الاثنين، 10 مارس 2014

هل الجهاد في هذا العصر فرض عين، لأن الدول الإسلامية عطلت الجهاد؟

هل الجهاد في هذا العصر فرض عين، لأن الدول الإسلامية عطلت الجهاد؟

وللجواب على هذه الشبهة نقول وبالله التوفيق :
أولاً : حكم الجهاد في سبيل الله
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الجهاد فرض كفاية لقوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)([1]).
ولقوله تعالى :  ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ) ([2]).
فقالوا قوله تعالى :  ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) يدل على أن القاعد عن الجهاد لا يأثم لوجود من يجاهد بدليل أن الآية جاءت في سياق المفاضلة.
وقوله تعالى :  (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ) يدل على : أنه إذا قام به البعض سقط إثمه عن البعض الآخر، وإن لم يقم به من يكفي أثم الكل كفرض الأعيان.
قال ابن كثير بعد أن ساق قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [ وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين بل هو فرض على الكفاية ، قال تعالى : ( وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً á ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات في غرف الجنان العاليات ومغفرة الذنوب والزلات وحلول الرحمة والبركات إحساناً منه وتكريماً ولهذا قال : ( دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) ]([3]) اهـ 
ولا يتعين الجهاد بحيث يصير فرض عين على المسلم إلا في حالات مستثناة من الأصل، وهي ثلاث حالات ذكرها العلماء:
الحالة الأولى: إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ ، وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ ؛ حَرُمَ عَلَى مَنْ حَضَرَ الِانْصِرَافُ ، وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ) .
الحالة الثانية: إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ ، تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ وَدَفْعُهُمْ، وعلى المسلمين نصرتهم إذا استنصروهم، إلا إذا كان بين بعض المسلمين وبين هؤلاء المعتدين ميثاق فيستثنون من وجوب النصرة كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:72) 
الحالة الثَّالِثة: إذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمْ النَّفِيرُ مَعَهُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ ) ، وَلقول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) .
وأما ما استدل به بعضهم على أنه فرض عين بقوله تعالى : â كتب عليكم القتالá فبعيد؛ لأن معناه فُرض، والفرض منه العيني ومنه الكفائي، أو من العموم الذي تخصصه الأدلة بنحو ما تقدم فلا يستفاد من الآية أنه خاص بالعيني.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام :« من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ».
فهذا في حق من لم يحدث نفسه بالشهادة والدفاع عن دينه وعرضه ورضي الذل والهوان، فمن كان كذلك ففيه خصلة من النفاق إن مات على ذلك.
وعليه فأحكام الجهاد في الكتاب والسنة صالحة لكل زمان ومكان، ولكن قلَّ من يفقهها ويعرف أصولها وفروعها على مراد الشارع الحكيم إلا مَنْ وفقه الله .
ثانياً : الجهاد في العصر الحاضر :
لا يشك مسلم في أن الجهاد من أعظم الشعائر في الإسلام، وهو ذروة سنام الإسلام وأحد مبانيه العظام، وهو عبادة عظيمة يؤجر عليه المسلم بالدرجات العلى إذا أخلص فيه العمل وأتى بشروطه، وقد بين العلماء أن الجهاد مناط بقادة المسلمين وأولي الأمر منهم، وليس معلقاً بأفراد المسلمين، ولما في الضوابط التي ذكرها العلماء من تحقيق المصالح التي من أجلها فرض الجهاد وشرع، فالجهاد كما هو معلوم معلق بالأمة كلها وبمصالحها ولذا وكل أمره في الشرع لولاة أمر المسلمين الذين هم أدرى بالمصالح العامة من غيرهم.
ومن الأحكام المتعلقة بالجهاد:
وجود الإمام الذي ينقاد له الجند سواء كان براً أو فاجراً. وهذا هو الذي عليه العهد النبوي وما بعده من العهود الإسلامية التي خاضت المعارك ضد أعداء الله. 
فغياب الأمير الذي ينقاد له الجند ضياع لحقيقة الجهاد لكون المقاتلة سيختلفون ويتفرقون شيعاً وأحزاباً كما هو الحال اليوم.
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقود الجند بنفسه حال الحرب ، وربما بعث السرايا أو المقاتلة وأمَّر عليهم أميراً حفاظاً على وحدة الصف ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه « كان إذا بعث جيشاً أمَّر عليهم أميراً » ([4]).
قال ابن عثيمين رحمه الله ” لابد من إمام يقود الأمة الإسلامية, ولذلك تجد الذين قاموا بالجهاد من غير راية إمام لا يستقيم لهم حال, بل ربما يبادون عن آخرهم ، وإذا قُدِّر لهم انتصار صار النـزاع بينهم “([5]).
أن الجهاد مشروط بإذن ولي الأمر.
قال القرطبي رحمه الله ” ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام “([6]).
فإن ولي الأمر ربما يأمر سرية من الناس لمقاتلة العدو فمن خرج من غيرهم معهم بغير إذن وليه فهو عاصٍ 
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام « على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
ولا يخفى أن أهل الكفر اليوم ظاهرون على أهل الإسلام لضعف المسلمين وقد يترتب على ذهاب الواحد من المسلمين لنصرة إخوانه المستضعفين من غير أذن ولي الأمر كثير من المفاسد التي تضره وتضر غيره من قِبَلِ الأعداء ، ولذا قيد أهل العلم الخروج بإذن ولي الأمر دفعاً لكثير من المفاسد التي تعم بها البلوى.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رداً على من سأله عن الجهاد ومعه والدته ” إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر ، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : « وإذا استنفرتم فانفروا » ([7]) وما دام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك ، وارحمها “([8]) اهـ مختصراً.
وضوح الراية المسلمة، لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : « من قُتل تحت رايةٍ عُمِّية، يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة، فليس من أمتي » ([9]).
قال نور الدين السندي ” قوله: (تحت راية عمية) كناية عن جماعة مجتمعين على أمر مجهول لا يعرف أنه حق أو باطل ، وفيه أن من قاتل تعصباً لا لإظهار دين ولا لإعلاء كلمة الله وإن كان المعصوب له حقا كان على الباطل “([10])اهـ
ولو تأملنا الرايات المرفوعة اليوم في كثير من البلاد الإسلامية التي تدعو إلى الجهاد لوجدناها ملوثة ولا يدري أكثر المسلمين مَن صاحب الراية الزكية في ظل اختلاط الأوضاع ، فربما يتقاتلون فيما بينهم والعدو بين ظهرانيهم ، فأين وضوح الراية الموحدة ، لم نر في الوقت الحاضر سوى العصابات والحزبيات إلا ما شاء الله.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ” ومن شروطه: وجود الراية المسلمة المرفوعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:  « ومن قُتل تحت رايةٍ عُمِّية، يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة، فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها فليس مني » ([11])، وفي رواية: « ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبته، فقتل فقتلةٌ جاهلية» فقوله: « راية عمية»  من العلماء من قال  هي الضلالة، كالقتال لأجل الهوى والعصبة والعصبة، وقال أحمد بن حنبل والجمهور: هي الأمر الأعمى، لا يستبين وجهه. قال ابن راهويه: كتقاتل القوم للعصبة “([12]) اهـ.
 
وجود القوة التي تؤهلهم لخوض المعركة مع الأعداء، سواء كانت قوة معنوية وهي الإيمان، أو مادية وهي السلاح والعتاد، وكلا القوتين مفقودة عند هؤلاء المقاتلة.
فمما يؤسف له أن كثيراً من المسلمين اليوم يطالبون بنصر الله وهم على هذه الحالة المزرية مع أن الله اشترط للنصر الإيمان الصادق فقال جل شأنه : ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) ([13]).
المسلمون اليوم قوتهم الإيمانية ضعيفة، لأن التعلق بغير الله تعالى منتشر في كثير من بقاع العالم الإسلامي، وقوتهم المادية أضعف مقارنة بما يملكه الأعداء.
سئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ” هل المقصود بالقوّة هنا القوّة اليقينيّة أم الظّنّيّةُ‏؟
فأجاب: القوّة معروفة؛ فإذا تحقّقت فعلاً، وصار المسلمون يستطيعون القيام بالجهاد في سبيل الله، عند ذلك يُشرعُ جهاد الكفّار، أما إذا كانت القوّة مظنونةً أو غير متيقّنةٍ؛ فإنه لا تجوز المخاطرة بالمسلمين والزَّجُّ بهم في مخاطرات قد تؤدّي بهم إلى النّهاية، وسيرةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مكّة والمدينة خير شاهد على هذا‏”([14])اهـ
فقولهم بأن الجهاد معطل من قبل الدول الإسلامية قول باطل لأن الجهاد كما سبق له شروطه وضوابطه التي بينها أهل العلم في مصنفاتهم.
ثم هؤلاء البغاة إنما اتخذوا شبهة ” تعطيل الجهاد ” بزعمهم ذريعة للخروج عن ولاة الأمر ، وهذا بيت القصيد عندهم ، وهذه طريقتهم عبر العصور ليغرروا بذلك على غيرهم من الشباب العاطفي وخصوصاً من لم يعرف شبههم وضلالاتهم مع ما يدَّعون من تكفير الحكام والمجتمعات الإسلامية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كان أول من فارق جمـاعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون([15]). 
وقال : وهم أول من كفّر أهل القبلة بالذنوب ، بل بما يرونه هم من الذنوب ، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك([16]). 
ولا يخفى على عاقلٍ ما جرَّ هؤلاء على المسلمين من الويلات والدمار والضعف غفر الله لنا ولهم.
 
——————————————————————————–
(1) سورة النساء ، الآية رقم (95).
(2) سورة التوبة ، الآية رقم (122).
(3)  تفسير ابن كثير (1/718).
(4) أخرجه الشافعي في مسنده (ص208) من حديث بريدة وأصله في الصحيحين.
(5) الشريط رقم (212) لابن عثيمين بعنوان ” لقاء الباب المفتوح “.
(6) الجامع لأحكام القرآن (5/275).

(7) متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) مجموع فتاوى ابن باز ومقالاته (6/15).
(9) أخرجه مسلم (3/ 1477).
(10) حاشية السندي على سنن النسائي (7/123).
(11) أخرجه مسلم (3/ 1477).
(12) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (7 \387). 
(13) سورة الروم ، الآية رقم (47).
(14) المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان (1/228).
(15) مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/349).
(16) المصدر السابق (7/481).


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/shobhat2/3346.html#ixzz2vYAIn2Xu

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق