحرام يملأُ به جوفَه وجوفَ أهلِه؟!
قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالِي المرءُ بما أخذَ المالَ أمِنَ الحلال أم من الحرام»؛ رواه البخاري.
عباد الله:
التنافُسُ على الدنيا، واتباعُ الشهوات، والهلَعُ على الرِّزق، مع نسيان الحسابِ مالَ ببعضِ الخلقِ إلى التهافُتِ على حُطام الدنيا، وعدم المُبالاة بموارِد المكاسِب.
عن حُذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قامَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: «هلُمُّوا إليَّ»، فأقبَلوا إليه فجلَسُوا. فقال: «هذا رسولُ ربِّ العالمين جبريلُ نفثَ في روعِي أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكمِلَ رِزقَها وإن أبطَأَ عليها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلنَّكم استِبطاءُ الرِّزق أن تأخذُوه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنالُ ما عندَه إلا بطاعتِه»؛ أخرجه البزار في “مسنده” بإسنادٍ صحيحٍ.
«وأجمِلوا في الطلبِ» أي: في طلبِ الرِّزق والسعي لتحصيل الدنيا والمكاسِب.
عباد الله:
قد يجتهِدُ مسلمٌ في عملٍ صالحٍ، لكنه يتهاوَنُ في أكل الحرام، فيخسرُ الدنيا والآخرة، فلا يُقبَلُ عملُه، ولا تُستجابُ دعوتُه، ولا يُبارَكُ له في كسبِه.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله طيبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا، وإن الله أمرَ المُؤمنين بما أمرَ به المُرسَلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172]. ثم ذكرَ الرجُلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمُه حرام، ومشرَبُه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!»؛ رواه مسلم.
ولذا كانت الصدقةُ بالمال الحرام مردودةً غير مقبولة؛ عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا يقبَلُ الله صلاةً بغير طُهور، ولا صدقةً من غُلول»؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا أدَّيتَ زكاةَ مالِك فقد قضيتَ ما عليك، ومن جمعَ مالاً حرامًا ثم تصدَّقَ به لم يكُن فيه أجرٌ، وكان إصرُه عليه»؛ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في “صحيحيهما”.
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يا كعب بن عُجرة! إنه لا يدخُلُ الجنةَ لحمٌ نبَتَ من سُحتٍ»؛ أخرجه ابن حبان في “صحيحه”.
وعن كعب بن عُجرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له: «يا كعب! لا يربُو لحمٌ نبَتَ من سُحتٍ إلا كانت النارُ أولَى به»؛ أخرجه الترمذي.
والسُّحتُ هو الحرام في كل صورِه؛ كأكل الرِّبا، وأخذ الرُّشا، وأكل مال اليتيم، وأنواع البيوع المُحرَّمة.
فليتذكَّر كلُّ إنسانٍ أن الله سائِلُه يوم القيامة عن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفقَه؟ سُؤال تقريرٍ ومُحاسَبَة، يكونُ من بعدِها الجزاءُ العادِلُ، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].
ومن عوَّد نفسَه الورعَ والمُحاسبَة، والعِفَّةَ والقناعةَ صارَ له ذلك خُلُقًا وطبعًا، (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء: 77].
وعن خَولَة الأنصارية – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن رجالاً يتخوَّضُون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يوم القيامة»؛ رواه البخاري.
عباد الله:
مما تساهلَ الناسُ فيه وهو من كبائِر الذنوبِ: الغُلول، وهو: أن يأخُذ الإنسانُ من الأموالِ العامَّة ما ليس له، أو يُسخِّر أدواتِ وظيفتِه، أو نفوذَه لنفعِ نفسِه وقرابَتِه لا لخدمةِ الناس. وهذا من الظُّلم العظيم الذي يجُرُّ المُجتمعَ إلى فسادٍ عريضٍ، وصاحبُه مُتوعَّدٌ بالعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، قال الله – عز وجل -: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 161].
وعن أبي حُميدٍ الساعديِّ – رضي الله عنه – قال: استعملَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – رجُلاً من الأسْدِ يُقالُ له “ابنُ اللُّتبيَّة” على الصدقة، فلما قدِمَ قال: هذا مالُكم وهذا لي أُهدِيَ إليَّ. فقام رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – على المِنبَر، فحمِدَ الله وأثنَى عليه وقال: «ما بالُ عاملٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدِيَ إليَّ؟! أفلا قعدَ في بيتِ أبيهِ أو في بيتِ أمِّه حتى ينظُرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والله لا يأخُذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقِّه إلا لقِيَ اللهَ يحمِلُه يوم القيامة على عُنقِه، بعيرٌ له رُغاء، أو بقرةٌ لها خُوار، أو شاةٌ تَيْعَر».
ثم رفعَ يدَه حتى رأينا بياضَ إبِطَيْه يقول: «اللهم بلَّغتُ»؛ رواه البخاري ومسلم.
وروى بُريدةُ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من استعمَلناه على عملٍ فرزَقنَاه رِزقًا، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلُول»؛ رواه أبو داود.
قال الخطَّابيُّ – رحمه الله -: “في هذا بيانٌ أن هدايا العُمَّال سُحتٌ، وأنه ليس سبيلُها سبيلَ سائر الهدايا المُباحة، وإنما يُهدَى إليه للمُحاباة، وليُخفِّف عن المُهدِي، ويُسوِّغَ له بعضَ الواجِبِ عليه. وهو خيانةٌ وبخسٌ للحقِّ الواجبِ عليه استيفاؤُه لأهلِه”. اهـ.
وروى عُبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «أدُّوا الخيطَ والمِخيَط، وأكبرَ من ذلك وأصغر، ولا تغُلُّوا؛ فإن الغُلُول نارٌ وعارٌ على أصحابِه في الدنيا والآخرة»؛ رواه الإمام أحمد.
وعن عديِّ بن عَميرة الكِنديِّ – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من استعمَلناه منكم على عملٍ فكتمَنا مِخيَطًا فما فوقَه كان غلُولاً يأتي به يوم القيامة .. الحديث»؛ رواه مسلم.
عباد الله:
إن الأمرَ لا يتعلَق بالقلَّة والكثرة، ولكنَّه مبدأٌ ودينٌ يدينُ الناسُ به لربِّهم، وخُلُقٌ يتخلَّقُونَه، وأمانةٌ يُؤدُّونها، ومن امتدَّت يدُه إلى القليل تجرَّأ على الكثير.
أيها المسلمون:
إذا انتشر الغُلُول بين الناس، ولم يجِد أحدُهم حرجًا من امتِداد يدِه إلى ما ليس له؛ فإن أخلاقًا رديئةً تنتشر في الناس، وكلُّ خُلُقٍ سيِّئٍ منها يدعُو إلى ما هو أسوأ منه، في سلسلةٍ لا تنتهِي من فسادِ الضمائر والأخلاق، والأنانيَّة والجشَع، مما يُؤدِّي إلى الظُّلم والبغيِ، ويُنتِجُ الضغائِنَ والأحقاد، وينشر الخلافَ والشِّقاق، لاسيَّما عند اتِّساع الدنيا.
ولذا فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمرَ بعِفَّة اليدِ، وخطبَ في الناس عقِبَ غُنمِهم لغنائِم حُنين، مُحذِّرًا إياهم من الافتِتان بما يرَون من أموالٍ قد تكونُ سببًا في الغُلُول، فقال لهم – عليه الصلاة والسلام -: «من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يركَب دابَّةً من فَيءِ المُسلمين، حتى إذا أعجفَها ردَّها فيه، ومن كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يلبَس ثوبًا من فَيءِ المسلمين، حتى إذا أخلقَه ردَّه فيه»؛ رواه أبو داود.
عباد الله:
إن الفساد الإداريَّ والماليَّ يُؤدِّي إلى فساد المُجتمع كلِّه، ويُنتِجُ أخلاقًا سيئةً، ويُؤدِّي إلى التخلُّف والانحِطاط، والفقر والحاجَة، وضعف الديانَة وفساد الأخلاق.
ويُؤدِّي هذا الفسادُ العظيمُ إلى تعطيل مصالِح العباد وظُلمِهم، فمن كانت بيدِه مصالِحُ غلَّها وحرمَ منها أكفاءَ المسلمين لتكون لمن لا يستحِقُّها في أكثر حاجات الناس ومصالِحِهم.
ولقد استَهانَ كثيرٌ من الناس بهذا البابِ الخطيرِ، وهو فسادُ الذِّمَم، وشراءُ الضمائِر، والمُماطَلَةُ في الحقِّ، والتقاعُسُ عن أداء الواجِبِ، إلا برِشوةٍ أو هديَّةٍ يبذُلُها طالِبُ الحاجة. وهذا يُوقِفُ النَّماءَ، ويُفسِدُ المصالِح، ويُخرِبُ الديار.
وإذا فُقِدَت الأمانةُ بين الناس ضاعَت الحقوقُ، واضمحَلَّ العدلُ، وانتشرَ الظُّلمُ، ورُفِع الأمن، وسادَ الخوفُ؛ روى أبو هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظِر الساعةَ»؛ رواه البخاري.
وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: “أولُ ما تفقِدون من دينِكم الأمانة”.
فلا سبيلَ للنجاةِ من عذابِ الله تعالى إلا بمُراقبته في السرِّ والعلَن، والخوفِ منه قبل الخوفِ من البشر، ولا سبيلَ لنهضَة الأمة وتقدُّمها، وانتِشالِها من الجهلِ والتخلُّفِ إلا بإقامة العدل، ورفع الظُّلم، واستِعمال الأمين، وإقصاء الخائِن، ومُكافأة المُحسِن، ومُعاقبَة المُسيء، ومُحاسبَة المُقصِّر، وعدم مُحاباة أحدٍ في ذلك.
—————————–
فضيلة الشيخ / صالح آل طالب


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/36484.html#ixzz2vY5aKsDP

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق