الاثنين، 10 مارس 2014

أصولٌ شرعيةٌ في نقدِ خطابِ الغلاةِ

أصولٌ شرعيةٌ في نقدِ خطابِ الغلاةِ

بسمِ اللهِ الرحَّمنِ الرحيم
الحمدُ للهِ وحدهُ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله وآلهِ ، أما بعدُ :
فقدِ اطَّلعتُ في (موقعِ السكينةِ) في (زاويةِ الركنِ الإعلامي) ؛ كما اطَّلعَ غيري على مقالٍ لفضيلةِ الشيخ/عبد الله بن سليمان المنيع-وفقه اللهُ- تحت عنوان : (حوار مع مُغرَّر به) ، وكانَ المقالُ غايةً في النَّفعِ والفائدةِ ؛ بيَّنَ فيهِ فضيلتُهُ الأصولَ والضوابطَ الخاصَّةَ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ ، ومتى يُشرعُ ومتى لا يُشرعُ ، وما إلى ذلكِ.
وجاءَ في أحدِ التعليقاتِ على مقالِ الشيخِ : تعليقٌ لَمْ يُوفقْ فيه صاحبهُ للصَّوابِ ، وشَنَّعَ فيه على الشيخِ أيَّما تشنيعٍ ؛ إذ قالَ-هداه الله- :
“والله إن المغرر به لهو أنت يا ابن منيع ومن على شاكلتك،رضيتم بالقعود وتلذذتم بالمتاع الزائل وعطلتم الجهاد 
فأنتم نجوة يتمسح الطغاة بها لينظفوا أقذارهم التي تأتون أنتم لإضفاء الشرعية عليها.
ليس من من جاهد في سبيل الله وباع نفسه وماله مغرر به
إنما المغرر به هو من غره الشيطان وخذله وأقنعه بأن ما هو عليه حق وصواب
اللهم لك الحمد على نعمة الدين نعمة الإسلام نعمة الإيمان نعمة التوحيد نعمة الكفر بالطاغوت والإيمان بالله  نعمة الجهاد والقتال في سبيل الله ” .
والحقُّ أَنَّ هذا الأخ-هداه الله- منْ خلالِ تعليقهِ السَّابقِ لا يُمثِّلُ نفسه فحسبْ ؛ وإنما هذا هو خطابُ الغلاةِ بصورةٍ عامَّةٍ ، وإذْ كانَ الأمرُ كذلكَ ؛ رأيتُ من الواجبِ الشرعيِّ تسليطَ الضوء عليهِ ؛ نقداً له ، وتقويماً لمفرداتهِ ؛ في شكلِ أصولٍ شرعيةٍ؛  عسى اللهُ أن ينفعَ بها ، و يهدِيَ الجميعِ للحقِّ والصوابِ .
1-طلبُ الهدايةِ في المسائلِ المختلفِ فيها يتحقَّقُ بسؤالِ اللهِ الهدايةِ ، وبذلِ الجهد في تحصيلها منْ مصدرها الصَّحيحِ :
(اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ).أخرجه مسلمٌ برقم 1847
هكذا كانُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يفتتحُ صلاته إذا قامَ يُصلي من الليلِ : مناجياً رَبَّهُ ؛ مبتهلاً إليه أن يهديه إلى وجهِ الحقِّ و الصَّوابِ فيما اختلفَ فيه النَّاسُ.
فما أمسَّ حاجةَ الإنسانِ وقد اختلطَ الحابلُ بالنابلِ أنْ يتوجَّهَ إلى اللهِ بكليتهِ طالباً منهُ الهدايةَ والرَّشادَ ؛ ثُمَّ إنَّ عليه بعد ذلكَ أن يبذلَ الجهدَ في طلبِ الهدايةِ من مصدرها الصحيحِ ؛ بعيداً عن المصادرِ الملوَّثةِ ، والمنابعِ الآسنةِ ؛ قارعاً بابَها بإلحاحٍ شديدٍ حتى يفتحِ اللهُ له سبيلِ الهداية والنجاة .
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمهُ اللهُ- في:”مجموع الفتاوى” : (1/57) في سياقِ حديثهِ عنِ اختلافِ النَّاسِ في بعضِ المسائلِ العقديةِ :
(وَمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ فَلْيَدْعُ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ؛ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك ؛ إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي داود : { أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي صِلَاتِهِ ثُمَّ يَقُولُ ذَلِكَ } . فَإِذَا افْتَقَرَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ وَدَعَاهُ وَأَدْمَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ الْهُدَى) .
وكمْ من الشبابِ اليومَ ضلَّ عن الصراطِ المستقيمِ بسببِ أخذهِ العلمِ عن مصادرَ مشبوهةٍ منْ كتبٍ أو رسائلَ أو بياناتٍ تنشرُ هُنا وهناك لأُناسٍ مجاهيلَ ، أو أشخاصٍ لم يُعرفوا بأخذِ العلمِ عنْ علماءِ الأمةِ الثِّقاتِ الَّذين أحاطوا بكلياتِ الشريعةِ ومقاصدها العظيمةِ ؛ وإنما عن أنصافِ فقهاءَ أوْ حتى أرباعٍ مِمَّنْ أخذ بهم العجبُ كُلَّ مأخذٍ ؛ فصاروا-عياذاً بالله- يتطاولونِ على أهلِ العلمِ بكلِّ جرأةٍ وسفاهةٍ ؛ وكأَنَّ أحدهم عالمُ زمانهِ وأوحدُ دهرهِ ، وتلك وأيمُ الله فتنةٌ عظيمةٌ تتولَّدُ عنها كثيرٌ من المفاسدِ والشرورِ .
وفي ذلك يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا” .أخرجه البخاري في “صحيحه” من حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رضي الله عنهما- .
يقولُ شيخُ الإسلامُ ابن تيمية-رحمهُ اللهُ- في:”مجمع الفتاوى” : (5/118-119):
“وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : أَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الدُّنْيَا : نِصْفٌ مُتَكَلِّمٌ وَنِصْفٌ  مُتَفَقِّهٌ وَنِصْفٌ مُتَطَبِّبٌ وَنِصْفٌ نَحْوِيٌّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْبُلْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ اللِّسَانَ” .
2-توقيرُ أهلِ العلمِ والتَّأَدُّبُ معهم واجبٌ شرعيٌّ :
ليسَ ثَمَّتَ إشكاليةٌ أَلْبَتَّةَ  في أن يبديَ الإنسانُ رأيهُ في الهواءِ الطَّلقِ ؛ حتىَ تُعرفَ خبيئةُ نفسهِ ، وما يُكِنُّهُ منْ معتقدٍ أو وجهةٍ في صدرهِ ؛ ومنْ ثَمَّ يكونُ الحوارُ الهادئُ الرشيدُ البَنَّاءُ : أخذاً ورَدًّا في إطارِ القيمِ والأخلاقِ الإسلاميةِ الفاضلةِ لا سيما مع أهلِ العلمِ ؛ كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ : 
(لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ) أخرجه أحمد في:”مسنده” 22755 ، وإسناده حسنٌ .
بيدَ أنَّ الإشكاليةَ الكبرى تَكمنُ في الطَّعنِ في أهلِ العلمِ وسوءِ الأدب معهم ؛ و القدحِ فيهم ووصمهم بِالعظائمِ .
وما أجملَ ما قالَ الحافظُ ابنُ عساكر الدِّمشقيُّ-رحمهُ الله- إذ يقولُ في كلمةٍ ناصحةٍ لَهُ في:”تبيينِ كذبِ المفترى” : (صـ/29) :
(وأعلم يا أخي وفقنا اللهُ وإيَّاك لمرضاتهِ ممن يخشاهُ ويتقيهِ حَقَّ تقاتهِ أنَّ لحومَ العلماءِ رحمة الله عليهم مسمومةٌٌ ، وعادةُ اللهِ في هتكِ أستارِ منتقصيهم معلومةٌ ؛  لأنَّ الوقيعةَ فيهم بما هم منهُ براءٌ أمرهٌ عظيمٌ ، والتناولُ لأعراضهم بالزُّور والافتراء مرتعٌ وخيمٌ ، والاختلاقُ على مَنْ اختارهُ اللهُ منهم لنعشِ العلمِ خلقٌ ذميمٌ ،  والإقتداءُ بما مدحَ اللهُ به قولَ المتبعينَ من الاستغفارِ لمنْ سَبَقَهُم وصفٌ كريمٌ ؛  إذْ قالَ مثنياً عليهم في كتابهِ وهو بمكارمِ الأخلاقِ وضدها عليمٌ : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )الحشر10
3-شرعيةُ الحكامِ في السمعِ والطاعةِ لهم بالمعروفِ ، وعدمُ الخروجِ عليهم ولو جاروا لم يأتِ بها أهلُ العلمِ هكذا عنْ فراغٍ من تلقاء أنفسهم ؛ وإنما هذا هو دينُ اللهِ عزَّ وجلَ ، المقرَّرُ في كتابهِ العظيمِ ، وسنةِ نبيهِ الكريمِ ، وهو سبيلُ المؤمنينَ جيلاً بعدَ جيلٍ ؛ فمنْ رضي باللهِ ربًّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً فلا بُدَّ أنْ يذعنَ لهذا الشأنِ وينقادَ له ، ولو كانَ هذا مغايراً لما تميله عليه نفسه وما ينطلقُ عن هواهُ.
نعم هذا هو دينُ اللهِ عزَّ وجلَّ ؛ وأما دينُ الخوارجِ الذين أذاقوا الأمةَ المراراتِ على امتدادِ التأريخِ ؛ فهوَ قائمٌ على الطَّعنِ في أهلِ العلمِ وتشويهِ صورتهم ، والطَّعنِ في ولاةِ الأمرِ والخروجِ عليهم.
ومنَ الأحاديثِ العجيبةِ في هذا البابِ : حديثٌ عظيمٌ ، جليلُ القدرِ ، يكشفُ لنا فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوحيٍ من اللهِ الغطاءَ عنْ واقعٍ مريرٍ يُحيطُ  بالأمةِ منْ جهةِ حكامها ؛ بسببِ فسادِ رعيتها ؛ فإذا هم يخرجونَ عن الشَّريعةِ ؛ و فيهم رجالٌ كالشياطينِ في شرِّهم وفسادهم-عياذاً باللهِ- :
فعنْ حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ : (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) .أخرجه مسلم في صحيحهِ برقم 4891.
يقولُ فضيلة الشيخِ عبد العزيز العسكر-رحمهُ الله- في رسالتهِ النافعة الَّتي أوصى الإمام عبد العزيز بن باز-رحمه الله- بقراءتها و الاستفادة منها :  :”نبذة مفيدة عن حقوقِ ولاة الأمر” : (ص/9) :
(وهذا الحديث من أبلغ الأحاديث التي جاءت في هذا الباب فقد وصف النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – هؤلاء الأئمة بأنهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وذلك غاية الضلال والفساد، ونهاية الزيغ والعناد، فهم لا يهتدون بالهدي النبوي في أنفسهم، ولا في أهليهم، ولا في رعاياهم…
ومع ذلك فقد أمر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بطاعتهم – في غير معصية الله كما جاء مقيداً في أحاديث أخر -، حتى لو وصلَ الأمر إلى ضربك وأخذ مالك، فلا يحملنك ذلك على ترك طاعتهم وعدم سماع أوامرهم، فإن هذا الجرم عليهم، وسيحاسبون ويجازون به يوم القيامة.
فإن قادك الهوى إلى مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطع لأميرك لحقك الإثم، ووقعت في المحظور.
وهذا الأمر النبوي هو من تمام العدل الذي جاء الإسلام به، فإن هذا المضروب إذا لم يسمع ويطع، وذاك المضروب إذا لم يسمع ويطع… أفضى ذلك إلى تعطل المصالح الدينية والدنيوية، فيقع الظلم على جميع الرعية أو أكثرهم، وبذلك يرتفع العدل عن البلاد، فتتحقق المفسدة، وتلحق بالجميع.
بينما لو ظُلِمَ هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج، وسمع وأطاع، لقامت المصالح ولم تتعطل، ولم يضع حقه عند الله تعالى، فربما عوضه خيراً منه وربما أدخره له في الآخرة.
وهذا من محاسن الشريعة، فأنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك، لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً، فالحمد لله على لطفه بعباده).
4-الجهادُ عبادةٌ عظيمةٌ ؛ فإذا كانَ قائماً على هدى اللهِ صارَ نافعاً للأمةِ ، وإذا خلا عن ذلكَ غدا نكسةً ووبالاً عليها :
حَقًّا منْ جاهد في سبيل الله وباع نفسه وماله فليسَ مغرراً به إذا كان جهاده صادراً عن هدى الله ؛ منطلقاً من شروطِ الجهادِ وأركانهِ الشرعيةِ ؛ قد قامتْ أسبابه ، وانتفتْ موانعه.
أَمَّا منْ رفعَ رايةَ الجهادِ بغيرِ أصولٍ ولا ضوابطَ ، وانطلقَ في الحياةِ كيفما اتفقَ ، شاهراً سيفهَ ، يخبطُ خبطَ عشواءَ ؛ فهذا أبعدُ ما يكونُ عنِ الجهادِ ، وجهادهُ منقوضٌ لانتقاضِ شروطهِ ، وزوالِ أركانهِ ، و حلولِ النواقضِ فيهِ وعليهِ .
أرأيتَ إلى رجلٍ اندفعَ في حماسٍ ملتهبٍ ، ولم يِحِنْ بعدُ وقتُ الصَّلاةِ المفروضةِ ؛ كصلاةِ الفجرِ مثلاًَ ، وصاحَ بأعلى صوتِه قائلاً : يا قومُ دعوني أُصلِّي : أليستِ الصلاةُ من خيرِ ما يعملُ النَّاسُ ؛ فقال له العقلاءُ : أصحابُ الشريعةِ : إنهُ لا يجوزُ لك أن تُصلِّيَ ؛ إذْ لم يدخلْ وقتُ الصلاةِ ؛ فقامَ صاحبنا معانداً وقد ركبَ رأسه فصلَّى.
أَتُرى صلاتهُ هذه مقبولةً عندَ اللهِ ؟
الجوابُ بكلِّ تأكيدٍ: إنَّ صلاته باطلةٌ مردودةٌ عليه ؛ لتخلُّفِ شرطٍ منْ شروطِ الصَّلاةِ وهو دخولُ الوقتِ ، وهو آثمٌ في شريعةِ اللهِ وهو يحسبُ أنه يُحسنُ صنعاً.
وإذا قامٌ رجلٌ ثانٍ وقدْ دخلَ وقتُ الصَّلاةِ ؛ وتوضأَ للصلاةِ ؛ فبينما هو كذلكَ إذِ انتقضَ وضوئهُ بأيِّ ناقضٍ من نواقضِ الوضوءِ ؛ فقيلَ له : يا هذا لا تُصلِّ حتى تُعيدَ وضوءكَ ؛ فلمْ يلتفتْ إلى نصحِ النَّاصحِ ، وقالَ يا قومُ : أتمنعوني من الصلاةِ، يا قومُ أين عقولكم ؟! و صلَّى ؛ فهلُ يقولُ عاقلٌ : إِنَّ صلاتَه هذهِ صحيحةٌ مقبولةٌ عندَ اللهِ؟
الجوابُ بكلِّ يقينٍ :
إنَّ صلاته باطلةٌ مردودةٌ عليه ؛ لتخلُّفِ شرطٍ منْ شروطِ الصَّلاةِ وهو الوضوءَ ؛ لحلولِ حدثٍ نقضَ وضوءه هذا ، وهو آثمٌ في شريعةِ اللهِ وهو يحسبُ أنه يُحسنُ صنعاً.
ولو قامَ ثالثٌ يُصلِّي وقد دخلَ وقتُ الصلاةِ ؛ متوضِّئَاً لها ، فدخلَ في الصلاةِ ولَمْ يُكبرْ تكبيرةَ الإحرامِ ؛ فقالَ له النَّاصحونَ : إِنَّ صلاتَك هذهَ باطلةٌ لعدمِ الإتيانِ بركنٍ من أركانها؛ فأعِدْ صلاتَك ؛  فلم يسمعْ لهم ، وأعلنَ عليهم النَّكيرَ : أتحولونَ بيني وبين الصَّلاةِ ؟ فصلَّى !!
أَتَرَى عاقلاً ؛ عالماً بالشريعةِ يُصوِّبُ صلاته هذه .
أرايتُمْ كيف أَنَّ الصَّلاةَ وهي أعظمُ من الجهادِ في سبيلِ اللهِ ، وهي عبادةٌ كسائرِ العباداتِ لها شروطٌ وأركانٌ ؛ فمنْ حَقَّقها وأزالَ نواقضها ؛ كانتْ صلاتهُ-بإذنِ الله-ِ عبادةً عظيمةً يُثابُ عليها عند الله ؛ وإلا رُدَّتْ على صاحبها ، وكانتْ وبالاً عليهِ .
وهكذا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؛ فإِنَّهُ عبادةٌ عظيمةٌ إذْ هو ذروةُ سنامِ الإسلامِ ؛ وهو ماضٍ إلى يومِ القيامةِ ، وأهلُ العلمِ لم نَرَ واحداً منهم على طولِ التأريخِ وعرضهِ قد عَطَّلَ الجهادَ إذا توفَّرتْ شروطهُ وتحقَّقتْ أركانهُ وانتفتْ موانعهُ ؛ فبذا يكونُ نافعاً للأمةِ ؛ غيرَ أَنَّهم يعُوونَ حق الوعيِ أَنَّ الجهادَ إذا خلا عَنْ هذه المنظومةِ الشِّرعيةِ المتكاملةِ كانَ فساداً في الأرضِ ووبالاً على الأمةِ.
ومنْ لم يعتبرْ بكلمةِ الشَّرعِ في هذهِ الأمورِ العظامِ ، ولا بقوارعِ التأريخِ فيما يجري في حوادثهِ الجسامِ ؛ فَكَبِّرْ عليه أربعاً-ولا حول ولا قوةَ إلا بالله-.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/6588.html#ixzz2vYS6OaNG

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق