رؤية_شرعية_في_التعامل_مع_الحاكم_الكافر
تعليق السكينة : ( تكفير المُعيّن أمرٌ قضائي لا يمارسه آحاد المجتهدين ؛ لما يترتب عليه من أحكام وتبعات تقتضي الرجوع إلى القضاء ، هذا في حق الأفراد ويتأكد في حق من له السلطة ، وقد كثر الخطأ في هذا الباب لما دخله المجتهدون فزادوا وحادوا عن الطريق الصحيح وغلوا في التكفير ورتبوا على أحكامهم تطبيقات غير شرعية )
الحمدُ للهِ وحدهُ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على منْ لا نبيَّ بعده ، أَمَّا بعدُ :
فَإنَّ منهجَ أهلِ السنةِ كانَ ولا يزالُ هو المنهجُ الحقُّ الذي بهِ الخروجُ-بإذنِ اللهِ- منْ كُلِّ الأزماتِ أو الكوارثِ الَّتي تنزلُ بساحةِ الأُمَّةِ ؛ إذْ إِنَّه منضبطٌ بالقواعدِ الشرعيةِ المقرَّرةِ في الشريعةِ الإلهيةِ ، والَّتي قرَّرها أهلُ العلمِ الثِّقاتُ الأثباتُ ؛ انطلاقاً من النصوصِ المحكمةِ في الكتابِ والسُّنةِ .
فَإنَّ منهجَ أهلِ السنةِ كانَ ولا يزالُ هو المنهجُ الحقُّ الذي بهِ الخروجُ-بإذنِ اللهِ- منْ كُلِّ الأزماتِ أو الكوارثِ الَّتي تنزلُ بساحةِ الأُمَّةِ ؛ إذْ إِنَّه منضبطٌ بالقواعدِ الشرعيةِ المقرَّرةِ في الشريعةِ الإلهيةِ ، والَّتي قرَّرها أهلُ العلمِ الثِّقاتُ الأثباتُ ؛ انطلاقاً من النصوصِ المحكمةِ في الكتابِ والسُّنةِ .
و في هذا السِّياقِ عالجَ هذا المنهجُ المباركُ كارثةً قد تنزلُ بأيِّ مجتمعٍ ألا وهي أنْ يتسلَّطَ على إدارةِ شؤونها العليا حاكمٌ كافرٌ لا يرقبُ في مؤمنٍ إلاً ولا ذمةٍ .
والسُّؤالُ الكبيرُ الذي يَطرحُ نفسه هاهنا : ما هي الرؤيةُ الشرعيةُ في التعامل مع هذا الحاكم الكافرِ منْ خلالِ منهجِ أهلِ السنةِ ؟
جواباً عنْ هذا التساؤلِ الكبيرِ ؛ أقولُ-وبالله التوفيقُ- : إِنَّ المتأمِّلَ في تقريراتِ أهلِ العلمِ الكبارِ من أهلِ السنة في هذا العصرِ يجدُ أن رؤيتهم الشرعيةَ تجاه التعامل مع هذا الحاكم الكافر تدورُ على ثلاثة مواقفَ:
جواباً عنْ هذا التساؤلِ الكبيرِ ؛ أقولُ-وبالله التوفيقُ- : إِنَّ المتأمِّلَ في تقريراتِ أهلِ العلمِ الكبارِ من أهلِ السنة في هذا العصرِ يجدُ أن رؤيتهم الشرعيةَ تجاه التعامل مع هذا الحاكم الكافر تدورُ على ثلاثة مواقفَ:
الموقفُ الأَوَّلُ : الخروجُ على هذا الحاكمِ والإطاحةُ بهِ إذا تَوَفَّرَ شرطُ القدرةِ والاستطاعة ، و لم يترتَّبْ على ذلكَ مفسدةٌ أكبرُ .
الموقفُ الثَّاني: عدمُ الخروجِ على هذا الحاكم ولو كفرَ إذا اختلَّ شرطُ القدرةِ والاستطاعةِ وترتَّبَ على هذا الخروجِ مفاسدُ أكبرُ .
والمستندُ الشَّرعيُّ في ذلك حديثُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الذي أخرجه مسلمٌ في:”صحيحه” 4877 منْ طريقِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
فَقَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ : « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ».
لكنَّ هذا الخروجَ لا يجوزُ هكذا بإطلاقٍ ؛ وإِنَّما هو مقيدٌ كغيرهِ منَ الأحكامِ الشرعيةِ بالقدرةِ والاستطاعةِ وعدمِ ترتُّبِ مفاسدَ أكبرَ يتضرَّرُ مِنْ جرَّائها المسلمينَ تَضرُّراً بالغاً ؛ لأنّ (القدرة مناطُ التّكليف)، و(لا يُكلّف اللهُ نفسًا إلاّ وُسعها)، و(الأمرُ إذا ضاق اتّسع)؛ فـ(المشقّةُ تجلِبُ التّيسير)، و(ما جعلنا عليكم في الدّين من حرج)..
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله- في”المجموع” : (20/48) :
(الشّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنّها ترجّح خير الخيرين وشرّ الشّرين, وتحصّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما) .
أ-يقولُ الشيخُ الإمامُ ابنُ بازٍ في :”شرحهِ على فضل الإسلام” – رحمه الله – : “الأمراءُ وإنْ جاروا وظلموا ما داموا ملتزمين بالإسلامِ لا يجوزُ جهادُهم ولكنْ ينصحونَ، أما إذا أتوا كفراً بواحاً وجبَ جهادهم على منْ قدرَ إذا كانَ هناك قوةٌ تقدر. قلت: أي على إزالتهم منْ دونِ أن يلحقَ أذى بالمسلمينَ”.
ويقول أيضاً رحمه الله في :”فتاويه ” ج30 :
(ولا يجوزُ الخروجُ على ولاة الأمورِ وشقِ العصا إلا إذا وُجدَ منهم كُفر بواحٌ عند الخارجينَ عليهِ منَ الله برهان ، ويستطيعونَ بخروجهم أنْ ينفعوا المسلمينَ ، وأن يُزيلوا الظلمَ ، وأنْ يُقيموا دولةً صالحةً . أمَّا إذا كانوا لا يستطيعونَ فليس لهم الخروجُ ، ولو رأوا كفراً بواحاً ؛ لأنَّ خروجهم يَضر النَّاسَ ويُفسد الأمةَ ، ويُوجِبُ الفتنةَ والقتلَ بغيرِ الحقِ – ولكنْ إذا كانت عندهم القدرةُ والقوةُ على أن يُزيلوا هذا الوالي الكافرَ فليزيلوه، وليضعوا مكانَه والياً صالحاً يُنفِّذُ أمرَ اللهِ فعليهم ذلك إذا وجدوا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهانٌ وعندهم قدرةٌ على نصرِ الحقِ وإيجادِ البديلِ الصالحِ وتنفيذِ الحقِ ).
ويقول كذلك في نفس الموضع في ضوء حديث عبادةَ-رضي الله عنه- المذكور آنفاً:
(فهذا يَدلُّ على أنَّه لا يجوزُ لهم منازعةُ ولاةِ الأمورِ , ولا الخروجُ عليهم ، إلا أنْ يَروا كفراً بواحاً عندهم منَ اللهِ فيه برهانٌ; وما ذاك إلا لأنَّ الخروجَ على ولاةِ الأمورِ يُسبِّبُ فساداً كبيراً وشراً عظيماً , فيختلُّ به الأمنُ , وتضيعُ الحقوقُ , ولا يتيسرُ ردعُ الظالمِ , ولا نصرُ المظلومِ , وتختل السبلُ ولا تأمنُ , فيترتب على الخروجِ على ولاة الأمورِ فسادٌ عظيمٌ وشرٌّ كثيرٌ , إلا إذا رأى المسلمونَ كفراً بواحاً عندهم منَ اللهِ فيه برهانٌ , فلا بأسَ أنْ يخرجوا على هذا السلطانِ لإزالته إذا كان عندهم .
قدرةٌ , أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا , أو كانَ الخروجُ يسبب شراً أكثرَ فليس لهم الخروجُ; رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ).
والقاعدة الشرعية المجمع عليها : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه , بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ).
أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين , فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا عندها قدرة تزيله بها , وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين , وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس , أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير , واختلال الأمن , وظلم الناس , واغتيال من لا يستحق الاغتيال … إلى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا يجوز , بل يجب الصبر , والسمع والطاعة في المعروف , ومناصحة ولاة الأمور , والدعوة لهم بالخير , والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير .
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك; لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر ).
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك; لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر ).
ب-وقال الشيخ العلاّمةُ ابنُ عُثيمين-رحمه الله-في : “لقاء الباب المفتوح”: (129/5):
(وإذا فرضنا-على التّقدير البعيد-أنّ وليّ الأمر كافر؛ فهل يعني ذلك أن نوغر صدور النّاس عليه حتّى يحصل التّمرّد، والفوضى، والقتال؟!.
لا؛ هذا غلط!، ولا شكّ في ذلك؛ فالمصلحة الّتي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطّريق؛ بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنّه-مثلاً-إذا قام طائفةٌ من النّاس على وليّ الأمر في البلاد، وعند وليّ الأمر من القوّة والسّلطة ما ليس عند هؤلاء؛ ما الّذي يكون؟.
هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟!.
لا تغلب؛ بل بالعكس؛ يحصل الشّرّ والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور.
والإنسان يجب أن ينظر:
أولاً: بعين الشّرع؛ ولا ينظر-أيضًا-إلى الشّرع بعينٍ عوراء؛ إلى النّصوص من جهةٍ دون الجهة الأخرى؛ بل يجمع بين النّصوص.
ثانياً: ينظر-أيضًا-بعين العقل والحكمة؛ ما الّذي يترتّب على هذا الشّيء؟.
ثانياً: ينظر-أيضًا-بعين العقل والحكمة؛ ما الّذي يترتّب على هذا الشّيء؟.
لذلك؛ نحن نرى أنّ مثل هذا المسلك مسلكٌ خاطئ-جدًّا-وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يُؤيّد من سلكه؛ بل يرفض هذا رفضًا باتًّا. ونحن لا نتكلّم على حكومةٍ بعينها؛ لكن نتكلّم على سبيل العموم ).
وقال-رحمه الله-أيضاً في “لقاء الباب المفتوح” : (95/12) :
(إذا قهر الوليُّ وسيطر وصارت له السّلطة فهذا هو تمام البيعة؛ لا يجوز الخروج عليه؛ إلا في حالةٍ واحدةٍ استثناها النّبيّ-عليه الصّلاة والسّلام-؛فقال: ((إلاّ أنْ تَرَوا كُفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان))؛ فقال:
أولاً-((إلاّ أن تروا))؛ والرّؤية: إمّا بالعين أو بالقلب؛ الرّؤيةُ بالعين بصريّة، وبالقلب علميّة؛ بمعنى: أنّنا لا نعمل بالظّنّ أو بالتّقديرات أو بالاحتمالات؛ بل لا بدّ أن نعلم علم اليقين.
ثانياً-وأن نرى كفرًا لا فسوقًا؛ يعني-مثلاً-: الحاكم لو كان أفسق عباد الله؛ عنده شرب خمر، وغيره من المحرّمات، وهو فاسقٌ؛ لكنْ لم يخرج من الإسلام؛ فإنّه لا يجوز الخروج عليه وإن فسق؛ لأنّ مفسدة الخروج عليه أعظم بكثيرٍ من مفسدة معصيته الّتي هي خاصّةٌ به.
الثّالث: قال: ((بواحًا))؛ البواح يعني: الصّريح، والأرض البواح: هي الواسعة الّتي ليس فيها شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا جبل؛ بل هي واضحةٌ للرّؤية؛ لا بدّ أن يكون الكُفر بواحًا ظاهرًا ما يشكّ فيه أحد؛ مثل: أن يدعو إلى نبذ الشّريعة، أو أن يدعو إلى ترك الصّلاة، وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الّذي لا يحتمل التّأويل.
فأمّا ما يحتمل التّأويل فإنّه لا يجوز الخروج عليه؛ حتّى وإن كُنّا نرى نحنُ أنّه كُفْرٌ وبعضُ النّاس يرى أنّه ليس بكفر؛ فإنّنا لا يجوز لنا الخروج عليه؛ لأنّ هذا ليس بواحًا.
فأمّا ما يحتمل التّأويل فإنّه لا يجوز الخروج عليه؛ حتّى وإن كُنّا نرى نحنُ أنّه كُفْرٌ وبعضُ النّاس يرى أنّه ليس بكفر؛ فإنّنا لا يجوز لنا الخروج عليه؛ لأنّ هذا ليس بواحًا.
الرّابع: ((عـــندنا فيه من الله برهان))…فإن لم يكن عندنا برهــــــانٌ؛ أي: دليلٌ واضح؛ ليس مجرّد اجتهادٍ أو قياس؛ بل هو بيّنٌ واضحٌ أنّه كفر؛ حينئذٍ يجوز الخروج.
ولكن؛ هل معنى جواز الخروج أنّه جائزٌ بكلّ حال، أو واجبٌ على كل حال؟!.
الجواب: لا؛ لا بدّ من قدرةٍ على منابذة هذا الوالي الّذي رأينا فيه الكفر البواح.
أمّا أن نخرج عليه بسكاكين المطبخ، وعواميل البقر، ولديه دبّاباتٌ وصواريخ؛ فهذا (سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الدّين)؛ لأنّ الله لم يُوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ضُعفاء في مكّة؛ ما قال: اخرجوا على قريشٍ؛ وهم عندهم، ولو شاؤوا لاغتالوا كُبَراءهم وقتلوهم؛ لكنّه لم يأمرهم بهذا، ولم يأذن لهم به.
لماذا؟
!.لعدم القدرة.
وإذا كانت الواجباتُ الشّرعيّةُ الّتي لله-عزّ وجلّ-تسقط بالعجز؛ فكيف هذا الّذي سيكون فيه دماء؟!.
يعني: ليس إزالة الحاكم بالأمر الهيّن، أو مجرّد ريشةٍ تنفخها وتروح!؛ لا بدّ من قتالٍ منك وقتالٍ منه، وإذا قُتِل فله أعوان؛ فالمسألة ليست بالأمر الهيّن حتى نقول بكل سهولة: نُزيل الحاكم ونقضي عليه وينتهي كلّ شيء!
فلا بدّ من القدرة.
والقدرة-الآن-ليست بأيدي الشّعوب فيما أعلم، والعلم عند الله-عزّ وجلّ-، ليس في أيدي الشّعوب قُدرةٌ على إزالة مثل هؤلاء القوم الّذين نرى فيهم كُفْرًا بواحًا) .
جـ-وقالَ الشّيخُ صالحٌ الفوزان-حفظه الله-في الفتوى(15872): ((…وأمّا التّعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال:
فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعةٌ لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكمٍ مسلم؛ فإنّه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله.
أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم-عاش في مكّة ثلاثة عشرة سنةٍ بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار،؛ بل كانوا مَنهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر-صلّى الله عليه وسلّم-، وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار.
هذا هو منهج الإسلام:
إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يُخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة.
أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة)).
الموقفُ الثالثُ : الهجرةُ منْ هذا البلدِ لمنْ ضُيِّقَ عليه في دينهِ وكانَ قادراً على ذلكَ :
والأصلُ في ذلكَ هجرةُ الصحابةِ-رضي الله عنهم- مَرَّتانِ : مَرَّةٌ إلى الحبشةِ ، ومَرَّةٌ إلى المدينةِ .
يقول الإمامُ الألبانيُّ-رحمهُ اللهُ-كما في الشّريط رقم: 726؛ من”سلسلة الهدى والنّور”؛ عن حاكم ليبيا القذّافيّ -:
(فالآن؛ أنت الّذي تذكُرُه في ليبيا أسوأ من بريطانيا وأسوأ من ألمانيا.
فهذا السّوء-يعني-يجعل القول بأنّ الهجرة واجبةٌ على مَن لم يتمكّن من إقامة الشّعائر الدّينيّة والدّعوة الإسلاميّة في ليبيا.
يكفي أنّ الرّجل[يقصد: القذّافيّ] أعلنَ إلحاده، وأعلن مُحاربته للسّنّة؛ فما بقيَ للمُسلمين في تلك البلاد؟.
ما الأمل المنشود الّذي يبتغيه هؤلاء الشّباب؟.
هل يستطيعون يومًا ما أن يقلبوا نظامَ الحُكمِ بطريق الدّعوة الّذي هو أحسن؟.
أم يأملون أن يُقيموا ثورةً حمراء على هذا الثّائر؟.
إن كانت الأولى؛ فهذا يحتاجُ إلى زمنٍ مديدٍ، ويحتاجُ إلى تعاونٍ مع الشّباب المسلم في البلاد الأخرى الّتي فيها ما أقول الحرّيّة الكاملة-مع الأسف-؛ لكن فيها حرّيّةٌ أكثر من تلك البلاد.
أمّا إن كانوا يُريدون أن يُخطّطوا-كما يفعل بعض الجماعات-أن يُقيموا ثورةً ويقيموا (انقلاب عسكريّ)[كذا!] على هذا الطّاغية؛ فهُنا يُقال:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِل***ما هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبل
فرسول الله-صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-هاجر من مكّةَ إلى المدينة، وأمر أصحابه بالهجرةِ من مكّةَ إلى المدينة، وقبل ذلك أمرهم بالهجرة إلى الحبشة.
لماذا؟.
لكي يتنفّسَ الصّحابةُ المؤمنون الصُّعَداء في بلاد الحبشة عند النّجاشيّ، ثمّ بعد ذلك جاءت المرحلةُ الثّانيةُ والأخيرة؛ وهي: الهجرةُ إلى المدينة) .
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/7637.html#ixzz2veH3Z5tp
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق