الأحد، 9 مارس 2014

انتكاس فهم الجهاد

انتكاس فهم الجهاد


لا يشك مسلم له أدنى تعلق بدينه ما للجهاد من منزلة في دين الله تعالى، وقد فاضت الأدلة من الكتاب والسنة بإعلاء منزلة الجهاد بين مراتب العبادة، والثناء على المجاهدين وحسن عاقبتهم في الدنيا والآخرة، ولا أظن أنّ مسلما في حواضر الإسلام يخفى عليه ذلك، فلذلك لا أظن أني أحتاج إلى سرد تلك الأدلة الشرعية لبيان ذلك الفضل للجهاد والمجاهدين.
وفي هذا العصر الذي ادلهمت فيه الخطوب على المسلمين واستحر القتل فيهم في بعض بلاد الإسلام، تنادى المسلمون في شرق الأرض وغربها للدفاع عن حقوق المسلمين المسلوبة والذود عن أعراضهم المهتوكة، وتألم لحالهم حتى من غير المسلمين؛ وعقدوا لذلك المؤتمرات الدولية وسيروا لأجلهم المنظمات الإنسانية، وكل ذلك لأجل الدفاع عن المظلومين، وإعانة الضعفاء والمساكين، وهو مما يحمد لكل عادل لا يرضى الظلم ويأباه، ويستنكر القتل وهتك الأعراض.
ومع هذه المناداة وهذا النفير من أنحاء العالم إلا أن بعض الفئام من المسلمين هداهم الله أبوا إلا أن يجعلوا ذلك الوقوف ضد الظالم قنطرة للوصول إلى أهداف غير شرعية ولا شريفة، بل والولوغ في ظلم آخر، ولم يكن القصد من الدفاع على المظلومين المشردين إلا ليكون طريقاً للخوض في مواجهة مع مسلمين آخرين.
وقد سهلت وسائل الاتصالات الحديثة بأنواعها من الشبكة العنكبوتية حفظ رسائل بالصوت والصورة من بعض تلك الجماعات الإسلامية والتي بثوا فيها رغبتهم في غزو عقر دار الإسلام بعد الانتهاء من وقوفهم مع المظلومين واعتبارها بلاد محتلة من قبل الكفار.
فيحق لكل متسائل أن يسأل هؤلاء الإخوة عن علاقة إعانة شعوب بأكملها في رفع الظلم الواقع عليها وبين إباحة قتال بقية إخوانهم المسلمين في عقر دارهم، وما علاقة الجهاد بالسعي لقتال المسلمين في ديارهم.
فهل قتال المسلمين هو من الجهاد الشرعي المأذون فيه، أو هو باب من أبواب الفتنة التي لا تزيد ضعف المسلمين إلا وهناً وضعفاً.
والجواب بلا ريب أنه فتنة عمياء، وتعرض لتقحم الكبائر من الموبقات من سفك دماء المعصومين من المسلمين والمعاهدين ونحوهم ممن لا يحل التعرض لهم.
وقد وصل حال بعض المسلمين إلى أن يكونوا أدوات بأيدي أعدائهم وجعلوهم أسنة في نحور إخوانهم، وأصبح الأعداء الحقيقيون للمسلمين ليس لهم همّ وشغل إلا النظر والاستمتاع بما يحصل بين المسلمين، فكُفوا المؤونة بغيرهم.
بل إن هؤلاء الإخوة قد تسببوا في كثير من الأزمات التي تعيشها بعض بلاد المسلمين، وأصبح همّ ولاة الأمر في تلك البلاد شغلهم الشاغل متابعة تحركاتهم، والاستعداد لمواجهتهم، وتأمين المؤسسات الهامة التي يعود نفعها للمسلمين عامة، مما كلف تلك الدول الإسلامية تكاليف باهضة كان الأجدر أن تصرف لغير ذلك.
ومن أراد أن يدرك الخسائر الفادحة التي مني بها المسلمون في دارهم من هذه التصرفات الرعناء التي تدعي زوراً أن القصد منها رفع راية الجهاد فليستقرأ التاريخ المعاصر منذ عشرين سنة لدول الإسلام ليدرك كيف أن هذه الأفعال ذهب ضحيتها المئات إن لم تصل للآلاف من الأنفس البريئة من المسلمين وغيرهم من القاطنين بالأمان في بلاد الإسلام.
فمن الخاسر الحقيقي في هذه الأفعال المنكرة؟
وهل عامة المسلمين في نظر هؤلاء أصبحوا كفاراً يجب قتالهم قبل قتال غيرهم من اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر؟
أم أن هذه البلاد الإسلامية منذ دخول الإسلام فيها لم تعد دياراً إسلامية؛ وكان بدء قتالها أولى من غيرها من بلاد الكفر التي لم يرفرف علم الإسلام فيها يوماً من الأيام؟
من المستفيد من تدمير الممتلكات العامة من المستشفيات والوزارات ودك السفارات وقتل ممثليها في بلاد الإسلام، وتهديد الموانئ التي من خلالها يتصل العالم الإسلامي بغيره من البلاد العالمية للتبادل التجاري وغيرها من المنافع؟
كل عاقل يدرك أن هذه التصرفات الرعناء لن يستفيد منها إلا أعداء المسلمين، ولن تعود على المسلمين بخير، ولن تضر أعداء المسلمين بشيء، وإنما هي سهام مردودة في صدور المسلمين.
فمتى كانت هذه الأفعال المشينة من الجهاد الذي شرعه الله تعالى ليكون حصناً وردءاً لحماية المسلمين!!
أين عقول هؤلاء، وكيف وصل بهم الحال إلى أن يغيب عنهم المفهوم الحقيقي للجهاد في سبيل الله تعالى.
لا أرى إلا أن طمس البصيرة قد خشا على قلب من ظن أن تلك التصرفات هي من الجهاد الذي ورد الثناء على أهله في الكتاب والسنة، ومن وصل به الحال إلى تلك الدرجة من الغشاوة فليسأل الله تعالى أن يرد له قلبه، وينور له بصيرته، لأنه في الحقيقة لا قلب له يميز به بين الحق والباطل ولا بصيرة {… فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
أصلح الله حال المسلمين وردهم إلى دينهم رداً جميلاً، وكفاهم شر أنفسهم وشر أعداءهم.
————————————-
خاص بالسكينة:محمد بن عبد السلام الأنصاري

رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/35719.html#ixzz2vSYim4hF

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق