مصطلحات شرعية: دار الإسلام ودار الكفر
إن من سنن الله الكونية والشرعية الجارية على خلقه انقسام الخليقة إلى مؤمنين وكفار؛ وهذه البديهة لا تحتاج إلى إقامة الأدلة؛ لأن الوقوع أشد ظهورا من استنطاق أي دليل.
وقد تبع ذلك الانقسام إلى وجود تباين في كثير من أحوال المؤمنين والكفار في أمور الدنيا فضلاً عن أمور الآخرة التي يترتب عليها الجزاء.
وإن من أظهر ذلك التباين استقلال المسلمين بدورهم وكثرتهم وتجمعهم فيها، وذلك لتمكنهم من خلالها إظهار شعائر الإسلام؛ وإقامة الدين والتعاون على البر والتقوى.
وذلك ما لا يمكن إحداثه في ديار الكفر التي يغلب عليها ظهور شرائع الكفر والنهي عن بالمعروف أو الأمر به أو انعدامه؛ وتفشي المنكر والدعوة إليه وظهوره.
ومع هذا التباين قسم علماء المسلمين الدور التي يقطنها المسلم بحسب ذلك الاعتبار إلى قسمين اتفاقاً:
دار إسلام: وهي التي يغلب عليها ظهور شرائع الإسلام؛ ويحكم فيها المسلمون بحكم الإسلام وتعاليمه؛ وإن كان غالب سكان تلك البلاد غير مسلمين.
دار كفر: وهي الدار التي لا يحكم فيها المسلمون ولا يظهر فيها تطبيق لتعاليم الإسلام أو أن يكون المسلمون فيها أقلية غير حاكمة.
ووصف الإسلام والكفر أوصاف عارضة كما هو معلوم بالاضطرار؛ ولذلك فلا توجد أوصاف لازمة لذات الدور إلا ما ورد فيما يستثنى من ذلك كما في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (27/ 45):
فَإِنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ ” دَارَ كُفْرٍ ” أَوْ ” دَارَ إسْلَامٍ أَوْ إيمَانٍ ” أَوْ ” دَارَ سِلْمٍ ” أَوْ ” حَرْبٍ ” أَوْ ” دَارَ طَاعَةٍ ” أَوْ مَعْصِيَةٍ ” أَوْ ” دَارَ الْمُؤْمِنِينَ ” أَوْ ” الْفَاسِقِينَ ” أَوْصَافٌ عَارِضَةٌ ؛ لَا لَازِمَةٌ . فَقَدْ تَنْتَقِلُ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ كَمَا يَنْتَقِلُ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ . وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الدَّائِمَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ فَفِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وقال رحمه الله أيضاً: (27/ 53) وَكَوْنُ الْبُقْعَةِ ثَغْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ ثَغْرٍ هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا لا اللازِمَةِ لَهَا ؛ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا دَارَ إسْلَامٍ أَوْ دَارَ كُفْرٍ أَوْ دَارَ حَرْبٍ أَوْ دَارَ سِلْمٍ أَوْ دَارَ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ أَوْ دَارَ جَهْلٍ وَنِفَاقٍ . فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُكَّانِهَا وَصِفَاتِهِمْ؛ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ مَزِيَّتَهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهَا ؛ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا عَنْ ذَلِكَ .
وهذا الاختلاف في الدور نتج عنه اختلاف في بعض الأحكام الشرعية عند أهل العلم.
إلا أن ثمة أحكاماً متسقة ثابتة في جميع ذلك يحسن الإشارة إليها؛ أستخلصها مما سطره بعض الباحثين ومزيداً عليها:
فمن ذلك:
•أن جميع شرائع الإسلام في الأصل لازمة للمكلف، لا فرق بين الدارين في عموم ذلك؛ إلا ما سقط عن عجز.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (7/ 354): وَلَا فَرْقَ بين دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ على خَلْقِهِ من الْحُدُودِ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يقول { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَسَنَّ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على الزَّانِي الثَّيِّبِ الرَّجْمَ وَحَدَّ اللَّهُ الْقَاذِفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لم يَسْتَثْنِ من كان في بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَا في بِلَادِ الْكُفْرِ ولم يَضَعْ عن أَهْلِهِ شيئا من فَرَائِضِهِ ولم يُبِحْ لهم شيئا مِمَّا حَرَّمَ عليهم بِبِلَادِ الْكُفْرِ ما هو إلَّا ما قُلْنَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وهو مِمَّا يَعْقِلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عليه أَنَّ الْحَلَالَ في دَارِ الْإِسْلَامِ حَلَالٌ في بِلَادِ الْكُفْرِ وَالْحَرَامَ في بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَرَامٌ في بِلَادِ الْكُفْرِ فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ على ما شَاءَ منه وَلَا تَضَعُ عنه بِلَادُ الْكُفْرِ شيئا أو أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْحُدُودَ بِالْأَمْصَارِ وَإِلَى عُمَّالِ الْأَمْصَارِ فَمَنْ أَصَابَ حَدًّا بِبَادِيَةٍ من بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَالْحَدُّ سَاقِطٌ عنه وَهَذَا مِمَّا لم أَعْلَمْ مُسْلِمًا يَقُولُهُ وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا في الْمِصْرِ وَلَا والى لِلْمِصْرِ يوم يُصِيبُ الْحَدَّ كان لِلْوَالِي الذي يَلِي بعد ما أَصَابَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ.
•كل ما كان من الشرائع من باب الأخلاق والفضائل فهو فضيلة في الدارين؛ وما كان رزيلة فهو كذلك.
فالصدق والأمانة والوفاء؛ وبضدها الكذب والخيانة والغدر حكمها في الدارين سواء، يؤكد ذلك ما رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ».
وليس هذا بمعارض بالإذن بأخذ حق من له الحق عند مغتصبه؛ على خلاف في المسألة بين أهل العلم فيها؛ وهي المعروفة بمسألة الظفر.
قال ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخارى (6/ 585):
وليس قوله عليه السلام : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) بمخالف لهذا المعنى ؛ لأن من أخذ حقه فلا يسمى خائنًا. وقوله : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ) معناه الخصوص ، فكأنه قال : أد الأمانة إلى من ائتمنك إذا لم يكن غاصبًا لمالك ولا جاحدًا له ، وأما من غصبك حقك و جحدك فليس يدخل فيمن أمر بأداء الأمانة إليه ؛ لقوله تعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( ولدلالة حديث هند ، وهذا التأويل ينفى التضاد عن الآثار ودليل القرآن.
•جميع ما لا يفتقر إلى قضاء القاضي من الأحكام فهو لازم للمكلف في دار الكفر كلزومه في دار الإسلام.
وبيانه أن مثل أداء الصلاة والصوم والزكاة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإجراء أنواع العقود من نكاح وبيع وشراء كل ذلك لازم للمسلم في الدارين.
وأيضاً ترك المحرمات كالظلم والعدوان والقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من لزوم ترك الفواحش بأنواعها لازم للمسلم؛ حيث لا يتطلب قضاء القاضي؛ فملزم بتجنبها في الدارين.
•العقود المحرمة كالربا لا أثر لاختلاف الدارين في حرمتها؛ فكما أن الربا وغيره من العقود المحرمة محرمة في دار الإسلام فكذلك هي محرمة في دار الكفر؛ وهو قول جمهور فقهاء الإسلام.
قال الماوردي رحمه الله في الحاوي الكبير (5/ 137):
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَرَامٌ كَتَحْرِيمِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، عُمُومُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
ثُمَّ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالْعِبْرَةِ : أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الشِّرْكِ ، كَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي : وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ حُرِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ ، حُرِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ كَدَارِ الْإِسْلَامِ : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَوَجَبَ أَلَّا يُسْتَبَاحَ بِهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ.
هذا ما تيسر إيراده وبيانه؛ وهو منطوق ما يرد على من لا يرى محرما في ديار الكفر؛ محتجاً بأن الكفر مُحل له بالإتيان بكل معصية؛ وذلك ما لا يستقيم مع النصوص الشرعية.
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/13890.html#ixzz2ve1yAhj5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق