مناقشة علمية لضوابط إنكار المنكر
•مراعاة ضوابط ( إنكار المنكر ) قوة والتزام بالشرع .
•مقصد الشريعة نشر الخير والإصلاح لا الفضيحة .
•الأمر بالمعروف بابه أوسع وأشمل من باب إنكار المنكر .
•مقصد الشريعة نشر الخير والإصلاح لا الفضيحة .
•الأمر بالمعروف بابه أوسع وأشمل من باب إنكار المنكر .
تأتي هذه المناقشة العلمية ضمن سلسلة حوارات شرعية هادئة تطرح فيها حملة السكينة القواعد الشرعية وفق الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وسيرة كبار العلماء ، حيث شكّلت قضية إنكار المنكر جدلا واسعا في خضم الأحداث الجارية في العالم الإسلامي وهي قضية قديمة تتجدد مع الأحداث ، وتحاول حملة السكينة طرح رؤية شرعية متوازنة تتماشى مع روح الإسلام وتحقق هدف الوسطية في مناحي الحياة.
يدور الطرح والحوار حول ثلاثة محاور أساسية:
1- المحور الأول: فضل وأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتأصيل ذلك علميا ، وتفسير معنى الإنكار والمراد به ومن المعنيين بذلك . فقد قال تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) – آل عمران -.
فالمنكر هو ما أنكره الشرع ويدخله التفاوت فهو درجات ، ويكون الإنكار وفقا لهذه الدرجات ومراتبها ومدى تأثيرها ، كما يختلف التعامل مع المنكر باختلاف الأحوال والواقع فيها والأسباب ، ومن هنا جاء الغلط والخلل في إنكار بعض المنكرات حيث تم تصعيدها إلى درجات ومراتب أعلى من حقيقتها الشرعية ، وخرجت من الإطار الشرعي إلى الإطار الفكري أو الشخصي.
ثم إن مبدأ إنكار المنكر جزء من الدعوة إلى الله فيخضع لأحكام وآداب واشتراطات الدعوة والداعية التي تراعي اختلاف الأحوال والأزمنة ووجوب مراعاة المصالح العامّة .
ويجب التأكيد على أهمية استحضار ( الرحمة ) وأن يكون هدف الداعية ومنكر المنكر هو الرحمة ومحبة الخير لا العنف والقسوة ونشر الشر والمنكر والتشفّي بالآخرين وإلباسهم أوصافا غير شرعية ؛ فالهدف هو الإصلاح والنصيحة لا الإفساد والفضيحة.
حيث قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) – النحل – هذا في حق المخالف في أصل الدين فكيف بمن هم موافقين لنا في ديننا وعقيدتنا
2-المحور الثاني : التأكد من كون المنكر منكرا شرعا مخالفا للدليل لا من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ، ولا يعني ذلك أن كل خلاف معتبر والسكوت عن كل منكر وقع فيه الخلاف ، لكن هذا الاختلاف ( السائغ ) يوضع في عين الاعتبار من جهة المُنكِر ومُعالجته للحادثة الواضحة.
وقد وقع في الخطأ من استدرجته الإشاعات أو اللوازم والتبعات فضخّم المنكر ونشره وألبسه ما لا يحتمل من ألبسة السوء ظنا منه أن هذا أسلوب التنفير السليم ، والشرع يعطي الأمور حقها ومكانها ومقدارها ، فيجب العدل واليقين لمن أراد إنكار منكرا ، وما يدخله الاختلاف ( السائغ ) فقها وشرعا فدخوله في باب الأمر بالمعروف أقرب من دخوله في باب الإنكار ؛ لذلك يجب تغليب وتكثير مبدأ الأمر بالمعروف واستحضاره أكثر من الإنكار في المسائل الخلافية ؛ فالإنكار يدخل في مضامينه اللغوية والتطبيقية ما لا يدخل في باب الأمر بالمعروف الواسع والأقرب .
وهذا ما قرره الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – في تأصيل علمي فريد في المسألة الخامسة من مسائله فقال موضحاً لهذه القاعدة الأصولية : ( قول من قال: لا إنكار في مسائل الاجتهاد..
فإن أراد القائل مسائل الخلاف كلها فهذا باطل يخالفه إجماع الأمة ، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف أو أخطأ كائناً من كان ، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم ، وإذا كان الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه ، فمن تمام ذلك أنَّ من خالفه من العلماء مخطئاً نُبِّه على خطئه وأُنْكِر عليه.
وإن أريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلاَّ بعلم ، لا يجوز أن ينكر إلاَّ بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم ).
وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أيضاً في رسالته إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام القاعدة الأصولية المتعلقة بالاجتهاد حيث قال ـ رحمه الله ـ: “إن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنَّه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه”.
وفي هذا ردٌّ واضح على من اتهم الدعوة الإصلاحية بمصادرة الآراء والعنف في الدعوة.
3-المحور الثالث : بشاعة تتبع العورات ونشرها والتجسس والتحسس وفتنة الناس لإثبات المنكرات ، فالأصل الشرعي السلامة ، والقاعدة أن الخير يُنشر والشر يُطمر ويُخفى ويعالج بالكتمان ، إلا ما ظهر علنا وانتشر فيعالج علنا وفق الضوابط الشرعية كذلك وعبر القنوات الرسمية التي تُقدّر المصالح العامة والمفاسد المترتبة على الإعلان.
3-المحور الثالث : بشاعة تتبع العورات ونشرها والتجسس والتحسس وفتنة الناس لإثبات المنكرات ، فالأصل الشرعي السلامة ، والقاعدة أن الخير يُنشر والشر يُطمر ويُخفى ويعالج بالكتمان ، إلا ما ظهر علنا وانتشر فيعالج علنا وفق الضوابط الشرعية كذلك وعبر القنوات الرسمية التي تُقدّر المصالح العامة والمفاسد المترتبة على الإعلان.
حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: » يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ «.
وروى البخاري في الأدب المفرد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَلاَمًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ ، أَوْ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِنَّكَ إِذَا اتَّبَعْتَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ فَإِنِّي لاَ أَتَّبِعُ الرِّيبَةَ فِيهِمْ فَأُفْسِدَهُمْ. الأدب المفرد (1 / 96).
ونؤكد على أهمية مراعاة المصالح والمفاسد في الإنكار بحيث لا يترتب على الإنكار مفاسد قد لا يُدركها المُنكِر في حينها ؛ لذلك يلزم الرجوع إلى أكابر العلماء المعنيين بالشأن العام والرجوع إلى الجهات ذات العلاقة فهي المعنية شرعا ورسميا لمعالجة المنكرات العامّة الظاهرة .
ومراعاة مراتب الإنكار فليس لكل أحد الإنكار باليد إنما الإنكار باليد لأهل اليد والسلطة والمعنيين بذلك ؛ حتى لا تكون فوضى والدين الإسلامي دين نظام ومحافظة على الحقوق ، والتعدي باليد تعدّ على الحقوق لذلك ليس لأفراد الناس سلب الحقوق أو إتلاف الأعيان ؛ لذلك قرر الفقهاء أن المتعدى في إنكاره على ما يملكه غيره وجب عليه ضمانه حتى ولو كان محرما.
فيجب معرفة الحدود الشرعية للإنكار وألا تدخل في نطاق الإيذاء سواء كان جسديا أو معنويا ، فما يتعلق بالآخرين وأملاكهم يخضع للقضاء وللجهات الرسمية المعنية.
الخاتمة:
هذه الضوابط الشرعية وإقرارها فيه تقوية لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس إضعافا ، فهناك فرق بين القوة والعنف ، فاللين والرفق في موضعه قوة ، واتباع الشرع قوة ، والفوضى والتعدي على الناس ضعف وإن حمل في ظاهره نبرة عنيفة .
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/8102.html#ixzz2veGfLBLB
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق