الاثنين، 10 مارس 2014

السلفيون وحفظ الأوطان: المنهج والتطبيق

السلفيون وحفظ الأوطان: المنهج والتطبيق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
هل يحتاج الأمر إلى عناء كبير للتمييز بين مَن يحرص على مصلحة البلاد وأمنها وبين من يريد إشعال نيران الفتن فيها؟!
وهل من الصعوبة بمكان معرفة من يوافق قوله عمله ممن يخرج علينا دومًا بشعارات جوفاء عن المحبة والتسامح؟!
وهل يستوي اليقظ لقضايا الأمة المصيرية الواعي لدوره تجاهها مع من يتعصب دائمًا لأجندته المبنية على العصبية الجاهلية البغيضة لإخوانه من أهل الكفر والنفاق؟!
إجابتي -بل إجابات الكثيرين في أغلب الأحيان- ستكون بالنفي إذ الواقع خير شاهد، ولكن المغرضين أصحاب الأقلام المأجورة والمناهج الفاسدة سيكون لهم بالتأكيد رأي آخر.
كم مرة سمعنا فيها وقرأنا اتهامًا مغرضًا للإسلاميين عمومًا “والسلفيين خصوصًا” بأنهم أساتذة التشدد، وأصحاب التطرف، ورعاة والإرهاب؟!
وكم مرة رأينا فيها السلفية تُقرن بالفتن الطائفية، وهي من الفتن براء؟!”
السلفية “منهج إصلاح” شامل، وهو منهج وسط بين منهجين، منهج التغيير المسلح الصدامي من جهة ومنهج التغيير السياسي المتلون من جهة أخرى
وكم رماها أعداؤها –عن قلة علم أو سوء نية- بضد ما تدعو إليه من منهج إسلامي صاف عن البدع والأهواء والأفكار المحدثة غربيها وشرقيها؟
ومما رُمي به السلفيون دومًا في خضم هذه المعركة أنهم أناس لا يحبون أوطانهم، بل هم شر على أوطانهم من أعدائها المعلنين بالعداوة، بل زعم المبطلون أنه ما أصاب البلاد من فتن وأمراض اجتماعية إلا جراء انتشار أفكارهم واستفحال خطرهم!
ولك الله إن تركت وحدك في معركة مع هؤلاء في خصومة هم فيها الخصم والحكم، ولك الله حينما لا يكون عدوك عدوًا عاقلاً ولا حكما منصفا.
أما المنصف -وإن خالفك- إذا أراد أن يحكم عليك أو على جماعة بشرية يجمعها إطار منهجي معين؛ فإنه يرجع إلى الأصول العقدية لهذا المنهج أولاً من واقع مراجعه وأصوله؛ ويرجع ثانيًا إلى التطبيق العملي من قبل هذه الجماعة البشرية لهذه الأصول من واقع تاريخهم والأحداث التي مرت بهم، يفعل ذلك بتجرد ثم يقدم رؤيته وحكمه.
ولكن القوم لم يكونوا صادقين مع أنفسهم فضلاً عن أن يكونوا كذلك مع غيرهم؛ فيتبعوا هذا الطريق المنصف، ولم يكونوا عادلين في أحكامهم إذ تحركهم دومًا الأهواء وليس طلب الحق، ولم يتحلوا كذلك بالشجاعة العلمية اللازمة ليقارعوا الحجة بالحجة والبيان بالبيان، بل عادتهم التشغيب وعلو الصوت، وإلقاء التهم جزافا، ثم الهروب من المواجهة، ودأبهم المسكنة الزائفة وبكاء حال الأوطان، والتشبه بلابس ثوب الحكمة، والحكمة له مجافية.
فهيا في هذه العجالة نستعرض منهج السلفيين وأفعالهم في هذا الجانب -الحفاظ على الأوطان-؛ لكي نكون على بصيرة من أمرنا ونخلص الحقائق من الأكاذيب.
أولاً: في الجانب المنهجي:
لو طالعت كتب السلفيين ومراجعهم وأدبياتهم لوجدت كثيرًا من المصطلحات ذات الدلالة بخصوص حديثنا هنا عن أمن الأوطان والحفاظ عليها، ومن ذلك:
1-السلفية منهج إصلاح:
فالسلفية “منهج إصلاح” شامل، وهو منهج وسط بين منهجين، منهج التغيير المسلح الصدامي غير المنضبط بضوابط الشرع في الدماء والأموال ولا العابئ بالمفاسد والمصالح ولا المراعي لموازين القدرة والعجز ، ومنهج التغيير السياسي المتلون من جهة أخرى؛ فبينما سعى الاتجاهان الآخران للسلطة -بالعنف أو بصناديق الانتخابات- لنوال الحكم والسيطرة عليه أو المشاركة فيه لم يسع السلفيون للحكم بأنفسهم ولا دعوا إلى أنفسهم وأعلامهم، بل يدعون دائمًا إلى أن يكون الحكم لله، وأن يُحكموا هم بشرعه، وليس أن يتولوا هم هذا الحكم بالضرورة.
وهذا التغيير المنشود ليس مبهمًا ولا ضبابيًا، بل هو تغيير منصب أساسًا على البشر، وموجه إلى عامة الناس، قوامه الحرص على إيجاد الفرد المسلم الذي حسن إسلامه، وتم بناء شخصيته في تكامل مأخوذ من تكامل الإسلام نفسه؛ تربية متوازنة وعلمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وعقيدة سليمة، وأخلاقا حسنة، وسلوكًا سويًا كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك كله في سياق بيانه للدين في حديث جبريل عليه السلام عن الإسلام الإيمان والإحسان.
وهو كذلك تغيير قائم على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفهم الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان من السلف الصالحين أئمة الدين، دعوة لتغيير لحياة الأفراد ونظام المجتمع وأسلوب الحكم، وليس تغييرًا أجوف من أجل التغيير فحسب، ولا تغييرًا ذا نظرة ضيقة من أجل إسقاط حزمة قوانين ومواد دستورية، أو معارضة لحكم قائم أو خروجًا عليه، ولا لتغيير أوجه واستقدام آخرين، ولا لنصرة حزب سياسي ذي أجندة غير مستمدة من أحكام الشرع الحكيم.”
السلفيون لا يستحلون دماء المسلمين ولا المعاهدين من غيرهم، ولا أعراضهم، ولا أموالهم، ويرونها كلها معصومة محرمة بعصمة الشرع وتحريمه لها
2-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ويرتبط بما سبق من عرض للمنهج السلفي قضية الاحتساب، أي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإشاعته قدر الإمكان والوسع والطاقة بين كل من يقدر عليه، نصحًا يقوم به بنفسه أو بغيره متعاونا معه في ذلك، أو تنبيهًا لغيره من القادرين عليه، وهذه الحسبة لها ضوابط وآداب ينبغي على القائم بها مراعاتها وإلا كان مفسدًا غير مصلح، منفرًا من الحق غير داع إليه، بل ينبغي للمحتسب أن يكون مخلصًا في ذلك حتى تكون دعوته إلى الله وليس إلى نفسه، صابرًا على ما أصابه، كما ينبغي أن يكون أمره بالمعروف معروفًا ونهيه عن المنكر غير منكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والذي يلقبه غير المنصفين بإمام التطرف، ومنظر الإرهاب، وكأنهم لم يطالعوا منهج الإمام.
وإن كان غير السلفيين يتشدقون بالدعوة إلى “الإيجابية” والحراك المجتمعي من أجل التغيير وغير ذلك من الألفاظ الرنانة، فالسلفيون رأوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه وضوابطه وإصلاح المجتمع على نور الوحي وضوء الشريعة أفضل فعل إيجابي يقومون به كما أمر الله، من أجل حفظ هذا المجتمع وصيانة هذه الأوطان.
3-مراعاة المفاسد والمصالح:
ويرتبط بما سبق من منهجهم أيضًا مراعاة المفاسد والمصالح، فهم يجتهدون في استجلاب المنافع والمصالح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ويدفعون المفاسد والمضار عن المسلمين قدر طاقتهم، ويتعبدون لله بتقديم أكبر المصلحتين إن تعارضتا، ودفع أكبر المفسدتين إن أوشك حدوثهما معًا، وذلك في كافة شئونهم من الفعل والترك، والأمر والنهي، والحركة والسكون، والنطق والسكوت، بل لعل هذه الجملة: “مراعاة المصالح والمفاسد” لم توجد أكثر انتشارًا إلا على ألسنة العاملين بمنهاج النبوة؛ السائرين على طريق السلف الصالح.
مع تأكيدهم على أن موازنة المصالح والمفاسد إنما يكون بميزان الشريعة المعصومة فنقدم ونعظم ما قدمه وعظمه الله الحكيم ورسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ونؤخر ما أخره الله ورسوله كذلك.
4-أدب الخلاف:
والسلفيون أقروا بوقوع الاختلاف بين الناس في التصورات والرؤى، وما يتبع ذلك من أحكام وتوجهات؛ إذ الاختلاف سنة كونية، فأصلوا له أصولاً شرعية مستمدة من الكتاب والسنة، ونصوا على آداب مأخوذة منهما، وتأسوا في ذلك بسلف الأمة الذين وسعهم ما ينبغي أن يسعنا، والذين أنكروا على أشياء أخرى ينبغي علينا إنكارها هي وأشباهها.
وفرق السلفيون بين خلاف التنوع وخلاف التضاد، وبين الخلاف السائغ الذي لا يصادم كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا قياسا جليا وبين الخلاف غير السائغ الذي يعارض النصوص والإجماع، وذكروا الواجب نحو هذا الخلاف في كل حالة من هذه الأحوال.
فاختلاف التنوع يستثمر في تحقيق التكامل في العلوم والأعمال حتى ترتقي الأمة بأبنائها ويصلح المجتمع المسلم.
واختلاف التضاد السائغ يحتمل ويبقى الود والحب والأخوة في الله.
واختلاف التضاد غير السائغ يرد ويحارب بإحقاق الحق وبيانه وإبطال الباطل وإزهاقه، مع التفريق بين المصر على الكفر أو البدعة أو الضلالة فيُبغض ويُحذر منه وبين المجتهد المخطئ الذي عامة حياته وأعماله في نصرة دين الله واتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا إن زل في مسألة بخصوصها يرد فيها قوله وتبقى منزلته وتذكر حسناته ويدعى له بالمغفرة.
كذلك دعا السلفيون الناس برفق لتضييق فجوة الخلاف بالالتفاف حول الكتاب والسنة، والاجتماع على كلمة التوحيد، وعرضوا كل هذه القضايا برقي ووضوح لم يوجد مثله عند كثير من “المستنيرين” المزعومين؛ الذين يتهمون السلفية بجمود الفكر وضلال المذهب، وينسبون إليها كل بلية استجلبوها هم علينا، في الوقت الذي يمارسون ضد السلفيين كل ما يستطيعونه مِن: صور الاستهزاء، والحرب، والتضييق ، والملاحقة.
والحاصل: أنه كان لهذا الأدب السامي في الخلاف عامل كبير في تواصل السلفيين مع غيرهم ممن خالفوهم -وإن كنا نطمع بمزيد من التواصل البنَّاء لا سيما مع الإسلاميين-، كذا كان لهذا التواصل كبير الأثر في حفظ الأمن الاجتماعي.”
حب السلفيين لأوطانهم وعملهم من أجله إنما هو نابع من دينهم وعقيدتهم؛ فخالفوا بذلك أهل الدعوة إلى القومية والوطنية والتحزبات الطائفية الإقليمية، وغير ذلك من الدعاوى الفارغة
5-قضايا الإيمان والكفر:
كل ما ذكرنا وغيره إنما هو راجع في الأساس لأصل العقيدة عند السلفيين، والتي اشتركوا فيها -بفضل الله- مع عامة المسلمين الموحدين أتباع الحق في مشارق الأرض ومغاربها، والتي انتظمت حولها كل العقائد السلفية الأخرى على ضوء الشريعة أيضًا، ونعني بهذه العقيدة قضايا الإيمان والكفر.
 فالسلفيون يثبتون الإسلام لكل من نطق الشهادتين وبرأ من الشرك، ويعتبرونه أخًا لهم وحسابه على الله -تعالى-, ولا يتوقفون في ذلك ولا يمتحنون غيرهم على الإيمان، ولا يكفرون أحدًا بذنب وإن كان مرتكبًا كبيرة ما دام غير مستحل لها، ويرون صحة الصلاة خلف كل بر وفاجر، وصحة الجهاد خلفه إن كان ذا راية غير جاهلية ممن تولى أمور المسلمين ما دام يقودهم بكتاب الله في الجملة، وفسقه إن كان فاسقا فعلى نفسه، ويسألون الله الثبات للبار، ويسألونه الهداية للعاصي، ويترحمون على أموات المسلمين ولو لم يعرفوا شخوصهم ولم يخالطوهم.
والسلفيون لا يستحلون دماء المسلمين ولا المعاهدين من غيرهم، ولا أعراضهم، ولا أموالهم، ويرونها كلها معصومة محرمة بعصمة الشرع وتحريمه لها، ولا يرون تكفير مسلم بلا بينة أوضح من الشمس في وضح النهار، ولا يسارعون فيه بل لابد لديهم من استيفاء شروط وانتفاء موانع محلها مظانها يفتي بها أهل العلم الأثبات، ويفرِّقون بين كفر العين وكفر النوع؛ فليس كل من وقع في شيء من أفعال الكفر كافرًا، بل لعله جاهل أو متأول؛ فيعذرون الجاهلين بجهلهم الناشئ عن عدم البلاغ، ويجتهدون في تعليمهم، والتحذير من الشرك وأبوابه وذرائعه بالحسنى والكلمة الطيبة.
والأصل في المسلمين -الذين ولدوا على الإسلام أو نطقوا الشهادتين أو أقاموا الصلاة- الإسلام إلا ما طرأ عليهم، والسلفيون يوالون عامة المسلمين ويناصرونهم مهما تباعدت أوطانهم واختلفت لغاتهم؛ يحبونهم لإسلامهم وإن ظلموهم وأخذوا أموالهم، فيكرهون منهم ظلمهم ومعصيتهم وبدعتهم إن وقعوا في شيء من ذلك، ويحبونهم بقدر ما معهم من إيمان وطاعة, ويزوجونهم ويتزوجون منهم، ويأكلون طعامهم ويطعمونهم، ولا يرون لأنفسهم فضلاً على أحد إلا بما سمى الله -تعالى- من التقوى التي في القلوب فلا يطلع عليها إلا هو.
ثانيًا: في الجانب العملي:
السلوك مرآة الفكر، وما يعتقده الناس في دواخلهم يظهر على تصرفاتهم واختياراتهم، فكل ما يشيع بين أفراد جماعة بشرية ما فإنما هو محصلة عقيدتهم وخلاصة آرائهم؛ لذلك لم يختلف -بفضل الله- الجانب العملي لدى عامة السلفيين -بشتى توجهاتهم- عن المنهج العقدي الذي عرضنا لجانب منه في هذه المقالة، ولم يناقضوا أنفسهم بالادعاء علنًا غير ما يفعلونه ويفتون به ويحثون عليه، وقد كان السلفيون -بفضل الله وحده عليهم وبعصمته لمنهجهم- أحرص الناس على الاجتماع ونبذ التفرق، وأكثرهم تمسكًا بحماية الأوطان والبلاد والعباد، وإيثار المصلحة العامة الحقيقية -على ضوء الشريعة- على كل مصلحة أخرى تتدخل فيها الأهواء، وصحيح أنهم لم يروا للأنظمة المدنية العالمانية ولاية شرعية -نسبة إلى الشرع- إلا أن ذلك لم يمنعهم من قبول الحق منهم إن قالوه أو فعلوه، كذا التعاون معهم عليه من غير مداهنة ولا نفاق.”
أي باحث منصف في شئون الصحوة الإسلامية المباركة يقر بدور المنهج السلفي والسلفيين قديمًا وحديثًا في تقليص دائرة العنف، والعنف المضاد
لم يقف السلفيون –وسائر المسلمين- يومًا في وجه السلطات الأمنية مصطدمين بهم -وإن ضيقت عليهم السلطات نفسها-، ولم يشتبكوا معهم أو يناوشوهم إذ يرونهم محل دعوة كغيرهم من المسلمين، ولم يتحدوهم ليعلنوا حالة من الفوضى المتعمدة، ولم يلقوا عليهم يومًا قنابل المولوتوف ولا أدموهم بالحجارة، ولا واجهوهم بالأسلحة البيضاء والعصي وقضبان الحديد، ولم ير السلفيون في ذلك “حربًا مقدسة” يستنفر لها الناس ويُحشد لها راغبو “الشهادة”.
لم يتجمع السلفيون يومًا بالآلاف؛ ليحاصروا مبنى المحافظة، أو يحاولوا اقتحام أسوارها عنوة، ولا تحطيم المباني والممتلكات العامة، والمنشآت الحكومية واحتجاز من فيها كرهائن ليفرضوا رأيهم بالقوة أو ينالوا ميزة بالإرهاب أو يفرضوا أمرًا واقعًا رغم أنف الجميع .
لم يتعاون السلفيون مع أعداء دينهم ووطنهم في الداخل ولا في الخارج، ولا فتحوا معهم قنوات للاتصال والحوار، ولا نسقوا مع أحد أو جهة ما بالمهجر ولا غيره من أجل الضغط على حكوماتهم أو بلدانهم، ولا لأجل كسب ورقة جديدة في مفاوضات من أجل مصلحة طائفية على حساب البلاد.
لم يروع السلفيون الآمنين من السكان في بيوتهم، ولم يتسببوا في الذعر للمارة في الطريق، ولا للطلبة والطالبات في مدارسهم، ولا تدربوا وسطهم على حرب الشوارع وكر العصابات وتطويق الهيئات واختطاف الرهائن.
ذلك كله وغيره ذلك كثير لم يفعله السلفيون؛ ليس ضعفًا منهم أو غفلة عن هذه الأساليب الرخيصة، ولكن لقوة لديهم يستمدونها من الشرع، وليقظة لديهم تدلهم على عدم مشروعية كل هذه الأعمال التخريبية وخطرها على أوطانهم ودعوتهم وأهليهم -عامة الشعب المسالم- وعلى البلاد ككل.
وأي باحث منصف في شئون الصحوة الإسلامية المباركة يقر بدور المنهج السلفي والسلفيين قديمًا وحديثًا في تقليص دائرة العنف، والعنف المضاد بين الحكومة والجماعات الإسلامية التي كانت وقتها صدامية –وذلك قبل المراجعات- عن طريق نشر المنهج السلفي وضوابط التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الشباب الملتزم وتوجيه طاقاتهم وترشيدها نحو البناء لا الهدم، والتواصل لا التصادم .
السلفية هي الإسلام بنقاء:
وبقي أن نذكر أمرًا مهمًا، وهو أن ما ذكرناه من قضايا منهجية وكيف طبقها السلفيون ليست وصفًا لمنهج منفصل عن الإسلام، بل هو الإسلام ذاته، وليس نتاج خبرات أو آراء فكرية بشرية بل هو المنهج الرباني الذي ورثناه عن الصحابة، والذي اصطلحنا على تسميته بالسلفية، ولا نتعصب للاسم ولا نحتكره فكل من رأى صحة ذلك المنهج واتبع قواعده الشرعية فهو عندنا “سلفي” المنهج، سليم العقيدة، صائب الرأي ولو لم يتسم بهذا الاسم؛ إذ الولاء على الإسلام ذاته، وليس تعصبًا لاسم.
إن أردت لذلك بيانا فلتعلم أن عمدتهم في قضية الإيمان مثلا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) (رواه مسلم)، وفي إيكال الناس إلى ربهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ) (متفق عليه)، وفي عدم تكفيرهم بذنب –إلا المستحل- قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48) وأما في الشركيات فلا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع –كالصغر والجنون والإكراه والخطأ والنسيان والجهل والتأويل- وليس منها الاستحلال، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي مخاطبة الناس بالحسنى قوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125).
وفي النهي عن إشاعة الفتن والترويج لها والحث عليها ما قدمنا به المقال قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وفي أخوة عامة المسلمين قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وغير ذلك مما تجده مبثوثًا منتشرًا مبذولاً في كتب السلفيين ومجالسهم ومصادرهم ومواردهم، منصوصا عليه في الكتاب، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، ولكن قلَّ المنصف!!
وكذلك حب السلفيين لأوطانهم وعملهم من أجله إنما هو نابع من دينهم وعقيدتهم؛ فخالفوا بذلك أهل الدعوة إلى القومية والوطنية والتحزبات الطائفية الإقليمية، وغير ذلك من الدعاوى الفارغة التي زرعها فينا الاحتلال بحدود سياسية مصطنعة حتى أصبحت هذه الحدود المستحدثة كالخلايا السرطانية في جسد الأمة الجريح تقطع أوصالها وتبتر أرجائها.
فأرضنا هي أرض الإسلام كله، وتبلغ حيث بلغ الأذان، وارتفعت كلمة القرآن، حبنا لأوطاننا ليس تشدقا وحبا للظهور وتكسبا وتجارة باسم الوطن، بل محبةَ أن يظهر الخير فيها وعليها، وليس تشبهًا بعصبية أهل الجاهلية لأرضهم؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في دعوى الجاهلية: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه)، وحبنا لأوطاننا فطرة جعلها الله في قلب كل من شب فوق أرض ما واستظل بسمائها.
فضلاً عن كون مصرنا الغالية الآن هي قلب الإسلام النابض، وكنانته التي يرمي بأسهمها عدوه، وبيضته التي يتقي بها شرورهم.
وهكذا وبالرغم من كل ما سبق بيانه وثبت منهجيًا، وثبت كذلك واقعيًا؛ كانت دائمًا السلفية -والسلفيون بالتبع- في مرمى القذف بالباطل، وفي دائرة الاتهام، وقد لاقى السلفيون ذلك بلا ذنب جنوه ولا مخالفة ارتكبوها، تتناوشهم الأيدي مرة وهم ثابتون، ويؤخذون بجريرة غيرهم وهم صابرون محتسبون، ويرميهم العالمانيون، والكُتَّاب المأجورون، والمتآمرون، والإعلاميون -السطحيون منهم، وغير المنصفين، وحتى الدراميون إذا فاقوا من سكرهم وشهواتهم- يرمونهم بالبعد عن صحيح الدين ووسطيته -وليتنا نتعلم منهم أين وسطيته تحديدًا-، بل يستعْدون عليهم غيرهم، ويشوهون لدى الناس دعوتهم، ويغرقونهم بالجرح والاستهزاء واللمز، ويتهمونهم بسرقة المجتمع، والتخلف والجمود الفكري، والتسويق لثقافة البداوة والانعزال والتطرف والإرهاب، والأعجب من ذلك بإثارة الفتن والخطر على الأوطان! وفي الوقت نفسه يوالون أهل “الحرب المقدسة” ويسارعون فيهم!
والآن أخبرني أيها القارئ: هل يحتاج الأمر إلى عناء كبير للتمييز بين من يحرص على مصلحة البلاد وأمنها، وبين من يريد إشعال نيران الفتن فيها؟!
وهل من الصعوبة بمكان معرفة من يوافق قوله عمله ممن يخرج علينا دومًا بشعارات جوفاء عن المحبة والتسامح؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/shobhat/7362.html#ixzz2vYRstzma

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق