مناقشة بعض مسائل الجهاد
١) هل تعتبر مظاهرة الكفار لغرض دنيوي محض من المكفرات؟
مظاهرة الكفار لغرض دنيوي محض لا تعتبر من المكفرات، ويدل على ذلك أن حاطبًا ابن أبي بلتعة، لما كاتب المشركين عام الفتح؛ يُعلمهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم إياهم – وهذا تجسس للعدو، وإعانة للمشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه = قال:
يا رسول الله لا تعجل عليَّ؛ إني كنت امرأ ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المسلمين؛ لهم قرابات؛ يحمون بهم أهاليهم بمكة؛ فأحببت إذ فاتني ذلك منهم؛ أن أتخذ عندهم يدًا؛ يحمون بها قرابتي.
وعلمت أن ذلك لا يضرك؛ يعني لأن الله ينصر رسوله والذين آمنوا.
وما فعلت ذلك كفرًا.
ولا رغبة عن ديني.
ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم.
قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق!
قال: إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم.
والقصة في الصحيحين.
فهذا أمر صدر عن شهوة وعجلة، لا عن شك في الدين، ولكنه شعبة من شعب النفاق، ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبًا منافقًا، وهو ذنب كبير، ومعصية عظيمة؛ يجب على صاحبها أن يتوب…
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كتاب الإيمان الأوسط (ص 402 بتحقيق الزهراني): (وقد تحصل للرجل نوع من موادتهم لرحم أو حاجة؛ فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة).
٢) كيف الجمع بين قوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليك [فعليكم] النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) وبين عدم نصرة النبي لأبي بصير لوجود ميثاق بينه وبين قريش، ومع قول العلماء أن [إن] بلاد المسلمين واحدة، ولا أثر للحدود الجغرافية الحادثة، فمتى هجم العدو على أي جزء من بلاد المسلمين تعيّن عليهم دفعه، فإن عجزوا تعيّن على الأقرب فالأقرب؟
لا يجمع بين الأدلة الشرعية وما يخالفها من أقوال، وإنما يجمع بين الأدلة الشرعية التي ظاهرها التعارض أو الاختلاف، فقول العلماء إذا لم يكن مقيدًا بالتقييد الوارد في الأدلة الشرعية؛ فهو خطأ مردود…
قال ابن كثير –رحمه الله – : وقوله: (وإن استنصروكم في الدين؛ فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير) يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بينكم وبينهم ميثاق) أي: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عباس، رضي الله عنه.
٣) إذا لم يقم الإمام بالجهاد الشرعي على وجهه المطلوب، فهل للشخص أن يجاهد دون استئذانه؟
ليس للشخص أن يجاهد الجهاد الذي لم يتعين وجوبه عليه دون استئذان ولي الأمر؛ لعموم قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم؛ فإن تنازعتم في شيء؛ فردوه إلى الله والرسول؛ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؛ ذلك خير وأحسن تأويلاً)، قال العلماء: هذه الآية نزلت في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله؛ فإن أمروا بمعصية الله؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك؛ أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله؛ لأن ذلك من طاعة الله ورسوله، وأديت حقوقهم إليهم، كما أمر الله ورسوله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وأمر الجهاد موكول إلى ولي الأمر، ورأيه واجتهاده، وهو أعلم بشؤونه، وبما يتعلق به، وترك استئذانه والافتئات عليه في ذلك؛ يؤدي غالبًا إلى فوضى، ونزاع، وقتال لا طاقة للناس به…
٤) البعض يقول: لم ينص الفقهاء في كتبهم عند ذكر شروط الجهاد، على شرط استئذان الإمام، وأنه بدعة حادثة، وغاية ما هنالك أن يقال: استئذان الإمام (واجب) لا (شرط) فلا يلزم من عدمه العدم، فكيف الرد عليهم؟
الظاهر أن إذن ولي الأمر واجب وشرط للجهاد الذي لم يتعين وجوبه على المسلم؛ فيلزم من عدمه عدم صحة الجهاد، ولم ينص الفقهاء في كتبهم عند ذكر شروط الجهاد عليه؛ لأنه ليس شرطًا مطلقًا، بل هو شرط إذا وُجد الإمام…
٥) البعض يستدل بفعل أبي بصير؛ وأنه كان يغير على قريش؛ بعدم اشتراط وجود إمام، ولا استئذانه للقيام للجهاد، فما الجواب؟
أما عدم اشتراط وجود الإمام؛ فقد سبقت الإشارة قريبًا إلى أن وجود الإمام ليس شرطًا لوجوب الجهاد، وأما الاستدلال بفعل أبي بصير على عدم اشتراط استئذان ولي الأمر للقيام للجهاد؛ فلا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم أبا بصير إلى المشركين؛ بمقتضى معاهدة الحديبية، وتمكنوا منه، فصار في حكمهم، وفُصِل عن يد النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه، وهو الإمام وولي الأمر، فَفَعل أبو بصير ما فعل؛ حيث لا حكم للإمام عليه، ومسألتنا حكم القيام للجهاد دون إذن ولي الأمر حيث يكون لولي الأمر حكم على القائم للجهاد…
والله أعلم.
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/21728.html#ixzz2vSjt0HDu
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق