الاثنين، 10 مارس 2014

اعتزال الصحابة للفتن

اعتزال الصحابة للفتن

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم من أعمق الناس علماً، وأقلهم تكلفاً، وأوسعهم فقهاً، وأرجحهم عقولاً، وكيف لا يكونوا كذلك وهم صفوة الخلق الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واصطفاهم لنصرته، واجتباهم لحمل رسالته.
وقد أثنى الله عليهم في كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالثناء عليهم باق يتلى إلى قيام الساعة، ومن ذلك الثناء العاطر الخالد قول الحق جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100]، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله بما رواه عنه الأئمة في مسانيدهم وصحاحهم، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، وروى البخاري أيضاً في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ»، وروى الإمام أحمد وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا، فَقَالَ: ” أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..”.
وقد كان هذا الثناء المبارك دلالة على أن هديهم وطريقتهم من أحمد الطرق وأسلمها وأفضلها، فلا يمكن أن يكون هذا الثناء الذي لم يثن به على غير الأنبياء والرسل من غير تفضيل لما هم عليه من العلم والعمل؛ بل ذلك مستلزم لكل ما هم عليه ومفضل لجميع أحوالهم.
وإن من أحوالهم التي روتها كتب الرواية أنه لما حدثت في عهدهم بعض الفتن اعتزل أكثرهم لتلك الفتن التي دارت بينهم، وذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بذلك، فسلم لهم بذلك دينهم ودنياهم.
روى معمر بن راشد في جامعه: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «ثَارَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ، لَمْ يَخِفَّ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا»، وفي رواية عند ابن خلال في السنة (2/ 466): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَمَا حَضَرَ فِيهَا مِائَةٌ، بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (6/ 236): وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَجُمْهُورُهُمْ وَجُمْهُورُ أَفَاضِلِهِمْ مَا دَخَلُوا فِي فِتْنَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ [يَعْنِي] السَّخْتِيَانِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَمَا حَضَرَهَا مِنْهُمْ مِائَةٌ، بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَصَحِّ إِسْنَادٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مِنْ أَوَرِعِ النَّاسِ فِي مَنْطِقِهِ، وَمَرَاسِيلُهُ مِنْ أَصَحِّ الْمَرَاسِيلِ.
وفيما يأتي نستعرض بعض أحوال بعضهم لأن استقصاء ذلك مما يطول؛ للتمثيل على ما سبق ذكره.
•فممن اعتزل الفتن ذو النورين الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، روى الإمام الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/ 475): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ: قَاتِلْهُمْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أُحِلَّ لَكَ قِتَالُهُمْ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا، قَالَ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وروى أيضاً في مسنده (40/ 297): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي “، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: ” لَا “. قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: ” لَا “. قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: ” لَا “. قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: ” نَعَمْ “، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: ” تَنَحَّيْ “. فَجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: ” لَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ.
قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص: 29): وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَاسَةِ: أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا تَفَرَّسَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَلَا بُدَّ أَمْسَكَ عَنْ الْقِتَالِ، وَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، لِئَلَّا يَجْرِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ، وَآخِرُ الْأَمْرِ يُقْتَلُ هُوَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
•ومنهم الحسن بن علي رضي الله عنه، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد شباب أهل الجنة، أصلح الله به بين طائفتين من المسلمين بعد أن تنازل عن حقه حقنا لدمائهم، روى البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ: وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ: فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا، قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».
•ومن الصحابة المعتزلين للفتنة أسامة بن زيد رضي الله عنه، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عن حَرْمَلَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ: «لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأَسَدِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ». قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 67): هَذَا هَيَّأَهُ أُسَامَةُ اعْتِذَارًا عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ، لِعِلْمِهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ أُسَامَةَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ ضَنًّا مِنْهُ بِنَفْسِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا كَرَاهَةً لَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَشَدِّ الْأَمَاكِنِ هَوْلًا لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِيهِ وَيُوَاسِيهِ بِنَفْسِهِ، وَلكنه إنما تخلف لأجل كراهيته فِي قتال الْمُسْلِمِينَ.
•ومن الصحابة أيضاً عمران بن حصين رضي الله عنه؛ وهو من أفاضل الصحابة ومقدميهم، قال ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 778): قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: لم نر فِي البصرة أحدًا من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يفضل على عمران ابن حصين. وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة.
روى الطبراني في الكبير وغيره عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: لَمَّا هَاجَتِ الْفِتْنَةُ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ لِحُجَيرِ بْنِ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيِّ: «اذْهَبْ إِلَى قَوْمِكَ فَانْهَهُمْ عَنِ الْفِتْنَةِ» فَقَالَ: إِنِّي لَمَغْمُورٌ فِيهِمْ، وَمَا أُطَاعُ، قَالَ: «فَأَبْلِغْهُمْ عَنِّي وَانْهَهُمْ عَنْهَا» قَالَ: وَسَمِعْتُ عِمْرَانَ يُقْسِمُ بِاللهِ: «لِأَنْ أَكُونَ عَبْدًا حَبَشِيًّا أَسْوَدَ فِي أَعْيُنِ حَصَيَاتٍ فِي رَأْسِ جَبَلٍ أَرْعَاهُنَّ حَتَّى يُدْرِكَنِي أَجْلِي، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْمِيَ فِي أَحَدِ الصَّفَّيْنِ بِسَهْمٍ أَخْطَأْتُ أَمْ أَصَبْتُ».
•ومنهم أيضاً الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، والسابقين إلى الدخول في الإسلام، وخال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ممن اعتزل الفتنة التي دارت بين المسلمين في عصره.
روى مسلم في صحيحه عن عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ».
•ومنهم أيضاً الصحابي الجليل سعد بن مالك الأنصاري، أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سننا كثيرة، وروى عنه علماً جماً، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم، ومن المعتزلين للفتنة.
روى خليفة بن خياط في تاريخه ونعيم بن حماد في الفتن: عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: لَمَّا أُبِيحَتِ الْمَدِينَةُ أَخَذَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْجَبَلِ، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ أَقْبَلْ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: «إِلَيْكَ إِلَيْكَ» ، قَالَ: فَأَبَى الشَّامِيُّ إِلَّا أَنْ يُوَاقِعَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ أَلْقَى السَّيْفَ وَقَالَ: ” {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28] “، قَالَ: فَأَخَذَ الشَّامِيُّ بِيَدِهِ فَأَنْزَلَهُ مِنَ الْجَبَلِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمُشْرِكِينَ» ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الشَّامِيُّ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ».
•وممن اعتزل الفتنة الفقيه ابن الفقيه أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
قال الخطابي عنه في العزلة: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْفِتَنِ، وَأَكْثَرَهُمْ تَحْذِيرًا لِلنَّاسِ مِنَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ وَلَمْ يُدَافِعْ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَهُ، فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَّاهَا مَعَ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ يَقُولُ: «إِذَا دَعَوْنَا إِلَى اللَّهِ أَجَبْنَاهُمْ وَإِذَا دَعَوْنَا إِلَى الشَّيْطَانِ تَرَكْنَاهُمْ». أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْحَارِثِيُّ كُرَيْزَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجُ مُحَاصِرُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَسَمِعَ مُؤَذِّنَ الْحَجَّاجِ، انْطَلَقَ فَصَلَّى مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تُصَلِّي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَعَ الْحَجَّاجِ؟ فَقَالَ: «إِذَا دَعَوْنَا إِلَى اللَّهِ أَجَبْنَاهُمْ وَإِذَا دَعَوْنَا إِلَى الشَّيْطَانِ تَرَكْنَاهُمْ وَكَانَ يَنْهَى ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ طَلَبِ الْخِلَافَةِ وَالتَّعَرُّضِ لَهَا».
وهناك صحابة كثر غير هؤلاء كأبي موسى الأشعري وجرير بن عبد الله وأبي أيوب الأنصاري وسلمة بن الأكوع والمغيرة بن شعبة وأبي مسعود البدري وأبي بكرة الثقفي وأبي برزة الأسلمي وصهيب بن سنان الرومي ومحمد بن مسلمة وخباب بن الأرت وحبيب بن مسلمة.
وذكر هؤلاء إنما هو مجرد التمثيل بهم، وإلا فكما سبق بأن الفتنة لما وقعت لم يشهدها إلا النزر اليسير منهم.
والقصد بيان أن منهج الصحابة عند هبوب الفتن هو اعتزالها والبعد عنها، وليس كما يصنع بعض الخلف من استشرافهم للفتن والتعرض لها، بل والبحث عن أماكنها، وذلك دليل على قلة الفقه في الدين، وعدم المبالاة في ركوب المعاصي التي لا تنفك عن مثل تلك الفتن.
قال “البَرْبَهَارِيُّ”: فإذا وقعت الفِتنة فالزم جوف بيتك، وفر مِن جوار الفِتنة، وإيَّاك والعصبيَّة، وكلّ ما كان مِن قتال بين المسلمين على الدُّنيا فهو فِتنة، فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها ولا تهوى ولا تشايع ولا تمايل ولا تحب شيئا من أمورهم، فإنه يقال: مَن أحبَّ فعال قوم ـ خيرًا كان أو شرًّا كان ـ كمن عمله.
****************
للإطلاع على المزيد حول الفتن
آل الشيخ : المظاهرات دعوات مغرضة لإثارة الفوضى والفتن
الشيخ الفوزان : النجاة من الفتن وحفظ اللسان
وصايا من الشيخ اللحيدان : الفتن / الثورات / الفرقة /
د.البدر :ضوابط لتجنب الفتن
قاسم بن سعد المبارك :الفتن .. داء العصر وخراب الأمم!
من الذي سقط في الفتنة؟
——————–
خاص بالسكينة:محمد بن عبدالسلام الأنصاري


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/36247.html#ixzz2vZC6zpaa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق